|
اوهام الاغلبية ، الجزء الثالث من مقالنا عن : قيادة مقتدى الصدر
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7634 - 2023 / 6 / 6 - 07:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( 1 ) انا من المتحمسين جداً لشعار التيار الصدري : عن حكومة الاغلبية ، ولكن مفردة : الاغلبية على لسان قائد التيار لا تشبه ابداً : مفهوم الاغلبية بمعناها الديمقراطي الذي تحقق - على سبيل المثال - امس الاول : في الانتخابات التركية . ان اغلبية مقتدى الصدر شيء آخر يشبه في مضمونه مشية طائر الغراب الذي اضاع المشيتين : فلم يستعن به مقتدى الصدر على تشكيل حكومة ، ولم يستخدمه في البرلمان كمعارضة ناطقة : تعترض بقوة على تمرير السيء واللاوطني من التشريعات ، هو وفضل العزلة والهروب والانزواء . انه من العبث اضاعة الجهد والمال والوقت وراء شعار : هو عبارة عن وهم لا اكثر … (2 ) منذ 2003 لم تتشكل اي حكومة عراقية على اساس ما تحققه نتائج الانتخابات من اكثرية واقلية . وعوضاً عن العمل بهذا المبدأ الديمقراطي الاصيل : يتم تشكيل الحكومة بالاعتماد على مبدأ لا ديمقراطي : هو التوافق على توزيع الوزارات والمناصب والامتيازات فيما بين رؤساء الكتل السياسية . وفي هذا يكون العراق قد قدم نموذجاً خاصاً به عن ديمقراطيته المزعومة : تتمثل باجراء الانتخابات - كواجهة شكلية - يترنم بها نوري المالكي ومقتدى الصدر عن النظام السياسي الديمقراطي المُبتلى بالتآمر . ولهذا الامر الشكلي يصرون على اجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، لكن مع وقف العمل بنتائجها …
( 3 ) لا قدرة للفرد . مهما كانت مؤهلاته ، في التغلب على المشاكل الموضوعية الجمة التي تحول دون بلوغ حد الاغلبية بمعناها الديمقراطي : وليس بالمعنى التجميعي للاصوات البرلمانية عن طريق شرائها . ان حجب الواقع عن النطق ، وجعل الوهم ناطقاً : ليس بالامر الجديد على ساسة الدول المتخلفة ومنها ساسة العراق : وعلى رأسهم الداغستاني الذي تحدث قبل 10 سنوات عن تصدير الكهرباء بتوجيه من رئيس الحكومة وقتها : نوري المالكي ، وها هو مقتدى الصدر يحدثنا عن : تحقيق الاغلبية . وهو يريد لانصاره ان يستمروا بالايمان بهذا الوهم ، على انه الواقع الذي يجب ان يتعاملوا معه ، وتنطلق سياسات تنظيمهم منه . ان تحقيق الاغلبية مشروط بوجود احزاب حديثة تتنافس انتخابياً وليس دموياً ، وبناءً على انجازات ملموسة وليس بناء على انجازات وهمية .. احزاب مجتمع مدني حرة من اي سلطة تقع خارج تنظيماتها : دينية كانت او قومية او فلكلورية …
( 3 ) ليس من الصحيح الحديث عن مفهوم الاغلبية بمعزل عن مفهوم الديمقراطية ، ذلك لان مصطلح الاغلبية والاقلية ، لم تنتجه الانظمة الفاشستية المستبدة : لانتفاء وجود مناخ الحريات الضروري لسبر اغوار الرأي العام ، ومعرفة رأيه بسياسات هذا المستبد العربي او ذاك . ان مفهوم الاغلبية والاقلية نتاج ظل وارف من الحريات ، وشرط تحققه مرتبط بوجود عملية انتخابية في وطن واحد لا تحجز تجمعاته السكانية اسوار مذهبية واثنية وقبائلية . فهو حق وطني عام ، ولا يمكن لاحد اجزائه الطائفية او الاثنية او القبائلية النطق باسمه … ( 4 ) في التجمعات السكانية الاهلية التي لم تبلغ مرحلة النضج السياسي : لا توجد اكثرية ولا اقلية . تولد الاكثرية والاقلية بعد ان تبلغ التجمعات الاهلية سن النضج السياسي ، وتتوافق طلائعها السياسية والفكرية على