نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 7597 - 2023 / 4 / 30 - 03:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السؤال الجوهري الذي يحاول المقال إعطاء إجابة موضوعية عليه ، يتناول الأسباب التي توجّب على الشعوب، وقواها الديمقراطية الوطنية ، وكلّ دُعاة الحريّة والعدالة و السلام ، في الأقليم والعالم ، رفض سياسات التطبيع بين الأنظمة العربية وحكومة الإحتلال الإسرائيلي، في محطّاتها الراهنة ،والتاريخيّة ؛ بشكلّه ومضمونه وأدواته؛ إضافة إلى تحديد مقومات " السلام العادل والشامل "، من وجهة نظر مصالح الشعوب ، وسيادة الدول .
أوّلا ،
في خصائص التطبيع الحالي.
١ لاتقتتصر خطوات مسار التطبيع الحالي على قرار سياسي ، تحدده مصالح مؤقتة ، ويجسده " اتفاق سلام " ، و قيام علاقات دبلوماسية ، جزئية ، او شاملة ، بين ايّ من سلطات أنظمة الاستبداد العربية ، وحكومات العدو .
بالنسبة لأنظمة " الطوق " ، بشكل خاص ، وجميع الانظمة العربية الأخرى ، يشكّل القرار السياسي ، بتوقيع" اتفاق سلام" ، الخطوة الأخيرة ، من مسار طويل ، وعبر صيرورة صراع على مواقع السيطرة الإقليمية ، بين انظمة الديكتاتوريات العسكرية والنظام العنصري الإسرائيلي ، شكّلت " هزيمة الأنظمة في حزيران "،١٩٦٧ أخطر محطّاتها ؛ واستغرق إنجاز مراحل صيرورتها تراكمات كميّة ، وخطوات نوعيّة ، ليس التوقيع ، إلّا أخطرها ، لما يشكلّه من إشهار ، وشرعنة ، لعلاقة" غير شرعية" ، من وجهة نظر مصالح الشعوب .
٢
في أبعاده الأقتصادية والاجتماعية ، ومقدماته الموضوعية ، يرتكز نهج التطبيع الحالي ، فيما يخص الأنظمة العربيّة ، "عل نمط محدد من العلاقات الإقتصاديّة / السياسيّة ، وفّرت بيئة مناسبة ، تتميّز ، على الصعيد " العربي " ،بوجود نظام إقتصادي محدد ؛ " نمط إنتاج ليبرالي" ، خارج جميع ضوابط السيطرة القانونية والإنسانية؛ وسياسي ، إستبدادي ، تحمي أدواته، وشباك نهبه ، سلطة استبداد شمولي، تستقوي، على شعوبها ، بمظلة حماية ، إقليمية، وعالمية !
ثانيا ،
في أسباب رفض التطبيع بين سلطات أنظمة الاستبداد العربيّة وسلطة الإحتلال .
التطبيع ، لا يعني هنا ، إقامة علاقات إندماج طبيعية ، على طريقة العلاقات الجديدة بين" روسيا "التي اختارت مسار النظام الرأسمالي (السوفياتية، الإشتراكية – سابقا )، وأوروبا الغربية ، الرأسمالية ، بعد عقود من " الحرب الباردة " ، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ١٩٩١.
"التطبيع الحالي" ،بما هو إقامة علاقات خاصّة بين سلطات أنظمة الاستبداد الرأسمالية التابعة، وسلطة القاعدة العسكرية والأمنية المتقدّمة لأنظمة لمراكز الإمبريالية العالمية، أقرب إلى معاهدة ، "تحالف أمني"، سياسي ، عسكري ، يهدف ، من جهة ، إلى شرعنة وجود" كيان سياسي غريب" ، غير شرعي ، وحماية حدوده وأمنه ؛ ومن جهة ثانية ، حماية سلطات أنظمة الاستبداد العربية ، ليس في وجه أخطار إقليمية محتملة( أطماع النظام الايراني!! ) ، بل في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة لشعوب المنطقة، التي قد تدفع بها التناقضات الداخلية مع سلطة النظام السياسي ،إلى حالة العصيان والثورة !
في الحقيقية لم يَعُد قيام هكذا تحالف حالة مشروع خطط مستقبلية ، إفتراضية ، تسعى الولايات المتحدة الامريكية لتحقيقه ، عبر قيادة قطار " السلام " !!
بل إنّ ما يدفع" قطار السلام " اليوم، على محطات جديدة، ليس سوى نتيجة اولى لما انجزه التحالف الأمني والعسكري ، القائم عمليا ، في أكثر من محطّة تاريخية ؛
خاصّة ، خلال " غزو العراق " ، ٢٠٠٣،وخلال السنوات العشر الماضية ، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة ، أدّى الى هزيمة اهداف مشروع التغيير الديمقراطي، وتدمير قواه ، وقواعده الاجتماعية ، الشعبيّة !
ثالثا ،
في مقوّمات السلام العادل ، والدائم .
اودُّ ، بادىء ذي بدء، التأكيّد على واقع
أنّ رفض مسار "التطبيع " الحالي ، في الأهداف والأدوات، ليس رفضا للسلام العادل ، ، بل رغبة في به ، ومن أجل وضع مقومات سلام بين الشعوب ، يرسّخ مقومات تطبيع واستقرار دائم، يقوم على العدل والمساواة.
إنّ رفض التطبيع، بالتالي ، ومقاومته ، وبناء المشروع النقيض ، سلام الشعوب العادل ، هو صيرورة مستمرة، و نهج شامل ، يرتكز ، على الصعيد الداخلي، الوطني ، على بناء مقومات المشروع الحضاري" الديمقراطي "،
بمعنى ، إنّ السلام، الذي يشكّل مصلحة ، وخيار إستراتيجي للشعوب ، والذي يملك مقومات الديمومة، لايمكن له ان ينفصل عن مسار تحقيق العدالة والإستقرار على الصعيد الداخلي ؛وتوفير اسباب السلم الأهلي ، من خلال بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية .
هو ، بهذا المعنى، مرتبط، أيضا ، وبشكلّ جوهري، بتوفير ، وصناعة، مقومات سلام أقليمي، تشترط لتحقيق السلام "الدائم والعادل" ، بين شعوب حرّة ،وعلى ارضية قانونية مناسبة ، ووجود أنظمة ديمقراطية ، تحترم حقوق الإنسان ، وحقوق الشعوب المجاورة ، ووحدتها الجغرافية ، على صعيد الدول العربية، والاقليميّة ، كما على صعيد " فلسطين المحتلّة". ) حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في إطار نظام ديمقراطي ، يقوم على دستور علماني ، يضمن المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، بغضّ النظر عن أيّة إنتماءات أخرى ).
رابعا ،
في خلاصة القول ، اعتقد أنّ من مصلحة الشعوب وقواها السياسية الديمقراطية الوطنية، وجميع قوى السلام في العالم، أن ترفض نهج التطبيع / التحالف الراهن ، بأهدافه وأدواته ، ومظّلته الدوليّة، خاصّة ، وفي حقيقة إنسجامه مع المصالح الآنيّة ، والإستراتيجية، للولايات المتحدة ، التي تظهر في حرصها على سير ، وقيادة ، "قطار التطبيع" ، في شكله ومضمونه الحاليين المعادي لأهداف المشروع الديمقراطي لشعوب المنطقة ، والقائم بين انظمة استبداد ؛ تحوز على " شرعيتها " فقط في كونها تحت مظّلة الحماية الأمريكيّة ؛ وبين نظام عنصري في فلسطين المحتلّة ، يعمل بعقلية القرصان ؛ لا يتوقّف خطر وجوده على إرتكاب جرائم القتل والتهجيير والتدمير واغتصاب الأرض منذ بدايات تشكّل ميليشاته العنصرية ، طيلة عقود، بل وفي إنحيازه لسلطات أنظمة الاستبداد؛ في مواجهة نضالات الشعوب الديمقراطية ، وتطلّعها لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
(١)-
فانتصار حروب "الثورة المضادة" على كامل الساحات العربية ، لم يَكُن ليتحقق سوى من خلال قيام تحالف واسع ، محلّي إقليمي ودولي، على غرار غزو العراق ، وحّد جهود انظمة الاستبداد الإقليمية والمحلية، مع مصالح قوى النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي ، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، من اجل قطع طريق انتقال ديمقراطي سلمي للسلطة السياسية، وتدمير قوى التغيير الديمقراطية، وقواعده الشعبية.
في هذه الفكرة تحديدا ، نجد المعايير الموضوعية لنهج " المقاومة الحقيقية" لمسارات التطبيع المستمرة بشكل تراكمي ، في أعقاب هزيمة حزيران، ١٩٦٧. إذا كان الهدف الأساسي للتطبيع هو خلق حالة استقرار دائمة بين دول وشعوب المنطقة ينبغي علينا أن نمييز بين نوعين من " الإستقرار :
أ-︎استقرار المجتمعات ، ومنع قيام حروب " أهلية " ، وضمان السلم الأهلي ، من خلال تنظيم التبادل السلمي للسلطة ، ومن خلال نظام سلام اقليمي، يزيل أسباب الحروب بين الدول .هو خيار إستراتيجي للسير نحو السلام والعدالة ، وتلبية الحاجات الشرعية للمواطنين .
ب- الطريق الآخر ، النقيض ، يسعى لحفظ استقرار الأنظمة ، بما يضمن أفضل الظروف لتأييد عمل آلية النهب التشاركي ، بين حلقات النظام الرأسمالي الطرفيّة ، وبين مافيات مراكز النظام ، خاصّة في الولايات المتحدة الأمريكية .
هو حفظا للإستقرار بإستخدام " القبضة الأمنيّة " ، التي يوفّر شروط ديمومة سلطاتها، تحالف سلطات أنظمة استبداد مع سلطة الكيان ، وتحت مظّلة ، وحماية ، الولايات المتحدة الأمريكية ؛ في مواجهة الشعوب وأهداف مشروعها الديمقراطي، بالطبع !!
(٢)-
الغريب هو استمرار النخب في عدم رؤية حقيقة الدور الأمريكي القيادي في تحقيق هزيمة أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري ؛ رغم انّ ما يلاحظه المتابع العادي اليوم ، في ما انتهت إليه خواتيم الصراع ، هو يد عليا ، أمريكية، في تقرير مصير ، ومصالح جميع القوى التي تورطت في الحرب ، وفي مقدمتهم روسيا ، التي تنتظر اليوم نظرة عطف أمريكية، تسمح لها برفع سيف العقوبات والحصار ، وإطلاق مشروع إعادة الإعمار، على أمل أن نتقاسم بعض الفتات مع أطراف محور المقاومة!!
هل يُعقل أن يتسم الدور الأمريكي بالتخبّط ، وضياع الرؤية والخطط ، والإنسحاب من المنطقة ، ( لكي يواجه الصين في منطقة أخرى، ويورّط روسيا ، في سوريا ، لكي يشغلها عن أوربا،إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة) ، لكي ينتهي به المطاف كعامل أساسي في تحديد جميع تفاصيل المشهد السوري ، و تحديد مصير جميع أطراف الصراع ؛ النظام والروس والإيرانيين ، وغيرهم ؟
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