|
العبودية وصناعة الأمراض النفسية في المجتمع الرأسمالي
فراس الجندي
الحوار المتمدن-العدد: 7665 - 2023 / 7 / 7 - 01:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد تحدث عالم النفس إريك فروم في معظم أعماله وأبحاثه عن التأثيرات النفسية التي يُحدثها اقتصاد السوق في الإنسان، هذه الأبحاث آثارت الاهتمام في ذلك الوقت لأنها تقوم على مقدمة منطقية تتعلق بأن المجتمع إذ يكون له تأثير سلبي وإيجابي في أفراده، وقد درس إيريك فروم بدقة الأحوال المرضية للمجتمع الحديث، وبالتالي يُعتبر منهج إيريك فروم ثورة ثالثة بعلم النفس الإنساني. إن المختص الذي يعمل في مجال رعاية الأمراض النفسية يلاحظ ازدياداً مطرداً في انتشار الأمراض النفسية وخاصة الاكتئاب والفصام في المجتمعات الرأسمالية، ومن خلال عملي في هذا المجال لاحظت كما لاحظ الآخرون هذا الازدياد بانتشار الأمراض النفسية. فعندما يعلن المختصون بالطب النفسي وعلم النفس أن الاكتئاب أصبح مرض العصر، وأن الفصام ينتشر كالنار في الهشيم فهذا يدلل على أن هذه الأمراض ليست إلا انعكاس للبيئة الاجتماعية التي يعيش بها الفرد. والأرقام والإحصاءات صادرة عن تلك البلدان تؤكد هذه الحقيقية على سبيل المثال بلد كالسويد الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 10 ملايين نسمة ففي عام 2022 قد راجع مليون شخص العيادات النفسية بسبب الأمراض النفسية وأكثر هذه الأمراض هي الاكتئاب والذهان. وفي الولايات المتحدة هناك أكثر 85 مليون مدمن على المخدرات وأكثر من 14 مليون مصاب بالاكتئاب والذهان بسبب تناول المخدرات. وفي اليابان تزداد نسبة الأمراض النفسية والانتحار وكذلك الدنمارك وفنلندا وغيرها من الدول الرأسمالية. هذه المجتمعات التي تروج عبر وسائل إعلامها وتقدم نفسها على إنها مجتمعات الرفاهية وحقوق الإنسان، إلا أن الأمراض النفسية تزداد عام بعد عام، وعلى الرغم من التقدم في التشخيص بسبب امتلاك التكنولوجيا الطبية المتقدمة إلا أنه لا يوجد تقدم في العلاج بسبب افتقاد البيئة الاجتماعية التي تساعد على شفاء المريض وهنا يكمن جوهر المشكلة. أولا: السلوك العبودي. إن السلوك العبودي في المجتمعات الرأسمالية، يختلف عنه في المجتمعات العربية ذات الصبغة الدينية، والتي يكون سلوك الفرد فيها عبودياً اتجاه السلطة الدينية، والسلطة السياسية، وسلطة الأعراف، والتقاليد. ففي المجتمعات الرأسمالية يعيش الفرد عبداً للسلطة الإنتاج بعد خروجه من الجماعة التي كان ينتمي قبل سيطرة الرأسمالية على السلطة. فأصبح الفرد مضطراً للعيش وملاءمة نفسه على العيش وحده، فالإنسان أصبح حراً في عمله وحراً في توظيف رأس المال، هذا الإنسان الذي استطاع جزيئا السيطرة على الطبيعة، ويخترع ويبتكر الآلة التي أصبح فيما بعد عبدا للآلة الاقتصادية التي صنعها ضمن سيرورته، أصبح خاضعا لسيطرة المنتجات الاقتصادية التي صنعها بالآلة التي اخترعها والتي يعمل عليها، وبالتالي أصبح الإنكار الآلية الدفاعية النفسية التي يستخدمها الإنسان في الغرب يبرر اغترابه وعبوديته للهروب من الواقع المضجر الذي يعيش فيه. لقد درس الكثير من علماء النفس واقع المجتمع الرأسمالي ومدى تأثيره على الصحة النفسية للأفراد. على سبيل المثال سيغموند فرويد عالج موضوع الأزمات التي يخلقها النظام الرأسمالي والتي تجعل الفرد يدخل في نفق الأمراض النفسية ويشعر بالاغتراب حيث يقول: "إن كل فرد هو بالقوة وبالعرض عدو للحضارة التي هي بالأساس لصالح البشرية قاطبة بوجه عام، وإنه مما يبعث على الاستغراب أن بني الإنسان الذين لا يحسنون الحياة في عزلة وعلى انفراد يشعرون