|
وجه لا يشبه صاحبه!
نور فهمي
كاتبة
(Noor Fahmy)
الحوار المتمدن-العدد: 7690 - 2023 / 8 / 1 - 17:26
المحور:
الادب والفن
تخيل لو أن حياة الفنان؛ بعشوائيتها وإرباكاتها تصبح ممتدة أثناء التصوير وأيضا، بعده؟! تخيل الممثل، بتحولاته النفسية والجسدية من كيان لكيان، ومن حياة لحياة أخرى متناقضة تماما مع سابقتها؛ "أفراحه، أحزانه، زيجاته، انفصالاته، شروره، قيمه العايا وأخلاقياته " تتجسد فجأة على أرض الواقع ..لا فقط شاشات العرض!! قام الفنان العظيم نور الشريف بتجسيد هذه الحالة فى فيلم(لا شئ يهم) لعب دور (..) شاب يعشق مهنة التمثيل. يقع فى حب فتاة ويتفق معها على الهروب بسبب رفض والدها ارتباطهما! ثم نفاجأ كمشاهدين؛ أن كل ذلك لم يكن سوى محض خيال، لا علاقة له بواقع الشخصية، وأن هذه الفتاة هى زميلته فى التمثيل، ووالدها متوفى!! لكنه لا يريد أن يتزوجها إلا بافتعال مشاكل وظروف صعبة فينتشى اثرها بمعجزة تحقيق المستحيل "المتوهم"، مستمتعا بلحظات الترقب والخطر! تأسف على حالها قائلة: "بحاول ارضيه واعيش فى خياله..بمثل معاه..يلبسنى برنيطة..عقال..ملاية..بقبل أى حاجة عشان بحبه.." فهو يريد أن يخوض أكثر من تجربة وأكثر من حالة، لا يريد الاستسلام لفكرة نمطية أو حياة مملة روتينية، ولكنه يرضخ أخيرا فيتزوجها، وبعد أن يقضيا معا ليلتهما الأولى، يتركها ليبيت فى منزل أهله وكأن شيئا لم يكن! وذلك فقط لإثبات أنه لازال حرا! ثم يندب حظه متساءلا بتهكم : "هو احنا اتجوزنا؟! يعنى عملنا زى كل الناس ما بيعملوا ؟! يعنى أنا دلوقتى اسمى زوج.. بعل ..وانتى بقى اسمك الجماعة؟! مرات البعل؟!" لحظات من الصمت، ثم تتحول فجأة نبرة صوته لتصبح نبرة رجل همجى، يمارس ساديته ووحشيته أثناء تمهيده للعلاقة الجنسية معها، ترتعب منه وتبكى، فلا يتوقف عن اندماجه فى الدور ! يريد أن يتعامل مع زوجته بشخصيات مختلفة حتى أثناء العلاقة الجنسية، اعتقادا منه ان ذلك سيجعل حبهما دائما متوهجا، مليئا بالشغف، ومتعة المغامرة. تخبره بحملها بعد فترة، فيترك المنزل ويرحل! وكأنه لم يتزوج ولم تكن له حبيبة قط!!
