أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - موتى ديمقراطية الزجاج المكسور















المزيد.....

موتى ديمقراطية الزجاج المكسور


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 509 - 2003 / 6 / 5 - 18:12
المحور: الادب والفن
    


 

 

               فصل واحد
*تاريخ أول نشر: 2002، كانون الأول.

مقبرة في مساء عراقي أواخر الخريف بعد سقوط النظام. أوراق أشجار صفراء متساقطة. عواء كلب بعيد.  الدفان ومساعده يجلسان على حافة قبر. يظهر في الخلفية مشهد هلال مشع من فوق ضريح. تبدو أشجار المقبرة بأغصانها الطويلة والرشيقة كدموع أو أذرع أو صلبان في هذا الغسق العراقي المحمر.

 الدفان:
سبحان مغير الأحوال. لم يعد الشغل كما كان في العهد السابق. نحمد الله ونشكره على كل شيء.

 المساعد:
 كل قوم بما لديهم فرحون. رغم أننا تضررنا من هذه التطورات إلا أن وضع الجماهير في وضع أفضل.
لم يعد هناك قتلى حروب
أو قتلى سموم
أو قتلى سجون
   أو قتلى شوارع  أو قتلى تعذيب أو قتلى رميا بالرصاص  أو قتلى انقلاب سيارات من فوق الجسور أو من فوق القناطر،
ولا قتلى انقلاب قصر أو انقلاب حافلة مريب أو قتلى انقلاب عقائدي أو قتلى انحراف سياسي أو انحراف حزبي أو انحراف ثقافي أو انحراف شعري
أو قتلى محاولة قلب نظام الحكم
أو قلب نظام الأكل
أو قلب نظام الكلام
أو قلب حاوية زبل.

قتلى هذه الأيام من نوع آخر مثير للعجب.

الدفان:
 قتلى هذا الزمان هم قتلى مغص معوي أو تخمة
أو مغص فكري
أو مغص نثري
أو مغص عاطفي.

قتلى عقارات ومنافسات ووشايات ومراكز قوى.
قتلى صراع على البرلمان أو صراع على الوزارة أو صراع على  عقب سيكارة مسؤول أو مقاول أو مليونير الساعات الأخيرة من عمر النظام السابق،
أو صراع على بصقة رئيس البرلمان،
أو صراع على منفضة سكائر زعيم حزب
أو صراع على منصب سفير متسول
أو صراع على علبة قمامة مفوض شرطة.

قتلى هذا الزمان هم موتى بلا رصاص.
موتى أحذية
أو موتى مراقص.
أو موتى معركة في مقهى أو بار أو جامع أو نادي أدبي.
قتلى التهاب في المصران
أو التهاب في القولون الفكري.
قتلى وسائد حريرية أو وسائد مخملية.
قتلى نوبات قلبية
أو نوبات غرامية
أو نوبات عدمية
أو وجودية تدفع القادمين من المنفى إلى الشرب إلى درجة الجنون وإلقاء الجسد من فوق عمارة أو من فوق جسر
أو فوق صدر
أو في بالوعة ماء آسن.

ليلة البارحة عثرت على أحدهم سكران وهو يصرخ في بالوعة في الطريق:
ـ وينك؟ وين غبت كل هذه السنوات؟
وعندما سألته( من تنادي؟) قال:
 ـ الحظ!

أو موتى قطار سريع وعلى طريقة الموت الاستعراضي أمام الناس لكشف الموهبة أو كشف العورة أو كشف الخيبة تحت شعار( عاصفة  فرح) وفي الحقيقة هو موت يشبه الانتقام من النفس بعد الفشل.

وقتلى هذا الزمان هم قتلى صراع نسوان وصراعات مسابقات الديكة التي تجري في الشوارع،
وقتلى معارك الحداثة والتجريب والعولمة.
ومعارك العقارب التي نقلها المنفيون من آسيا.
أو معارك القردة التي نقلها العائدون من دولة البعير الواحد، والحزب الواحد، والمغني الواحد، والسجن الواحد،
وقتلى معارك الحب والحشيش والأفيون والرغبة الإباحية  التي نقلها العائدون من بلاد الثلج والضباب والعري والليبرالية وحقوق الإنسان وجائزة نوبل للسلام
والرفق بالقملة.

المساعد:
 في العهد السابق كان هناك قتلى حرية وقتلى تمرد وعصيان مدني وديني وعصيان مسلح
وتمرد على الفراش
وعدم النهوض في معارك الدولة.

وتمرد على قواعد الثياب الموحدة بالبقاء في الحمام عراة نصف اليوم.
وكان هناك قتلى حنين،
وقتلى مشاريع ثورية،
ومشاريع دواجن،
ومشاريع كبت جنسي وفكري وأدبي واقتصادي وعقائدي ولغوي.

وكان هناك قتلى يأتون إلى المقبرة وهم يمسكون في قبضاتهم المضمومة
رايات
وشعارات مضادة للسلطة
أو رايات الثورة القادمة عليها
نجمة الحرية
أو طائر الحرية
أو علامة المنجل
أو علامة الفأس
أو علامة القلم.

قتلى اليوم يأتون وفي يد كل واحد منهم راية هي عبارة عن
لباس داخلي مبقع من أحد المواخير الليلية
أو عازل أو مانع جنسي لا يزال في عضوه وهو يعزف السلام الجمهوري الأمريكي و الملكي البريطاني.

أو في يده صورة خلاعية
أو في فمه شوكولاتة،
أو كمان  عزف عليه قبل أن يسقط آخر لحن في زريبه اسمه:
( درب الصد).