مع ذلك بوطأة اضطهاد ثقيلة بحكم التضحيات التي تنتظرها منهم الحضارة حتى تجعل حياتهم المشتركة ممكنة". ". بهذه العبارة يحدد فرويد أحد جوانب اغتراب الإنسان النفسي من خلال التناقض التاريخي الذي يعانيه بين الواجب المفروض عليه من الحضارة التي تحميه، وبين الرغبة بالتمرد عليها لتحقيق دوافعه الأصلية المقموعة. فهناك تباهي بالحضارة تضاده كره ونفور لاشعوري منها لما تمثله من قوة ضغط وإجبار قسري مهولة. وقد حكم فرويد على المجتمع الرأسمالي بأنه مجتمع مصاب بالقلق والعصاب بسبب ابتعاد الفرد عن وسطه الاجتماعي. وقد تناول ماركس مفهوم الاغتراب في أكثر من موضع: “مخطوطات باريس” والعائلة المقدسة “الأيدولوجيا الألمانية" والجدير بالذكر فإن ماركس لم يكن أول من تحدث عن الاغتراب انطلاقا من اغتراب العامل عن عمله، فقد أشار كل من جون ستيورات مل وتوكفيل إلى أن استمرار الرأسمالية في نزعتها الاستلابية سوف يؤدي في مرحلة ما إلى تنامي الشعور لدى العمال بمدى الظلم الاجتماعي الواقع على كاهلهم. ولكنهم لم يطورا من المفهوم أكثر من الإشارة إلى وجوده وأثره السلبي في النظام الرأسمالي. ولكن كارل ماركس ينطلق من أن الدوافع التي تشكل الإنسان المعاصر هي نتاج وانعكاس لطبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي، وبما أن هذا النمط هو حادث في التاريخ، فإن الدوافع في معظمها هي حادثة أيضا في التاريخ ومرتبطة شرطيا بالصورة التي تتشكل بها الرأسمالية وتطبع خصائص الإنسان الثانوية، فالرغبة في تأمين البقاء على قيد الحياة هو أحد الشروط الرئيسة لوجود الإنسان، ولكن الدافع للتملك ليس شرطا أساسيا له ولا خاصية من خصائص وجوده، بل اقترن حب التملك بظهور الملكية الخاصة. وبذات السياق نجد عالم النفس كارل غوستاف يونع في كتابه الإنسان من أجل ذاته يتحدث عن الاغتراب الفرد في المجتمع الرأسمالي ويقول إن الفردية والابتعاد عن القيم الروحية والثقافية ستجعل الفرد فريسة للأمراض النفسية. بينما يري إريك فروم أن الاغتراب ينشأ من خلال تطور البرجوازية يقول:” إن تطور المدنية البرجوازية يرافقه نشوء عدد من التناقضات، فحين يوسع الإنسان حريته يقع تحت عبئها، وبابتعاده عن الدين وتقديس الآلهة يكون قد خلق لنفسه أقانيم جديدة، وبتجاوزه لبعض أشكال الاغتراب يصبح الإنسان أكثر اغترابًا، سواءً أكان عن نتاج عمله، أم عن الآخرين، أم عن نفسه، مما يولد لديه عدم المبالاة والاكتراث بالحياة وحنينًا لأوهام الماضي للاندماج بالطبيعة فاقدًا لفرديته وتفرده ككائن بشر". بالتالي يري فروم إن حرية الإنسان واغترابه هما،قطبان لعملية تاريخية واحدة من تطور المدنية الإنسانية، حيث الناس في المجتمع البرجوازي يتحولون إلى آلات دون أن يستطيعوا اكتساب الروح الفردية الحقيقية، مكتفين بالمحافظة على وهم الوجود الإبداعي المثمر، وبالتالي الفرد في المجتمع الرأسمالي يعيش مغترباً في واقعه ويسلك سلوكاً عبودياً اتجاه الإنتاج والاستهلاك ، فالفرد يستهلك طلباً للمتعة ،ويعتبر الإنتاج هدفاً والاستهلاك هدفاً بحد ذاته، فالفرد في النظام الرأسمالي مسحور بفكرة الشراء واقتناء الأشياء الجديدة بدون معرفة مقدار فائدتها ،وبالتالي يصبح الإنتاج والاستهلاك دينناً جديداً يقدم لها الفرد طقوس العبادة والطاعة والخنوع. وبهذا السلوك يفقد الإنسان مصادر السعادة ويعيش في ضجر ووحدة قاتلة وينكر واقعه ويعيش وهم السعادة، إن انعدام القدرة على الشعور بالسعادة لدى الفرد هي نتاج تأثير النظام الرأسمالي ،لأن الإنسان ليس إلا عبارة عن سلعة قابل للبيع في السوق ، إن السلوك العبودي اتجاه الاستهلاك تجعل الفرد يعيش في عزلة وعجز وضجر وخوف وقلق دائم ،وبالتالي تفقد علاقاته صفتها الإنسانية ، وتصبح علاقاته محكومة بقوانين السوق، وتصبح مشاعره عبارة عن تجريدات لأنه مغترب عن ذاته لا يعرف ماذا يفعل بحياته لأنه يعيش إحباطاً عميقاً بسبب الفراغ .فالفرد في النظام الرأسمال يفقد حتى هويته حيث يصبح أداة بلا ذات يستمد هويته من العمل في إحدى الشركات الكبيرة أو من امتلاكه أفضل وسائل الرفاهية الظاهرة. صناعة الأمراض النفسية:
