|
فرنسيس فكوياما ونهاية التاريخ
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7633 - 2023 / 6 / 5 - 13:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
La fin de l’histoire / Le philosophe et l’homme politique Francis Fukuyama إن Fukuyama في اصداراته " نهاية التاريخ "، كان يحاول ان يقرأ " تاريخ " المجتمع الليبرالي ، والديمقراطية الليبرالية ، بناء على تفسير " نفساني " للتاريخ . لهذا نجده يبحث في تاريخ الفلسفة على سند لافتراضه هذا ، حاول جادا ان يعيد طرح أسئلة " وجودية " قديمة ، عن هوية الانسان ، وجوهر الانسان ، وطبيعة الانسان . فشرع يقلب صفحات الفكر الفلسفي اليوناني ، ليجد ضالته أخيرا في مفهوم " التيموس " ( Thymos ) الذي تحدث عنه أفلاطون على لسان سقراط في الكتاب الرابع من الجمهورية . وبعد ذلك ، سيكتشف Fukuyama انّ هذا ( Thymos ) الذي تحدث عنه سقراط / افلاطون ، شبيه الى حد بعيد ، بما اسماه Hegel " رغبة الاعتراف " ... وعليه فان Francis Fukuyama ، سوف يخلص الى انّ هناك اتجاهين ، تعاملا مع " تاريخ " الليبرالية ، ارتكازا على هذا الجانب من شخصية الانسان ، الذي يكون جوهره او طبيعته ، أي ( Thymos ) ، أو " رغبة الاعتراف " ، فكان الاتجاه الذي سماه بالانجلوساكسوني – اتجاه " هوبز / لوك – الذي تأسس عليه مفهوم الليبرالية الامريكية فيما بعد . وهناك الاتجاه الثاني الذي يجسده Hegel ، ومهما كانت حدود صحة تأويل Fukuyama ل Hegel ، فانه ، أي Fukuyama يحاصرنا بالتأكيد على انه يستند في قراءته ل Hegel ، على تأويل Alexander Kojève له ، أي يستند على فيلسوف جديد مركب ، قد يكون Hegel / Kojève . ان الاتجاهان معا متشابهان من حيث قراءتهما ل " نهاية التاريخ " . فالحقيقة الاجتماعية الأولى ، ليست الحب ولا الوفاق ، بل حربا لكل انسان ضد كل انسان ، ورغم ان " هوبز " لا يستخدم عبارة التنازع من اجل الاعتراف ، فان هذه الحرب الاصلية للكل ضد الكل ، هي بصفة جوهرية الرهان نفسه بالنسبة Hegel . لكن الاتجاهين يختلفان من حيث انهما يفسران مهمة الديمقراطية الليبرالية ، تفسيرا متباينا ، ولو من الناحية الشكلية . ففي حين ان الليبرالية تقوم في نظر التقليد الانجلوساكسوني Anglos Sachsen على اخضاع ( Thymos ) ، او " رغبة الاعتراف " ، الى مركب من الرغبة والعقل ، بحيث تتقلص المسافة الزمنية لذا هذا التقليد بين " بداية التاريخ " و "نهايته" . لان رغبة الانسان في " الاعتراف " ، هي في نظر Fukuyama أساس المعارك التي خاضها الانسان غير ما مرة ( منذ الثورة الفرنسية الى الآن على الأقل ) ، لان هذه الرغبة تحققت بصورة شاملة مع البداية الأولى لتشكل الليبرالية ، حيث تحولت الدولة دون قيام " حرب الكل ضد الكل " ( الدولة عبارة عن صفقة ) ، في حين ان Hegel لا يجعل من هذه المعارك الدموية نهاية للتنازع من اجل الاعتراف . ان هذه الرغبة في الاعتراف او Thymos ، ستكون عبارة عن محرك التاريخ منذ Francis Fukuyama . فبداية التاريخ عنده هي بداية وعي الانسان بجوهره وطبيعته . إذ بوعيه هذا ، سوف ينازع من اجل الاعتراف ، أي سيخوض معارك دموية من اجل فرض الاعتراف بكرامته كانسان حر. هذه العملية التي يتلازم عبرها وعي الانسان ، بطبيعته وكفاحه من اجل اثباتها ، هي ما يشكل البداية الأولى لتشكل المجتمع الليبرالي . ان هذا المجتمع الذي سوف ينتج لنا عبر تطوره صيغة معينة لإشباع هذه الرغبة ( رغبة الاعتراف ) اشباعا تاما ، هي صيغة الديمقراطية الليبرالية . فيتحقق إذن الاشباع الكلي لرغبة الاعتراف التي هي محرك التاريخ ، فتكون بذلك نهاية التاريخ ممكنة . ان بهذه الخطاطة النظرية التقريبية ، يحاول Fukuyama ان يناقش النهاية الممكنة للتاريخ . وعليه فان Fukuyama يقوم بطرح تساؤلات فلسفية حول هذه " النهاية الممكنة " ، دون ان يخامره ادنى شك في منطلقات تفكيره هذا ، أي اعتبار Thymos او رغبة الاعتراف ، محركا للتاريخ ، وبداية الوعي بها ، بداية للتاريخ . وأيضا هي بلا ريب – نهاية كوْن رغبة الاعتراف الشاغلة للإنسان ، لكن تساؤله ينصب حول ما اذا كانت الصيغة الحالية للديمقراطية الليبرالية مرضية تماما ؟ . فاذا كان الامر كذلك ، فإننا نعيش الآن نهاية ما للتاريخ . في هذا الاطار ، يتحدث Fukuyama عن انتقادين موجهين الى هذا الاعتراف المتحقق ، في ظل الصيغة الحالية للديمقراطية الليبرالية ، وكلاهما يسميه بانه اعتراف غير عادل . الانتقاد الأول صادر عن " اليسار " حسب منطق Fukuyama ، مفاده ان الديمقراطية الليبرالية ، تدعي تحقيق المساواة بين طرفين ، هي في الواقع تعمق الفوارق بينهما ( ينبغي الإشارة ان اصدار نهاية التاريخ ، يورد مثالا وهميا او ضبابيا عن هذين الطرفين ، وهو مثل الزبال من جهة ، ولاعب كرة القدم ، وجراح دماغ من جهة ثانية ) ، في حين ان الانتقاد الثاني فهو صادر عن " اليمين " النيتشوي " Friedrich Nietzsche ، ومفاده ان هذا الاعتراف غير عادل كذلك ، لأنه يساوي بين اطراف هي غير متساوية في الأصل ، او على المدى البعيد بتعبير Fukuyama ، وهذا الانتقاد ، يشير Fukuyama ، يستند الى فلسفة Friedrich Nietzsche ، فهذا الاعتراف غير عادل ، لأنه يجب ان يكون اعترافا فيما بين السادة الأقوياء / الأغنياء . ولا يجب ان يشمل العبيد / الرعايا الضعفاء / الفقراء . وهذا الرأي الأخير ، هو الذي يجب تطويره في نظر Fukuyama . اذن ألا يمكن ان نعتبر الآن ان Fukuyama يحاول ان يجدد النظر في الفكر الغربي ، بحثا عن دعائم جديدة للإيديولوجيا الامبريالية ؟ . لكنها هذه المرة تشكل دعائم ذات صبغة تنظيرية / فلسفية ، خصوصا وان أمريكا التي تحاول قيادة العالم ، تحاول ان تصبح شرطيا للعالم ، وقد أصبحت كذلك بالفعل . فينبغي لها اذن ان تبحث عن سند فلسفي عام وشامل لأيديولوجيتها ، يكون اقوى من الصيغة القديمة ، لأنها بالضبط أدت دورها ، أي صيغة الديمقراطية وحقوق الانسان ، لأنه لا يخفي على احد كيف كانت ، ولا تزال أمريكا رأس الحربة في الغرب الامبريالي ، تستغل قضية الديمقراطية وحقوق الانسان ، لتبرر تدخلاتها السافرة والمتكررة في شؤون العالم الثالث غير المصنع ، من اجل تحقيق نهب افضل واعم لخيرات شعوبه الطبيعية والبشرية ، خدمة لنار جشعها الذي لا يقف عند حد . فكانت اذن قضية الديمقراطية وحقوق الانسان ، هي الصيغة القديمة لإيديولوجيا أمريكا الامبريالية ، التي على أساسها تعمل على استقطاب الدول والهيئات ، والتنظيمات الدولية ، في صراعها المستميت ضد " الشرق " . والان وقد انهار هذا الشرق ، ولم تعد أمريكا بحاجة الى الاستتباع ، بل تعمل على تمكين نفسها من سيطرة اقتصادية وعسكرية على العالم ، سيطرة مطلقة . فلا بد لها اذن من أسس " جديدة " لأيديولوجيتها ، تتلاءم والنظام العالمي الجديد . فلا بد من صيغة اكثر شفافية للإيديولوجيا ، تتناسب مع شفافية وعرى هذا النظام . والسؤال المطروح . منْ يضمن ان Fukuyama عندما يتحدث عن قاعدة كونية للاعتراف ، او الرغبة الكونية في المعرفة .. منْ يضمن انه لا يتحدث عن سيادة هذه الفكرة ، كقاعدة لتنظيم العلاقات في المجتمع الدولي ؟ . هناك معطى ما ، يمكن ان نعتبره دليلا على ذلك . ف Fukuyama عندما حاول ان يستقرئ آفاق التغييرات في الشرق ، على ضوء فهمه للعلاقات القومية والديمقراطية ، وقيم السوق ، أشار غير ما مرة ، وبوضوح كاف للغاية ، الى ضرورة التدخل الأمريكي في دول الشرق ، لحسم مشكلة القومية ، لان القومية في رأيه بدون قيم الليبرالية ، وقيم اقتصاد السوق ، قد تؤدي الى فاشية جديدة .. ان مشكلة Fukuyama ، انه عندما اصدر " ناهية التاريخ " ، فهو لم يستوعب حقا المعطيات الدولية المتجددة ، والمتغيرة ، وكأن الكون تحكمه " الكتب المنزلة " ، في حين ان الصراع الدولي ، ليس قارا على قاعدة وحيدة ، لكنه وحده يملك شروط بقاءه او تغييره ، ولما لا حتى نهايته . فFukuyama الذي ربط نهاية الكون ، بنهاية الحرب البادرة ، وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق ، وسقوط دول اوربة الشرقية ، وسيادة الاتجاه الوحيد والاوحد ، او سيادة القطب الواحد ، ونهاية سيادة القطبين ، كل هذا ادحض تنبؤات Fukuyama " نهاية التاريخ " ، ونحن شاهدين على ذلك ، لان التاريخ سواء بدايته ، او نهايته ، غير مرتبطة بقوانين الجاذبية ، بل هي مرتبطة بالكائن البشري الذي وحده من يحكم ببداية التاريخ ، ويحكم بنهايته .. فبروز المارد الاسيوي في الصين ، وخروج روسيا من الضائقة الى الرفاهية .. ، ابطل نظرية نهاية التاريخ ، وانعش مرحلة جديدة نسميها ببداية التاريخ . فالتاريخ نهايته او بدايته ، هي بشرية وإنسانية يحكمها قانون الحتمية ، خاصة وان الانسان صانع بداية التاريخ ، او نهايته ، لا يزال هو قلب تحول التاريخ نحو الامام ، ما دام طموح الانسان ليس محدودا .. فالتاريخ لم ينتهي ابدا ، والتاريخ ليس روسيا والولايات المتحدة ، بل التاريخ جوهره جرأة وشجاعة الانسان ، الذي لا يزال يفعل في الطبيعة والكوْن ، بما يحقق غاياته الغير مرتبطة بنظام من الأنظمة .. فالتاريخ اذن لم ينتهي ، ولم يبتدأ حين كتبت له حياة جديدة .. فالتاريخ الانسان الذي يطور الاحداث التي تصنع التاريخ ، لا يزال مستمرا ومتواصلا ، والتاريخ بذلك لم يعرف نهاية بعد ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخطاب الفلسفي والخطاب الغوغائي
-
ثلاثة أجهزة مخابراتية ، تتآمر لخلق الاضطرابات الاجتماعية في
...
-
التنظيم السري او البنية السرية
-
الدرس المستفاد من الهزيمة المدوية للحزب الاشتراكي العمالي ال
...
-
هل القضاء مستقل في المغرب ؟
-
المظاهرة ، التظاهر ، والمسيرة
-
قصيدة شعرية بعنوان -- لن يتحد الليل مع النهار
-
المثقف والسياسة
-
أين وصل نزاع الصحراء الغربية ؟
-
الخونة وخيانة وطن
-
من يحكم الله ، أم الشعب ؟
-
المفوضية الاوربية تدعو الاتحاد الأوربي ، الى عدم تجديد اتفاق
...
-
هل النظام السياسي المغربي قابل للإصلاح
-
السياسة الثقافية واللغوية بالمغرب
-
إدارة تويتر وإدارة الفيسبوك
-
جبهة البوليساريو
-
البنية السرية
-
هل هناك شيء يدبر ضد شخص الملك محمد السادس ؟
-
قوة الأشياء وقوة الأفكار
-
الاتحاد المغربي للشغل
المزيد.....
-
نتنياهو يبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة خلال زيارته إلى أم
...
-
السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق
...
-
هيغسيث: -داعش- تكبدت خسائر جراء الضربة الأمريكية في الصومال
...
-
قلق في إسرائيل بسبب منصب رئيس وفد المفاوضات مع حماس
-
وزير الخارجية المصري: لن تنعم المنطقة بالسلام ما لم تقم دولة
...
-
تقدم روسي.. وترمب يصر على الحل بأوكرانيا
-
لقطات جوية من مكان تحطم طائرة طبية في مدينة فيلادلفيا الأمري
...
-
بولندا.. مرشح المعارضة للرئاسة يتعهد بإعادة 20 مليون بولندي
...
-
ويتكوف ونتنياهو يتفقان على بدء مفاوضات المرحلة الثانية لوقف
...
-
الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية ارتكبت جريمة حرب جديدة بقص
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|