أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء مزواري - رحلة زاكي باشا أفندي البطولية إلى الديار الاسطنبولية














المزيد.....


رحلة زاكي باشا أفندي البطولية إلى الديار الاسطنبولية


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7615 - 2023 / 5 / 18 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


بين نُدوب الزريبة وأهلها، وجمال الحضارة وبهائها، كان زاكي باشا أفندي يعيش حالة جذب عنيفة، لا يعرف أيّ نوع من الأحاسيس يقدّم، ولا أيّ شكل من المشاعر يؤخر. اعتملت في دواخله أفكار متناقضة؛ واحدة تدعوه إلى اغتيال ذاكرته، وسحق ما تخزّنه من جروح وأدواء، ما دامت تذكره بخطأ الجغرافيا، وتوقف التاريخ عن الحركة، وفساد الإنسان والعمران، وأخرى تدعوه إلى الإقبال على الحياة، والاستمتاع بالجمال المبثوث في كلّ مكان.
تيقظت حواس زكي باشا أفندي، جرّاء استشعارها للجلال والجمال، وبدأت ترصد معالم الشخصية الحضارية للأمة التركية، بعد نجاح مسلسل التحديث الذي قاده أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى، وسقوط الخلافة. كان بجانب التحضر والمدنية التي تجني تماره تركيا الآن، آثار العظمة العثمانية، وإمبراطوريتها القوية التي لا تغرب الشمس عنها؛ فالمساجد بهندستها البديعة، والصوامع بارتفاعاتها الشاهقة، وأصوات الآذان الشجية، آيات على رهبة مركز الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى المتأخرة، كما كانت قصور السلاطين البهية، وأسوارها المنتصبة الشامخة، وأشكال وأنواع الرخام والمنحوتات والرسوم والخطوط العربية، علامات على مستوى البذخ التي عاشته هذه الإمبراطورية، كان كل شيء يشي بالجمال الممزوج بالرهبة. وفي الجهة المقابلة، هناك الحداثة التي تركت بصمتها على البشر والحجر؛ فبجوار بناءاتها التحتية المبهرة، ترصد عينك حجم الذهنيات التي طالتها موجات التحديث منذ إعلان نهاية الحكم السلطاني؛ فحجم الفردانية باد بقوة في سلوكات الأفراد وتصرفاتهم، والتنوع الديني والعرقي واللهجي عامل إعناء لا تفرقة، وتجاور الكنائس والمساجد سهل على العين أن ترصده، فضلا عن حانات ومقاهي النرجيلة الموجودة بكثرة.
بجانب هذا وذاك، ترى عينك حسن الجمال المبثوث على محيى الوجوه؛ ف "التيتيز" مطروح في الطريق، أشكالاً وأنواعاً، أحجاماً وأوزاناً، لا ترى أبداً تلك الكائنات "البوزبالية" التي ألفتها العين في الزريبة، بل أكثر من هذا، وهو رغم حرية الملبس، وحسن القوام، وجمال الهندام، لا ترى الواحدة تتطاوس في مشيتها، أو تتغنّج بصوتها، أو تستعرض مؤهلاتها التحتية والفوقية بشكل مرضي ممزوج بمركبات نقص فظيعة، كما لا ترى ذكراً يطاردها من أجل أخذ رقم هاتفها، أو الظفر بحساباتها الرقمية التواصلية، أو التحرش بها، أو مضايقتها بالتنمر؛ فالكل في حالة جري وحركة، متخففين من حجم التقاليد البالية.
سرح الخيال بزاكي باشا أفندي، وأخذه نحو دوامة المقارنة، وهو يبصر أحوال الأشخاص الذين واكبهم في الرحلة، فكانت حواسه متيقظة وهي تلتقط مؤشؤات "لعياقة"، وحجم "التقافز"، وكمية "السم" المدسوس في العسل، والهوس الباطولوجي بنزع الاعتراف. داخلته هواجس الكره الممزوج بالإشفاق، إلى درجة لم يعد يدري حدود الخطوط المرسومة بينهما. رأى في تبضع النساء المبالغ فيه، والإفراط في جرد وإحصاء الهدايا التي ينبغي اقتناؤها للأهل ومن جاورهم في الدم والقرابة، قرائن على حجم التأخر التاريخي، وثقل الذهنية الثقافية، وانتصار العقل الجمعي المكبّل لكل أمل في ميلاد ذاتية فردانية حقيقية.
هناك، في شارع تقسيم أو الاستقلال بعاصمة بلاد الأناضول، رأى زاكي باشا أفندي شباباً يضربون موعداً جديداً مع التاريخ؛ فنظارة وجوههم، والنعيم البادي على محياهم، والطبيعة الرطبة المحيطة بهم، عوامل تشي بنفاذ الحياة إلى أعماقهم، وسريانها في عروقهم. هناك، على قارعة الطريق، كؤوس الشامبانيا تؤثث الفضاء، وأقداح الجعة والبيرة الصفراء الفاقع لونها تسر الناظرين. الكل غارق في نخبه، والمارة غارقون في شؤونهم الخاصة. هناك أيضاً قُبل رومنسية تؤخذ بين الفينة والأخرى، تزيد المكان رونقاً، يوازيها دخول الجميع "سوق أكرارهم"، لكأنهم متأثرون بمذهب الزاوية الكركرية الموجودة في زريبة زاكي باشا أفندي.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُثَقّفُ المنشود في رواية -عبد الرحمن والبحر- لخالد حاجي
- في ضيافة بيت العنكبوت: من بيت من وهن إلى بيت من زجاج
- الكَهْفُ الافتراضي: هل فكرنا يوماً في السوشيال ميديا أَمْ عَ ...
- الجنس البارد
- نوستالجيا -سيد لميلود-
- في الحاجة إلى تعليم ذكوري
- المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي
- المدرسة سجن كبير
- مجتمع الهمزة... نحو نموذج تفسيري جديد
- الدين والطقسنة القاتلة
- مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد
- مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد
- عيد المولد النبوي الشريف في حينا
- مجتمع -العطية-... نحو نموذج تفسيري جديد
- فصل المقال في تقرير ما بين العلم والعوام من انفصال
- مجتمع الحشية.. نحو نموذج تفسيري جديد
- في رحاب الزاوية
- رمضانُ في الذّاكرة (ج2)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج3)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج4)


المزيد.....




- السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني ...
- مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع ...
- -طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري ...
- القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
- فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف ...
- خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
- *محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا ...
- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء مزواري - رحلة زاكي باشا أفندي البطولية إلى الديار الاسطنبولية