عقد اجتماعي جديد يرى : بان الانتخابات وليست الدبابات ، هي التي تقرر الحزب او التحالف الحزبي الذي سيشكل الحكومة . ولم تكن الانتخابات العراقية انتخابات مجتمع مدني بلغ سن النضج السياسي ، اذ لم يثبت العراقيون في اي عهد من عهودهم السياسية التالية لانقلاب 14 رمضان 1963 الدموي ، بانهم ارتقوا الى مستوى المجتمعات الحديثة ، ونبذوا العنف ، وما زالت المعركة مستمرة بين عموم الاحزاب الشيعية التي تقاتلت في الخضراء وسال دم 30 ضحية ، وما زالت معاركهم الاعلامية والمحاصصاتية جارية على قدم وساق . لا يمكن ان نسمي التجميع العددي للاصوات البرلمانية : عن طريق شرائها من سوق النخاسة السياسة العراقية المقرِف ، بالاغلبية الديمقراطية ( بل يصح تسميتها باغلبية مقتدى الصدر او الحكيم ، او اغلبية هادي العامري او اغلبية قيس الخزعلي او المالكي او العبادي : لان جميع هذه الاسماء تستطيع ان تحقق الاغلبية العددية عن طريق شراء اصوات احزاب الكرد والسنة البرلمانية مقابل مناصب وزارية ، وعقود مقاولات ، والسماح لها بتهريب النفط والدولارات … ( 5 ) المشكلة العويصة الاكبر التي تتحدى تحقق مفهوم : الاغلبية بمعناه الديمقراطي يتمثل : ببقاء التجمعات السكانية الاهلية العراقية على ما كانت عليه من عصبيات ، لحظة تجميعها من قبل الاستعمار البريطاني وحشرها في اهاب دولة ملكية في 21 آب 1921 . هزّت ثورة 14 تموز بعض تقاليدها وموروثاتها الفلكلورية في قرارات تاريخية مهمة كالاصلاح الزراعي والقانون رقم 80 ، ولكنها سرعان ما عادت ، بعصبية اشد ، الى موروثاتها وهوياتها القديمة : الطائفية والقبلية والاثنية بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي … ( 6 ) يظن مقتدى الصدر : ان بامكان ارادته ان تحل محل الواقع وتقلبه ، فيحقق الاغلبية الديمقراطية عبر تجمعات سكانية اهلية هي عبارة عن امارات او ممالك مستقلة عن بعضها ، ومستقلة باجمعها عن الدولة : لكل منها علمها ونشيدها وممثلها الذي يحاور التجمعات الاخرى ، و( جيشها الخاص : المكون من مجموعة شباب مدربين على القيام بغارات مسلحة سريعة " دگة عشائرية " داخل المدن : من وراء ظهر الدولة واجهزتها الامنية والقضائية ) . لقد كان عنف السلطات الدموي هو الذي وحَّدَ تجمعات السكان الاهلية ، وصهرتهم ماكنة القوات المسلحة في بوتقة ( الوحدة الوطنية ) كما كان يحلم ساطع الحصري ، ولكن بوتقة الوحدة الوطنية هذه : شهدت على نفسها بانها صاحبة " المجازر الجماعية " الاكبر في الشرق الاوسط ، والابكر ايضاً : شرع بها بكر صدقي بمذبحة سميل بحق الآشوريين 1933 ثم قمعَ انتفاضة عشائر الفرات الاوسط عام 1935 ، فطوبه الملك غازي : بطلاً قومياً ، فشجعه هذا اللقب على القيام باول انقلاب عسكري ، كان ضحيته جعفر العسكري وزير الدفاع وقتها . اما المقابر الجماعية المتوالية ، فهي انصاب تذكارية تشير الى " عظمة ما ( انجزته ) جميع السلطات ، فماذا سيفعل مقتدى الصدر لتحقيق الوحدة الوطنية ، وانجاز مشروع : الاغلبية ؟؟