|
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الجزء 19 - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة
أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 7592 - 2023 / 4 / 25 - 00:28
المحور:
الادب والفن
*** لحقت ما تبقى في طابورين من الفنانين السوريين عند معاملة التذاكر ، كنت في الثلث الاخير من احدهما واقفا – كان قد اكد علي قاسم اتباع نصائحه بالسكون الواثق المطمئن في المطار وداخل مقصورة الطائرة للركاب ، انشغل في قراءة الصحف . . طول الرحلة – كان قد ابتاع الجرائد الصادرة فجرا ، الاهرام . . الاخبار . . الاهالي و المصور ومجلة العربي العدد الاخير ، واشترى زجاجة كونياك هدية وفكة ثلاثين دولارا ما بقي في جيبه – خذ تاكسي الى ساحة المرجة . . سجلها في الورقة الان . . التي كتبتها لك من قبل ، احجز في ارخص فندق لليلة واحدة . . لتضع حقائبك وترتاح ساعة ثم تخرج وتأخذ معك كرتين للفندق ، تسأل أي شخص كيف تصل الى الصالحية ، غير بعيد . . تذهب على الاقدام ، وهناك تسأل عن مقر اتحاد الطلاب العربي والعالمي ، اسأل عن الرئيس . . يتصلوا به في المنزل إن لم يكن موجودا ، ستجد كثير من المبتعثين من الجنوب ، ستجد هناك ايضا كثير من المخبرين من مبعوثي الشمال . . لا تثق بأحد منهم او تذهب معه - تحاضنا بحرارة و والدموع تنهار من اعيننا - كنت اقبله بما اوتيت من طاقة عرفانا بالجميل – سأبقى هنا . . حتى تؤشر لي دخولك صالة المغادرة ، سأذهب عندها و . . يكون سفرك مؤمنا مائة بالمئة . . دون اية عوائق ، اعتبر عندها انك غادرت مصر .
تنفست الصعداء للعبور السلس السريع كالآخرين ، ارتفعت معنوياتي واكتسحتني حالة من الثقة والاعتداد بذاتي كإنسان رزين يفرض احترام الاخرين معه عند وقوفي على شباك امن الجوازات ، كان يرمقني بنظرات مختلسة بصورة متكررة – ادرك أنها اداء نفسي محرض لاضطراب المرء إذا ما كان يخفي شيئا . . يظهر على ملامحه - وذلك اثناء تقليب الجواز وما لديه من عمل خلال اكثر من نافذة او صفحة يقلبها جهاز الكمبيوتر – كيف شفت مصر ، اعجبتك ، لم تزرها من قبل ، من يشرب من مائها . . يحن ليرجع إليها من جديد ، مصر بلد كل العرب – جاريته في ردود مخترلة حكمية . . تعظم مصر وكل شيء منها ، . . انها قلب كل عربي ح . . حتى من لم يزرها ، . . لولا انتهاء المصاريف . . ما كان للواحد مثلي أن يغادر ، . . تجد شيئا في النفس يشدك للبقاء – ظل يهز رأسه برضى متعالي ، يلامس ما يقوله عقله . . هذا هو الكلام عن مصر – اهلا وسهلا بك في مصر ، تمنياتنا لك بسفر ميمون و . . أن تكون قضيت وقتا طيبا في البلد – توقف الحديث لدقيقتين ، دعا ضابطا اخر برتبة اعلى متحدثا معه وجوازي بين يديه ، عاد مخاطبا لي من نافذة الشباك المقصوصة من الكابينة الزجاجية – يمكنك الدخول الى صالة المغادرة ، سنعيد لك الجواز لاحقا ، في امور نريد التحقق منها – في شيء – لا ما في قلق ، لكنها امور تخص عملنا – غادرت مكاني الى الممر المؤدي الى غرف صالات المغادرة . . المرقمة كبوابات رقمية لعبور الرحلات المغادرة المختلفة ، كانت