ستشعر وأنت تشاهد هذا الفيلم أن هذه الشخصية غير متزنة، متطرفة أو مجنونة!! إلا أننا نشبهها بشأن "ازدواجيتها" فى الكثير من المواقف الحياتية فعلى سبيل المثال؛ نربى الطفل على أهمية الدراسة والتفوق، وأن مشاهدة الأفلام لعب ولهو، لا فائدة ترجى منها وفى ذات الوقت؛ نمتدح ونصفق لطفل موهوب يطل خلف شاشات السينما ويصبح نجما صغيرا! نلعن الفنانين والفنانات نهارا وليلا على امتهانهم التمثيل، ونسب ونلعن فى مستوى أخلاقهم المتدنى!! وفى المقابل؛ لا نتوقف عن مشاهدة التلفاز وارتياد السينمات، بل واستوقافهم لأخذ صور تذكارية معهم، والتفاخر بين الناس بمعرفتهم!! يحضنا الأهل على ضرورة الزواج والإنجاب مبكرا وفى الوقت نفسه هم أكثر الناس شكوى من الزواج والإنجاب، بل وأكثرهم معاناة!! وكما قال ليو تولستوى: "أنها العائلة؛ إما تصنع إنسانا أو كومة عقد" نحن نمارس ازدواجيتنا بامتياز؛ نتعلم منذ الصغر وبشكل احترافى كيفية تحقيق" عكس" ما نتمنى تماما!! وفى النهاية تجدنا؛ نتنبنى المبدأ وعكسه!! نقاوم رغباتنا الحقيقية الأصيلة، كى نبدو بمظهر جذاب أمام الآخرين، ونلقى القبول الذى نشتهيه، فبدلا عن محاولة الوصول لهدف نبتغيه، نسبه ونلعنه، كى نستر على تحرقنا الشديد ورغبتنا المسعورة فى امتلاكه! كمن ينتقم من فتاة أحبها، بعد طول رفض وانتظار، نخطو كل خطوة فى طريق أحلام الآخرين! فى الاتجاه المعاكس تماما لاحلامنا.. نتجه شطر الاهداف بناء على رغبة" الجماهير" لا شغفنا الخاص والأوحد!! لا لأجل إرضاءهم كما نزعم، بل لأجل إرضاء صورتنا الذاتية فى أعينهم! لأجل نواقصنا التى لن تكتمل إلا بتصفيق الآخر ومدحه واشاداته!! لا نتحمل فى المقابل الرفض أو النقد، لأجل تحقيق ما يسعد حقا ذواتنا، يشبعها، يغنيها، فيقيها شر التكرار والانسحاق!! نادر من يتحمل الهزيمة عدة مرات، كى ينجو بنفسه وينتصر فى النهاية! نادرا جدا؛ ان تجد من يقاوم إغراءات الحياة المريحة، السهلة، لأجل الوصول لهدف مشبع نفسيا قبل أن يكون جسديا ماديا، ولا اقصد بالحياة المريحة هنا (رفاهية العيش أو الثراء المادى )؛ بل تسطيح الفكر والحياة دائما فى قالب واحد ثابت لا يتغير، يرضى المجتمع على حساب الفرد وخصوصيته!! وكما قال احسان عبد القدوس فى احدى قصصه: "اليد التى تصفق ..تستطيع أن تصفع ..فاحذريها! من يمدحك اليوم قد يلعنك غدا بسبب رأى أو موقف، لا يتمشاى مع رغباته ومصالحه، أو حتى هواه الدينى "المزيف" !! الأسهل دائما؛ هو الركون لأفكار ومبادئ معلبة ومحفوظة فى ثلاجات الموتى منذ قديم الازل! الأسهل هو استلقاءك على الفراش مستمتعا بموسيقاك المفضلة. الاستسلام بتكاسل، لازدواجية يعيشها أغلبنا، فتصبح طوعا واختيارا خيط من نسيجها! ولكن تذكر؛ اذا كان هذا قرارك فى النهاية، فستظل دائما وأبدا جزءا من "أثاث بيتك" ينقله صاحبه من موضع لآخر على حسب هواه!! ستظل مرتاحا محمولا آمنا، ولكنك فى النهاية؛ مجرد "شئ"!
#نور_فهمي (هاشتاغ)
Noor_Fahmy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاهينية الهوى
-
(منتهى اللذة..منتهى الألم) مقال
-
آيات سينمائية..تلاوة امرأة
-
حرية موقوتة (نص نثرى)
-
انتحار عارية (قصة قصيرة)
-
سمعة الكترونية (قصة قصيرة)
المزيد.....
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
-
NOOR PLAY .. المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقه 171 مترجمة HD
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
حالا استقبل تردد قناة روتانا سينما Rotana Cinema الجديد 2024
...
-
ممثل أميركي يرفض كوب -ستاربكس- على المسرح ويدعو إلى المقاطعة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|