كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن-العدد: 7667 - 2023 / 7 / 9 - 00:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقولون: لا ظل لمن يقف في الظل. لكن الكائن الذي سنتكلم عنه هنا، هو الذي إختار بنفسه الوقوف في الظل، ومع ذلك كان ظله يتلون بألوان معتمة شديدة الضبابية والغموض. . يلوذ دائماً بالصمت. يؤثر السكوت على النطق بأي حرف، ومع ذلك أراه يقف في طليعة النماذج الصاخبة داخل المنطقة الخرقاء في زمن التفاهة. .
لم يتحدث في يوم من الأيام في أي مجلس، ليست لديه بصمة صوتية مسموعة، ولا لقاء تلفزيوني موثق، ولا كلمة إذاعية مسجلة، ولم يبادر بأية ردة فعل، ولم يدل بأي رأي، ولم يتقدم بأي مقترح، وليس له حساب في مواقع التواصل. ولم يكتب مقالة أو تعليقاً. لا يتكلم حتى في صلاته. ومع ذلك لا تنعقد مجالس أهل الحل والعقد إلا بحضوره، ولا تكتمل الحلقات النقاشية إلا بجلوسه صامتاً كعادته في صدارة القاعة. وقد يكتفي بإيماءة واحدة برأسه ليشعر الجالسين انه يسمعهم ويتابعهم. .
صام سيدنا زكريا عن الكلام ثلاثة أيام، وامتنع صاحبنا عن الكلام بمحض ارادته منذ سنوات وسنوات. يتعذر ان تعرف ما الذي يدور داخل عقله المغلق بإحكام من الداخل. .
شديد الحذر. متشكك. لا يثق بالعاملين معه. لا يبتسم، ولا يعطس، ولا يسعل، ولا يضحك حتى لو شاهد أشهر المسرحيات الكوميدية الساخرة. لا يقرأ ولا يتابع الأخبار. وليس لديه اصدقاء ولا صديقات. .
شديد الاخلاص لعشيرته وأبناء عمومته. انتعشت في زمنه القرية التي نشأ وترعرع فيها، فتحولت على يده إلى قطعة مستقطعة من القرى السويدية المزدانة بمناظرها وربوعها الخلابة. فاقتصر ولاءه على قبيلته التي تؤيه، وجماعته التي تحميه. .
رجل عديم اللون والطعم والرائحة. وصخرة صماء من صخور العزلة والصمت والسكوت والتحجر والانطوائية والتكهف والوجوم والتجهم. يبدو انه كان يعيش خارج كوكب الأرض، في مجرة تبعد عن العراق عشرات السنوات الضوئية. لا ندري حتى الآن ما الذي دعاه للعيش معنا. وما الذي دعاه إلى مغادرتنا والعودة إلى فرنسا لينهي مهمته الصامتة في مدينة كان ؟. . وكان ياما كان. لم يعد هناك شيء كما كان. .
#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