رحلة اليمنية الى دمشق معلنة من خلال البوابة رقم سبعة ، وضعت حقائبي وبلطف مستأذنا الضابط البديل المؤقت حتى عودة الاول . . لاستكمال من بقي من طابور المغادرين على نفس الرحلة – ممكن اودع صديقي – اشرت باتجاه المحمودي – رغم انه غير مسموح بعد الدخول الى صالة المغادرين ، ولأنك ضيف لأول مرة . . نسمح لك ، . . لكن سريع – كان المحمودي يرى كل شيء من خلال النافذة ، خرجت إليه وكان باديا عليه ادراكه بما انتابني من جزع – خليك طبيعي ، ما دام قد سمح لك الدخول الى صالة المغادرة . . يعني انتهيت من كافة المعاملات الرسمية ، يعنى انت مغادر و . . لا يعني شيء اخذهم للجواز ، لو في شيء . . لن يسمحوا لك أن تتجاوز الصالة العامة ، لن اغادر . . حتى اشوفك تغادر بوابة الخروج الى باص حمل الركاب الى الطائرة . . تجاهل أي قلق في ذهنك – توادعنا وعدت الى صالة المغادرة ، كانت تكتظ بالممثلين الذين احببناهم وكامل عناصر العاملين في فيلم التقرير ، تموج بحيوية الحركة العشوائية . . المملوءة بالضحكات والتنقلات للأفراد من موضع لآخر ومن مجموعة الى اخرى ، كان الغالبية منهم في حالة من انتشاء السكر المعقلن – غطست في مقعد محاط بمجاميع متعددة منهم – لم تمر اكثر من خمسة عشرة دقيقة إلا وطلب توجه راكبي اليمنية الى دمشق . . التحرك الى بوابة المغادرة ، وأن الطائرة جاهزة للإقلاع قبل موعدها المسجل على شاشة المغادرة – لم يكن المشهد الذي رأيته . . ما كان من تسابق وتزاحم يحدث بين الركاب اليمنيين عند المغادرة أو الوصول ، كانوا يقفون ويسيرون بتباطؤ وتكاسل . . فالطائرة لن تقلع إلا بعد دخول اخر راكب الى جوفها ، بينما اليمنيون لا تفرق الطائرة كثيرا عن باص النقل العام ، من يسبق يحتل موضع المقعد الذي يريد . . حتى وإن كانت المقاعد مرقمة على التذاكر . . لا معنى للنظام . . طالما وسيلة النقل يمنية .
ظللت منتظرا ظهور ضابط الامن قادما لا عطائي الجواز ، غادرت اخر مجموعة راكبة الباص الناقل الى الطائرة – خلت الصالة كليا . . عداي ، حتى غرف الصالات الاخرى كانت فارغة من الركاب ، فالتوقيت الزمني للرحلة ظهرا . . امرا نادر الحدوث عند مختلف خطوط الطيران ، عادة مسائية وعند منتصف الليل او الفجر – انتظرت كلقيط وحيد في عراء لا يرى فيه انسانا . . حتى ولو من بعيد ، انتابني خوف شديد ، لم يعد مرئيا أي جانب من صالة الدخول والمعاملة في المطار – أكيد قد غادر قاسم عائدا الي المدينة ، يكون سمع مغادرة الطائرة قبل موعدها ، طالما بعد انتظار طويل لم اظهر عندها ، اكون قد غادرت مع الاخرين الى الطائرة – اقشعر بدني محاولا اخفاء هلعي . . فكاميرات المراقبة تغطي كل مكان ولا توجد اية نقطة معتمة على المراقبين في اجهزة الرصد – تشعر بجفاف في فمك وتكرر ارتشاف الماء ، اللعاب ثقيل على البلع و . . تنفساتك من الصعوبة عليك أن تجترها ، صداع يثقل رأسك مع كل دقيقة ترصدها من ساعة يدك . . بعد تسمر بصرك واحاسيسك وهواجسك على الممر المؤدي الى صالة المغادرة – كنت في حال من ألقي به في مساحة مغلقة بجدران عالية ملساء مسورة بشباك حديدية عازلة