أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد شافعي - حرروهم وإلا يكن دمارنا على أيديهم















المزيد.....


حرروهم وإلا يكن دمارنا على أيديهم


أحمد شافعي

الحوار المتمدن-العدد: 1722 - 2006 / 11 / 2 - 04:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مقال بالغ الطرافة نشرته واشنطن بوست مؤخرا، لاحظ الكاتب مايكل كنسلي أن جورج بوش وتابعيه يستخدمون تقنية الرجوع بالزمن السردية في تعاملهم مع مفهوم "النصر" في حربهم في العراق. ففي 2003 أعلن بوش من على البارجة الأمريكية آبراهام لينكولن أن المهمة انتهت وأن النصر في العراق قد تحقق، ولم يكد يقبل عام 2006 حتى كان الخطاب الرئاسي الأمريكي ينحو منحى جديدا تماما يناسب حربا في مستهلها، لا حربا كلل النصر نهايتها منذ ثلاث سنوات. ففي حديث تليفزيوني ألقاه بمناسبة الذكرى الخامسة لأحداث سبتمبر، دعا بوش المواطنين الأمريكيين "إلى العمل الشاق مرة أخرى أيها الأصدقاء، إلى العمل الشاق".
لا أحسب أن جورج بوش يستخدم تلك التقنية لما يكمن فيها من إغواء فني. ربما الأمر يتعلق بالانتخابات المقبلة في أمريكا، وبضرورة أن يشعر الأمريكيون بأن الحاجة لم تزل ماسة إلى الاستمرار في الحرب على الإرهاب في العراق وغيرها، ومن ثم بأن الحاجة لم تزل ماسة إلى ملء المجلسين النيابيين بأكبر عدد ممكن من الجمهوريين. لعل هذا هو الذي يجعل المتحدث باسم البيت الأبيض يقول إنه "لا يزال أمامنا عمل كثير" في العراق.
وربما في هذا السياق نفسه جاءت المحاضرة التي ألقاها برنارد لويس في 16 يوليو 2006 ونشرتها مجلة ذي نيشن الأمريكية في منتصف سبتمبر 2006. ففي هذه المحاضرة ـ التي عرض فيها الرجل لآرائه المعروفة والمكرورة في الحضارة الإسلامية والإسلام ـ يوشك الرجل أن يدعو مستمعيه إلى مثل ما يدعوهم إليه بوش نفسه منذ أعوام، وهو الصمود، والثبات على الدرب أو بتعبيره الأثير to stay the course.
حرروهم وإلا يكن دمارنا على أيديهم
برنارد لويس
ترجمة وتقديم أحمد شافعي
ثمة إجماع بين المؤرخين على أن التاريخ الحديث للشرق الأوسط يبدأ في عام 1798، وهو العام الذي وصلت فيه الثورة الفرنسية إلى مصر على هيأة حملة صغيرة يقودها جنرال شاب يدعى نابليون بونابرت قام بغزو مصر وحكمها لفترة صغيرة بسهولة مروعة. وقد ادعى الجنرال بونابرت ـ الذي لم يكن قد أصبح امبراطورا بعد ـ للمصريين أنه جاءهم باسم الثورة الفرنسية القائمة على مبدأي الحرية والمساواة. ولا شك أننا نعرف بعض ردود الفعل تجاه هذا الادعاء من خلال الأدبيات الضخمة الخاصة بالعالم العربي الشرق أوسطي. فلم تكن فكرة المساواة تلك تمثل مشكلة كبيرة، حيث أن المساواة معتقد إسلامي أساسي: كل المؤمنين الحقيقيين متساوون. وإن كان يبقى بالطبع ثلاث فئات "أدنى" من البشر: هم العبيد وغير المؤمنين والنساء. ولكن المساواة بشكل عام كانت مفهوما معروفا. حيث أن الإسلام لم يأت قط بما يشبه نظام الطوائف الهندي في الشرق أو نظام تمييز الأرستقراطيات في أوربا المسيحية في الغرب. بل كانت المساواة شيئا يعرفه المسلمون ويحترمونه ويمارسونه على نطاق عريض. أما الحرية liberty فكان لها شأن آخر.
فالحرية ـ كما كانت تستخدم في اللغة العربية آنذاك ـ لم تكن مصطلحا سياسيا أو قانونيا. إذ كان المرء يعد حرا في حالة إذا لم يكن عبدا. ولم تكن كلمة الحرية تستخدم كما نستخدمها في العالم الغربي بوصفها مجازا للحكم السليم. ومن هنا التبست فكرة الجمهورية القائمة على مبادئ الحرية freedom في أذهان المصريين. وبعد سنوات قام أحد الشيوخ ـ وهو الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الذي ذهب إلى باريس إماما لأول مجموعة صغيرة من الطلبة المصريين الموفدين إلى باريس ـ بتأليف كتاب عن مغامراته، عرض فيه لاكتشافه معنى الحرية، حيث كتب يقول إن الفرنسيين عندما يتكلمون عن الحرية freedom فهم يعنون ما يعنيه المسلمون عندما يتكلمون عن العدالة. ومن خلال مساواته تلك بين الحرية والعدالة، استهل الشيخ مرحلة جديدة من الجدل السياسي العام في العالم العربي، ثم في العالم الإسلامي على نطاق أوسع.

