|
الدعاء والاجابة حسب الفلسفة العرفانية ووجه الشبه مع التنمية البشرية
خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 7624 - 2023 / 5 / 27 - 09:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عند النظر إلى العلاقة بين الدعاء والإجابة في إطار الفلسفة العرفانية، نجد أنه يتم التركيز على تجربة الفرد الروحية وتواصله مع الواقع الإلهي. ترتبط هذه العلاقة بعدة جوانب منها المسافة بين الدعاء والإجابة. في هذا المقال، سنناقش فكرة أن المسافة بين الدعاء والإجابة في العرفان ليست مجرد مسافة زمنية، بل تتعلق بالحالة الروحية والاستعداد الداخلي للفرد. في الفلسفة العرفانية، يعتبر الدعاء وسيلة للتواصل الروحي مع الإله والوصول إلى المستويات العليا من الوعي والتواجد. يؤمن المتعمقون في هذا النهج الفلسفي أن الإجابة على الدعاء تتوقف على الحالة الروحية للفرد واتصاله العميق بالإله. بالتالي، فإن المسافة بين الدعاء والإجابة ليست قاطعة بالضرورة ولا تعتمد على عوامل زمنية خارجية فحسب، بل تعتمد أيضًا على تجهيز الفرد الداخلي واستعداده الروحي. لفهم هذه الفكرة بشكل أعمق، يمكننا النظر في بعض النقاط الرئيسية في الفلسفة العرفانية: 1. الانغماس الروحي: يعتبر الانغماس الروحي أحد العوامل المهمة في إحضار الإجابة على الدعاء. يشير إلى القدرة على الانصهار مع الواقع الإلهي والتحول إلى حالة من الوحدة والاتحاد مع الإله. عندما يكون الفرد قادرًا على التخلص من العوائق الداخلية وتحقيق هذا الانغماس، يكون قريبًا جدًا من الوصول إلى الإجابة. 2. الخلود في الحاضر: يشدد العرفان على أهمية الاستمرار في الحاضر والتركيز على اللحظة الحالية. يعتقد المتعمقون في العرفان أن القلق والتفكير في الماضي أو المستقبل يعيقان الانسجام الروحي ويبعدان الفرد عن الوصول إلى الإجابة المرجوة. بدلاً من ذلك، يُشجع الأفراد على التواجد في الحاضر بشكل كامل والاندماج مع اللحظة الحالية. من خلال هذا التركيز العميق، يتم فتح الباب لتحقيق التواصل الروحي والاستجابة للدعاء. 3. الانفتاح والاستقبال: في العرفان، يُعَزَّز الانفتاح والاستقبال الروحي للإجابة. يتطلب ذلك أن يكون الفرد مستعدًا لاستقبال الإجابة بفتح قلبه وعقله لتدفق الوعي الإلهي. يعتبر هذا الاستعداد الداخلي للقبول والاستقبال من العوامل المهمة في تقريب المسافة بين الدعاء والإجابة. ومن الجدير بالذكر أن العرفان لا يتعامل فقط مع الجانب الروحي والميتافيزيقي، بل يشمل أيضًا الجانب العملي للحياة. يعتبر العمل الصالح والتطوير الشخصي والعمل على تحسين الذات جزءًا أساسيًا من تجربة العرفان. من خلال العمل على تحسين الذات والقيام بالأعمال الصالحة، يتم تقريب المسافة بين الدعاء والإجابة بشكل أكبر، حيث يصبح الفرد أكثر استعدادًا لاستقبال النعم والإجابات الإلهية. لدعم هذه النقاط، يمكن الرجوع إلى الأدبيات العرفانية والمصادر المتعلقة بهذا الموضوع، مثل كتب الصوفية، يمكن أن نستشهد ببعض المصادر التي تدعم فكرة المسافة بين الدعاء والإجابة في العرفان. إليك بعض المراجع المهمة في هذا السياق: 1. كتاب "المحض الروحي" (The Pure Heart) للصوفي الكبير أبو حامد الغزالي. يتحدث هذا الكتاب عن تجربته الروحية الشخصية والعملية للوصول إلى التواصل مع الإله وأهمية الحالة الداخلية للفرد في تحقيق الدعاء المستجاب. 