مسننة موصلة بكهرباء صعق ، لا يظهر امام مرئي عينك سوى بوابتين حديديتين اثريتين منخفضة الارتفاع ، واحدة دلفت منها الى الفسحة الفراغية واغلقت بعدها ، تأخذك التوجسات باندفاع مجنون للأدرينالين . . حتى ينهك عضلات جسمك فتصطك مفاصلك من كل مكان و . . يثقل رأسك وتحول لون بشرتك الى السواد . . في انتظار ما سيخرج من البوابة الاخرى مع بداية انفتاحها ببطء ، أياتي من خلالها وحوش اكلة للحوم . . كما علمته جيدا من وحشية الحكام وانظمتهم البوليسية أو يأتي من يحمل لك الصفح – اكثر من نصف ساعة من التأخر تربض الطائرة في انتظار وصول الراكب الاخير – قاربت على الانهيار . . حتى ظهر الضابط اخيرا بعد حركة حثيثة بعدم استبقاء الطائرة وعدم السماح لها بالمغادرة – وصل الى مسمعي طرطشات كلام بعد مضي ثلث ساعة من التأخر . . اعتراض الوفد الفني السوري على هذا التأخير ورفضهم التخلي عن راكب وإن كان واحدا . . طالما قد سجل على نفس رحلتهم المحجوزة بصفتهم ، فهو يحسب بالنسبة لهم عضوا من الوفد و . . إن لم يكن منهم ، لم يكن لليمنية اضافة راكب من البداية و . . هم يعرفون ان الرحلة محجوزة بكامل المقاعد للطاقم الفني السوري ، هذا سيسبب مشكلة سياسية بين البلدان الثلاث و . . سيضر بسمعة شركة طيران اليمنية والسياحة لمصر – نعتذر منك تفضل و . . رحلة سعيدة – تجرأت ولا اعرف من اين اوتيت الشجاعة لحظتها فيا – ماذا حدث و . . معي ، انا انسان عادي مغادر – رد علي بمضض متثاقلا – حدث اشباه في صورتك وبين واحد فلسطيني مطلوب دوليا و . . يحمل جوازا يمنيا من الجنوب – لكن جوازي شمالي – حصل خير ، مع السلامة . . نحن اسفون – بتعجل لأوامر سرعة مغادرة الطائرة لأرض المطار قبل الوقوع بمشكلات ، خاصة وأن الوفد كان ثملا . . جاهزا لاختلاق شوشرة . . لكون ما حدث يفقد الاحترام لصفة الدولة السورية ، لم ينظر في جوازي عند البوابة بعد استدعاء عربة توصيل الراكب الاخير الى الطائرة – دلفت الى الداخل واغلق باب الطائرة واعلن ربط الاحزمة استعدادا للإقلاع ، جلست جوار الفنان نهاد قلعي وبيدي مجموعة الجرائد والمجلات ، بعد ايماءة التحية بيننا والسماح للدخول الى مقعدي ، فالمساحة بين صفوف المقاعد ضيقة تفرض وقوف الجالس على الكرسي الواقع على الممر أن يقف ليتمكن الاخر من الدخول الى مقعدة الواقع على النافذة – مسحت بنظري مدخل الطائرة من الدرجة الاولي والاخرى حتى اخر اربعة مقاعد في الخلف ، كان يتوزع ثلاثة ضباط امن ببدلات مدنية بين الامام والخلف والوسط ، يظهر ذلك من ايحاءات نظراتهم المتفحصة وجثثهم الكبيرة . . وما نعرفه نحن عن اصحابنا الامنيين يبدون كالقرويين في ارتدائهم غير المهندم للبدلات المدنية الفاقدة للمكوى بقمصانهم المكرمشة بياقة اكبر من العنق يظهر من داخلها لطخة الوسخ المزيتة و . . ربطة العنق غير المستوية – شعرت بنظراتهم اكثر من مرة تجاهي ، لكن جو البهجة والشرب للفريق الفني انساهم وجودي ، خاصة بعد أن بدا علي . . شاب صغيرا لا معنى له . . لا يمكن أن يعمل له حساب ، ربما فكروا إن كان هناك شيئا في امري . . لا يجب اظهاره امام