هل نمط الحرية الغربية قابل للنقل؟

ما إمكانية تحقق الحرية ـ بالمعنى الغربي للكلمة ـ في العالم الإسلامي؟ لو نظرتم إلى الأدبيات الراهنة لوجدتم أن ثمة رؤيتين بهذا الصدد تشيعان في الولايات المتحدة وأوربا. إحداهما تذهب إلى أن الشعوب الإسلامية لا تستطيع إلى الحكم المتمدن المنضبط سبيلا. وأنه مهما يكن ما يفعله الغرب، فسوف يبقى المسلمون محكومين بطغاة فاسدين. وعليه، ينبغي أن تتمثل غاية سياستنا الخارجية في التأكد من أن يكون هؤلاء الطغاة طغاتنا نحن لا طغاة سوانا، أي أن يكونوا طغاة موالين لا معادين. وتلك النظرة تحظى بقبول كبير في وزارة الخارجية والمكاتب الأجنبية، والغريب أنها تعرف عموما بالنظرة "المالية للعرب" pro-Arab. وهي بالطبع ليست موالية للعرب بأي معنى من المعاني. إذ إنها تنم عن جهل بماضيهم وازدراء لحاضرهم ولامبالاة بمستقبلهم. أما النظرة الثانية الشائعة فترى أن للعرب وسائل تختلف عن وسائلنا. وأنه لا بد من إتاحة السبيل أمامهم للتطور بما يتفق مع مبادئهم الثقافية، وإن كان بوسعهم ـ شأن سواهم في أي مكان في العالم ـ أن يستعينوا بمساعدة حصيفة من الخارج، ومن الولايات المتحدة على وجه أكثر تحديدا، في إقامة نوع ما من المؤسسات الديمقراطية. وتلك النظرة معروفة بالنظرة "الإمبريالية"، ومن ثم فهي تلقى إدانة واستهجانا بالغي الحدة.
من المفيد ونحن ننظر في هاتين الرؤيتين أن نرجع إلى الوراء لنرى كيف كان المجتمع العربي والإسلامي يوما، وكيف كان تحوله في العصر الحديث. فالفكرة التي ترى بأن المجتمع لم يختلف الآن عما كان عليه طوال الوقت فكرة خاطئة كل الخطأ. إذ إن دكتاتورية صدام حسين في العراق، ودكتاتورية أسرة الأسد في سوريا والدكتاتورية الصديقة جدا التي يقيمها مبارك في مصر تفتقر إلى أية جذور تربطها بالماضي العربي أو الإسلامي. واسمحوا لي أن أقتبس لكم سطورا من رسالة ترجع إلى عام 1786 ـ أي قبل ثلاث سنوات من الحملة الفرنسية ـ حيث كتب مسيو كونت دو شواسول جوفييه ـ سفير فرنسا في اسطنبول، موضحا السر في بطء تقدمه في المهام الموكلة إليه من حكومته فيما يتعلق بالتعامل مع الحكومة العثمانية. كتب يقول: "إن الأشياء هنا ليست كما هي في فرنسا حيث الملك هو (الحاكم بأمره الذي يفعل ما يشاء" ويضيف أن "على السلطان العثماني هنا أن يستشير". عليه أن يستشير كبار الموظفين السابقين وزعماء الجماعات المختلفة وما إلى ذلك. وتلك عملية بطيئة. وهي أيضا تمثل سيناريو مختلفا كل الاختلاف عن الصورة الشائعة للحكم الحالي في الشرق الأوسط. ذلك سيناريو قديم لم يعد يصدق اليوم بسبب عدد من التغيرات.