3. كتاب "رقص الصوفية" (The Sufi s Dance) للكاتب الروسي سوكولوف. يتناول هذا الكتاب مفهوم الدعاء والتأمل في التصوف، وكيفية تأثير حالة الروح والتركيز الداخلي في قوة الدعاء واستقبال الإجابة. 4. كتاب "التصوف الإسلامي: نظرة من الداخل" (Islamic Mysticism: A View from the Inside) للدكتور أبو الحسن علي ندوي. يقدم هذا الكتاب نظرة شاملة على التصوف الإسلامي ومفاهيمه، بما في ذلك العلاقة بين الدعاء والإجابة وأهمية الحالة الروحية في تحقيقها. 6. الأعمال الكاملة للشاعر الصوفي العالمي جلال الدين الرومي، مثل "ديوان شمس التبريزي" و"مثنوية المعنويات". تعكس قصائده العميقة والمعبرة عن تجربته الروحية، بما في ذلك السعي المستمر للتواصل مع الإله وأهمية الاستعداد الداخلي والصفاء في تحقيق الدعاء المرجو. تجدر الإشارة إلى أن هذه المصادر تعكس تجارب وآراء فردية في العرفان ولا تعبر بالضرورة عن جميع المدارس الفلسفية الصوفية، الا انها توفر لنا إطارًا لفهم الفلسفة العرفانية وتفسير العلاقة بين الدعاء والإجابة. يمكن استخدام هذه المصادر كمراجع إضافية للاستزادة من المعرفة والتعمق في موضوع المقال. باختصار، في الفلسفة العرفانية، تتوقف مسافة الدعاء والإجابة على الحالة الروحية والاستعداد الداخلي للفرد، وهي ليست مجرد مسألة زمنية. الانغماس الروحي والتركيز في الحاضر، بالإضافة إلى الانفتاح والاستقبال الروحي، يلعبون دورًا حاسمًا في الوصول إلى التواصل الروحي والحصول على إجابات للدعاء. من خلال دراسة الكتب المذكورة والمصادر الأخرى في العرفان، يمكن للقارئ أن يستوعب المفاهيم والممارسات الروحية التي تعزز قرب المسافة بين الدعاء والإجابة. ومن المهم أن يراعي الفرد أن العرفان مسألة شخصية وتجربة فردية، وقد يختلف التفسير والتطبيق من شخص لآخر. في هذا الاطار، يجب على الفرد أن يسعى لبناء علاقة وثيقة مع الإله والتواصل الروحي من خلال الدعاء والتأمل، وأن يتطلع لتحقيق الحالة الروحية المطلوبة التي تقربه أكثر من الإجابة على دعواته.
ما وجه الشبه مع التنمية البشرية
يمكن العثور على بعض الشبه بين الفلسفة العرفانية ومجال التنمية البشرية فيما يتعلق بمفهوم التواصل الروحي والتطور الشخصي. فيما يلي بعض النقاط المشتركة: 1. التوجه نحو التحقق الذاتي: كلا المجالين يركزان على التطوير الشخصي والنمو الروحي. يهدفان إلى تحقيق النضج الروحي وتطوير الوعي الذاتي. 2. الاعتراف بالروحانية: وفقًا للفلسفة العرفانية والتنمية البشرية، يعترف كلا المجالين بوجود جانب روحي في الإنسان. يتعاملان مع الجانب الروحي بشكل متكامل ويعززان ارتباط الإنسان بجوانبه الروحية. 3. التركيز على التواصل العميق: يعتبر التواصل الروحي والتواصل العميق جزءًا أساسيًا من كلا المجالين. يؤمن كل منهما بأهمية التواصل العميق مع الذات ومع العالم الروحي لتحقيق التحول والنمو الشخصي. 4. البحث عن الحقيقة والوعي: يتوجه كلا المجالين نحو استكشاف الحقائق العميقة والوعي الروحي. يعملان على توسيع الوعي وفهم الحقائق الروحية وتطبيقها في الحياة اليومية. 