|
روايةللفتيان الزنبقة طلال حسن
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7591 - 2023 / 4 / 24 - 02:57
المحور:
الادب والفن
روايةللفتيان
الزنبقة
طلال حسن
شخصيات الرواية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ الأم 2 ـ كوروسوك 3 ـكيمي ـ فتاة 4 ـ كوراهاشي ـ والد كيمي 5 ـ الأمير 6 ـ يينوكي ـ الكاهن 7 ـ تامي ـ فتاة 8 ـ سونوبي ـ السياف
"1 " ــــــــــــــــــــ على عادتها ، استيقظت أم كوروسوك ، مع استيقاظ الشمس ، وأعدت الفطور على مهل ، ثم ذهبت إلى ابنها كوروسوك ، وكان مايزال في فراشه ، وهزت رأسها مبتسمة ، لعله كالعادة يتظاهر بالنوم . وجلست الأم على طرف السرير ، وقالت : كوروسوك ، أفق ، يابنيّ ، الشمس سبقتك اليوم . وفتح كوروسوك عينيه اللامعتين ، وقال : كلّ عام وأنتِ بخير ، يا أمي . ونهضت الأم ، وقد توارت ابتسامتها ، وقالت : انهض الآن ، هذا عيدكم أنتم الشباب . واعتدل كوروسوك ، وقال : إنه عيد الحب ، يا أمي . وأبعدت الأم عينيها الحزينتين عنه ، وقالت : لم أعد شابة ، يا بنيّ . وصمتت لحظة ، ثم قالت بصوت حزين : لم أشارك في مهرجان هذا العيد ، منذ أن رحل أبوك . ونهض كوروسوك ، وقال : أبي لم يرحل .. وأطرقت الأم لحظة ، ثم اتجهت إلى الخارج ، وهي تقول : تعال نفطر ، قبل أن يبرد الطعام . وجلسا يفطران ، دون أن تنبس الأم بكلمة ، بل إنها لم تنظر إلى كوروسوك نظرة واحدة ، وأوى كوروسوك إلى فراشه ، حالما انتهى من الفطور . وتشاغلت الأم ، طوال ساعات الصباح بإعداد طعام الغداء ، لكن ذهنها كان مشغولاً بابنها كوروسوك ، وشعرت بالحزن من أجله ، لقد تسبب الأمير بموت زوجها الساموراي ، منذ حوالي عشر سنوات ، فما ذنبه ليعاني من أحزانها الدائمة ؟ وتناولا الغداء صامتين ، وحاولت الأم جهدها أن تتحدث إليه ، وتخفف عنه ، دون جدوى ، وبدل أن يخرج من البيت بعد الغداء ، كعادته كلّ يوم ، عاد إلى غرفته ، واستلقى في الفراش . وأقبل الليل ، وحلّ الظلام ، وتناهىت من الخارج ، أصوات الشباب والشابات ، يتحدثون ويتضاحكون متجهين للاحتفال في مهرجان " بون " ، والانشغال طول الليل برقص " بون اودوري " . وأشعلت الأم القنديل ، ودخلت غرفة ابنها كوروسوك ، وعلى ضوء القنديل الشاحب ، رأت كوروسوك متمدداً في فراشه ، وقد أولى وجهه للجدار . واقتربت الأم من سريره ، وقالت : كوروسوك .. وتململ كوروسوك ، دون أن يردّ ، فتابعت الأم قائلة : أعرف إنكَ لستَ نائماً ، انهض ، يا بنيّ . وبدل أن ينهض كوروسوك ، اعتدل في فراشه ، وقال : لا داعي للنهوض ، يا أمي ، فعيد الحب والفرح ليس لنا ، في هذا البيت . وحاولت الأم أن تبتسم ، رغم ملامحها الحزينة ، وقالت : لا يا كوروسوك ، إنه العيد لكَ بالذات ، أنت شاب ، والحياة أمامكَ ، انهض ، واذهب إلى الغابة ، وشارك الفتيان والفتيات الرقص في مهرجان بون .
