أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 3














المزيد.....

سيولُ ربيع الشمال: 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7616 - 2023 / 5 / 19 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


في الأثناء، كان ربيعُ ذلك العام يزداد ازدهاراً، فلم تبقَ شجرة زينة في الشارع إلا واكتست بالبراعم الندية. أما أشجار الكرز، فإنها أنجبت أزهاراً وردية قبلَ حملها بالأوراق. السماءُ بدَورها، صارَ لها لونٌ أزرق مشوبٌ بالورديّ، تتخللها بعضُ السُحُب الفضية ـ كثريات كريستال معلّقة في سقفٍ من عصر الملك الفاتح؛ " فاسا ". وكان دارين صديقاً للحدائق، بالأخص تلك المترامية بكسل على ضفة النهر بمقابل مرسى السفن. وكان يمضي إليها، ليُطعم البط والعصافيرَ نتفَ الخبز، المُتخلّف عن وجبات طعامه. في بعض هذه المشاوير الخضراء، كانت ماهو تتأبط ذراعه بسعادة وتغدو نفسيتها أفضل حالاً.
ثمة، كان دارين يلتقي في بعض الأحيان مع " تركي "؛ الرجل الخمسينيّ ذي الشعر الكثيف الأبيض، الهارب بدَوره من بيروت الحرب الأهلية، وقبل ذلك من حرب أخلاف أتاتورك على الكرد. وكان الرجلُ يشعر بالود تجاه دارين، كونهما من بيئة مدينية. لقد كان صريحاً مع الشاب، لما عزا ذات مرةٍ طلاقه إلى سوء أخلاقه في الوطن البديل، الأول: " كانت تخدم في بيوت الأسر اللبنانية الغنية، بينما كنتُ أقضي الوقتَ في المقاهي بلعب الورق أو النرد. كذلك كنتُ أنتزع منها المال، فأصرفه على الكيف وما شابه. فلما أعلموها بحقوقها، هنا في السويد، فإنها لم تبطئ في طردي إلى الشارع ومن ثم جعل أولادي يقاطعونني ".
تركي، كانَ زبوناً يومياً للعبة " بينغو "، ويقولُ أنه يتفاءل عندما يشطبُ مربعاتِ الورقة بطريقة طفلٍ يبولُ بشكلٍ متعرّج. كان يُقيم في شقةٍ مع شاب من الشمال السوريّ، وكانَ هذا مقامراً أيضاً. لقد زارهما دارين ذات يوم. فقال تركي يومئذٍ في إشارةٍ لرفيق الشقة، الجالس واجماً على الأريكة الرثة: " يقومُ دوماً بخلط الطبخ مع البيض، وليسَ مع اللحم. ابن الحرام، لم يترك بيضةً واحدة في السوق! ". في ذلك اليوم الربيعيّ، حينَ صادفَ دارين في الحديقة، أومأ تركي إلى سويدية شابة جالسة بمقابله: " يا ربي، سروالها الداخليّ يشفّ عن فَرْجها ". ثم أضافَ مُتحسّراً: " بلدُ القحاب، ولكن ما من نيكٍ فيه! ".
كانَ للرجل الملول أخٌ غير شقيق، يُدعى " نيازي "، يعيشُ كذلك مُتبطلاً. كان يقضي أغلبَ وقته نهاراً بمراجعة متاجر مواطنيه، ليستلف من أصحابها مبالغَ مالية بسيطة، كانوا يعرفون سلفاً أنهم لن يستردوها أبداً. ليلاً، دأبَ على قضاء جلّ وقته في أحد أماكن اللهو؛ وهناك، كانت مصلحة " السوسيال " الرسمية هيَ مَن تسدد ثمنَ مشروباته الروحية إلى حدّ معيّن. قيلَ أنه كان في شبابه أجمل أبناء جيله، لكنّ الإدمان على الخمر والمخدرات أفسدا ذلك الجمال.
نيازي، كانَ كذلك موهوباً، كشاعرٍ فطريّ باللغة الكردية. قبل نحو عقدٍ من السنين، والوقتُ شتاءً، اصطحبَ في سيارته الشاعرَ المعروف، " جكَر خوين "، إلى ضواحي أوبسالا. ما لبثَ أن أوقفَ السيارة في فضاءٍ جليديّ، تطوّقه أشجار الصنوبر المُنَكّسة رؤوسها بفعل ثقل الثلج. التفتَ نيازي عندئذٍ إلى الشاعرَ العجوز، وقال له: " ألا يُقال، أنّ المسيحَ مشى فوق الماء ولم يغرق؟ ". وافقه الشاعر بهزّ رأسه، المُتماهي شيبُهُ مع البياض المحيط بالسيارة. أردفَ نيازي بالقول: " وغداً سيقولون، أن جكَر خوين أيضاً مشى فوق الماء ولم يغرق "