ولكن لا يكفي التشخيص المرض وحده، بل يجب إيجاد العلاج المناسب للمرض الذي يُصيب الإنسان. يتميز الاضطراب النفسي باختلال سريري جسيم في إدراك الفرد أو ضبطه لمشاعره أو سلوكه، وعادة ما يرتبط بالكرب أو بقصور في مجالات مهمة من الأداء، علماً بأن أنواع الاضطرابات النفسية كثيرة ومختلفة. ويُشار إلى الاضطرابات النفسية أيضاً بحالات الصحة النفسية. هذا المصطلح يشمل الاضطرابات النفسية والإعاقات النفسية والاجتماعية والحالات النفسية (الأخرى) المرتبطة بكرب شديد، أو قصور كبير في الأداء، أو خطر إيذاء النفس. وحسب منظمة الصحة العالمية التي نشرت في تقريرها عن أهم الأمراض النفسية انتشاراً في العالم.، ولكن لعدم وجود إحصاءات دقيقة في العالم العربي نأخذ الإحصاءات التي تشير إلى انتشار هذه الاضطرابات في المجتمعات الصناعية الرأسمالية في عام 2019، كان شخص واحد من كل 8 أشخاص مصاب بمرض او اضطراب نفسي، أي ما يعادل 970 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، مصابين باضطراب نفسي، وكان القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعاً من تلك الاضطرابات (1). أمّا عام 2020، فقد شهد ارتفاعاً كبيراً في عدد من يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب بسبب جائحة كوفيد-19، حيث تبين التقديرات الأولية زيادة في اضطرابات القلق بنسبة 26٪ واضطرابات الاكتئاب الرئيسية بنسبة 28٪ خلال عام واحد فقط (2). اضطراب القلق: أن التقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع، قد ساعد على شيوع الاضطرابات النفسية بين الأفراد، بما أحدثه من تغيرات عميقة في الظروف المعيشية للإنسان، مما أدى إلى زيادة متطلبات حياة الفرد. وتوجد علاقة قوية بين العوامل الثقافية، والحضارية، والاجتماعية، السائدة في أي مجتمع، وظهور الاضطرابات النفسية لدى أفراد هذا المجتمع. وتعتبر أن وتشير (كارين هورني) إلى العوامل الثقافية التي تسبب القلق عند الأفراد المتمثلة في التنافس، الفردية، وعدم المساواة في كل ميادين الحياة. تؤدي إلى اضطراب العلاقات الإنسانية التي بدورها تولد الانعزال الوجداني والفقر العاطفي والشعور بفراغ الحياة وفقدان التوازن النفسي والنضوب العاطفي، فيشعر الفرد بالتهديد والضعف والعجز عن مواجهة الحياة وأخطارها. يثير القلق الأساسي مشاعر العجز والخوف، ولذلك فإن الشخص الذي يشعر بهذا القلق يلجأ إلى طرق يائسة ولاشعورية لإبقائه عند الحد الأدنى، فالمكونات الجوهرية للقلق الأساسي هي: العجز، والعدوان أو العزلة، والحل العصابي للتخلص من العجز يتمثل في الحل الانعزالي الذي يقوم على التجنب الواضح للآخرين، أي التحرك بعيداً عن الناس. وحسب منظمة الصحة العالمية التي أشارت إلى أن القلق أصبح يزداد في الآونة الأخيرة وذكرت أن في عام 2019، كان هناك 301 مليون شخص مصابين باضطراب القلق، منهم 58 مليون طفل ومراهق (1). وتتميز اضطرابات القلق بمشاعر الخوف المفرط والقلق والاضطرابات السلوكية ذات الصلة، وتكون أعراضها وخيمة بما يكفي لتسبب كرباً شديداً أو قصور جسيم في الأداء. وهناك عدة أنواع مختلفة من اضطرابات القلق، من