" 2 " ـــــــــــــــــــ في طريقه إلى الغابة ، التي يُقام فيها مهرجان " بون " ، لم يرَ كوروسوك ،على ضوء القمر ،المعلق كالقندل في أعالي السماء ، إلا عدداً قليلاً من شباب وشابات القرية . وهذا أمر طبيعي ، كما يرى ، فقد أسرع الجميع ، بعد غروب الشمس إلى الغابة ، إنه اليوم الأول من عيد الحب ، الذي كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر ، ليلتقوا في الغابة تحت ضوء القمر ، ويغنوا ويرقصوا بعيداً عن أعين الحراس من الأهل والأقارب . وتراءت له كيمي ، بأعومها الستة عشر ، وشعرها البنيّ ، وعينيها السوداوين اللامعتين ، و .. ترى هل هي بينهم الآن ؟ وحتى لو كانت كيمي بينهم ، فما الفائدة ؟ إنها زنبقة ، له أن يراها من بعيد ، ولا يقترب منها ، خاصة بعد أن التقى بأبيها ، وطلبها منه ، وسمع منه رده القاطع : لا . جاءوا إلى القرية الصغيرة ، القريبة من الغابة ، التي يعيش فيها كوروسوك وأمه ، منذ أشهر قليلة ، ربما كان أبوها في الأصل من القرية نفسها ، لكنه عمل في المدينة سنين طويلة ، في خدمة الأمير . وحين مرض الأب ، وعجز عن العمل عند الأمير ، ترك المدينة ، وبنى له في طرف القرية الصغيرة ، بيتاً جميلاً ، تحيط به حديقة واسعة غناء ، سكنه هو وزوجته وابنته الشابة كيمي . وتوقف كوروسوك عند مشارف الغابة ، وقد تناهت إليه صيحات الشباب والشابات ، وأصوات ضحكهم ورقصاتهم ، وضجيجهم المرح . ومرة أخرى تراءت له كيمي ، وتنهد متحسراً ، لعله استعجل ، وهذه ليست عادته ، ربما كان عليه أن يتعرف عليها أولاً ، ويعرف إذا كانت تميل إليه أم لا ، أراد أن يملكها ، قبل أن يسبقه إليها شاب من شباب القرية ، آه لا فائدة ، لقد فات الأوان . وتقدم ببطء بين أشجار الغابة ، ولاح الشباب والشابات على ضوء القمر ، منغمسين في أفراحهم ، لا يلتفتون إلى شيء ، وراحت عيناه الملهوفتان ، تركضان دون ارادته بين الشابات المتراقصات ، بحثاً عن زنبقته ، بحثاً عن .. كيمي . ورآها تتألق شباباً وفرحاً ، مثل قنديل وسط الظلام ، وتوقف متردداً ، وعيناه لا تفارقان زنبقته القنديل ، وهمّ أن يستدير ، ويعود إلى البيت . واستدار فعلاً ، لكن قبل أن يسير مبتعداً كالهارب ، أقبلت عليه فتاة شابة ، وهتفت به بصوت فتيّ فرح : كوروسوك . وتوقف كوروسوك ، فأدركته الفتاة الشابة ، آه هذه تامي ، ابنة جارهم البستاني ، فقال : أهلاً تامي . ومدت تامي يديها الملهوفتين ، وأطبقت على يده ، وقالت : الليل في أوله ، تعال نرقص . وسحب كوروسوك يده برفق ، من بين يديها ، وقال : عفواً يا تامي ، إنني متعب . فقالت تامي : لكنك لم ترقص بعد ، يا كوروسوك . وتراجع كوروسوك مبتعداً عن تامي ، وهو يقول : غداً ، ربما نرقص غداً ، العيد مازال في أوله .
" 3 " ـــــــــــــــــــــ عند حوالي الفجر ، في اليوم التالي ، عاد شباب القرية وشاباتها ، إلى بيوتهم ، بعد أن قضوا ساعات الليل في اللهو والرقص والغناء . وهدأ الآباء والأمهات وكبار السن ، وتنفسوا الصعداء ، حين رأوا أبناءهم وبناتهم ، يعودون سالمين مع الفجر من الغابة ، فهم أنفسهم كانوا شباباً ، في يوم ما ، وعاشوا فعاليات مهرجان يوم الحب . وأغلقت أبواب جميع البيوت في القرية ، قبل شروق الشمس ، عدا باب بيت عائلة كيمي ، وكيف يُغلق الباب ، وكيمي لم تعد بعد ؟ وظل أبوا كيمي ، ينتظرا عودة كيمي من الغابة ، على أحرّ من الجمر ، دون جدوى ، لقد عاد جميع الشباب والشابات إلى بيوتهم ، فأين كيمي ؟ وأشرقت الشمس ، وراحت تتسلق شيئاً فشيئاً مدارج السماء ، لكن كيمي لم تشرق ، وظلت وراء أفقها المظلم الغامض ، وعند الضحى ، خرج الأبوان يسألان عنها الشباب والشابات ، الذين كانوا معها ، لعل أحدهم يدلهما على أثر لها . قالت فتاة شابة ، ممن يرافقن كيمي دائماً : ذهبنا إلى الغابة ، نحن بضعة فتيات ، وكانت كيمي معنا . وقال شاب : كنت في ساحة الرقص ، مع عدد من الشباب والشابات ، ورأيتها تقبل على الساحة ، مع مجموعة من صديقاتها . وقالت فتاة : رأيتها في ذروة الاحتفال ، وكانت مرحة ، سعيدة ، لا تكف عن الغناء والضحك . وقال شاب : رأيتها ، وراقصتها ، وقد رقصت مع الجميع ، حتى النهاية . وأكد شاب : عند عودتي ، قبيل الفجر ، عرضت عليها أن أرافقها ، في طريق العودة ، فاعتذرت قائلة ، إنها لم تشبع من الرقص بعد ، وأنها قد تتأخر قليلاً . وقالت فتاة : رأيتها ، قبيل الفجر ، تمشي وحيدة بين أشجار الغابة ، متجهة إلى القرية . وذكرت فتاة بكلمات مترددة : لقد لمحتها ، ربما تقف في أول الغابة ، مع شاب ، لم أره من قبل . أما ايمي فقد قالت : عند منتصف الليل ، وقفت أتحدث مع كوروسوك ، ولمحته يسترق النظر ، بين فترة وأخرى ، إلى كيمي . وعلى الفور ، خرج أبو كيمي مسرعاً ، من بيت ايمي ، وهو يقول لزوجته : اتبعيني . وتبعته زوجته ، وسألته في الخارج : ما الأمر ؟ وردّ أبو كيمي ، دون أن يتوقف : لا أحد يعرف أين كيمي غير كوروسوك . وما إن وصلا بيت كوروسوك ، حتى طرق أبو كيمي الباب ، وزوجته تقف حائرة إلى جانبه ، وفتحت الأم الباب ، ونظرت مذهولة إلى أبوي كيمي ، لكنها تمالكت نفسها ، وقالت : أهلاً ومرحباً ، تفضلا . وخاطبها أبو كيمي متسائلاً : أين كوروسوك ؟ فردت الأم قائلة : إنه في الداخل ، تفضلا ، ما الأمر ؟ وأقبل كوروسوك مندهشاً ، وكان لم يعرف بعد بما جرى لكيمي ، وقبل أن يتفوه بكلمة واحدة ، انقض عليه أبو كيمي ، وأطبق بكفيه على عنقه ، وصاح : اريد ابنتي منكَ ، اريد كيمي . وبرفق وسهولة ، أبعد كوروسوك كفي أبي كيمي عن عنقه ، وقال : كيمي لم تكن معي ليلة البارحة ، بل كانت مع شباب القرية وشاباتها . فقالت أم كيمي بصوت تخنقه الدموع : عادوا جميعاً ، قبيل الفجر ، عدا ابنتي كيمي . ونظر كوروسوك إليها ، وقال : لقد عدت عند منتصف الليل ، وكانت كيمي تلهو وترقص مع صديقاتها وأصدقائها في الغابة . وتداعى أبو كيمي ، وكاد يتهاوى على الأرض ، وهو يقول : ابنتي .. كيمي . ومدت أم كيمي يديها ، وأسندت زوجها ، وقالت : لنعد إلى البيت ، أنت متعب . وسار أبو كيمي متوجعاً ، وهو يستند إلى زوجته ، وقال بصوت حائر : أين بنتي كيمي ؟ أين هي ؟
" 4 " ـــــــــــــــــــ انتهت أيام عيد الحب الثلاثة ، ولم تعد كيمي إلى البيت ، وطوال هذه الأيام ، قام والديها ومجموعة من الشباب والشابات بالبحث عنها ، في جميع أرجاء الغابة ، دون أن يعثر أحد منهم لها على أثر . وذات ليلة ، رقد الوالدان في فراشهما، دون أن يغمض لهما جفن ، وتململ الوالد ، وتنهد مقهوراً حائراً ، ثم قال : والآن ما العمل ؟ ولاذت الوالدة بالصمت لحظة ، ثم التفتت إليه في الظلام ، وقالت : اذهب إلى الامير . واعتدل الوالد في فراشه متمتماً : الأمير ! فقالت الوالدة : لقد خدمته فترة طويلة ، اذهب إليه ، لعله يمدّ لنا يد المساعدة . وقال الوالد ، كأنما يحدث نفسه : لكن ماذا يستطيع الأمير أن يفعل ؟ وقالت الوالدة : يستطيع ، إنه أمير . وذهب أبو كيمي ، في اليوم التالي ، إلى الأمير ، وطوال الطريق ، كان متردداً حائراً ، يقدم خطوة ويؤخر أخرى ، ماذا سيقول للأمير ؟ وكاد أكثر من مرة أن يتوقف ، ويقفل عائداً ، وإذا هو أمام بوابة قصر الأمير ، فاستوقفه الحارس ، وقال : ماذا تريد ؟ وأجابه متلعثماً : أريد أن أرى الأمير . وحدق الحارس فيه ملياً ، ثم قال : آه أنت والد كيمي ، لقد تغيرت كثيراً ، تفضل . واستقبل الأمير أبا كيمي مبتسماً ، وقال : كدتُ لا أعرفك ، لقد ذبلت . وردّ أبو كيمي قائلاً : لقد أذبلتني ابنتي كيمي ، يا سيدي ، إنها وحيدتي . وهزّ الأمير رأسه ، وقال : علمت بالأمر منذ البداية ، فاستدعيت السياف سونوبي . ونظر أبو كيمي إليه متسائلاً ، فقال الأمير : إنه رجل قوي وشجاع ، وهو أيضاً أفضل قصاص أثر في الامارة كلها . وصمت لحظة ، ثم قال : تذكر ، ربما قبل حوالي عشر سنوات ، وفي عيد الحب ، اختفت ثلاث فتيات من قريتكم . فقال أبو كيمي : نعم ، يا سيدي ، أذكر ذلك ، لكن ابنتي كيمي تختلف .. وقاطعه الأمير قائلاً : عادت الفتيات بعد ثلاثة أيام ، وقد تغيرن تماماً ، وقلن أن كاهن جبل اوكي ـ ياما ، هو الذي اختطفهن . ونظر أبو كيمي إلى الأمير متوسلاً ، وقال : لكن ابنتي لم تعد ، يا سيدي . فقال الأمير : سيذهب سونوبي غداً إلى جبل فوجي ، لعله يرى كيمي هناك ، ويعيدها لكَ . وعاد أبو كامي إلى بيته في القرية ، وانتظر هو وزوجته ، وكذلك جميع أهل القرية ، أن يعود السيّاف سونوبي من جبل اوكي ـ ياما ، لعله يعثر على كيمي ، ويعود بها سالمة إلى البيت . وانتظر كوروسوك ، على أحرّ من الجمر ، أن يعود سونوبي ، وتمنى أن ينجح في مهمته ، ويعود بكيمي سالمة إلى والديها ، صحيح أنها لن تكون له ، لكن مهما كان الأمر ، فهي .. الزنبقة كيمي . وأخيراً علم الجميع ، بعد حوالي عشرة أيام طويلة ، أن السياف سونوبي قد عاد إلى الأمير ، لكن هذه المرة دون أن يحقق أي شيء ، وعلموا أنه رغم قوته وشجاعته وخبرته الطويلة ، لم يستطع ـ ويا للعجب ـ أن يصعد إلى قمة جبل اوكي ـ ياما ، ويصل إلى معبد فودو ، الذي يضم رفاة الكاهن المقدس يينوكي ، والذي نمت إلى جانبه شجرة صنوبر معمرة ، حلت فيها روح الكاهن .. يينوكي .
