أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ثائر دوري - تجديد الثقافة الوطنية و معركة التحرر من التبعية















المزيد.....

تجديد الثقافة الوطنية و معركة التحرر من التبعية


ثائر دوري

الحوار المتمدن-العدد: 1716 - 2006 / 10 / 27 - 10:41
المحور: المجتمع المدني
    


يخلق الاجتياح الغربي ، و الكولونيالية بكافة أشكالها السياسية ، و الاقتصادية ، و العسكرية ، أوضاعاً جديدة تماماً ، فتكتسب الظواهر القديمة سياقات جديدة غير معروفة من قبل،و ربما تكون مفاجئة ، و بالتالي يجب دراسة الظواهر داخل التجربة الكولونيالية بدقة قبل إبداء رأي قاطع حولها .
خذ مثلاً قصة الصحافيين في العراق ، فقد اعتاد الرأي العام العالمي على اعتبار الصحفي صوت الحق و الحقيقة ، و يصوره على أنه الشخص الذي يركب المخاطر و يغامر بحياته من أجل أداء رسالة إنسانية ، لذلك عندما يقتل صحفي تهتز الدنيا ، و يدان مرتكب ذلك العمل أشد إدانة .كما تنشر منظمات حقوق الإنسان كل عام أعداد الصحافيين القتلى في العالم و تعتبر ذلك العدد مشعراً أساسيا لحال الحريات في العالم ،لكن الاجتياح الكولونيالي للعراق حمل الصحافيين إلى وضعية جديدة لم يعرفها البشر من قبل ، و هي وضعية الصحفي المرافق للقوات ( ( Embeded ، و هو صحفي يرافق القوات الأمريكية ، فيأكل و يشرب مع الجنود ، و ينام معهم في كيس نوم واحد ،و يركب دباباتهم و همراتهم ، و بالتالي فهذا الصحفي يرى العالم كما يراه جندي المارينز ، و قد حدث في مرات عديدة أن تعرضت دبابات المحتل و همراته لكمائن المقاومة ، فقتل و أصيب بعض الصحافيين المرافقين للمارينز . فهل يمكن اعتبار هذا الحدث فجيعة للحرية و تكميماً لأفواه الصحافة و الصحافيين ! هل يستحق مقتل صحفي كهذا الصحفي إدانة من المنظمات الدولية ! هل يمكن مساواة هذا الصحفي بالصحفي الذي قتلته القوات الأمريكية و هو يؤدي واجبه بشكل محايد بعيداً عن سيطرة المارينز ؟
أولئك الذين يبسطون الكون و لا يحللون كل ظاهرة على حدا سيجيبون : نعم ، و سيقولون أنه من حيث المبدأ ، هذا صحفي و ذاك صحفي ، و يتعاملون مع الحالتين بالتساوي . أما الحقائق على الأرض فتشير إلى أن الصحفي "المدفون مع القوات" قد صار جزءا من الآلة العسكرية ، و بالتالي صار من الإعلام الحربي للمحتل ، و من ثم فحكمه حكم الجندي الغازي .
لذلك يجب دراسة كل ظاهرة انطلاقا من وظيفتها داخل الحالة الاستعمارية ، و تحليل الدور الذي تؤديه ، لا أن ندرسها بشكل نظري مجرد و نسارع لإطلاق أحكام قيمة .

