أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قراءة في قصيدة (لست صالحة للرسكلة) للشاعرة التونسية المتميزة صباح نور الصباح















المزيد.....

قراءة في قصيدة (لست صالحة للرسكلة) للشاعرة التونسية المتميزة صباح نور الصباح


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7610 - 2023 / 5 / 13 - 12:19
المحور: الادب والفن
    


(تجليات الإدهاش..في النص الشعري)

تصدير : إذا الشّعر ُ لا يُولد ُ آنيا ً كأوراق الشّج،فمن الأفضل أن لا يولد أبدا.. (جون كيتس)

مقدمة : أن تُعلنَ حبَّكَ على الملأ،مطالباً الآخرين بالحفاظ عليه،صراحة ما بعدها صراحة!،وأن يكون حبُّكَ حلماً ترسمه خيالاتك،لتصنعَ منه حكايةً ترددها الألسن،عبر مقاطع شعرية تتراقص فوق شفاه الآخرين،إبداع وخلق !!
هذا ما تشتغل عليه الشاعرة التونسية المتميزة(صباح نور الصباح) عند كتابتها،أو بوحها الشعري،حيث تختلق عالماً من العشق والهيام لتدور في فلكه محلّقة كالفراشة دون أن تخشى الإحتراق،وتأخذنا معها في رحلة بين مضارب الغجر،وعطر البداوة،لنستظل بظلال سنديانة طاعنة في خضرتها..حد البهاء والجمال..

لأن كل نص أدبي هو بلا شك منظومة لغوية،إشارية،رمزية،لذا لم يعد النص مضطرا للبقاء في دائرة الجمال التقليدي،بل أخذ ينزع بالجماليات إلى مسايرة التغايرات الفنية،والانحرافات السياقية،باشتراطات متمردة نحو احتمالات المدون والمحذوف والقابل للقراءة.فثراء الملفوظات في مجازاتها،والتناصات وإحالاتها،والاندغام بالبعدين الذاتي والانساني،كل ذلك يهيئ المتن الكتابي للانفلات من فضاء أحادي متواضع،تشكله النجوى،إلى فضاء مركب ومعقد،تتراكم فيه التفاصيل،وتشعباتها.
وقد عكس النص الشعري الحداثي التونسي وعيا كتابيا تجسد في المغامرات الجمالية، والممارسات التجريبية،التي أظهرت تميزه في أكثر من جانب إبداعي إذا ما قورن بالنص الشعري الحداثي العربي،فاللعب الترميزي،والتشكيل البصري،والتشاكلات اللسانية،والتقابلات المزدوجة،وغيرها من الفعّاليات الشعرية دعتنا إلى قراءة بعض النصوص الشعرية لمبدعات تونسيات تأملا وتحليلا وتأويلا،ومن ضمن هذه النصوص،قصيدة شعرية موسومة ب"لست صالحة للرسكلة" للشاعرة التونسية المتميزة صباح نور الصباح.
وحين نتأمل في هذه القصيدة،يمكننا القول إنها تسحر القارئ بطاقة شعرية عالية،تتصيّد الشاعرة فيها التركيب اللغوي الشفاف،والواقعة أو الحدث الشعري في توهج أخاذ..
لست صالحة للرسكلة