" 5 " ــــــــــــــــــــ تمددت الأم في فراشها ، ذات ليلة ، متهيئة للنوم ، حين سمعت ابنها كوروسوك ، يهتف بها من وراء الباب : أمي . واعتدلت الأم في فراشها مندهشة ، وقالت : تعال يا كوروسوك ، إنني مستيقظة . ودفع كوروسوك الباب بهدوء ، ودخل الغرفة ، ونظر إلى أمه بعينين لامعتين ، وقال بصوت كأنه آتٍ من بعيد : أعرف مكان كيمي . وتطلعت أمه إليه مستغربة ، وقالت : عجباً ، يا كوروسوك ، حتى من كان معها ، من الشباب والشابات ، لم يقل أحد منهم أنه يعرف ذلك . ولاذ كوروسوك بالصمت لحظة ، ثم قال : جاءتني في المنام قبل قليل . ونظر عبر النافذة إلى البعيد ، وقال : إنها فوق جبل فوكي ـ ياما . وتطلعت الأم إليه ، وقالت : ما أدراك ، يا بنيّ ، ما رأيته حلم لا أكثر . واستدار كوروسوك ببطء ، وقبل أن يخرج من الغرفة ، ويترك أمه للذهول ، قال : لابد أن أذهب إلى جبل فوكي ـ ياما ، وأعود بكيمي . لم يغمض للأم جفن ، طوال تلك الليلة ، إلا قبيل الفجر بقليل ، إنها تعرف ابنها كوروسوك ، فهو رغم هدوئه الظاهر ، عنيد مثل أبيه الساموراي الراحل ، الذي رفض أن يستخدم سيفه بغير الحق ، مما أغضب الأمير ، وأبعده عن خدمته . وعلى غير عادتها ، استيقظت الأم متأخرة ، صباح اليوم التالي ، وقد أطلت الشمس من نافذة غرفتها ، فهبت من الفراش ، وأسرعت باعداد طعام الفطور ، ثم نادت كوروسوك : بنيّ ، الفطور جاهز . وأقبل كوروسوك من غرفته ، وجلس بهدوء إلى المائدة ، وراحا يتناولان الطعام صامتين ، واختلست الأم نظرة من كوروسوك ، وتمنت بينها وبين نفسها ، أن يكون ما قاله ليلة البارحة ، كلام أحلام عابر ، ثم نظرت إليه ، وقالت : أرجو أن يكون الطعام قد أعجبكَ . وردّ كوروسوك ، دون أن يرفع عينيه إليها : إنه لذيذ ، أشكرك . وتشجعت الأم ، فتساءلت : ماذا تريد أن أعدّ لك من طعام على الغداء ؟ فردّ كوروسوك باقتضاب : ما تشائين . ولاذت الأم بالصمت ، ثم نظرت إلى الحديقة عبر النافذة ، وقالت : السماء صاحية اليوم ، وسيكون القمر بدراً الليلة . ونهض كوروسوك عن المائدة ، وقال : إنه وقت مناسب للسفر ، إلى جبل فوكي ـ ياما . ونهضت الأم مترددة ، وقالت بصوت خائف : بنيّ كوروسوك .. وقاطعها كوروسوك قائلاً : امي ، أرجوكِ ، لم أعد صغيراً . ولاذت الأم بالصمت ، وكأن من يتكلم ليس ابنها كوروسوك ، وإنما أبوه الساموراي ، ونظر كوروسوك إليها ، وقال : أبي كان ساموراي ، وقد علمني كما تعرفين ، ركوب الخيل ، وفنون القتال ، أعدي لي سيفه ، وملابسه ، سأبدأ الرحلة بعد المساء . ورغم أنها أحضرت ملابس الساموراي ، ونظفت السيف ، بل وساعدت ابنها كوروسوك على ارتداء تلك الملابس ، إلا أنها لم تفقد الأمل ، في ثنيه عن الذهاب إلى جبل فوكي ـ ياما ، فتشبثت به ، وقالت مغالبة بكاءها : بني ، لا تذهب ، هذا طريق خطر . ووقف كوروسوك مشدود القامة ، كأي مقاتل شاب من مقاتلي الساموراي ، بملابسه الخاصة ، وسيفه المعلق إلى وسطه ، وارادته التي لا تنثني ، وقال : أمي ، إنني الآن ساموراي . وتقاطرت الدموع من عيني الأم ، وقالت : فقدتُ أباك ، لا أريد أن أفقدك . ونظر كوروسوك إلى البعيد ، وقال : أمي ، إنني ذاهب إلى جبل فوكي ـ ياما ، لأعود بكيمي . وقالت الأم من بين دموعها : لا شأن لك بكيمي . فتملص كوروسوك من بين يدي أمه ، واتجه إلى الخارج ، حيث ينتظره حصانه ، وهو يقول : كيمي لي ، وسأعيدها ، مهما كان الثمن .