أثناء توصيف فرانز فانون لحال الثقافة الوطنية تحت الاستعمار توصل إلى نتائج بالغة الأهمية قد تكون مفاجئة للبعض . يقول :
(( نرى البلدان المستعمرة تحيط مجالها الثقافي بأسيجة و أوتاد . و هذا النوع البدائي من الدفاع عن النفس يشبه منعكسات غريزة البقاء في كثير من الوجوه )).
فرد فعل الجماهير تجاه الهجوم الضاري الذي تتعرض له ثقافتها القومية من قبل المحتل ، يكون تمسكاً مبالغاً به بالعادات و التقاليد و هذا يثير حنق المستعمر . يقول فانون :
(( فالمستعمر يرى في الاستمرار على الأشكال الثقافية التي يستنكرها مظهراً قومياً عليه أن يحاربه )) .
و نتيجة هذا الهجوم الضاري من المستعمر لا يحصل تجديد للثقافة القومية أو للعلاقات داخلها ، و إنما مجرد انكماش للحفاظ على النواة . لكن هذا الموات الظاهري ، الذي يشبه ما تفعله في الطبيعة بعض الكائنات الحية ، حيث تتكيس ، أو تدخل في سبات في الظروف الطبيعية الصعبة ، فتبدو و كأنها فاقدة الحياة . لكن هذا الموات الظاهري لا يلبث أن يضج بالحياة مع أول طلقة مقاومة ، فمع اندلاع شرارة الثورة على الأوضاع التي جمد المحتل البلد فيها تنشأ آداب جديدة من رواية و شعر و مسرح ، وحتى الثقافة الشفوية تصيبها رياح التجديد . لقد عادت الحياة تدب في الجسد ، فإذا بالثورة و قد أحيت الأرض بعد مواتها .
و يربط فرانز فانون التجديد في المجال الثقافي و الفكري حصراً باندلاع الثورة ، بل هو يعتبر إن محاولة التجديد و الشعب قابع تحت السيطرة الاستعمارية خطأ فادح . يقول :
(( إن أحد الأخطاء الفادحة ، التي يصعب الدفاع عنها أن نحاول تحقيق تجديدات ثقافية ، و أن نحاول رد الاعتبار و القيمة إلى الثقافة الوطنية و نحن ما نزال في ظل السيطرة الاستعمارية . و إني لأنتهي من هذا إلى تقدير نتيجة قد تبدو غريبة مفارقة هي : أن أقوى دفاع و إجدى دفاع عن الثقافة القومية إنما يكون بالأخذ بالعقيدة القومية و لو في أبسط أشكالها و في أكثر أشكالها بدائية و فجاجة ))
و يخلص فانون أخيراً إلى قانونه ، و هو : إن التحرير القومي و انبعاث الدولة شرط لوجود الثقافة . فيقول :
(( ليست الأمة فقط الشرط اللازم لقيام الثقافة و ازدهارها و تجددها المتصل و عمقها ، فهي أيضا حاجة و ضرورة . إن الكفاح الذي تخوضه الأمة هو الذي يطلق الثقافة من عقالها و يفتح لها أبواب الإبداع ، كما أن الأمة في مرحلة ثانية ، هي التي توفر للثقافة ظروف نمائها و إطار تعبيرها . )) .
فالشعوب تولد ثقافيا و حضاريا أثناء صراعها مع عدوها . يقول :
(( إننا نعتقد أن الكفاح المنظم الواعي الذي يخوضه شعب من الشعوب لاسترداد سيادة الأمة هو أكمل مظهر ثقافي ممكن . ليس نجاح الكفاح وحده هو الذي يهب للثقافة قيمة و صدقاً و قوة ، بل إن معارك الكفاح نفسها تنمي ، في أثناء انطلاقتها ، مختلف الاتجاهات الثقافية و تخلق اتجاهات ثقافية جديدة ، فالكفاح لا ينيم الثقافة أثناء اندفاعه . و كفاح التحرير لا يرد إلى الثقافة الوطنية قيمها القديمة و أطرها القديمة ، و لا يملك ما دام يهدف إلى إعادة تنظيم العلاقات بين البشر إلا أن يبدل الأشكال و المضامين الثقافية للشعب . إن التحرير لا يزيل الاستعمار فحسب ، بل يزيل المستعمر ( بالفتح ) أيضاً .)).