أنا الفراشة على ديانة احتراق
أنادم النور
أقايض دفء الربيع بحبات الطلع
أغازل الأفق بألوان الطيف
وإذا ما مت أموت بكامل عافيتي
ولا أعود لشرنقتي أبدا..
لست قابلة للتحوير ولا أصلح للرسكلة..
أنا الغجرية العذراء من كل قيد
أفكّ أزرار العشق بتؤدة
أتلحف الجنون
أرقص على رفاة العمر بلا قدمين
أشعل حرائقي الخضراء
في صحراء البداوة والقحط
لا نواميس القبيلة تأسرني
ولا المسلّمات ترضي تفكيري..
لست قابلة للتحوير ولا أصلح للرسكلة ..
لا أحب الكلام الدسم
ولا العواطف المعلّبة
ولا أخشى من سطوة السنين
تجاعيدي على محيّايا عيد
والشيب في مفرقي عرس
وعمليات الشد والنفخ لا تستهويني
فأنا السنديانة الطاعنة في خضرتها
نسغ العشب دمي
والحب نهر يرويني..
صباح نور الصباح
تونس
وهنا حيث تتسع العبارة في أعلى معانيها بأتساع الرؤيا كتأويل وكنسق أبداعي،وهذا يجعلنا نتساءل هل القصيدة هي ذات الفكرة على وجه اليقين أم هي تناص لها،أم هي افتراضات لا متناهية في امتداداتها متجاوزة الفكرة ذاتها،الشاعرة وحدها التي ستجيبنا عن هذا التساؤل وستجد متعة كبيرة،وهي تحاول أن تشعرنا بنقاء روحها عبر تجلياتها،فالشعر كما يقول أودن هو مستودع لضمير الفرد،و الشاعرة-صباح- تجعلنا في أوج لحظتها الإبداعية نستوعب أفكارها و هي تتدفق بجمل قصيرة تفيض عن أصلها،تكفينا لمعرفة حركة الزمن داخل القصيدة ومونولوجها الداخلي فهي تحيي صيرورتها من خلال ما ابتكرته مخيلتها الصورية،و هي لا تسأل بل تحاول أن تتوقع الإجابة لذا تحول الزمن الى فكرة تشبه كلماتها تماما..
هنا في القصيدة وهي حلمها العظيم حيث تلتقي الكلمات مع معانيها وهي ذاهبة في طريق التأويل،فهي تثق بكلماتها و ما ستقودها إليها..
ولا أخشى من سطوة السنين
تجاعيدي على محيّايا عيد
والشيب في مفرقي عرس
وعمليات الشد والنفخ لا تستهويني
فالشاعرة صباح نور الصباح،كما في جل قصائدها دائمة التنقيب في التقاطعات ما بين الغياب
والحضور والحياة و والقصيدة،والشخصي والعام.وهي في دأب في البحث عن معنى لوجودها وعما انفرط منها،في حالة وعي مكثف بذاتها إذ يبدأ التحول عبر ما تعيشه من صراع يمس وجودها ومصيرها.
ترسم الشاعرة لنا بانوراما شعرية من خلال التراكم الإبداعي بلغة موجزة ومكثفة عميقة الدلالة،فتبدو هنا خلال هذه القصيدة،مرئية وملموسة و مؤثرة،وكلماتها تتبرعم كبذور مليئة بالنمو في داخلنا،و قد تفعل الكلمات الكثير من اجل استمرار الحياة و الحب و لو شفهيا..
فتقترح القصيدة علينا بحمولتها الإبداعية و الفلسفية العميقة المعنى،حضورها الشعري و هي بكامِل أناقتها من خلال -تدفق مياه الحب حد الإرتواء-:
فأنا السنديانة الطاعنة في خضرتها
نسغ العشب دمي
والحب نهر يرويني..
لغة الشاعرة هنا هي من حيث دلالاتها التأويلية خطاب للتمرد,الباحث عن وجود
افتراضي،مضاد لإكراهات القبيلة،ولكل النواميس البالية...
أشعل حرائقي الخضراء
في صحراء البداوة والقحط
لا نواميس القبيلة تأسرني
ولا المسلّمات ترضي تفكيري..
من هنا،نجد القصيدة لديها في مبتدئها انتشاء في بعدها الميتافيزيقي الذي يحاكي صفاءها في اصطفاء اللحظة سواء بصوفيتها أو سرياليتها ساعة الكتابة،و الكلمات بطاقتها الإيحائية هي استعادة لتلك اللحظة لإنجاز المعنى..يقول الشاعر جون كيتس ( إذا الشّعر ُ لا يُولد ُ آنيا ً كأوراق الشّجر،فمن الأفضل أن لا يولد أبدا ً).
والناظر إلى شاعرية الشاعرة صباح نور الصباح عبر قصائدها( أزعم أني اطلعت على الكثير منها ) سيجد أن الذائقة الشعرية لديها تعبر عن بعدٍ جمالي ومعرفي يكشف عن ميولاتها الإبداعية الى الابتكار والتجديد،و سيجد كلماتها مشرقة وعميقة وقوية تحاكي زمانها بطريقة باهرة،مؤكدة وجودها لأقصى اتجاهها وهي تتدفق نحو أعماق الروح متحررة تماماً من الوهم والمثالية اللامعة :
"لست قابلة للتحوير ولا أصلح للرسكلة ..
لا أحب الكلام الدسم
ولا العواطف المعلّبة.."
تبحث عن حالات الانبهار بإيقاع داخلي متناسق ومتناغم بسلاسة مع الإيقاع الخارجي حيث يكون الشكل تجلياً بارعاً للمضمون.
و إذا نظرنا أيضا الى شاعرية -صباح-وحاولنا سبر أغوارها،واستنطاق جوهرها الإبداعي، فسنجدها تهدف الى تأكيد ذاتها و زهوها في حضورها المتحقق،وسنجد أنفسنا نتتبع خط الحياة في كف القصيدة الذي من الصعب تتبعه لشاعرة متميزة و عميقة التفكير ومحملة دائما بالرؤى والاندهاش..
ولأنها معجونة بالشعر فهو فارسها الملهم -الشعر حبيبها الأزلي -وحبها الأول والأخير بكل ما له وما عليه،لهذا ترسم لنا لوحةً للعشق والعاشقين وحكايات لا أول لها ولا آخر ممتدة على طول المدى بكل ما فيها من خفايا وأسرار وأشواق وتأوهات،لكنها في نهاية المطاف تبدو حلماً يداعب نرجس القلب..
ختاما،نجد أنفسنا أمام نص ينتصر للجمال في مواجهة القبح،الإنغلاق والتقوقع على الذات.. ويحمل خطابا لصالح الحياة تنحاز خلاله الذات الشاعرة إلى الفن والجمال لتقدم نصا ثريا يضاف إلى منجزها الشعري.
لك مني يا صباح..كل صباح..سلة ورد..وتحايا تعبق بعطر الشعر..



