أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - حين تُفسد الحكومة مواطنيها














المزيد.....

حين تُفسد الحكومة مواطنيها


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7620 - 2023 / 5 / 23 - 14:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الأسرة الممتدة من الأب وأبناءه الذكور الثلاثة وزوجاتهم وأطفالهم كان الأب، جدي لوالدي، هو صاحب السلطة العليا والأمر والنهي، بيده وحده كل الميزانية، دخلاً ومصروفاً. في كل موسم حصاد لمحصول الأرز، كان يشرف بنفسه على تعبئة الغلة في أشولة تحضيراً لتوزيعها إلى ثلاث حصص معلومة المقادير مسبقاً: (1) حصة الحكومة، التي يتم تسليمها لشونة الدولة؛ (2) حصة السوق، التي تباع في سوق القرية مقابل المال؛ (3) حصة الخزين، التي تخصص لإطعام أفراد الأسرة وإخراج نصيب الذكاة والصدقة على المحتاجين ومجاملة بعض الأقارب من العائلة الكبيرة.

أثناء التعبئة، كان يأمرني بإحضار الحصى الطيني الخارج من غربال ماكينة الدراية بعد فصله عن الأرز لإعادة خلطة بالأرز النظيف مجدداً. أكثر من ذلك، كان يكلفني بتفتيش المكان المحيط بحثاً عن كل ما هو صغير الحجم لكن ثقيل الوزن، مثل الرمل وحبات الزلط أو الحجر أو الطين المتناهية الصغر، لكي آتي بها وأخلطها بحبات الأرز النظيف إلى درجة أن تصبح هذه الأخيرة لا تعدو أقلية مستضعفة داخل الشوال. كنت أتساءل باستغراب: لماذا يتعمد جدي إفساد غلة محصول قد تعبنا فيه طوال شهور؟! كنت أحزن وأغضب بداخلي، لكن لا يمكنني سوى تنفيذ الأوامر.

تنفيذاً للأوامر، كنت أخلط بيدي كل هذا الوسخ بحصة الحكومة فقط التي سيتم تسليمها لشونة الدولة. وما كان أياً منه يمس الحصتين الأخريين، حصة الخزين وحصة السوق. وكنت ألاحظ أن حصة السوق على وجه الخصوص، هذه التي ستُباع للتجار المحليين مقابل المال، هي الأعلى جودة على الإطلاق.

في مشهد آخر كان أبي، وهو شيخ حافظ لكلام الله ويؤم الناس في كل صلاة، يفرد القطن طبقات فوق بعضها ويدقها بقدميه في غرفة معدة لذلك. بينما عمي، وهو موظف حكومي، يفتح له كيس القطن ويناوله. وأنا كان دوري ملء جراكن ودلاء الماء ومناولتها لعمي، لكي يناولها بدوره لأبي، الذي يقوم بطرطشتها بمقدار معلوم ومدروس فوق طبقة القطن بعد فردها، لكي يدقها بقدميه بعد رشها بالماء، ثم فرد طبقة جديدة وهكذا دواليك، حتى بلغ الارتفاع سقف الغرفة وبلغ أبي من الانحناء والقرفصاء أقصاهما. من الأسفل، رفعت عيني لأرى أبي مرتمياً بالأعلى فوق كومة القطن المُشرب بالماء، لحيته الإسلامية السمراء استحالت إلى اللون الأبيض من كثرة ما علق بها من القطن الناصع البياض، الطويل التيلة. وتساءلت في عجب وحيرة: بغض النظر عن موظف الحكومة، عمي، ألا يعرف هذا الشيخ الحافظ لكتاب الله والمشهود له بالتدين والتقوى من الجميع، أن خلط الماء بالقطن يُفسده، وأن مثل هذا الإفساد المتعمد حرام شرعاً؟!