… ( 7 ) والعجيب انه بعد عشرين عاماً من انهزام صدام حسين ( الذي تبيّنَ انه لم ينجز شيئاً على المستوى العسكري لمواجهة العدو الزاحف اليه ، وسلم : مقاومته المزعومة ومصيره الشخصي بيد مَن سيوشون به الى القوات الامريكية ، وهي دلالة على غبائه الاستراتيجي : اذ ان التنبؤ بما سيحدث هو احد دلالات النبوغ الاستراتيجي ، ولو كان موهوباً بشيء آخر غير التهور : لما دخل بحرب اقليمية ابداً ) لم المح شيئاً من التفاؤل حول مستقبل العراق يشع من قسمات وجوه مَن التقيهم من العراقيين ، ولم اقرأ تحليلاً ايجابياً عميقاً لعراقي او اجنبي حول هذا المستقبل ابداً . وبهذا يكون مقتدى الصدر قد حجب الواقع عن النطق ، واجبره على السكوت وعدم التصريح بأنه يعيش سياسياً على اوهام ، وانه يريد تعميم هذا الوهم على اعضاء تنظيمه مطالباً اياهم بالاستمرار بالايمان بهذا الوهم : على انه الواقع الذي يجب ان يتعاملوا معه ، وتنطلق سياسات تنظيمهم منه ... ( 8 ) ان تحقيق الاغلبية الديمقراطية مشروط بوجود مجتمع حديث تتنافس على قيادته احزاب مجتمع مدني حرة من اي سلطة خارج كيانها ، وغير محاصرة من ميليشيات مسلحة بتقنية عالية كطائرات الدرونز والصواريخ الباليستية ايرانية الصنع . الاغلبية الديمقراطية تتحقق في مناخ الحريات والنضوج السياسي وليس في تجمعات اهلية معسكرة . والعراقيون لم يثبتوا في اي عهد من عهودهم السياسية التالية لانقلاب 14 رمضان 1963 : بانهم ارتقوا الى مستوى المجتمعات الحديثة ، ونبذوا العنف وعسكرة المجتمع ( معسكرات الطلبة والكشافة في عهد انتفاضة رشيد عالي الگيلاني والضباط الاربعة عام 1941 ، المقاومة الشعبية اثناء حكم عبد الكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958 ، الحرس القومي 1963 ، الجيش الشعبي من 1968 وصاعداً بما ضمه من تسميات جديدة حتى 2003 ، واخيراً وليس آخراً : الحشد الشعبي الذي يستفز مشاعرنا الوطنية ، باعلانه الولاء للولي الفقيه الايراني : على مرأى ومسمع من رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان ) …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الثاني من : في قيادة مقتدى الصدر
-
عن تجربة مقتدى الصدر في القيادة
-
قوات العم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي
-
في سياسة رئيس مجلس الوزراء العراقي
-
عيد العمال العالمي
-
واهداني الكاتب احمد الفارابي هدية العيد
-
هل كانت امريكا هي التي تثير التناقضات الطائفية بين السعودية
...
-
- المحتوى الهابط - في طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي
-
اليمين الاسرائيلي واليمين الفلسطيني وجهان لعملة واحدة
-
القوّة وحدها تملك امكانية تسمية الامكنة
-
في العام الجديد ( 2 ) المستوى السياسي
-
في العام الجديد
-
تسريبات الصحافي علي فاضل وشكل الحكم القادم في العراق .
-
هل هي صورة مجرم ام صورة لفائز بجائزة ؟
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء استمرار العنف في
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أَم النظام السياسي النيابي وراء استمرار
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق
...
-
النظام النيابي ام البنية الطلئفية وراء عنف الحوار في العراق
...
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثالث
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثاني
المزيد.....
-
ما مدى تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على المستهلكين
...
-
تصعيد إسرائيلي في جنين وغزة واستئناف مفاوضات المرحلة الثانية
...
-
مقررة أممية: فظائع إسرائيل بحق فلسطينيات غزة -إبادة جماعية ل
...
-
حزب الله يحدد 23 فبراير موعدا لتشييع نصرالله وصفي الدين معا
...
-
رئيس كولومبيا: سياسات ترامب فاشية
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|