إن التجديد الديني لا يتم في الغرف المغلقة ، أو بوصفات مؤسسة راند ، و إنما يتم أثناء الكفاح للخلاص من التبعية الثقافية و الاقتصادية و العسكرية ، أثناء الكفاح للتحرر من الكولونيالية . و إن امتلاك ناصية التكنلوجيا و العلم و تجديد علاقات المجتمع سواء الأسرية أم السلطوية ، و علاقات الحاكم بالمحكوم لا يتم عبر الاستسلام التام للعدو ، كما يقترح ياسين الحاج صالح في مقال (( في مديح الخيانة ))، و إنما يتم من خلال نزع السيطرة الاستعمارية ، سواء كانت مباشرة ، كما هو حال العراق و فلسطين و أفغانستان ، أم غير مباشرة كما هو حال بقية العالم الثالث .
و أما هذا الخوف المبالغ به من المقاومة و من الأشكال الخشنة التي تأخذها ، فهو ينم على عدم فهم لآليات الصراع و لا للواقع في ظل السيطرة الغربية ، فالاجتياح الغربي الماحق جعل البشر في كافة أرجاء المعمورة تحتمي بنويات ثقافتها ، فتقيم الأسيجة و تمنع الغرباء من الاقتراب ، لأنها تريد أن تحافظ على الرشيم من الضياع بعد أن سلبها الغازي الغربي كل شيء و تركها عارية لا تملك سوى هذه النويات التي تحتوي أبسط أشكال للهوية .
و إن هذه الأشكال مهما بدت بدائية أو متخلفة أو خشنة أو عنيفة ، فهي الوحيدة التي تفتح أفق المستقبل ، لأنها تحافظ على هوية و ثقافة الأمة ، و من هذه الرشيمات البسيطة البدائية ستنتش نبتة الثقافة القومية عندما يمتلك المجتمع لحظته التاريخية و يبدأ عملية تحرره و إزالة التبعية بأشكالها كافة : سياسية ، اقتصادية ، و عسكرية .



#ثائر_دوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر الدكتاتورية العالمية يتمدد إلى علم التاريخ
- عزمي بشارة ونووي كوريا الشمالية
- تصريحات بابا روما من زاوية أخرى
- مساخر فكرية سورية
- هل هناك ما يمنع أن يكون المرء عاطفيا و عقلانيا في الوقت عينه ...
- التفجع على خمسينيات القرن العشرين
- خمس قوى في مركب واحد
- معنى استعادة قناة المنار لنشيد -الله أكبر فوق كيد المعتدي -
- المقاومة تعيد الاعتبار للإنسان أمام الآلة
- الفرق بين الصيد في المياه العكرة و المياه الصافية
- استبداد أم احتلال ؟
- من سيحاسب من في لبنان ؟
- مع المقاومة تحت أي راية كانت
- ولادة العربي الجديد
- قنابل نووية يدوية الصنع
- الإرهابي هو كل من يعارض مصالحنا
- تلفيقات فكرية سورية
- تيمور الشرقية قصة نفطية نموذجية
- خرافة الاستعمار الجيد
- العدوان الإمبريالي على العرب بين -القوة الناعمة -و -القوة ال ...


المزيد.....




- مع دخول حرب السودان عامها الثالث.. هجمات على أكبر مخيم لاجئي ...
- الاحتلال يواصل قصف خيام النازحين بغزة ويستهدف مستشفى ميدانيا ...
- تعليق الأمم المتحدة على احتجاز الناطقين بالروسية في كييف وني ...
- اعتقال ناشط فلسطيني في أمريكا أثناء مقابلة للحصول على الجنسي ...
- الأونروا: نفاد مخزونات الغذاء التي دخلت غزة بفترة وقف إطلاق ...
- السعودية.. الداخلية تصدر بيانا بشأن إعدام 3 أجانب وتكشف جنسي ...
- الأمم المتحدة: نزوح 125 ألف شخص منذ مارس بجنوب السودان بسبب ...
- السودان: مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تحذر من -عواقب كارثية- ...
- سيناتور أميركي منتقدا اعتقال طالبة تركية: وزير خارجيتنا تفرغ ...
- 7 آلاف إسرائيلي يوقعون عريضة تطالب باستعادة الأسرى بوقف الحر ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ثائر دوري - تجديد الثقافة الوطنية و معركة التحرر من التبعية