واثق الجلبي
الحوار المتمدن-العدد: 7596 - 2023 / 4 / 29 - 17:50
المحور:
الادب والفن
قراءة / جبو بهنام بابا
يستمد الشاعر من إنتصاره بالحياة، وهذا تبريره بالقوة التي يتمتع في عزفها كموج غاضب عارم، والإنتشاء بنكهة نيتشوية. يبعث في القصيدة الألق والنشوة لكنه ورغم هذا يستعير ألماً وفي زاوية أخرى ضوء يبهره يملأ قلبه المكلوم يتجلى فيه الوجه الآخر للشاعر في ظروف ديمومية وجدها ليكشف فيها ضنيناً ملفعاً بأشجار تقبل ذاته بتفرد ربّما يؤرقه لفترة ما : ( ليلٌ أبكم وحصان يدفعني نحوي / شباك تُخرسهُ شمعة / غيمٌ يتلاطمُ في كفي / أشجارٌ غضبى تتألم /موجٌ يتدفقُ كالموتى/ ماذا يجري ؟) الشاعر ذو اللغة الفنية, اللغة مادته الأولية ينتج منها معنىً حضاريا وتراثيا, يتم توزيع العناصرالإعرابية وفق محاور منظمة بإيقاعٍ موسيقيٍ مشرق، وبنبرة متناغمة مع تلك اللوحة البيضاء النقية لمواء قط يبحث عن مأى ليسترق الشاعر حنينه ويخرج بلا عينين : ( وشراعٌ مدّ ضفائرهُ / يستجدي من ريحٍ بدرا / في لوحتنا قط يبكي / ذاك العصفور يُراودهُ / فمحوتُ اللون بمن فيها / وخرجتُ الآن بلا عينين / ومحوت كل ماكان غامضا ومكتوما في قلبي). يسترخي الشاعر في زاوية من تلك اللوحة التي أفقدته بعض النظر حتى إستطاع مواجهة الرب بقلب منكسر ومدامع جفت تسكن تترى حتى تأتي لتزيح هذا المحترق راحلاً إلى فضاء أوسع من هذا: ( فرأيتُ الرب يقابلني / ويحضن قلباً من وهمِ/ حتى أرخيتُ مدامعهُ / وبكينا خلف تجاربنا / رُحنا في عالمِ أحرفهِ / ذقنا حبرا .. وتسكعنا / ومشينا فوق خطوط الطول/ ومحونا كل بواقينا ). يقول صلاح فضل: لم تعد الصورة الشعرية تعرّفاً على الشيء ولاهي تقريباً ذهنياً وإنما خلق رؤية خاصة له، والصورة الخاصة في قصيدة الشاعرتتغذى من ذات الشاعر وحالاته التي دخلت ضمن واقعية النص والتداخل في النسيج الشعري، والمتخذ صورة الحدث الواقعي فالقصيدة روحه المتجدد وطموحه المتفجر وهذه هي الروح الخلاقة التي تحمل في طياتها الدفء وبعض النسيان.تلك الدمعة تنسرب من مآقيه لِيُذكّر أن الإنسان ليس إلاّ كرة طين. فتعقّل: (لا يذكرنا في هذا الكون / إلا دمعة/ فالناسُ بلا قلبٍ صاروا/ حطمتُ الأحرف والجرّة / ماتتْ في قبضتنا فكرة / لما أبديتُ لهُ رأيا / قال إهدأ يا كُرة الطينِ ). صراع في فكر الشاعر وموجات من تحول نفسه من تقلبات مرئية ومن ذكريات يعتذر فيها من واصل السماء لينتصر. وينغرس في مكانه طفل متوهج في بلورة ذلك الصراع الثنائي بين العقل والقلب المتعب فيحفز النفس بتناغم فني وأحلام ممكنة:( فتكورنا .. وتصارع قلبي في قلبي/ في هذا يعذرني ربِ / كانتْ كالأمس حكايتنا / صارتْ رملا / ما تلك الأيامُ بحقٍ / بل كان الحقُ بها طفل). إن قصيدة الشاعر واثق الجلبي تتشرنق في جوهرها عبر حشد من الرموز الطلاسمية الباهرة المنظّره, تمنح الإشارات الواضحة المعالم لتشكيل هيئة داخلية للقصيدة في حدث مذهل البناء، بدلالة عميقة مليئة بالعواطف الذاتية لتمنح لقصائده طقساً سحرياً تمكن من إدامتها والسيطرة عليها بشكل امتداد مرئي رغم إنها تتكئ على أجواء ومناخات توحي بالأسى, تلك الصورة الهادئة المفتنة في مسارها الحسي, فظهر ذلك البناء الفني لإسلوب الشاعر المتميز في المقدرة على التوفيق والتنظيم.
#واثق_الجلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