التحديث وأثر النازيين والسوفييت

أول هذه التغييرات هو ما يمكن أن يسميه المرء بالتحديث. وهي عملية لم يقم بها الإمبرياليون، بل قام بالشق الأكبر منها حكام شرق أوسطيون تهيأ لهم وعي مؤلم بتخلف مجتمعاتهم بالمقارنة مع العالم الغربي المتقدم. فرأوا أن ما ينبغي عليهم فعله هو التحديث أو التغريب [من الغرب]. ومع أن نواياهم كانت طيبة، إلا أن النتائج كانت كارثية في الغالب. فالذي فعلوه هو أنهم زادوا من سلطة الدولة والحاكم على نحو هائل بأن وضعوا تحت تصرفه أحدث جهاز للسيطرة والقمع والتلقين. وفي الوقت نفسه عمدوا إلى ما هو أسوأ من ذلك، حيث حددوا أو دمروا تلك القوى التي كانت تقوم في المجتمع التقليدي بالحد من أوتوقراطية الحاكم، مثل التجار والفقهاء وطوائف الصناع والأعيان والمؤسسة العسكرية والمؤسسة الدينية إلخ. فلقد كانت في المجتمع التقليدي جماعات قوية لا يقوم الحاكم بتعيين رءوسها وإنما كانت تبرز من داخل الجماعات نفسها. ولم يكن لسلطان مهما تكن قوته أن يفعل الشي الكثير بدون أن تكون بينه وبين هذه الجماعات المختلفة في المجتمع مستوى ما من العلاقات. وإذا صح أن هذه ليست الديمقراطية وفقا لاستخدامنا اليوم لهذه الكلمة، إلا أنها تمثل على وجه اليقين نوعا من الحكم المسئول والمحدود. ولقد أثبت ذلك النظام نجاحه. فنشأت طبقة حاكمة جديدة تمارس الحكم من المركز وتستخدم جهاز الدولة في أغراضها.
كانت تلك هي المرحلة الأولى في تدمير النظام القديم. أما المرحلة الثانية فلا نستطيع أن نحدد تاريخا دقيقا لبدايتها. في عام 1940، استسلمت حكومة فرنسا للمحور وقامت ـ بالتعاون مع المحتل النازي ـ بتشكيل حكومة في مكان يدعى "فيشي". في حين كان القدر الأكبر من الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية بعيدا عن أيدي النازيين، مما يعني أن حكام المستعمرات الفرنسية كانوا يتمتعون بحرية الاختيار: إما أن يتبعوا فيتشي، أو أن ينضموا إلى شارل دي جول الذي شكل لجنة فرنسا الحرة في لندن. وقد اختارت الأغلبية الكاسحة فيشي، فأصبحت بذلك سوريا ولبنان ـ الخاضعتين للانتذاب الفرنسي والواقعتين في القلب من الشرق العربي ـ مرتعا للنازيين. كان الحاكم وكبار موظفيه في سوريا ولبنان يتلقون أوامرهم من فيشي التي كانت بدورها تتلقى الأوامر من برلين. وهكذا تغلغل النازيون، وقاموا بجهد دعائي جبار، فتسنى لهم التحرك إلى الشرق من سوريا باتجاه العراق حيث أقاموا فيه لبرهة من الزمن نظام حكم فاشيا مواليا للنازية. وفي تلك الفترة تشكلت أحزاب سياسية كانت بمثابة نواة لما أصبح فيما بعد حزب البعث. وفي نهاية المطاف استطاع الحلفاء طرد النازي من الشرق الوسط وقاموا بقمع تلك المنظمات. ولكن الحلفاء خرجوا بمجرد أن انتهت الحرب في عام 1945. ولم تمض سنوات قليلة حتى كان السوفييت قد تغلغلوا وأحدثوا تواجدا قويا وضخما في مصر وسوريا والعراق ودول عديدة أخرى طارحين فيها ممارسة سياسية على الطراز السوفييتي. ولقد جاء تكيف النموذج النازي مع النموذج الشيوعي في غاية البساطة والسهولة، حيث لم يقتض إلا تعديلات ثانوية، وبدأ يتقدم بشكل جيد للغاية. ذلك إذن هو أصل حزب البعث، وأصل الحكومات التي نواجهها في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. وأكرر وأؤكد أن ذلك كله ليس له علاقة بالماضي العربي أو الإسلامي.