أو في يده باقة بخور
أو باقة برسيم
حصل عليها كهدية لنتاجه الثقافي في مجال
حرب النجوم
وتصحر القمر
أو كتقدير لجهوده القيمة في معارك مطاردة الخصوم الذين فروا إلى القطب، فقرر متابعتهم ومحاسبتهم على
عزلتهم
وأمراضهم
ونوبات حنينهم
وطول أهدابهم التي وصلت من كثرة الأمل والانتظار والحزن إلى القمر والأبدية،
أو في يده قنينة دم على جهوده القيمة في تصفية كل من فرّ
 بجلده
أو بفروة رأسه
أو قمله إلى الثقوب السوداء،
أو على صدره نياشين معارك تزوير أخبار الطقس.

الدفان:
هل تذكر موتى الزمن الغابر؟
كان الميت ميتا حقيقيا وليس ممثلا كما هو الآن.
كنا ندفنه مرة واحدة وننتهي.
الآن ندفنه في الصباح فيعود لنا في المساء ويعاتبنا على كمية التراب.
كان الميت في الماضي مصابا بعشرة آلاف رصاصة، ومشنوقا عدة مرات، وكمية من الثاليوم تقتل قارة من الخنازير، ومع ذلك يقاتل عند الدفن ويرفض دخول القبر حتى نكسر له ظهره مرة أخرى.

موتى الماضي كانوا يبصقون عليك عند الدفن.
جماعة تغني، فريق يرفس ويلعب كاراتيه، وفريق يبكي حتى تصير دموعه أنهارا كما تقول الأغنية.
حتى لو كان أحدهم قد سقي طنا من الزرنيخ والثاليوم  والتيزاب،فهو عند الدفن ينظر إليك بعيون مفتوحة ويكاد يصرخ بك كديك مجنون.

المساعد:
موتى الماضي قتلى صراع التاريخ.

الدفان بانزعاج:
وهؤلاء؟

المساعد:
هؤلاء قتلى أفخاذ.
موتى هذه الأيام يأتون إلى القبر ضاحكين أو مبتسمين أو فرحين.
تمسك أحدهم في المغسل من إبطه فيضحك.
تمسكه من ذراعه فيقهقه.
تمسكه من خصره فيصاب بنوبة إغماء من الضحك.
ماذا جرى هذه الأيام؟ ماذا حصل؟

الدفان:
هذا زمن الفرطنة.
صحيح أننا خسرنا كثيرا لأن الرزق لم يعد بالجملة كما كان في الماضي القريب، لكن الدفن هذه الأيام صار متعة ورياضة وهواية كالشرب والتدخين والجري وكرة القدم
أو الكتابة
أو الشخير على أبواب التاريخ.
أعجبني ميتا البارحة.
قلبته على ظهره لكي أرى اثر التعذيب السابق فلم أجد غير شريط أحمر من أثر قبلة طويلة مهلكة سقط بعدها ميتا.
آخر فتحت له فمه لكي اغسل أسنانه فوجدتها كلها ذهبية.
في حين قتلى الماضي كانوا يأتون بلا أسنان،
وبجلود مطرزة بالخطوط كخطوط الحمار الوحشي.

انخفضت رغم ذلك نسبة الموتى.

المساعد:
تصور آخر قرار من حكومتنا الرشيدة هو قرار تاريخي ونادر وسبق في مجال حقوق الإنسان: يمنع منعا باتا إطلاق النار بالذخيرة الحية أو العتاد الخلب أو الرصاص المطاطي أو خراطيم المياه على الجماهير المحتجة مهما كان السبب.

الدفان:
وكيف سيفرقون الجماهير؟

المساعد:
عن طريق إطلاق عيارات فقاعية على شكل قبلة تلتصق بشفتي المتظاهر أو المتظاهرة حتى تسقط أو يسقط من الشهوة والشبق، مغميا عليه من الانخطاف.

الدفان فرحا:
ولماذا إذن لا نتظاهر؟
لماذا لا نهتف بسقوط الحكومة؟
لماذا لا نحتج على الاحتلال؟
لماذا لا نقول ..لا لعربدة التاريخ؟
لماذا لا نطالب بزيارة الأجور وساعات الشغل؟
لماذا نحن لا نطالب بتعميم نموذج الديمقراطية الشهير الذي سيحولنا إلى أثرياء؟

المساعد حائرا:
 أي نموذج؟

الدفان:
النموذج الصومالي طبعا!

 


 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البرلمان وديمقراطية الزجاج المكسور خطاب زعيم الكتلة البرلمان ...
- حقوق ديمقراطية الزجاج المكسور
- المرادي وديمقراطية الزجاج المكسور
- لكي لا يحدث هذا مرة أخرى
- الروائي محسن الرملي وبورخيس وأنا
- حديقة رزكار
- رسالة إلى سياسي عراقي قبل اغتياله
- الروائي اليوناني كازنتزاكي/ المنشق2
- نقد العقل الجنسي مرة أخرى
- أوقفوا عصابات الطارزاني/ نداء
- لا تنسوا المعلم هادي العلوي
- جمهوريات رعب استان
- عساك بالفراغ الدستوري
- الروائي اليوناني كازنتزاكي ـ المنشق 1
- خطاب التجييش ، خطاب سلطة
- أفراح الزمن المعقوف
- العصيان الثقافي
- أزهار تحت أظلاف الخنازير
- الاغتيال المبكر
- وطن العبيد


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - موتى ديمقراطية الزجاج المكسور