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمظهرات البعد الفلسفي..في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة نعي ...
- تجليات الذاتِ الأنثوية..في أفق قصيدة النثر النسوية العربية و ...
- تجليات الخيال الإبداعي..وتمظهرات قوة البصيرة الفكرية لدى الش ...
- الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود:- الأدب النسوي يحمل ف ...
- على هامش يوم العمال العالمي *: الإتحاد العام التونسي للشغل.. ...
- قراءة-متعجلة-في قصيدة مذهلة للشاعر التونسي الكبير جلال باباي ...
- قراءة سيميائية أنتروبولوجية* لقصيدة الشاعر التونسي الكبير د- ...
- على هامش يوم الأسير الفلسطيني : قصيدة الشاعر التونسي القدير ...
- قراءة فنية في قصيدة الشاعرة التونسية المتميزة فائزة بنمسعود ...
- حين يرسم الشاعر التونسي القدير جلال باباي بالكلمات لوحاته ال ...
- قصائد الشاعر التونسي المدهش-د-طاهر مشي-تلج عتباتها المزدحمة ...
- الشاعر التونسي القدير جلال باباي : شاعرٌ يشبه شعاع الشمس الذ ...
- قراءة في قصيدة (” هذا الهوى..يطربني”) للشاعر التونسي القدير: ...
- حين ترتقي الكاتبة/الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود بخط ...
- المبدعة التونسية السامقة فائزة بنمسعود تتنفّس شعرا..وتؤسس-لن ...
- عندما تنثر أزهار الشاعر التونسي القدير جلال باباي عبقها (-قص ...
- جلال باباي : شاعرٍ تونسي أنهكته المواجع ونالت منه الأزمنة ال ...
- في حوار لا يخلو من الصراحة والشفافية مع الشاعرة/الكاتبة التو ...
- جلال باباي..شاعر تونسي كبير..عرفته في زمن مفروش بالمواجع..وع ...
- اشراقات الصّور الشّعريّة..وتجليات التكنيك الفني في قصيدة -أخ ...


المزيد.....




- مشاهدة مسلسل تل الرياح الحلقة 127 مترجمة فيديو لاروزا بجودة ...
- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قراءة في قصيدة (لست صالحة للرسكلة) للشاعرة التونسية المتميزة صباح نور الصباح