|
هن... صانعات الحكايات/ قراءة في السرد النسوي البصري الجزء الأول.
رياض قاسم حسن العلي
الحوار المتمدن-العدد: 7610 - 2023 / 5 / 13 - 22:49
المحور:
الادب والفن
قليلات هن من النساء من دخلن معترك السرد بأنواعه المختلفة والأقل منهن من تميزن وإذا تفحصنا المشهد السردي البصري لانجد من تميزن به قبل 2003 الا ديزي الأمير. ويكاد يكون المشهد السردي في البصرة قبل الاحتلال رجوليا بالمطلق حيث لم نعثر على سبيل المثال نص قصصي لأمراة في كل أعداد البصرة أواخر القرن العشرين لذا فإن تصدر مجموعة من أديبات البصرة كتاب يضم نصوصا قصصية لهن فهذا إنجاز ثقافي مهم ونوعي. لذا فإن هذه القراءة البسيطة هي محاولة لدخول عالم السرد النسوي البصري والوقوف على جمالياته وبنفس القدر التوقف عند ملاحظات تتعلق بجمالية التلقي ليس أكثر وهي ليست كتابة في النقد ولكن هي رؤية قارئ يتذوق الأدب ليس إلا وإجمالا يمكن القول إن بعض النصوص في هذا الكتاب لم تكن بالمستوى المطلوب ولا أعرف بالتحديد هل ثمة لجنة خاصة اختارت النصوص أم أن الأمر كان يخص كل كاتبة بأن تقدم نصين باستثناء ريان الراشد التي كان لها نص واحد فقط ولا أعرف أيضا هل تم وضع النصوص في مجهر النقد والمناقشة والمراجعة قبل نشرها أم لا، وأعتقد أن الاختيار والنقد والمراجعة ضرورية جدا لأن هذه النصوص ستكون جزءا من التاريخ الأدبي لكل كاتبة ولا يمكن محوه حتى وإن تنصلت بعضهن منها. وعموما فإن نصوص هذا الكتاب تتحدث عن الهم النسوي العراقي بالتحديد في مواجهة المجتمع الذكوري والفقر والحروب التي كان ضحيتها الرجل والمرأة في نفس الوقت، وأن كانت بعض النصوص تغافلت عن المكان لكن كل النصوص تتجه نحو مكان واحد وهو العراق. الكتابة هي جزء من الكاتب وهذا لا يعني أن الكتابة السردية هي سيرة ذاتية للكاتب لكن الكتابة السردية هي ثقافة الكاتب، هذه الثقافة التي تتمثل في البيئة الاجتماعية والقراءات المتنوعة والمشاهدات الحياتية والاهتمام الأدبي وغيرها من الأمور التي يمكن استخلاصها من النص نفسه دون أن يموت المؤلف. ------------------ 1- (ميتا يقف على قبره) لأسماء الرومي: تقدم لنا أسماء الرومي في هذا النص لمحة من الوجع العراقي الذي قدر له ان لا ينتهي، فمن خلال قراءة امرأة لدفتر أخيها الذي عاد من الأسر بعد غياب طويل ومرير وكانت هي الورقة الأخيرة التي لم تستطع أن تتخطاها لنكتشف فيما بعد لماذا، وأسماء في هذا النص الجميل تدخل القارئ مباشرة في السرد دون مقدمات فمن أول كلمة تجد الحركة واضحة من قبل تلك المرأة ويمكن تصنيف هذا النص بأنه سرد داخل سرد إذ إن دفتر الجندي هو نص آخر أدخلته الكاتبة ضمن سرديتها الأصلية وهي تقنية معروفة استخدمت كثيرا. وملاحظاتي على النص هي كالآتي: ■ عادة في الواجبات العسكرية لا يسمح للجندي بمغادرة موضعه إلا بعد انتهاء واجبه بالوقت المحدد مسبقا لذا فإن خروج الجندي بطل القصة من موضعه لغرض جلب السجائر غير مبرر وكان يمكن أن يجلب معه هذه السجائر حينما جلب عدة الرسم معه، وهل أن الجندي في الموضع يستطيع أن يرسم ويترك واجبه بمراقبة العدو. ■ كان من الأفضل لو وضعت الكاتبة حرف العطف (واو) بعد (ونهضت) وقبل (أخبرته) كي يستقيم التسلسل السردي وكذلك حذف حرف العطف قبل كلمة (نهضت) السابقة. الكاتبة أنهت قصتها بخاتمة مفجعة لم يتوقعها القارئ وهذا يحسب لها.
