أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد ع محمد - اسطنبول وتناقض الهواجس














المزيد.....

اسطنبول وتناقض الهواجس


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 7644 - 2023 / 6 / 16 - 20:59
المحور: الادب والفن
    


يدفع القارئ للتفكيرِ هنيهات غير قليلة تنبؤ الروائي الفرنسي جوستاف فلوبير المولود في 1821 والمتوفي في 1880 بخصوص مدينة اسطنبول عن أنها ستصبح خلال قرن عاصمة العالم، وذلك عقب زيارةٍ للروائي إلى المدينة في زمانه، هذا بالرغم من أن الذي ذكر هذه المعلومة في كتاب "اسطنبول/ الذكريات والمدينة" أي الروائي أورهان باموق كان يراها مدينة الخراب ويعتبرها سوداوية نهاية الامبراطورية، إلاّ أن رأيي فلوبير بالمدينة عندما صادفتُه جاءَ مترافقاً مع شعوري بالانبهار بالمدينة التي تحدث عنها الكاتب الفرنسي وقت زيارته لها، وذلك من خلال رؤيتي للمباني الشاهقة والجسور الضخمة والخدمات المتوفرة للأوادم فيها، إضافةً إلى الحدائق التي تزيّن مساحات كبيرة من تضاريس المدينة النابضة بالحياة.
وهذا الأمر على كل حال كان في بداية لجوئي إلى تركيا واستقراري المؤقت في اسطنبول عام 2014، أما السوداوية التي ذكرها باموق فقدعشنا تفاصيلها لأسابيع إبان الهزات الأرضية التي تضرب المدينة كل مدة من الزمن، وحيث إن المرء عقب الكوارث الطبيعية يغدو زاهداً، يائساً، فاقداً جميع أكياس الأماني والتصورات دفعةً واحدة، تاركاً الدنيا وملذاتها إلى حين، فلا تحلو بعينه وقتها لا زينتها ولا أي شيء من الأبهة والعظمة والحضارة المادية من حوله.
فأن تعيش في اسطنبول على الأغلب ستكون بداية المشاعر الإيجابية لديك كمن كان فيما مضى فقيراً وفجأةً صار من ميسوري الحال، وأن تكون مديوناً حتى أذنيك في أمسك وهب ترى نفسك معفى من الديون في غدك، وتعيش حراً من قيود الدائنين ومتحرراً من مخاوف الحواجز المنصوبة أمامك من قِبل أحد الذين أثقلوا كاهلك بالنقود، ليس بالضرورة ليرفع عنك أثقال الحياة، إنما قد يكون المراد هو جعلك طوع خدمته مذ أن عرف بأنك ممن غدا وفياً حتى الثمالة لمن أغاثه في المِحن.
أن تحيا في اسطنبول يعني أن تعيش التناقضات بحذافيرها، وحالك حال شيطانٍ عفى عنه الرب والتحق بآخر فركونة من قطار الذاهبين إلى الفردوس، ولكن بالرغم من أنه ركب القطار وحجز مكاناً له بين ركابه، إلا أنه مع أصحاب البيوت والمزاجية التي يتعاملون بها مع المستأجرين، يحس الآدمي المأبلس بأنه ما يزال يعيش تحت رحمة جلاوزة القطار المحدقين به بعين الكارِه المتأهِب، ويصبح حاله كحال من كان محاطاً بقراصنة تتحين الفرصة لرميه منها في المحطة التي يريدون قبل أن يُكحل أعينه بمشاهد الفردوس.
أن تسكن في اسطنبول معناه أن ترى أمامك كل ما هو مبهر من الحضارة المعاصرة وبنفس الوقت قد تلتقي بأناسٍ من عصور الاقطاع والبكوات وحيث إن الحضارة التي تراها أمامك تغدو بهرجاً خارجياً لأن الجوف يحوي ما كان بالضد من الاكسسوار، ففي الداخل ترى العجائب من طرق الاستغلال والاحتكار والابتزاز، كما أن الوقائع التي تسمع بها هنا وهناك ستذكرك على الفور بالمدوَّن عن المدينة في الأيام الغابرة وخاصة الحكايات الاسطورية التي كتبت عن مثيلاتها "إشق سوقان" تحت اسم أساطير الأستانة.
