|
المرأة المغربية ورهانات التنمية مقاربة واقع المرأة المغربية من خلال النصوص القانونية (مدونتي الأسرة والشغل) الجزء الأول Moroccan women and the challenges of development - Approach the reality of Moroccan women through legal texts (family code and labor law)
محمد الراشيدي
باحث في السوسيولوجيا
(Mohamed Errachidi)
الحوار المتمدن-العدد: 7660 - 2023 / 7 / 2 - 21:27
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تقديم عام يحكى دائما عن مكتسبات في مسيرة الحركة النسائية، وعن القرب من تحقيق المساواة. أن فكرة مساواة المرأة مع الرجل طرحت لعهود طويلة بطريقة لا تخلو من غياب الجوهر الحقيقي للموضوع، ويستطيع الباحث أن يرصد الكثير من الأقاويل والقصص المثيرة للجدل للتدليل على قهر المجتمع بصورة عامة للمرأة، غير أن الحديث عن موضوع المرأة بين القانون والواقع في المغرب يعتبر نهجا حديثا نسبيا، يكشف عن تغير عميق في بنية المجتمع المغربي، حيث سار الكل يتحدث عن المرأة وضرورة إنصافها ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات، وصارت الألسن سواء المحافظة منها أو التقدمية تسعى إلى تحقيق هذا الهدف كل من منطلق فهمه لمعاني المساواة (هناك من يعتقد في تحققها فور خروج المرأة للمجال العام، وفئة أخرى تعتبر أن المساواة لا تتحقق إلا برفع الوصاية على المرأة، في حين تعتبر فئة ثالثة أنها لا تكتمل إلا بتحقيقها في مسألة الإرث كذلك...)، وتحقيقا لهذه الأهداف انبرت مجموعة من الحركات المدافعة عن حقوق المرأة في السنوات الأخيرة ، تمكنت من خلال تظافر جهودها من تحقيق مجموعة من المكتسبات لعل أهمها هو التعديلات التي مست قوانين الأسرة (مدونة الأحوال الشخصية) وقانون الشغل، والتي ترتب عنها ظهور المدونتين الجديدتين للأسرة والشغل سنة 2004. إن هذين النصين القانونين سُنّا إثر تغيرات مهمة شهدها المجتمع المغربي عموما والحياة الأسرية والعملية للمرأة خصوصا، وسنحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على هذين النصين (المبحث الاول) وذلك باستعراض أهم المحطات التاريخية التي شهدتها القوانين المؤطرة لوضعية المرأة في المغرب (المطلب الاول) ثم نعمد بعد ذلك إلى إبراز أهم جونب الجدة في النصين السابقين والتعليق عليها (المطلب الثاني)، ثم ننتقل فيما بعد إلى إبراز أوجه القصور في تطبيق هذه النصوص وتفعيلها على مستوى الواقع(المبحث الثاني)، وسنركز جهودنا بالأساس على مدونة الأسرة لكونها تشمل شريحة أكبر من النساء ولما تحتله من مكانة مهمة في حياة الأسر والمجتمع ككل، في حين أن مدونة الشغل تهتم بالنساء العاملات فقط، دون أن يمنعنا هذا المعطى من إبداء بعض أوجه القصور في هذه الأخيرة كذلك (المطلب الاول)، ونمر بعدها الى اخر جزء من هذا المقال والذي سنخصصه، لتقييم وضع المرأة العاملة في المغرب (المطلب الثاني) ثم نقدم في النهاية خلاصة عامة لوضع المرأة المغربية عموما. الإشكال إن عرضنا للقانون ليس هدفا في حد ذاته، وإنما هو أرضية نحاول من خلالها بناء نظرة سوسيولوجيا للعلاقة هذه القوانين بالواقع الاجتماعي، حيت نسعى إلى توضيح العلاقة الجدلية القائمة بين المجتمع والقانون، فهذا الأخير غالبا ما يكون تعبيرا عن إرادة المجتمع وتطلعات الأفراد، فالنص القانوني هو إذن هو أرضية، كما أسلفنا، لفهم أليات اشتغال وتفاعل البنى الإجتماعية، ومن جهتنا سنحاول مقاربة هذه العلاقة من خلال الأسئلة التالية: هل المجتمع هو من يسهم في تطوير القانون أم العكس؟ إذا كان المجتمع وحركيته هي من يفضي إلى ظهور القوانين فهل ينصاع المجتمع لمنطوق النص ويتطور على ضوئه؟ هل نجحت المدونة في ضمان مكانة متميزة للمرأة في مجتمع ذكوري، وتحسين وضعيتها الأسرية والمهنية في المجتمع؟ أم أن تطور القوانين لا يعكس بالضرورة تطور العقليات ومواكبتها له؟ على ضوء هذه الأسئلة سنحاول معرفة ما إذا كان المجتمع المغربي قد تشرب فعلا فلسفة هذه القوانين والغاية من سنها، أم أنها ستظل، كسابقاتها من النصوص، حبرا على ورق، مصداقا لما صرحت به الاستاذة خديجة المسدالى في إحدى محضراتها سنة 2003، وذلك في أوج الجدل بين المؤيدين والمعارضين لمدونة الأسرة. حيث قالت الأستاذة "أن المغاربة لم يألفوا قط أي تشريع مؤسستي، وأنهم دأبوا دوما على تنظيم حياتهم وعلاقاتهم بالاستناد إلى العرف والتقاليد". فهل من الممكن أن تكون التغيرات التي لحقت المجتمع، من قبيل الحديث في هذه السنوات الأخيرة عن التنمية وربطها دوما بالإنسان وبالاستدامة، بالإضافة الى انفتاح البلد على ثقافات مختلفة بفضل إمكانيات العولمة... قد مكنت من تغير العقليات، ولو بشكل نسبي، في طرق تعاملها مع النص القانوني؟ إذا كان الوقع غير هذا، فهل يمكن الحديث عن تنمية بدون استحضار المرأة؟ إذ كيف يمكن أن يتطور نصف المجتمع ويبقى نصفه الآخر بدون تطور؟!
المبحث الأول: المرأة في الخطاب القانوني
المطلب الأول: نظرة تاريخية إن التحولات التي عرفها وضع المرأة في المغرب لم يكن وليد لحظة معينة، بل هو سلسلة متعاقبة من التغيرات والتحولات التي شهدتها منظومة النصوص القانونية التي تمس المرأة سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وقد ارتأينا أن نحقب هذه التغيرات على الشكل التالي 1- من الاستقلال إلى بداية التسعينات إن أول ما يجب تسجيله في هذا الإطار، هو أن المغرب اعتمد دوما مرجعية مزدوجة في تعامله مع قضية المرأة، تجلى الشق الأول منها في تعاليم الدين الإسلامي، والشق الثاني في المواثيق الدولية ، فبعد الاستقلال مباشرة (1956) تم الرجوع إلى تدوين الفقه المالكي، ليتم الإعلان في السنة الموالية على ميلاد أول مدونة للأحوال الشخصية، وذلك على مراحل متتالية، غير أن هذا لم يمنع النظام من تسويق صورة حداثية عنه كلما سنحت الفرصة لذلك، ومن أمثلة هذا التسويق، الخطاب الذي ألقته الأميرة لالة عائشة برأس مكشوف، والذي اُعتبر نوعا من الثورة في تقاليد المؤسسة الملكية آنذاك. ستستمر هذه المدونة في تأطير حياة المرأة والأسرة ككل، لعقود طويلة (باستثناء تعديل يتيم في سنة 1993)، خصوصا بعد الردة الكبيرة على المستوى الحقوقي التي شهدها المغرب سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات، نتيجة حالة الاستثناء هذه التي ستفضي إلى انتشار المد الحركي الإسلامي، وتبَني الدولة لمقاربة محافظة إزاء المرأة، على حساب الفكر اليساري الذي حورب في تلك الفترة لِما كان يمثله من تهديد في نظر النظام الحاكم . غير أن هذا لم يحُل دون إنشاء الإتحاد الوطني للنساء المغربيات، الذي كان تمرة بعض الحقوق التي سنها دستور 1960 لصالح المرأة. إن سيادة الفكر الأصولي جعل من مسألة تغير المدونة أمرا مستعصيا وغير ممكن، إلا أن الجهود المبذولة من طرف الحركات النسائية أفضت في بدايات 1993 إلى إجراء تغييرات على النصوص القانونية السابقة. 