" 6 " ــــــــــــــــــــ مع حلول الليل ، امتطى كوروسوك حصانه ، وقبل أن يمضي به ، ويذوب في الظلام ، قال لأمه : كيمي حلمي ، ولن أدع حلمي يضيع مني . واجتاز دروب القرية على حصانه ، دون أن يراه أحد ، فقد كان الجميع في بيوتهم ، المغلقة الأبواب ، فبعد اختفاء كيمي ، صار الجميع يقبعون في بيوتهم ، مع حلول الليل ، ولا يغادرونها حتى الصباح . وسار الحصان بخطوات واثقة نشيطة ، رغم العتمة ، كأنما استمد ثقته ونشاطه من فارسه الساموري الشاب ، ولعل كوروسوك نفسه ، استمد شعوره بالقوة والشجاعة ، من والده الساموراي الراحل ، الذي رفض أن يكون سيفه مع الباطل . وحين دخل الغابة على حصانه ، طلع القمر بدراً ، وأطل وجهه الشحب المنير من فوق الأشجر العالية ، وهنا تراءت له كيمي ، وفجأة ضجت الغابة ، رغم الليل والسكون ، بأصوات ضحكاتها الطفولية ، وصيحاتها الفرحة ، وحثّ حصانه قائلاً : كيمي ،انتظريني ، إنني قادم . وقبيل الفجر ، وصل كوروسوك جبل اوكي ـ ياما ، الذي يكلل الضباب قمته العصية ، فترجل متعباً عن حصانه ، وأطلقه قائلاً : أنت متعب مثلي ، وربما أكثر ، الطعام هنا وفير ، وكذلك الماء ، فكل واشرب وارتح ، فسأغفو قليلاً ، لعلي ارتاح . وأوى كوروسوك إلى ظل صخرة ضخمة ، وأغمض عينيه ، وسرعان ما أغفا ، وإذا كيمي تطل من الضباب ، وتشير له أن تعال . وفزّ على حصانه يحمحم ، كأنه يريد أن يوقظه ، وفوجىء بالفجر يطل من جبل اوكي ـ ياما ، بل إن الشمس نفسها ، كانت توشك على الشروق . ونهض كوروسوك ، وتطلع إلى الجبل الشامخ ، الذي تغرق قمته في الضباب ، وبدا له أنه فعلاً عصيّ على الصعود ، ولم يلم السيّاف سونوبي ، لأنه تراجع أمامه ، وعاد مقهوراً إلى الأمير . وهنا شعر باهاب أبيه الساموراي ، يحتدم في داخله ، فقال في نفسه : إذا كان هذا الجبل ، قد قهر السيّاف سونوبي ، فإنه لن يقهرني ، فأنا لي هدفي ، الذي لن أتراجع عنه ، أنا لي كيمي . وشدّ كوروسوك يده على سيفه بقوة ، واندفع يصعد الجبل ، وفوجىء بالطرق ، التي بدت له في البداية مستحيلة ، تنفتح أمامه ، وتسير عليها قدماه الشابتان ، وكأنه طريق معبد بالريش . وكلما تقدم في طريق صعوده ، تبدد الضباب أمامه ، حتى بدت له القمة دانية ، قاب قوسين أو أدنى ، لا يرده عنها عائق ما . وقبيل منتصف النهار ، اقترب من القمة ، وحثّ خطاه ، ها هو يقترب من حلمه ، ها هو يقترب من كيمي ، هذا إذا صدق حلمه . وأخيراً وطأت قدماه القمة ، وتطلع حوله ، وهو يعبّ الهواء ملْ صدره الشاب ، وتلفت حوله ، ها هي شجرة الصنوبر المعمرة ، التي قيل له ، إن روح الكاهن العجوز يينوكي ، قد حلت بها ، حين فارق الحياة ، فأين الكاهن العجوز يينوكي ؟ وأين كيمي ؟ آه لعل حلمه ، كمعظم الأحلام ، لم يكن إلا حلماً ، جسدته في أعماق النفس ، الوساوس ، أو الأماني ، التي يصعب تحقيقها في الواقع .
" 7 " ــــــــــــــــــــ نهض الراهب العجوز ، من تحت إحدى أشجار الصنوبر ، التي نمت متشامخة على منحدر جبل اوكي ـ ياما حتى السفح ، ووقف فوق صخرة مرتفعة ، وهتف : كيمي . وعلى الفور ، أقبلت كيمي من بين شجيرات كثيفة نمت بين أشجار الصنوبر والكافور ، والعصا في يدها ، وهي تقول : ستشرد العنزات . فقال الكاهن العجوز : لا عليكِ ، لن تبتعد ، وستعود بنفسها عند المساء . وتوقفت كيمي أمامه ، وقالت : نعم يا سيدي ، لقد ناديتني . ونزل الكاهن عن الصخرة ، وحدق في كيمي ، وقال : يبدو أنكِ متعبة ، يا بنيتي . فردت كيمي قائلة : ليس كثيراً . ونظر الراهب العجوز إلى شجرة الصنوبر العتيقة ، التي تشمخ في أعلى الجبل ، وقال : ربما ستتخلصين قريباً من عنزاتي . ولاذت كيمي بالصمت ، وهي تنظر إليه ، فأضاف قائلاً : وكذلك مني . فقالت كيمي : عفواً ، أنتَ لم تؤذني . وردّ الراهب العجوز قائلاً : لكني أخذتك فجأة من بين والديك . وأطرقت كيمي رأسها ، وقالت : لابد أنهما قلقان عليّ جداً الآن . ولاذ الراهب العجوز بالصمت لحظة ، ثم أشار إلى شجرة الصنوبر العتيقة ، وقال : انظري هناك ، تحت شجرة الصنوبر العتيقة . ورفعت كيمي رأسها ، وتطلعت إلى شجرة الصنوبر العتيقة ، دون أن تتفوه بكلمة ، فتساءل الراهب العجوز : ماذا ترين ؟ وحدقت كيمي ملياً ، ثم التفتت إلى الراهب العجوز ، وقالت : لو لم تكن إلى جانبي ، لقلت إنني أراك ، تجلس تحت شجرة الصنوبر . ونظر الراهب العجوز إلى كوروسوك ، الذي كان يجلس تحت شجرة الصنوبر ، وقال : أنت محقة ، ذلك ليس أنا . وببطء سار يتسلق المنحدر ، باتجاه شجرة الصنوبر ، وقال : تعالي ، سأتحدث إليه . وسارت كيمي في أثره ، فقال دون أن يلتفت إليها : سأذهب وحدي أول الأمر .. وأشار إلى شجرة صنوبر قريبة ، وقال : ابقي أنتِ وراء هذه الشجرة ، حتى أناديكِ . وتوقف الراهب العجوز ، وقال : أريد أن أفاجئه ، ولهذا سأختفي . واختفى الراهب العجوز فجأة ، لم تفاجأ كيمي باختفائه ، فقد تعودت على ظهوره واختفائه ، ظهوره على هيئة شاب مرة ، ومرة على هيئة راهب عجوز ، وأسرعت هي الأخرى ، وتوارت وراء شجرة الصنوبر . واتكأت كيمي بجذع الشجرة ، وتراءت لها مرة أخرى ، تلك الليلة ، في اليوم الأول من العيد ، فبعد أن لهوا طول الليل ، مشت وحدها بين أشجار الغابة ، وقد غاب القمر ، عائدة إلى القرية . وعند مشارف الغابة ، رأت شاباً وسيماً ، يتكىء إلى إحدى الأشجار ، وهي لا تذكر أنها رأته مرة ، لا في القرية ، ولا في المهرجان ، وأرادت أن تحيد عنه ، لكنه تقدم منها ببطء ، وقال : مرحباً كيمي . وتوقفت كيمي مندهشة ، وحدقت فيه ملياً ، ثم ردت قائلة : مرحباً . وابتسم الشاب لها ، فقالت كيمي : عفواً ، لا أظن أنني أعرفك ، يا سيدي . فمد الشاب يده ، وأطبق بها على يدها ، وقال : أنا أعرفكِ ، يا كيمي ، تعالي معي . وسكتت كيمي ، لا تعرف لماذا ، فسحبها الشاب من يدها ، وسار بها بين أشجار الغابة ، والغريب أنهما سارا بين الشباب والشابات ، العائدين إلى بيوتهم ، لكن بدا أن أحداً منهم لم يراهما . وجاء بها الشاب إلى هذا المكان ، لماذا ؟ هذا ما لم تعرفه كيمي ، والأغرب أنه تحول فجأة إلى راهب عجوز ، وبقيت معه هذه المدة ، تنام في المعبد وحدها ، وينام هو بباب المعبد .
" 8 " ـــــــــــــــ فوجىء كوروسوك ، وهو جالس تحت شجرة الصنوب العتيقة ، بضباب كثيف يتشكل فوق الشجرة ، ثم يتغلغل شيئاً فشيئاً في أغصانها الكثيفة . فهبّ من مكانه خائفاً ، وقد نسي للحظة أنه ساموراي ، وتوقف على مسافة آمنة ، ويده فوق مقبض سيفه ، وإذا جذع شجرة الصنوبر ينشق ، ويخرج بدل الضباب الكثيف ، راهب عجوز . وحدق الراهب العجوز في كوروسوك ، ثم قال بصوت هادىء : أهلاً كوروسوك . واتسعت عينا كوروسوك دهشة ، وقال : أنت تعرفني ، يا سيدي . فقال الراهب العجوز بصوته الهادىء : وأعرف لماذا أتيت إلى هنا ، يا كوروسوك ، رغم الصعاب والمخاطر الشديدة .
وصمت الراهب العجوز لحظة ، ثم قال : إن كيمي تستحق ، أن يعاني المرء من أجلها مثل هذه الصعاب والمخاطر . وتمتم كوروسوك مندهشاً : كيمي ! ثم حدق في الراهب العجوز ، وقال : أنت الراهب العجوز .. يينوكي . فهزّ الراهب العجوز رأسه أن نعم ، فقال كوروسوك : يُشاع في القرية ، أنكَ من اختطف كيمي . فردّ الراهب العجوز قائلاً : أنا وراء هذه الاشاعة ، وقد أردتُ أن تأتي إلى هنا ، وها أنت قد أتيت . ومشى الراهب العجوز ببطء ، مبتعداً عن شجرة الصنوبر العتيقة ، وبدأ ينحدر بخطوات حذرة ، على الطريق الضيق ، وهو يقول : تعال معي . ولبث كوروسوك في مكانه لحظة ، ثم مشى في أثره ، فقال الراهب العجوز : إنني أعرف أباك ، كان ساموراي قوياً وشجاعاً ، ويكفيه أنه لم يستخدم سيفه مرة ، بغير العدل . وخطا كوروسوك بحذر على الطريق الضيق المنحدر ، وقال : لكن هذا لم يرق للأمير ، فأبعده عن العمل كساموراي . وتابع الراهب العجوز سيره البطيء ، وهو يقول : وأعرف أيضاً أبا كيمي كوراهاشي ، وهو رغم كلّ شيء ، رجل خدوم ، طيب القلب . فقال كوروسوك : ومع ذلك اختطفت ابنته كيمي . وتوقف الراهب العجوز ، والتفت إلى كوروسوك ، وقال : اختطفتها من أجلكَ . وتوقف كوروسوك هو الآخر ، وقد فغر فاه دهشة ، فتابع الراهب العجوز قائلاً : لقد تقدمتَ طالباً يد ابنته كيمي ، فقال لك .. لا . ورغم دهشته ، قال كوروسوك : لعل هذا بسبب أبي ، وموقف الأمير منه . واستأنف الراهب العجوز سيره البطيء ، وهو يقول : أما الآن ، وقد أنقذت كيمي ، التي أختطفت إلى جبل اوكي ـ ياما ، وستعيدها سالمة .. وتوقف الراهب العجوز ، على مقربة من الشجرة الضخمة ، التي اختبأت كيمي وراءها ، وهتف بصوت هادىء : كيمي . وتوقف كوروسوك مذهولاً ، وهو يرى كيمي تبرز من وراء الشجرة ، فتمتم : كيمي ! ونظرت كيمي إلى كوروسوك مندهشة ، دون أن تتفوه بكلمة ، فقال الراهب العجوز : أظنك لا تعرفينه جيداً ، يا كيمي . وحدقت كيمي فيه صامتة ، فتابع الراهب العجوز قائلاً : إنه ابن قريتك .. كوروسوك . ونظرت كيمي إلى كوروسوك ثانية ، ثم قالت : أظن أنني لمحته غير مرة ، ينظر إليّ من بعيد . وابتسم الراهب العجوز ، وقال : جاء لينقذكِ ، ويعيدكِ سالمة إلى أبويكِ . واستدار ببطء ، ومشى صاعداً الطريق إلى القمة ، وهو يقول : تعالي ، يجب أن نعد بعض الطعام لضيفنا ، فلابد أنه جائع الآن . ومشت كيمي صامتة إلى جانبه ، فقال الراهب العجوز : تعال ، يا كوروسوك .