5. التأمل والانغماس الداخلي: يشترك كلا المجالين في تشجيع الممارسات مثل التأمل والانغماس الداخلي كوسيلة للتواصل مع الروح وتطوير الوعي الروحي. على الرغم من هذه الشبه، يجب أن نلاحظ أن التنمية البشرية تشمل أيضًا مجموعة واسعة من المفاهيم والأدوات والتقنيات التي قد لا تكون متوفرة في الفلسفة العرفانية. ومع ذلك، يمكن أن تكون هناك تداخلات واستفادات مشتركة بين الفلسفة العرفانية ومجال التنمية البشرية في موضوع التواصل الروحي. يمكن أن تلعب الفلسفة العرفانية دورًا في توجيه النهج والمبادئ الروحية التي تساهم في تنمية الإنسان بشكل شامل. بينما يمكن للتنمية البشرية توفير أدوات وتقنيات ملموسة لتحقيق التواصل الروحي وتعزيزه. على سبيل المثال، يمكن استخدام ممارسات التأمل والتواصل العميق المأخوذة من الفلسفة العرفانية في سياق التنمية البشرية. يمكن للأفراد استخدام تقنيات التأمل للاتصال بعمق مع الجانب الروحي من ذاتهم وتعزيز الوعي الذاتي والتحول الشخصي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام مبادئ العرفانية لتعزيز الحاجة إلى النمو الروحي وتطوير الأخلاق والقيم الروحية في مجال التنمية البشرية. تتعاون الفلسفة العرفانية والتنمية البشرية أيضًا في تعزيز الصفات الإيجابية والقدرات الروحية للإنسان. يشجع كلا المجالين على تعزيز الحب والتفاني والرحمة والتواصل الحقيقي مع الآخرين. يمكن أن يؤدي التواصل الروحي المتقدم إلى بناء العلاقات العميقة وتحقيق الرفاهية الروحية الشاملة. بالتالي، يمكننا أن نرى أن الفلسفة العرفانية والتنمية البشرية لهما القدرة على التكامل والتعاون في مجال التواصل الروحي. تعمل الفلسفة العرفانية على تقديم المفاهيم والمبادئ الروحية العميقة، في حين توفر التنمية البشرية مجموعة من الأدوات والتقنيات الملموسة التي تساهم في تعزيز التواصل الروحي وتحقيق التطور الشخصي. إليك بعض الأمثلة: 1. تقنيات التأمل: توفر التنمية البشرية تقنيات التأمل والاسترخاء التي يمكن استخدامها لتهدئة العقل والانغماس الداخلي. يمكن أن يساعد التأمل في توجيه الانتباه نحو الروح وتواصلها وتعزيز الوعي الروحي. 2. البرامج التدريبية وورش العمل: تقدم التنمية البشرية برامج تدريبية وورش عمل تركز على التواصل الروحي والتطور الشخصي. تتضمن هذه البرامج تقنيات التواصل الفعّال والاستماع الواعي والتواصل غير اللفظي والتواصل العميق. 3. المرشدين والمعالجين الروحيين: يمكن للمرشدين والمعالجين الروحيين العمل في مجال التنمية البشرية وتوفير الدعم والتوجيه الروحي. يستخدمون أدوات وتقنيات مختلفة مثل الاستماع الفعّال والتواصل العميق للمساعدة في تحقيق التواصل الروحي والتنمية الشخصية. 4. العروض والموارد الروحية: تقدم التنمية البشرية العروض والموارد الروحية المختلفة التي تهدف إلى توفير المعرفة والإلهام في مجال التواصل الروحي. يمكن الاستفادة من الكتب والمقالات والمحاضرات والمواد المتعلقة بالروحانية والتنمية الشخصية. عندما يتم استخدام هذه الأدوات والتقنيات بشكل صحيح ومتوازن، يمكن أن تساهم في تحسين التواصل الروحي وتعزيز التطور البشري.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نموذج التنمية التمييزي وعدم الاستقرار العالمي
-
الفقر المستشري حول العالم وسبل المواجهة
-
كيف تحاور ابن رشد مع الغزالي ووجه الشبه مع الحوارات المعاصرة
-
لذة الحب الفراق
-
حدس
-
الانسان الكامل وفق فلسفة ابن عربي
-
جولة مع ابن عربي
-
الاستحقاق الذاتي مقابل الطاقة الكونية
-
لون الدم
-
انت مرساي
-
وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية: الاستراتيجيات والحلو
...
-
في الصحراء
-
باتجاه الضوء
-
صلاة يقين
-
مداك البعيد
-
الذكاء الاصطناعي والمخاطر الواردة
-
اختيار
-
لمحة عن دور امريكا واسرائيل في الحرب البيولوجية
-
صدى السكون
-
طوق حلم
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|