الوهابية والنفط

إن وجود قطيعة مع الماضي حقيقة يعيها العرب والمسلمون أنفسهم وعيا حادا ومؤلما، بل لقد حاولوا أن يقوموا بشي ما إزاءها. وفي ذلك السياق نستطيع أن نلاحظ ظهور سلسلة من الحركات التي يمكن أن نصفها بأنها بعث إسلامي أو صحوة إسلامية. أولى هذه الحركات هي المعروفة بـ "الوهابية" التي أسسها عالم دين يدعى ابن عبد الوهاب كان يعيش في منطقة نجد النائية في صحراء شبه الجزيرة العربية. وترى الحركة أن جذر المشكلات العربية الإسلامية يكمن في اتباع أساليب الكفار. وترى أن العالم الإسلامي تخلى عن الإيمان الحق الذي منحه الله لنا من خلال نبيه محمد [صلى الله عليه وسلم] والقرآن الكريم، وأن العلاج يتمثل في العودة إلى الإسلام الأصلي النقي. ولم يكن ذلك الإسلام الأصلي النقي بطبيعة الحال ـ وكما يحدث دائما في مثل تلك الحالات ـ إلا اختراعا جديدا لا تكاد توجد علاقة بينه وبين الإسلام كما كان في مراحله الأولى.
تم التعامل مع الوهابية بتهاون في سنواتها الأولى، لكنها اكتسبت أهمية جديدة في منتصف عشرينيات القرن العشرين، عندما حدث أمران: قام شيوخ قبائل بيت سعود ـ الذي اعتنقوا النسخة الوهابية من الإسلام منذ القرن الثامن عشر ـ بغزو مدينتي مكة والمدينة المقدستين. وكانت لذلك أهمية هائلة، حيث حصلوا من جراء ذلك على مكانة مرموقة وتأثير هائل في العالم الإسلامي كله. كما أصبحت لهم السيطرة على الحج الذي يجيء بملايين المسلمين من العالم الإسلامي كله ليجتمعوا في المكان والزمان نفسيهما كل عام.
تمثل الأمر المهم الثاني ـ والذي حدث أيضا في منتصف العشرينيات ـ في اكتشاف النفط. حيث وجد ذلك المذهب المتطرف أنه لا يمتلك مكة والمدينة وحسب، بل يمتلك ثروة تفوق أحلام أكثر الجشعين جشعا. وبذلك تحول ما كان يمكن أن يكون مجرد فصيل طائش في دولة هامشية، إلى قوة كبرى في العالم الإسلامي، لا تزال قوة كبرى حتى اليوم، تتحقق فعاليتها من خلال الحكومة السعودية وسلسلة كاملة من المنظمات غير الحكومية. وما زاد الطين بلة هو امتداد ذلك التأثير خارج المنطقة. إذ إن المسلمين الذين يعيشون في شيكاغو أو لوس انجلس أو بريمنجهام أو هامبورج حينما يرغبون في تعليم أبنائهم أسس عقيدتهم وثقافتهم ـ وهو أمر طبيعي تماما وعادي للغاية ـ فإنهم يتجهون إلى المصادر التقليدية المعتادة في مثل تلك الأغراض: الدروس المسائية، مدارس العطلات الأسبوعية، المعسكرات الصيفية، وما إلى ذلك. والمشكلة تكمن في أن تلك المؤسسات جميعا ممولة بقدر ضخم وواقعة تحت سيطرة الوهابيين، الذين يعلمونهم النسخة الوهابية من الإسلام، مما جعلها تصبح قوة رئيسية وسط جاليات المهاجرين المسلمين.
اسمحوا لي أن أوضح أهمية ذلك من خلال مثال واحد: يوجد في ألمانيا فصل دستوري بين الكنيسة والدولة، لكنهم يخصصون في المدارس الألمانية وقتا للتعاليم الدينية. وإن كانت الدولة لا توفر المدرسين أو الكتب الدراسية. كل ما يفعلونه هو أنهم يخصصون وقتا في البرامج الدراسية للكنائس المتعددة وللمجتمعات الدينية ـ إن شاءت ـ لتلقين أطفالهم التعاليم الدينية، وهو أمر اختياري تماما. معظم المسلمين في ألمانيا أتراك. وعندما بلغوا عددا كافيا، تقدموا بطلب إلى الحكومة الألمانية طالبين الإذن لتعليم الإسلام في المدارس الألمانية. ووافقت السلطات الألمانية، وإن قالت إن عليهم ـ أي المسلمين ـ أن يوفروا المدرسين والكتب الدراسية. فقال الأتراك إن لديهم كتبا دراسية ممتازة هي تلك المستخدمة في تركيا في المدارس التركية، لكن السلطات الألمانية رفضت بدعوى أنها كتب حكومية، وأنه وفقا لمبدأ الفصل الدستوري بين الكنيسة والدولة، ينبغي أن يقوم المسلمون بإنتاج كتب دراسية خاصة بهم. ونتيجة لذلك، وفيما يدرس طلبة المدارس التركية في تركيا كتبا حديثة تعلمهم النسخة السمحة من الإسلام، أصبح الطلبة في ألمانيا بشكل عام عرضة للفحة الوهابية كاملة غير منقوصة. فلم يكن غريبا أن أرى ـ في آخر نظرة لي ـ أنه من بين اثني عشر تركيا تم اعتقالهم بوصفهم أعضاء في القاعدة هناك اثنا عشر ولدوا وتعلموا في المانيا.