" 9 " ـــــــــــــــــــ مع اطلالة الشمس ، في اليوم التالي ، وقف الراهب العجوز ، يودع كوروسوك وكيمي ، بعد أن تناولوا طعام الافطار ، وشدّ الراهب العجوز على يد كيمي ، وقال بلهجة ذات معنى : كيمي .. وابتسمت كيمي وقد ادركت ما يعنيه ، وقالت : أشكرك أيها الراهب الطيب . وتابع الراهب العجوز قائلاً : لا أريد أن اختطفكِ ثانية ، يا كيمي . واتسعت ابتسامة كيمي ، وهي ترمق كوروسوك بنظرة خاطفة ، وقالت : لقد تحدثنا ليلة البارحة ، وسنتحدث طول الطريق إلى القرية . وابتسم الراهب العجوز ، وقال : هذا حسن . ثم شدّ على يد كوروسوك ، وقال : أتمنى لكما التوفيق والسعادة ، رافقتكما السلامة . وانحدرا الواحد بعد الآخر ، كيمي في المقدمة ، وفي أثرها ، يسير عن قرب كوروسوك ، بسيفه ، وثيابه ، ثياب الساموراي . وقبل أن يبتعدا كثيراً ، التفتا ليلوحا للراهب العجوز مودعين ، لكنهما فوجئا باختفائه ، وشاهدا ضباباً كثيفاً ، يصعد من المكان ، الذي كان يقف فيه ، وينعقد شيئاً فشيئاً فوق شجرة الصنوبر العتيقة . وقال كوروسوك : لقد اختفى ، ربما عاد إلى شجرة الصنوبر العتيقة . وتطلعت كيمي إليه ، وقالت : من يدري . بخطوات نشطة ، فتبعها كوروسوك ، وهو يقول : لقد اختطفك إلى جبل اوكي ـ ياما ، يا كيمي . وقالت كيمي ، دون أن تتوقف : عندما رأيته في الغابة ، واختطفني ، كانت له نفس ملامحك . وسار كوروسوك في أثرها ، وقال : أرجو أن لا تكوني قد كرهته ، يا كيمي . فردت كيمي قائلة : لن أكرهه ، فقد قدمكَ لي . وعند منتصف النهار ، وصلا سفح الجبل ، وإذا الحصان يقف متطلعاً إليهما ، كأنه كان ينتظرهما ، تقدم كوروسوك منه ، وربت بحنان على رأسه ، وقال : لقد انتهت المهمة ، سنعود الآن . وحمحم الحصان ، وكأنه أدرك ما قاله كوروسوك ، فقالت كيمي معجبة : لكَ أن تعتز بهذا الحصان ، يا كوروسوك . فقال كوروسوك : كيف لا ، يا كيمي ، وهو سيحملك عائداً بكِ إلى والديكِ . وبدت كيمي محرجة ، فنظرت إلى كوروسوك ، وقالت : أنت فارسه ، أنت الساموراي ، ولن يعتليه غيرك ، في طريق العودة إلى القرية . وأمسك كوروسوك بزمام الحصان ، ونظر إلى كيمي ، وقال : لأني ساموراي ، لن أدعكِ تمشين ، وأركب أنا الحصان . ولاذت كيمي بالصمت ، فقال كوروسوك : حصاني فتيّ ، وقوي ، لدي حل . ويبدو أن الحصان نفسه ، كان سعيداً بالحل ، فقد سار فرحاً ، نشطاً ، وهو يحمل الساموراي كوروسوك ، ومعه يحمل كيمي . وعند مشارف القرية ، ربتت كيمي على كتف كوروسوك ، وقالت : توقف ، يا كوروسوك ، من الأفضل أن أترجل هنا . وقال كوروسوك ، وهو يشدّ زمام الحصان : هذا ما أراه أنا أيضاً . وتوقف كوروسوك بالحصان ، فترجلت كيمي ، وقالت : أشكركَ ، يا كوروسوك . وقال كوروسوك : أرجو أن يثمر ما قلناه . فقالت كيمي : سيثمر . ومضت كيمي متواثبة ، وهي تسير نحو القرية ، فهتف كوروسوك : كيمي .. وردت كيمي بصوت مرح ، دون أن تتوقف : لن تفلت مني ، سأختطفك أنا هذه المرة .