" لكنني لا أرى الماء؟ "
" كيف لا، والسيارة تقفُ فوق بحيرة متجمدة! "، ردّ نيازي بهدوء. عندئذٍ فهمَ الآخرُ مغزى المعجزة، فما كانَ منه إلا التوسّل بالاسراع لمغادرة المكان.
في الملهى، كانت النساءُ تتجنّبنَ نيازي وتعتذرنَ عن الرقص معه، كونه معروفاً بمعاركه ثمة لأيّ سبب. إلا في حالةٍ وحيدة، لما بقيت حسناءٌ ثملة تراقصه ذاتَ مرةٍ حتى منتصف الليل. بعدئذٍ، دعته إلى توصيلها في سيارته إلى منزلها. ثم جرّته هناك إلى حجرة النوم، وطلبت منه أن يضاجعها من وراء. فلما فرغا، نهضت كي تتوجه إلى الحمّام، ليفاجأ نيازي أنها شابٌ متحوّلٌ جنسياً. فما كانَ منه إلا الانهيال على الشاب صفعاً، فيما كانَ هذا يقهقه في جذل.
" استعدتُ عندئذٍ ما جرى معي قبل أعوام في سجن رومية، هناك في لبنان. لقد جيء بثلة من الفتيات الأجنبيات، اللواتي كن يعملن في الكباريهات دونَ رخصة، تمهيداً لترحيلهن من البلد. تم إدخالهن إلى قسم النساء، وما هيَ إلا برهة حتى تعالى الصراخ ثمة. تبيّنَ أن " الفتيات " كنّ شباناً من المتحولين جنسياً. بعد ذلك، أتوا بهم إلى قسم الرجال في السجن، لكن سرعان ما سُحبوا منه بعدما تعرضوا للتحرش الجنسي من لدُن بعض السجناء. ولم نعلم أينَ أخذوهم، أخيراً "، اختتمَ نيازي روايته لكلتا الواقعتين وهوَ يبصقُ التبغَ من فمه.
لم يكن دارين مُعجباً بسلوك نيازي، وكان يتجاهله ما أمكنَ حينَ يلقاه في الملهى. إلا أنّ صلة الوصل بينهما لم تنقطع، وذلك بفضل صديقهما المشترك؛ " نورو ". هذا الأخير، لاحَ من صلعته وأخاديد وجهه، أنه على أعتاب الأربعين. كان يزهوَ بأنه ملّاك أراضٍ في الشمال السوريّ، ما أن يجمع غلّة الموسم في جيبه إلا ويُيمم شطرَهُ صوبَ الشام وحلب كي يُنفقها على مومسات الكباريهات. لقد قدمَ إلى السويد بدَعوةٍ من أحد أقاربه، في عام سابق. مع أنه متزوج، وأكبر أبنائه على مقاعد الدراسة الجامعية، لم يجد بأساً في تقديم طلب اللجوء. قال لدارين بصراحته المستهترة: " بهرتُ من حُسن السويديات ولطفهن وأناقتهن، فلتنتظرني امرأتي القروية ما شاءَ لها الانتظارُ ". وإذاً، كان الثلاثة يتقابلون غالباً في الملهى. لكن نورو كان يُدرك هناك حقيقةَ موقفِ النساء من نيازي. فما أن يُهرع هذا الأخير إليه، حالما يشاهده وقد أخذ مكانه على الطاولة أو البار، إلا ويقول له مع ضحكة مستهترة: " من أجل الله، يا نيازي، ابتعد عن صُحبتي كيلا أُحرم من صُحبة النساء بسببك! ". عند ذلك، يبدأ نيازي بالدمدمة ساخطاً ثم ينتقل إلى طاولة اخرى.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيولُ ربيع الشمال: 2
- سيولُ ربيع الشمال: 1
- سيولُ ربيع الشمال: قصة أم سيرة أم مقالة؟
- الصديقُ الوحيد
- سلو فقير
- رفيقة سفر
- أسطورةُ التوأم
- قفلُ العفّة
- فَيْضُ الصوفيّة
- المسيحُ السادس
- تحدّي صلاح الدين
- لقاءٌ قبلَ الغسَق
- اليهودي الأبدي
- الأمل
- أمسية من أجل جوانا
- التمثال
- مَغامِضُ منزل العزلة
- حواءُ التاسعة مساءً
- حدائق الليمون
- المُعسكر المُريب


المزيد.....




- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 3