أن تقطن في اسطنبول يعني أن تتمثل وضع ابليس حين "أُلقي في اليم مكتوفاً وقيل له إياك أن تبتل بالماء"؛ فعدا عن المغريات القادرة على جر النبيل إلى مواقع الابتذال، وسوق الغرِ إلى أماكنَ كفيلة بجعله مستسلماً للشهوات، فالمدينة فيها من اللصوص ما يفيض عن حاجة بلدٍ بأكمله لعاهات المجتمع مِن السراق، وعندما تتزاحم مدينة ما باللصوص فهذا يعني بأن عليك الاعتماد على كثرة الأقفال في المنزل لئلا تتعرض للسرقة والإغارة على غفلة منك، ولكنك فوق ذلك لا تجرؤ على استخدام كل الأقفال لكي تستشعر الأمان حين تستسلم لسلطان النوم، وذلك لأن المدينة مهدَّدة كل حين بما هو أعظم من مداهمات كل لصوص العالم، وأعظم من اجتماع كل فرق مكافحة الإرهاب أمام بيتك، ألا وهو ارتجاج الصعيدِ أسفل أيَّ مكانٍ تكون فيه، والاحتمال الدائم للإرتعاد العنيف للأديم من تحتك.
كما أن فكرة التحضر الدائم لهزة الكرة التي تمكث على ظهرها تجعلك تتصور ذاتك في دورة الأغرار ـ ودورة الأغرار يعرفها كل سوري جُرّ إلى خدمة العلم ـ فعليك أن تضع أمتعتك وأوراقك الثبوتية ونقودك في حقيبةٍ جاهزة لكي تفر بها وبجلدك لحظة مجيء الزلزال، ولكي تكون على أهبة الاستعداد عليك اللجوء إلى آلية عدم الإكثار من الأقفال، لأن ساعة مجيء الرعدة الأرضية قد لا يفتح فيها الباب المبالغ في إقفاله حباً بالأمان، وهذا ما يدفعك لعدم إحكام الباب وإغلاقه بالشكل المطلوب، ولكن عدم الإقفال الجيّد يعني أنك تعرّض نفسك لخطر اقتحام لصٍ ما لبيتك فيأخذ عندئذٍ كل ما أحضرته خشية وقوع الزلزال، فأنت والبيت ومقتنياتك إذن أمام خيارين متضادين وهو: إما أن تُغلق الأبواب والنوافذ بشكلٍ محكم لكي تحمي بيتك من اللصوص، وإما أن تجعل الباب في حالة الوسط بين الفتح والإغلاق لكي تكون على أهبة الخروج بسلام عند وقوع الواقعة، وفي حال أنك من باب الاحتياط فضّلت الخيار الثاني بما أن حياتك أبدى من أشيائك، فهذا لا يعني بالضرورة أن يمضي الزمن بك من دون منغصات، خصوصاً إذا ما طال انتظارك للرعدة الأرضية المفاجئة.



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين إرجاع الحقوق لأصحابها وحرمانهم منها
- نفعل اليوم ما تتمنون فعله في الغد
- عواقب كشف الأوراق
- براءة السلطات من ممارسات مواطنيها
- الرقص على جراح الآخرين
- أحوال مَن نتظاهر لأجلهم
- عودة الآثم على عِلاّته
- الهلاك القادم من الأسفل
- في تفضيل القشور على الأبدان
- تلاوة اللامبالاة
- تجنب مخاطِر الحسد
- الحرية وأحلام المقيم
- آلية السرنمة بدل الإيقاظ
- ماتت دون رؤية بيتها واسم ابنها في غينيس
- من فضاءات الحرية إلى المأوى
- نموذج من بيدر المغالطات في وسائل التواصل
- من محتوى الهرم إلى إطار القدم
- الحشد البشري وجيراننا الزواحف
- العبث بالأمن غاية العدوِ والحاسِد
- الفاسد بين المحاربة والحماية


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد ع محمد - اسطنبول وتناقض الهواجس