" 10 " ـــــــــــــــــــــــ فتحت الأم الباب ، دون أن تسمعه يُطرق ، كأن قلبها أعلمها بقدوم ابنها كوروسوك ، وما إن رأته يترجل عن الحصان ، في ثياب أبيه الساموراي ، حتى شهقت : كوروسوك ! وحين ترجل عن الحصان ، ووقف أمامها ، لم تره وحده ، بل رأت معه زوجها الراحل ، الساموراي ، وأسرعت إليه ، وارتمت فوق صدره الشاب ، وهي تقول : بنيّ ، لم أصدق أنك ستعود . وطوق كوروسوك أمه بذراعيه ، وقال : صدقي ، فها أنا قد عدتُ ، يا أمي . وأمسكت الأم يده ، وسحبته بحنان الأم ، وهي تقول : تعال ، يا كوروسوك ، تعال إلى الداخل . وتضاحك كوروسوك ، وقال : مهلاً ، يا أمي ، سأذهب بالحصان إلى الاسطبل . فسحبته أمه إلى الداخل ، وقالت : دعه هنا الآن ، أريد أن أتأكد أنكَ عدت ، يا بنيّ . واستجاب كوروسوك لأمه ، ودخل إلى فناء البيت ، فأغلقت أمه الباب ، وكأنها تخشى أن يفلت من بين يديها ، ويختطفه شخص ما . وأخذت الأم وجهه المتورد بين كفيها ، وراحت تتأمله بعينين دامعتين ، وقالت : لقد هزلت قليلاً ، يا بنيّ كوروسوك . وضحك كوروسوك ، وقال : أمي ، إنني لم أغب إلا يوماً وبعض يوم . وسالت دمعتان فوق وجنتيها ، وقالت : كنت سأجن ، لو غبت مدة طويلة ، يا كوروسوك . وأمسك كوروسوك يديها بين يديه ، وحدق في عينيها الغارقتين بالدموع ملياً ، ثم قال : أمي .. وخمنت الأم ما سيقوله كوروسوك ، وهذا ما أرادته أيضاً ، فتابع قائلاً : لم تسأليني عن كيمي . وتعلقت عيناها الدامعتان به ، وقالت : حدثني عنها ، حدثني عن كيمي . فقال كوروسوك : عدتُ بها من جبل اوكي ـ ياما ، يا أمي . وشهقت الأم ثانية ، وقالت : تعال إلى غرفتك ، تعال وحدثني عن كلّ ما جرى . وقبيل الغروب ، طرق الباب ، فهبّ كوروسوك ليفتحه ، فسبقته أمه إلى الفناء ، وهي تقول : ابقَ أنت ، أنا سأفتح الباب . وفتح الأم الباب ، وإذا كيمي تقف في مواجهتها ، وحدقت الأم فيها ملياً ، ثم قالت : كيمي ! فردت كيمي قائلة : نعم ، كيمي . ولمحت كيمي كوروسوك ، يُقبل باسماً من غرفته ، فقالت : جئتُ لأمر هام ، يا خالتي . وحدقت الأم فيها متسائلة ، وقالت : أهلاً وسهلاً ، تفضلي ، يا بنيتي . وقالت كيمي : جئتُ أطلبُ يد كوروسوك . وشعرت الأم بكوروسوك يتوقف خلفها ، فقالت دون أن تلتفت إليه : إذا كنتِ تطلبين يد كوروسوك لكيمي ، فإنني أوافق . ونظرت كيمي إلى كوروسوك ، وقالت : لكن يجب أن تسأليه أولاً ، يا خالتي ، فقد لا يوافق . وهنا مدّ كوروسوك يده إلى كيمي ، وقال : إنني أوافق ، يا كيمي . وضمت يده بين يديها ، وقالت : أبي وأمي هما اللذان أرسلاني إليك . ومدت الأم يديها ، واحتضنت كيمي ، وقالت : أهلاً بكِ في بيتكِ ، يا عزيزتي . فمال كوروسوك على أمه ، وكيمي كانت ماتزال بين ذراعيها ، وقال مازحاً : رفقاً بها ، يا أمي ، إن كيمي .. زنبقة .. زنبقة بيضاء .
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية للفتيان عينان في الماء طلال
...
-
رواية للفتيان يوهيرو الأمل
...
-
رواية للفتيان التاج طلال حسن
-
رواية للفتيان شترا و ريشيا
...
-
رواية للفتيان طائر الرعد طلال حسن
-
رواية للفتيان كوجافاسوك والحوت
...
-
رواية للفتيان كهف الدب الأسود
...
-
رواية للفتيان الذئب الأحمر الصغير طلا
...
-
رواية للفتيان ابني الديسم ميشا
...
-
رواية للفتيان جبل الوعول
...
-
حكايات للفتيان حكايات عربية
-
حكايتان طلال حسن الهارب
-
رواية للفتيان ذئب الأهوار
-
رواية للأطفال هدية الإلهة بنيتين
-
رواية للفتيان خزامى الصحراء
-
رواية للفتيان الجوهرة المفقودة
-
رواية للفتيان الصحن الطائر
-
رواية للفتيان اشوميا الز
...
-
رواية للفتيان نداء الانوناكي
-
رواية للفتيان نانوك
المزيد.....
-
حسام حبيب يكشف تفاصيل صادمة عن حلاقة شيرين عبد الوهاب شعرها
...
-
مأساة فيلم -Rust- في فيلم وثائقي جديد
-
مجلة (هوية).. ملف خاص عن الشاعر خالد الأمين
-
منشور تركي آل الشيخ يشعل أزمة بين صلاح الجهيني و-سعفان-.. ما
...
-
إميل حكيم لـCNN عن توقيع اتفاق بين الحكومة السورية وقسد: اعت
...
-
من الرواية إلى الشاشة.. كيف نقل مسلسل -شارع الأعشى- ماضي الر
...
-
مخرج -تيتانيك- جيمس كاميرون يستعد لعرض -أفاتار: النار والرما
...
-
غيث حمور: أدب المنفى السوري وجد طريقه أخيرا للوطن
-
بوتين يكلف الحكومة بإحياء الذكرى الـ200 لميلاد الكاتب الروسي
...
-
بعد الجدل حول -إش إش-.. مي عمر توضح موقفها وترد على الاتهاما
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|