بعد عدة أسابيع، كنا نعود لإعادة تعبئة القطن في أكياسه مرة أخرى، تحضيراً لتسليمه إلى شونة الدولة. حينها كنت ألاحظ أن القطن أصبح ساخناً وليس كسابق عهده، كأنه أصيب بنوبة حمى؛ كما أنه أصبح ثقيلاً، ربما أضعاف وزنه. كان محصول القطن يُسلم بالكامل للحكومة. القطن لا يُؤكل وكانت الدولة تحتكر صناعته وتصديره. وحيث لا توجد مصانع خاصة ولا تجار حتى ينشأ له سعر عادل في السوق الموازية (السوداء)، فليس أمام الفلاح المصري سوى أن يسلمه كاملاً للحكومة، بالسعر وطريقة الدفع التي قررتها بنفسها سلفاً. لكنه حتى في مثل هذا المأزق المظلم والخانق والمهدد للحياة ذاتها، لم يعدم ذهنه الشرير الحيلة المناسبة: سوف أسلمكم بدلاً من قنطار القطن الواحد المقرر رسمياً عشرة حتى لو أفسدها الماء.

وفي مشهد مرعب آخر، كنت استيقظ فزعاً في ظلام الليل في ساعة لا أعلمها على صراخ وعويل وزعيق وجلبة كبرى لتصدم عيناي أنوار كشافات سيارة بوكس قوية ورجلان ضخمان كالثيران يمسكان بعمي من ذراعيه ويدفعان به بقوة إلى داخل صندوقها. لماذا يفعلون ذلك؟ ولماذا في الظلام؟!

نحن لم نسلم الحصة المقررة علينا من الجمعية الزراعية، سواء من الأرز أو القطن.

ولماذا يأتون في الظلام؟!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصاحفُ فوق الأسنة وأمةُ بلا نبي
- أليست الجمهورية الإيرانية -إسلامية-؟
- ماذا لو حكم الإخوان المسلمون؟
- في الإسلام، الديمقراطية حلال أم حرام؟
- نظرة على مستقبل الجيوش في الجمهوريات العربية
- ميلشياوية من أزمة شرعية
- كيف حُشِّرت مصرَ في العُنُق
- الاستعمار بين المثالية والواقعية
- حتى لا نخون الوطن بسبب طاغية: صدام نموذجاً
- كيف نتطور؟
- غزوة الصناديق الإسرائيلية
- لماذا نعيش؟
- هل كان غزو العراق كارثة أمريكية أسوأ من فيتنام؟
- حلفاء روسيا هم قلة من الأمم المتنافرة والمتناقصة 2
- حلفاء روسيا هم قلة من الأمم المتنافرة والمتناقصة
- روافد السلوك السوفيتي .
- إصلاح ما لا يمكن إصلاحه- الإسلام
- روافد السلوك السوفيتي
- ألا تكفي الحياة غاية نفسها؟
- كذبة احترام العلمانية للأديان


المزيد.....




- الخارجية الأمريكية توافق على بيع صواريخ -ستينغر- بقيمة 825 م ...
- إعلام غربي: أوديسا قد تصبح أرضا روسية وأمريكا لن تمانع
- رئيس مجلس النواب الأردني: العبث بأمن الوطن يعد جريمة وخيانة ...
- هيئة بحرية بريطانية تبلع عن تعرض إحدى السفن لحادث اقتراب مشب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن إحباط محاولة لتهريب أسلحة من مصر إلى إ ...
- المتحدث باسم الخارجية القطرية يؤكد أهمية العلاقات مع روسيا و ...
- ترامب: لا يعجبنا تأثير الصين على إدارة قناة بنما
- وزير الداخلية السوري يستقبل رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي
- الرئيس السوري يزور الدوحة ويجري مباحثات مع الشيخ تميم بن حمد ...
- إسرائيل تقلص قوات الاحتياط بالجبهات و100 ألف يوقعون عرائض لو ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - حين تُفسد الحكومة مواطنيها