الثورة الإيرانية والقاعدة

بالإضافة إلى الانتشار المتزايد للوهابية، أود أن ألفت انتباهكم إلى الثورة الإيرانية التي وقعت في عام 1979. يساء استخدام كلمة "الثورة" كثيرا في الشرق الأوسط، حيث تستخدم لتشير تقريبا إلى كل تغير في الحكم. غير أن الثورة الإيرانية ثورة حقيقية، تماما كما كانت الثورة الفرنسية والثورة الروسية ثورتين حقيقيتين. فقد أحدثت تغيرا هائلا في إيران، وتحولا هائلا في القوة، اجتماعيا واقتصاديا وأيديولوجيا. وشأن الثورتين الفرنسية والروسية كل في وقتها، كان لها أيضا تأثير ضخم على العالم الذي يشترك معه الإيرانيون في الخطاب، أي عالم الإسلام. أتذكر أنني بعد وقت غير طويل من وقوع الثورة الإيرانية كنت في زيارة لإندونيسيا، ولسبب غامض دعيت لإلقاء محاضرات في الجامعات الدينية. وثمة لاحظت في سكن الطلبة أنهم يعلقون صورا للخوميني في كل مكان، على الرغم من أن الخوميني ـ شأن الإيرانيين جميعا ـ شيعي، في حين أن الإندونيسيين سنة. وبرغم أن الإندونيسيين بشكل عام ما كانوا يبدون اهتماما كبيرا بما كان يحدث في الشرق الأوسط. إلا أن ذلك كان أمرا مهما. كما مرت الثورة الفرنسية بمراحلة مشابهة للتي مرت بها الثورتان الفرنسية والروسية، كالصراعات بين المعتدلين والمتطرفين. أود أن أقول أن الثورة الإيرانية تمر الآن بالمرحلة الستالينية حيث يبلغ تأثيرها على العالم الإسلامي كله مدى هائلا.
المرحلة الثالثة والأخيرة من الصحوة الإسلامية هي تلك المرتبطة بالقاعدة، وهي المنظمة التي يرأسها أسامة بن لادن. وهنا أود أن أذكركم بالوقائع التي جرت في نهايات القرن العشرين: هزيمة الروس في أفغانستان، وانسحاب الجيوش المهزومة إلى داخل روسيا، وانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه. لقد دأبنا على اعتبار ذلك نصرا غربيا ـ أو أمريكيا على وجه التحديد ـ في الحرب الباردة. في حين لم يكن الأمر كذلك في العالم الإسلامي. لقد كان نصرا إسلاميا في الجهاد. ولو تحلينا بالإنصاف لتحتم علينا الاعتراف بأن هذا التفسير لا يعوزه المنطق. ففي جبال أفغانستان التي غزاها الروس وحاولوا أن يحكموها، كان الطالبان قادرين على إنزال الهزيمة تلو الهزيمة بالقوات السوفييتية، إلى أن أخرجوا الجيش الأحمر من البلد مهزوما مدحورا.
