أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - حارق المصحف لا يستحق سوى الازدراء














المزيد.....

حارق المصحف لا يستحق سوى الازدراء


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7691 - 2023 / 8 / 2 - 10:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



رجلٌ لم يبلغ بعد الأربعين من العمر، تشير سيرته الذاتية إلى رغبة قصوى في إثارة الاهتمام بشخصيته التافهة. يقول عن نفسه إنه «أسّس وترأسّ حزب الاتحاد السرياني بين أعوام 2014 -2018» وتقول المعلومات التي رصدتها عنه البي بي سي أنه «انضمّ، بعد اجتياح تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية، محافظة نينوى ومدناً عراقية أخرى عام 2014، إلى فصيل مسلح «مسيحي التشكيل» يُعرف باسم بابليون، قبل أن ينشق عنه، ويشكل «كتائب روح الله عيسى بن مريم» المنضوية تحت أحد  فصائل الحشد الشعبي». كما تنقل الإذاعة البريطانية عن رجل سرياني عرفه في العراق قوله: «عندما كان يقدم نفسه كمدافع عن المسيحيين أيام فترة نزوحنا إلى إقليم كردستان، تسبب في كثير من المشاكل للأسر النازحة وقتها من قبيل الكلام نيابة عنهم ومهاجمة المسؤولين».
إنها ملامح تكفي للاستدلال على أنه رجلٌ وخيم، مريض نفسياً، مهووس بجلب الانتباه إلى نفسه ومستعد لارتكاب أبشع الأفعال في هذا السبيل، حتى لو تسبب الأمر في تعريض حياته للخطر. إنها عقدة أطلق عليها علم النفس اسم «عقدة هيروستراتوس» تبعاً للرجل الإغريقي الذي دخل التاريخ في القرن الرابع ق. م. بارتكابه اعتداءً على تحفة من تحف عصره ومقدسّاته، وذلك بحرقه معبد مخصّص للإلهة الإغريقية آرتميس في مدينة إفسوس (أو أفسس، تقع في ما هو اليوم محافظة إزمير التركية) وهو معبدٌ كان الإغريق يعدّونه من عجائب الدنيا السبع. وقد تباهى هيروستراتوس بفعله، شارحاً أنه ارتكبه سعياً وراء الشهرة وخلود الذكر.
ومن طرائف الأمور أن سلطات المدينة لم تكتف بإعدامه، بل حاولت إبطال مفعول جرمه في تلبية قصده، فحرّمت ذكر اسمه. بيد أن قرارها فشل فشلاً محتوماً، وقد بات اسم هيروستراتوس شهيراً، وإن كان سيئ الصيت، يُلقى على أفعال حمقاء تدفع إليها نرجسية الذات المريضة المتّخمة، إلى حد أنه بات اسماً يُطلق على مرَض من الأمراض النفسية. وقد بنى جان بول سارتر إحدى قصصه القصيرة على وصف رجل مصاب بالعقدة المذكورة، وهي قصة اختار اسم هيروستراتوس عنواناً لها. يصف الفيلسوف الفرنسي رجلاً مريضاً نفسياً، معقّداً جنسياً وفاشلاً، ينتهي به الأمر إلى إطلاق الرصاص على أحد المارة بعد أن أرسل برسالة إلى بعض المشاهير من الأدباء ينبّههم إلى ما سوف يقترف ويبلّغهم بأنهم سوف يقرأون عنه في الصحف.
إن حارق المصحف في السويد من طينة أكثر حقارة بعد من طينة الرجل الذي وصفه سارتر، ناهيك من هيروستراتوس الإغريقي. فهذا الأخير وصل به الجنون إلى التضحية بحياته سعياً وراء شهرة كسبها بفعل بشع لم يصب أحد منه بأذى جسدي، بينما استعدّ رجل سارتر المعقّد إلى كسب الشهرة بالقتل وقد خطّط للهروب بعد فعله، لكنه أخطأ السبيل، ثم أراد الانتحار بمسدّسه تفادياً للاعتقال، لكنّه لم يجرؤ على إطلاق رصاصة في رأسه. أما حارق المصحف في السويد، فهو يحتمي وراء دولة تصون حرّية الرأي والتعبير إلى حدّ السماح بالاستفزاز الحاقد لقسم كبير من البشر، وهو مفهوم غير أخلاقي للحرّية إذ يحمي الاعتداء على الآخرين. ذلك أن حرق المصحف ليس تعبيراً عن «رأي» بل هو اعتداء سافر على عقائد الآخرين ومقدسّاتهم، وبالتالي اعتداء على حرية المعتقد لديهم.
وقد نجح الحارق في لفت الأنظار إلى شخصيته المريضة التافهة، إذ يشير محرّك البحث غوغل إلى ورود اسمه بالأحرف العربية على ما يزيد عن أربعة ملايين من صفحات الإنترنت، يضاف إليها ما يناهز المليونين بالأحرف اللاتينية. والحقيقة أن ذلك الرجل المريض لا يستحق سوى الازدراء، فإن العاصفة التي أثارها فعله المجنون هي مبغاه بالضبط، وكان حرياً بالعقلاء السخرية من غبائه. فإن المصحف والإسلام رأيا عبر التاريخ أخطر من ذلك الفعل التافه بما لا يُقاس، وهما أعظم بكثير من أن يؤثر بهما رجلٌ مصاب بعقدة هيروستراتوس، قضيته أجدر بالمصحّات العقلية منها بوسائل الإعلام أو بالخطب السياسية.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الحرب الأهلية الباردة الدائرة في إسرائيل
- في إخفاق المشروع الفرعوني في مصر
- لماذا تخشى إسرائيل انهيار «السلطة الفلسطينية»؟
- القلق الغربي من انهيار الدولة الروسية
- بطولة جنين والخيانة العربية
- ميلوني وسعيّد بعد برلسكوني والقذّافي
- في الجدل حول مبعوث الأمم المتحدة في السودان
- اردوغان بطل الذين لا بطل لهم
- السوريون في تركيا بين نارين
- فظائع السودان والدرس التاريخي
- ماذا وراء الإغارة الأردنية داخل الأراضي السورية؟
- هنيئاً لهم بتصالحهم مع بشّار الأسد!
- حلمٌ سوداني
- المغزى من اقتتال العسكر في السودان
- تخبّط قيس سعيّد الاقتصادي وتبعاته
- الثورة السودانية أمام منعطف جديد
- قوة ديمقراطيتهم وضعف ديمقراطيتنا
- أمريكا والصين: «فرِّق تَسُد» أم «وفِّق تَسُد»؟
- أحلام فارقتنا وأحلام لن تفارقنا
- من دروس المحنة التونسية


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - حارق المصحف لا يستحق سوى الازدراء