بينها: اضطراب القلق العام (المميز بالقلق المفرط)، واضطراب الهلع (المميز بنوبات الهلع)، واضطراب القلق المجتمعي (المميز بالخوف المفرط والقلق في المواقف الاجتماعية)، واضطراب القلق الانفصالي (المميز بالخوف أو القلق المفرط بشأن الانفصال عن الأفراد الذين تربطهم بالشخص رابطة عاطفية عميقة)، وغيرها من الأنواع. بينما يشير إريك فروم إلى" أن إنسان القرن العشرين قد تشيأ وأصبح "شيئاً". لقد غادر مربع كونه إنساناً ليدخل في مربع كونه شيئاً من الأشياء التي تمتلك وتباع وتشترى، وهذا الإنسان أبرز معاناته تتلخص من القلق، فلا إيمان لديه، ولا قناعة، وقليل القدرة على الحب، يهرب إلى الانشغال الفارغ، إدمان الكحول، الانغماس المتطرف في الجنس، ولذلك تظهر عليه كل الأمراض النفسية الجسدية.".. الاكتئاب: لا أحد يستطيع أن ينكر أن المجتمعات الرأسمالية بدأ الإنسان فيها ينفصل عن نفسه وعن مجتمعه ،ويسعى نحو طرق توفر له السعادة وتؤمن له الرفاهية ،بسبب اغترابه وحالة التشيؤ التي يعيشها ،أنه أصبح سلعة في لغة السوق وهذا ما عبر عنه إريك فروم حين قال: أصبح هناك اضطراب في التفاعل فيما بين العوامل النفسية المؤثرة والوسط الاجتماعي المحيط بالفرد؛ وبمعنى آخر بين بناء الفرد وبناء المجتمع، فالحياة الصناعية تتسارع يوماً بعد يوم، ويتحول فيها الإنسان إلى شيء مما يصيبه بالقلق واللامبالاة بالحياة، وقد يدفعه هذا في بعض الأحيان إلى كره الحياة والتذمر منها. (فروم) وفي ذات السياق يعبر سيغموند فرويد عن حالة الرسام الهولندي فنسنت فان كوخ يقول: ربما كان سيعيش أطول إذا نجح في الحب، ويُرجع معاناته طوال حياته إلى غياب الحب وتعرضه للرفض وفشله في أن يجد رفيق درب يحتمي بصحبته من وحشة الوحدة والاكتئاب. في إحدى رسائله لأخيه ثيو يكتب: "لن أعيش بدون حب"، فنسنت الذي كان يعتقد أن الحياة لا معنى لها بدون الحب لم يجد هذا الحب أبدا. فالاكتئاب بهذا المعنى الذي يصوره فرويد هو اضطراب العصر الحديث وصرخة بحث عن الحب. وفي العودة إلى إحصاءات منظمة الصحة العالمية التي أشارت إلى الازدياد المطرد في انشار الأمراض النفسية نجد أنه في عام 2019، كان هناك 280 مليون شخص مصابين بالاكتئاب، منهم 23 مليون طفل ومراهق (1). ويختلف الاكتئاب عن تقلبات المزاج المعتادة والانفعالات العابرة إزاء تحديات الحياة اليومية. وخلال نوبة الاكتئاب، يعاني المكتئب من تكدّر المزاج (الشعور بالحزن وسرعة الغضب والخواء) أو فقدان المتعة أو الاهتمام بالأنشطة، في معظم الأوقات، وكل يوم تقريباً، لمدة أسبوعين على الأقل. وقد تظهر عليه أيضاً أعراض أخرى عديدة منها ضعف التركيز، أو الإفراط في الشعور بالذنب أو ضعف تقدير الذات، أو اليأس من المستقبل، أو التفكير في الموت، أو الانتحار، أو اضطراب النوم، أو تقلبات الشهية، أو الوزن، والشعور بالتعب أو فتور الطاقة أكثر من العادة. والمصابون بالاكتئاب معرضون لخطر الانتحار بشكل متزايد. انفصام الشخصية: يؤثر انفصام الشخصية على 24 مليون شخص تقريباً أو على شخص واحد من كل 300 شخص في أنحاء العالم بأسره (1). ويقل متوسط العمر المتوقع بين المصابين بانفصام الشخصية بما يتراوح بين 10 سنوات و20 سنة عن عامة السكان (4). ويتميز انفصام الشخصية باختلالات شديدة في التمييز وتغيرات في السلوك. وقد تشمل أعراضه الأوهام المستمرة، أو الهلوسة، أو التفكير المضطرب، أو السلوك غير المتزن بشدة أو الإثارة الشديدة. وقد يواجه المصابون بانفصام الشخصية أيضاً صعوبات مستمرة في أدائهم المعرفي. بعد الإشارة إلى أهم الاضطرابات النفسية المنتشرة في المجتمع الرأسمالي، ودقة وتتطور