إننا نعرف بفضل وسائل الاتصالات والإعلام الحديثة كيف تنظر القاعدة إلى الأمور. إن أسامة بن لادن شخص محدد للغاية صافي الذهن وأحسبه أمينا للغاية في الطريقة التي يعرض بها الأمور. وهو يرى، وكذلك أتباعه، أن هناك نضالا قائما بين دينين عالميين: المسيحية والإسلام، وأن هذا النضال قد بدأ منذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي ولم يزل قائما منذ ذلك الحين. كانت الحروب الصليبية أحد مظاهره، لكن ثمة مظاهر أخرى كثيرة. فهو نضال مستمر من الهجوم والهجوم المضاد، من الغزو ومعاودة الغزو، من الجهاد والحملات الصليبيبة، وقد انتهى على ما يبدو بنصر محقق للغرب بهزيمة الإمبراطورية العثمانية ـ آخر كبريات الدول الإسلامية ـ وتقسيم العالم الإسلامي بين القوى الغربية. وكما يقول أسامة بن لادن: "في هذه المرحلة الأخيرة من النضال القائم انقسم عالم الكفار إلى قوتين عظميين، هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ولقد هزمنا وحطمنا الأصعب والأخطر بينهما. وسوف يسهل التعامل مع الأمريكيين المدللين المخنثين". ثم أتبع ذلك بما أصبح وصفا شائعا للأمريكيين، وبالسرد الدائم المكرور لهزائم الأمركيين وانسحاباتهم: فييتنام وبيروت والصومال واحدة بعد أخرى. المغزى العام من هذا هو: إنهم لن يستطيعوا الاحتمال. اضربوهم فيهربون. كل ما عليكم فعله هو أن تكون الضربة دائما أكثر قوة. ولقد بدا أن هذه الرؤية تأكدت في عقد التسعينيات حينما توالت الهجمات الواحدة تلو الأخرى على السفارات والسفن الحربية والثكنات دون أن يتلوها رد يفوق كلمات الغضب والخطأ في توجيه الصواريخ باهظة الأثمان إلى مناطق نائية غير مأهولة بالسكان، أو الانسحاب الفوري كما حدث في بيروت والصومال.
ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر كان من وجهة نظر منفذيه ومسانديهم ذروة هذه المرحلة ومستهل المرحلة التالية: الانتقال بالحرب إلى قلب معسكر العدو لتحقيق النصر النهائي. ولكن الرد على ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر كان بمثابة مفاجأة بغيضة. لقد كانوا يتوقعون المزيد مما اعتادوا عليه من التشكي والتأسف وليس رد الفعل العنيف الذي ووجهوا به في أفغانستان أولا ثم في العراق. وليس مصادفة يا رفاق ـ كما كانوا يقولون في موسكو ـ أنه لم تقع هجمة واحدة ناجحة داخل الولايات المتحدة منذ ذلك الحين. ولكن بوسع المرء ـ إن هو تتبع الخطاب ـ أن يرى الجدل الدائر في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين وقد تسبب في عودة كثير من المجرمين والمساندين لهم إلى تشخيصهم السابق. فليس لديهم ـ إن كنتم تذكرون ـ خبرة، ومن ثم فهم لا يفهمون معنى حرية النقاش داخل مجتمع مفتوح. وما نراه نحن نقاشا حرا، يرونه هم ضعفا وخوفا وانقساما. وهكذا فإنهم يتهيأون الآن للنصر الأخير، للمجد الأخير، وللجهاد الأخير.