2- من التسعينيات إلى الآن ستتغير توجهات الدولة في هذه الفترة إذ ستبدأ بالميل شيئا فشيئا نحو المرجعية اليسارية، وذلك سيبرز من خلال مجموعة من الحقوق التي تنص على ضرورة تعليم الإناث وتمتعيهم بنفس الحقوق السياسية تقريبا التي يتمتع بها نظرائهن من الذكور، والسماح لهن بمزاولة الأنشطة والمهن (شريطة موافقة الزوج). بيد أن دور المرأة ووضعيتها داخل بنية الأسرة ظلت دون تغير، لان هذه الأخير في نظر الكل، هي الفاعل الاساسي في عملية التنشئة الإجتماعية، والحامل الرئيس لمثل وقيم المجتمع. إن ارتفاع وتيرة خروج المرأة للعمل ( تزايد البطالة في جانبها الذكوري، تحمل النساء لأعباء الأسر، الفقر...)، وتزايد حدة الحركات النسوية في سنوات التسعينات وبداية الألفية، بالإضافة إلى رغبة الدولة في تبني نموذج الديموقراطية الليبرالية التعددية والتكيف معه، هذا ناهيك عن التزايد المضطرد للأصولية...سيفضى إلى إحداث تغييرات جوهرية على بنية الأسرة المغربية، ستتوج بظهور مدونة الأسرة سنة 2004، هذه التي ستقنن بعضا من التحولات السابقة، ولعل أبرزها هدم الحدود الكلاسيكية بين المرأة والرجل داخل الاسرة، بالانتقال من الأسرة البطريركية إلى الأسرة النووية، التي تنبني على الخصوصية والحميمية، تجريم التحرش الجنسي والعنف الزوجي... إن الدولة بسنها لهذه القوانين تعترف ضمنيا بحقوق المرأة في المواطنة، وكذا بشرعية ولوجها للمجال العام، ولم تقف الدولة عند هذا الحد بل ساهمت في نشر مضامين هذا النص، من خلال المطويات، والتشهير بكل انواع العنف من خلال اللافتات الاشهارية، والإعلام، بل وخصصت خط مباشرا لاستقبال مكالمات النساء ضحايا العنف. هكذا إذن تتحول الدولة في سنوات معدودة من دور المعارض للحركات النسوية، المجهز على حقوق المرأة (في نظر بعض الحركات)، إلى دور الضامن لحرية المرأة وحقوقها أجمع، فمند زمن ووضعية المرأة تمثل السؤال الجوهري الذي يبلور الرغبة في الحداثة أو في رفضها، ومن هذا المنطلق فأن حقوق المرأة لا تتعلق بما هو قانوني فقط وإنما تتعداه لتصير رهانا إيديولوجيا وسياسيا. يتبع في الجزء الموالي...
#محمد_الراشيدي (هاشتاغ)
Mohamed_Errachidi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرض الحجاب في ليبيا ومنع استيراد ملابس -غير المناسبة-.. قرار
...
-
تقرير أممي يعلن نسبة ضحايا حرب غزة من النساء والأطفال.. كم ت
...
-
نقص المياه يفاقم معاناة النازحات اللبنانيات خلال الدورة الشه
...
-
هتكوني ملكة جمال.. وصفة مذهلة لتنعيم وفرد الشعر المجعد والخش
...
-
الأمم المتحدة: 70 في المئة من ضحايا الحرب في غزة من النساء و
...
-
المرأة في الحرب: لمذا تدفع الثمن مرتين؟
-
ريبورتاج: عاملات أجنبيات في لبنان عرضة للتشرد والاغتصاب في ظ
...
-
“انــا لـولـو ما في منـي”.. تردد قناة وناسة نايل سات لمتابعة
...
-
الأمم المتحدة: 70% من قتلى حرب غزة من النساء والأطفال
-
في ولاية ألاباما الأمريكية.. تصعيب إجراءات التخصيب الاصطناعي
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|