التشخيص، ولكن جوهر المشكلة يكمن في عملية العلاج فلا يوجد تطور في عملية العلاج، فماهي شروط نجاح عملية العلاج من هذه الاضطرابات النفسية، يقول إريك فروم أن افتقاد البيئة الاجتماعية التي تساعد على شفاء المريض هي من أهم المشكلات التي تعيق عملية العلاج، لأن الفرد يعيش فردية مطلقة ويفتقد للوسط الاجتماعي الذي يساعده على نجاح العملية العلاجية. وهذا الكلام صحيح بنسبة عالية فبلد مثل السويد يسكنها عشرة ملايين نسمة نلاحظ أن مليون شخص قد راجع العيادات النفسية عام 2022 بسبب اضطرابات نفسية وأهمها الاكتئاب، هذه الدولة التي تقول عن نفسها أنها بلد الرفاهية والسعادة 10 بالمائة من سكانها يعاني الاضطراب نفسي بسبب سياسة النظام الاقتصادي للمجتمع الرأسمالي، التي جعلت الفرد منعزلاً يعيش وحيداً غارقاً بظلمة وبرودة المناخ. أن النظام الرأسمالي الذي يروج لنفسه بأنه نظام الرفاهية وأنه نهاية التاريخ حسب رؤية الفيلسوف الأمريكي فرنسيس فوكو ياما ،فإن هذا النظام رغم تقدمه العلمي وتقدمه بتشخيص المرضي النفسي سيبقى عاجزاً عن إيجاد العلاج في ظل افتقاد الإنسان للبيئة الاجتماعية التي تساعد على الشفاء وسيبقى عاجزاً الإنسان في النظام الرأسمالي عن إيجاد الحب مادام يعيش في قيود وسلاسل وقوانين السوق التي تنظر إليه بأنه مجرد سلعة خاضعة للبيع ، لذلك سيبقى يعيش وهم السعادة ووهم الرفاهية لأنه يخشى الاعتراف بعبوديته للنظام السوق وكما يقول إريك فروم: فالإنسان لن يكون إنساناً إذا ما لم يتم السماح لمواهبه الذاتية بالتفتح عن طريق الحرية والنشاط العفوي والحب. فقد قطع الإنسان نصف الشوط في حضارته واستطاع أن يتحرر من عبودية الخارج، ولم يبق إلا أن يتحرر من عبوديته الداخلية الذاتية ليصبح متحررا في ذاته لا في سياقات مفروضة عليه.
المراجع: - فروم، إيريك (2009) الهروب من الحرية، الطبعة الأولى، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، سورية. - فروم، إيريك (2013) الصحة النفسية للمجتمع المعاصر مساهمة في علم الإنسان، ط1، دار الحوار. سورية -فرويد سيغموند (2009) مستقبل وهم، ترجمة جورج طرابيشي، ط3، دار الطليعة، بيروت.
)1) Institute of Health Metrics and Evaluation. Global Health Data Exchange (GHDx). https://vizhub.healthdata.org/gbd-results/ (Accessed 14 May 2022). (2) Mental Health and COVID-19: Early evidence of the pandemic’s impact. Geneva: World Health Organization 2022 (https://www.who.int/publications/i/item/WHO-2019-nCoV-Sci_Brief-Mental_health-2022.1) (3) Charlson, F., van Ommeren, M., Flaxman, A., Cornett, J., Whiteford, H., & Saxena, S. New WHO prevalence estimates of mental disorders in conflict settings: a systematic review and meta-analysis. Lancet. 2019394,240–248. (4) Laursen TM, Nordentoft M, Mortensen PB. Excess early mortality in schizophrenia. Annual Review of Clinical Psychology, 201410,425-43
#فراس_الجندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النكروفيليا في الخطاب التيارات الإسلامية الجهاد والشهادة
-
سيكولوجية العنف في خطاب السلفية الشيعية
-
اضطراب الضلالة وحقيقة شعار لبيك يا حسين
-
التثاقف ولاختلافات في الاتصال غير اللفظي
-
قصيدة أنا العاشق
-
الاحتراق النفسي عند اللاجئين السوريين في السويد
-
قلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
-
التثاقف وقلق التثاقف عند المهاجرين السوريين
-
الوطن ينتظرك
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|