2- ( ياتين ... لاتخف من الغياب إن لم يسطع حضورك) أسماء الرومي: نص شاعري جميل عن الانتظار والكاتبة هنا كأنها تستعيد كل نصوص الانتظار السابقة والتي يمكن أن نقول إنها بدأت بانتظار غودو، ولكن انتظار المرأة هنا قدم لنا وصفا سرديا في غاية الروعة وكذلك كما في النص السابق استهلت الكاتبة قصتها بحركة ومونولوج داخلي لم يخرجها منه إلا صوت النادل. ويمكن أن يلاحظ القارئ وجود تناص مع مقدمة قصيدة السياب الشهيرة أنشودة المطر في وصف الكاتبة لشط العرب حيث تقول (الشمس تداعب مويجات الشط تطفو عليه وتتراقص متلألئة) ولكن هنا ليس في وقت السحر السيابي لكن عند ظهيرة شتوية دافئة وبدل من أضواء القمر نجد أشعة الشمس. والشيء الذي لفت انتباهي هنا هو أن الكاتبة لم تستخدم لغة شعرية بل أبقت النص على لغته السردية وخيرا فعلت. وفي كلا النصين استخدمت الكاتبة تقنية الصوت السردي للشخصية السردية نفسها مما أضاف حيوية وإشراقا للنصين. 3- (أراجيح الظلام) جنان المظفر: اختارت الكاتبة موضوعا مهما وخطيرا في نفس الوقت وهو زواج البنت الصغيرة القاصرة من رجل كبير في السن بسبب الفقر وسطوة المال، وقد استهلت الكاتبة هذا النص بمشهد أكثر من رائع للبنت وهي تنظر إلى نفسها في المرآة كأي بنت في عمرها حينما تتفجر أنوثتها وإحساسها بجمالها ورغبتها في الارتباط بفارس الأحلام ولكون الكاتبة هي شاعرة أيضا لذلك جاء النص فيه ملامح لغة شعرية واضحة ولكنها أحسنت استخدام هذه اللغة لصالح النص السردي وهذا أمر صعب، لنقرأ مثلا: (ولا ظل يحميها فالجراح طاعنات على دوحة الفقراء) أو (رسمت اسمها على جدار اليأس) أو (صرخت بصوت يزمجر بالخواء فتأكله جدران البيت المثقوبة). لكن كان يمكن للكاتبة أن تتجنب تكرار كلمة (تبحث) في هذه العبارة (تصلبت يداها خلف الباب تبحث عن منقذ لروحها وهي تبحث عن أب ...) فهذا التكرار يخدش جمال النص وانسيابيته . وسنكتشف فيما بعد وجود تشابه بين بعض مشاهد هذا النص ونص آخر. 4- (الساعة) جنان المظفر: أحببت هذا النص المتماسك الذي يعبر عن معاناة الإنسان وهو يحقق جزءا بسيطا من أحلامه لكن الحرب سرعان ما تقتل هذا الحلم. وهذا الحلم الطفولي يجعل الإنسان يتخلى عن كل لذة متاحة وربما كان هذا الحلم لا يحقق أي فائدة مادية خاصة وسط الفقر المحيط بالأسرة فالزوجة والأطفال كانوا في انتظار شيء يأكلونه لكنهم وجدوا أنفسهم أمام حالة فريدة لم يعرفوها من قبل وهي أن رب الأسرة قرر في لحظة ما أن ينتبه إلى رغباته الطفولية التي ترسخت في مشاعره. لذا كان عقاب الزوجة سريعا إذ إنها وبخته بعد تهشم الساعة. على الرغم من بساطة النص إلا أنه يثير الكثير من الأسئلة. واستخدمت الكاتبة كعادتها بعض العبارات ذات الوقع الشعري الجميل الذي لم يخل بانسياب السرد، لنقرأ مثلا ( إلا وصوت الريح يسف صوت المدفع...). ونلاحظ بعض التكرار كما في (ما أن) ثلاث مرات و (لم) ثلاث مرات أيضا في جمل متقاربة. والكاتبة في النصين أعلاه استخدمت تقنية صوت السارد العليم في السرد. 5- (رحلات طائر) خلود الشاوي: تستدعي الكاتبة في هذا النص حكايات ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وإذا توغلنا عميق فإن في النص إشارات إلى فلسفات ظهرت في بدايات عصر النهضة حول العقد الاجتماعي وكذلك نظريات ابن خلدون حيث يذهب هذا الأخير إلا أن الاجتماع الإنساني ضروري للبشر ويؤدي إلى التعاون بين الناس، فإذا ما تعاونوا وتفرغت كل مجموعة منهم إلى عمل تقوم به، فإن ذلك يتطلب منهم تنظيما اجتماعيا، يضبط علاقات الناس وتعاملهم مع بعضهم في أنساق اجتماعية متعددة. فالكاتبة هنا تتبع رحلة طائر قرر أن يتمرد على سربه بحث عن حريته واستقلاله، فهل نجح في ذلك؟ والنص يمكن رؤيته وهو مشحون بالرموز الفلسفية والسياسية لكنها في نفس الوقت كانت مباشرة وواضحة للقارئ الذي يستطيع الاستدلال بكل سهولة إلى مراد الكاتبة، ونصوص الحيوانات عادة ما تصنف ضمن السرد المستحيل أو السرد غير الطبيعي حسب تعبير حسن سرحان. 6- (النحلة والذباب) قصة للأطفال خلود الشاوي: مرة أخرى تجعل الكاتبة من الحشرات شخصيات سردية في نص تعليمي موجه إلى الأطفال وهي خطوة ممتازة نحو الكتابة للطفل. فقط ملاحظة أن الكاتبة أو ربما المنضدة أغفلا وضع الفواصل بين الجمل في الانتقالات بين حالة وأخرى. ------- ملاحظة/ نشر في موقع الحوار المتمدن.
#رياض_قاسم_حسن_العلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بسامير 14
-
بسامير 12
-
بسامير 11
-
بسامير 10
-
بسامير 9
-
بسامير 8
-
بسامير 6
-
بسامير 5
-
كعيبر
-
بسامير 4
-
بسامير 3
-
بسامير 2
-
بسامير 1
-
شئ عن الهوية
-
بيني وبين إيران
-
المحتوى الهابط في الادب
-
في الحاجة الى التنوير واشياء اخرى
-
البصرة مدينة الرب التي تحرسها الانهار
-
في احوال القراءة / اراء
-
بوح
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|