هذا الوفد بصفة الدولة ، يمكن حجزه في الطائرة بعد مغادرة كل الركاب الاخرين منها – ربما . . وهو امر غير مستبعد . . خاصة بعد اتصال مدير محطة اليمنية السابق واخيرا ما جرى معي في صالة المغادرة وابقاء الطائرة لفترة تقارب الخمسة واربعين دقيقة . . كما حسبتها بعد الاقلاع بزمن – رأيتني دامعا بصمت اثناء تحليق الطائرة وأنا انظر من النافذة ومعالم القاهرة تذوي تدريجيا في ابتعادنا منها جوا ، هل لمشاعر الفقد لمصر التي زرع داخلي الحب لها منذ صغري . . عن ابي أم على نفسي التي تحررت من شرك اشرف أن يأتي عليها ، او عن كل الام المهانة والاستهداف المفرط تجاه شاب صغير لا يمثل جزء ضئيلا من الخطر ليعمل معه كل ذلك ، . . ام شعور رهبة القادم في وصولي بلدا . . اجدني غريبا بالمطلق عنه ، ليس عندي من يستضيفني ، من اين آكل واعيش وليس معي غير ثلاثين دولار . . لا تغطي يوما واحدا من اجرى التاكسي والنزل لنوم ليلة واحدة وما يتبقى منها القليل لوجبتين أو ثلاث خفيفة ومياه شرب الى ظهر اليوم التالي - ما يضمن أن اجد من يعينني . . حتى ليومين وايصالي للسفارة الجنوبية ، كيف سيتعاملون معي – خاصة بعد حرب يناير والاوضاع مازالت متوترة في الداخل بين الفصائل المحسوبة مناطقيا ، وانا حامل لجواز شمالي منتهي . . مشبوه ، فالزمرة المنهزمة هربت الى الشمال واصبح عناصرها غير القياديين محسوبين من عناصر الامن الوطني لنظام صنعاء – قلت في نفسك دعها على الباري ، ما يهم خروجك في اخر لحظة من الطوق الاول الذي كاد أن يقضي عليك – ليكن . . ما يكون . . .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حيرة . . فيما أنت عليه تكون
-
الجزء الثامن عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعم
...
-
محاكاة . . مما لا يتحدث به
-
الجزء الثامن عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اع
...
-
الجزء الثامن عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعم
...
-
المدينة . . وذئاب المتمدنة
-
الجزء السابع عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعم
...
-
الايديولوجية و الصراع الايديولوجي الجزء( 3 ) والاخير
-
الجزء السادس عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعم
...
-
الايديولوجية و الصراع الايديولوجي الجزء ( 2
...
-
الايديولوجيا بين الوعي الزائف والوعي الحقيقي و مسألة الصراع
...
-
نافذة . . وطرق ارتحال
-
ملخص كتاب ( نظرية التغير الكلية ) / مؤلفي غير المنشور 2018م.
-
النظام العالمي الجديد القادم و . . نهاية الحناش للحنش
-
انتهاء زمن نظرية المؤامرة . . حقيقة أم اكذوبة خداعية – فيما
...
-
من كتاباتي المنشورة في الصحف في 2000م / ثلاث مقالات
-
انتهاء زمن نظرية المؤامرة . . حقيقة أم اكذوبة خداعية – فيما
...
-
الجزء الخامس عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اع
...
-
انتهاء زمن نظرية المؤامرة . . حقيقة أم اكذوبة خداعية – فيما
...
-
المثقف والمفكر . . عباءة فري سايز للجميع
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|