خاتمة

دعونا نقض لحظة في تحديد معنى الحرية والديمقراطية. يقال أحيانا إن "الديمقراطية" هي نظام الحكم الذي نشأ بين الشعوب الناطقة بالإنجليزية. والحقيقة أن كل بناء على هذه القاعدة هو إما جريمة تستوجب العقاب أو داء بحاجة إلى علاج. وإنني أناشدكم ألا تكون هذه وجهة نظركم. فالمجتمعات المختلفة تنشئ أساليب مختلفة لإدارة شئونها، ولا ينبغي أن تقلد أساليبنا. ولنتذكر نحن أنفسنا أن الديمقراطية الأمريكية بعد حرب الاستقلال ظلت منسجمة مع فكرة العبودية على مدى ثلاثة أرباع قرن وفكرة حرمان المرأة من التصويت لمدة أطول من تلك. إن الديمقراطية لا تولد كما تولد العنقاء. بل تأتي في مراحل، ومراحل التطور تلك تختلف من بلد إلى بلد ومن مجتمع إلى مجتمع. إن الفرنسيين يعتزون بوهم أنهم اخترعوا الديمقراطية مع أنه كان لديهم منذ ثورة 1789 العظمى ملكيتان وإمبراطوريتان ودكتاتوريتان ثم في الجولة الأخيرة خمسة جمهوريات. ولست على يقين مما إذا كانوا قد نفذوها على الوجه السليم بعد.
هناك في المجتمع الإسلامي ـ كما حاولت أن أوضح ـ عوامل يمكن جدا أن تكون مساعدة على الديمقراطية. وهناك في اللحظة الراهنة بشائر مشجعة، مثل ماحدث في العراق حيث أبدى ملايين العراقيين عزمهم على الوقوف في صفوف للإدلاء بأصواتهم وهم يدركون أنهم يخاطرون بحياتهم، الأمر الذي يعتبر إنجازا غير عادي، حيث يظهر شجاعة حقيقية، وتصميما أكيدا. ولا تدعوا ما تقرأوه في وسائل الإعلام عن العراق يضللكم. من المؤكد أن الوضع غير جيد، ولكن فيه ملامح جيدة. المعركة لم تنته بعد. بل إنها لا تزال شديدة الصعوبة. لا تزال هناك مشكلات جسيمة ينبغي أن نتغلب عليها. هناك مشاعر معادية للغرب تنبع جزئيا وبشكل متزايد من مساندتنا لما يعتبرونهم الطغاة الحاكمون لهم. ومن المثير للاهتمام أن المشاعر الموالية للأمريكيين هي أقوى ما يكون في الدول ذات الحكومات المناهضة لأمريكا. لقد قال لي الكثير من الإيرانيين إنه لا يوجد بلد في العالم يفوق إيران من حيث قوة وعمق وانتشار الشعور بالموالاة لأمريكا. ولقد سمعت ذلك من كثير من الإيرانيين المختلفين الذين لا يزال البعض منهم يعيش في إيران فلم أملك إلا أن أصدقه. وهناك قصة تروي أنه عندما كانت الطائرات الأمريكية تحلق فوق أفغانستان، قام كثير من الإيرانيين بوضع لوافت بالإنجليزية فوق بيوتهم كتبوا عليها "إلى هنا لو سمحتم".
هناك إذن قدر جيد من مشاعر الموالاة للغرب ولأمريكا على وجه التحديد. ولكن المعاداة لأمريكا أكثر قوة في البلاد الواقعة تحت سيطرة من يحلو لنا بتسميتهم بـ "الحكومات الصديقة". في حين أنها الحكومات الأشد طغيانا والأكثر بغضا من شعوبها. وإنني أتصور أن النظرة الاستشرافية في هذه اللحظة صعبة ومشوشة للغاية. فمن الممكن في ظني تكوين مؤسسات حرة ـ وفقا لنهجهم لا نهجنا. بل إن المرء يرى دلائل بدايات هذه المؤسسات في بعض الدول. ولكن هناك ـ في الوقت نفسه ـ من يعملون ضدها بقوة وبأس شديدين. أما الخطر المحدق في الحقيقة فيتمثل في أنهم من جانبهم صارمون ومستقرون ومصرون، في حين أننا من جانبنا ضعاف مترددون. وفي صراع كذلك لا يصعب أن نرى لأي جانب سوف تكون الغلبة.
أتصور أيضا أن الجهد شاق، والنتيجة غير مؤكدة، ولكنني أتصور أنه جهد لا بديل عن بذله. إما أن نحقق لهم الحرية، أو يحطموننا.
* ولد برنارد لويس ونشأ في لندن، درس في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، وحصل منها على درجة الدكتوراه في تاريخ الإسلام. بعد أدائه الخدمة العسكرية أثناء الحرب العالمية الثانية بدأ التدريس في جامعة لندن حتى عام 1974 ثم في جامعة برنستن حتى عام 1986. وهو حاليا يعمل أستاذا لدراسات الشرق الأدنى في معهد كليفلاند دودج بجامعة برينستن. كان على مدار سنوات عديدة واحدا من قليل من الباحثين الأوربيين المسموح لهم بالبحث في أرشيف الإمبراطورية العثمانية في اسطنبول. وقد أصدر لويس ـ بالإضافة إلى دراساته التاريخية ـ ترجمات للشعر الكلاسيكي العربي والتركي والفارسي والعبري. كما أصدر عشرات الكتب من بينها "العرب في التاريخ، أين مكمن الخطأ؟" و"أزمة الإسلام، حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس".



#أحمد_شافعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلمان رشدي يرصد جنون أمريكا
- من يدرك حزن الملابس
- حكايات ديك وجين قصة: نين آندروز ترجمة أحمد شافعي


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد شافعي - حرروهم وإلا يكن دمارنا على أيديهم