|
الأمير الشاعر أبو الربيع سليمان الموحدي
فطنة بن ضالي
كاتبة، شاعرة
(Fatna Bendali)
الحوار المتمدن-العدد: 7590 - 2023 / 4 / 23 - 20:54
المحور:
الادب والفن
إن الباحث في الأدب المغربي، والقديم منه، لجد نفسه أمام مكتبة مهمة جدا من المصادر، لأن هذا الأدب حظي بعناية واهتمام كبيرين في جمعه وتدوينه، شأن الأدب في المشرق، وفضلا عن الدواوين الشعرية والمجموعات النثرية، فهو مبثوث في كثير من المصادر الأخرى للأدب بمفهومه العام. ومنها: "كتب التراجم، وكتب التاريخ، وكتب الرحلة، ومعاجم البلدان، والفهارس، ... وغيرها" التي تزخر بالأخبار و بالنصوص1. ومن بعض هذه المصادر المهمة: "كتاب الحلة السيراء في شعر الامراء" وهو لأبي عبد الله محمد بن الأبار البلنسي، ترجم لعدد من الشخصيات السياسية في المغرب والأندلس، وأورد كثيرا من النصوص الشعرية والنثرية. ومنها كذلك كتاب "الغصون اليانعة في محاسن شعراء المئة السابعة " وهو لأبي علي بن سعيد الأندلسي. وفيه ترجمة سبعة وعشرين شاعرا، كما أورد بعض أشعارهم، ومنهم من المغرب : الأمير الشاعر أبو الربيع سليمان الموحدي الذي سنتناول هنا شعره من خلال ديوانه . هو شاعر مغربي"532-604 هـ" كان أميرا من أبرز أمراء الدولة، كانت له ثقافة واسعة، وحنكة طويلة وقد أسند إليه مناصب ومسؤولية عالية، جُمع شعره، وهو على قيد الحياة، هو الأمير أبو الربيع سليمان الموحدي، قال عنه الأستاذ عبد الله كنون في كتابه النبوغ المغربي في الأدب العربي :" صاحب السيف والقلم الأمير أبو الربيع سليمان بن عبد الله ابن عبد المؤمن الكومي الموحدي، كان من الكتاب البلغاء والشعراء المجيدين وهو أديب بني عبد المؤمن ونابغتهم الفذ درج في بيت الرئاسة والملك ولم يمنعه ذلك من الاشتغال بالأدب والانكباب على التحصيل فنشا متأدبا أريحيا يتعشق المجد ويصبو إلى العلا"2. تولى ولاية بجاية ثم تلمسان وسجلماسة وبلنسية وقرطبة، وكان قصره سواء بالأندلس أو بالمغرب منتدى للشعراء والكتاب ورجال العلم شأن قصور الملوك3. وقد جَمع شعره في ديوان كاتبُه محمد بن عبد الحق بن عبد الله الغساني. وعني بديوانه كثير من الدارسين والنقاد والأدباء في العصر الحديث، فقد حققه الأساتذة: محمد بن تاويت الطنجي، وسعيد أعراب، ومحمد بن العباس القباج، ومحمد بن تاويت التطواني، وهو من منشورات كلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط، المركز الجامعي للبحث العلمي، تحت اشراف معهد مولاي الحسن للبحوث المغربية . وقد خصه الدكتور عباس الجراري بدراسة مستفيضة في كتابه " أبو الربيع سليمان الموحدي، عصره ، حياته وشعره"4. واعتبره من الشعراء الذاتيين . قال: كان ملازما للمجالس العلمية والأدبية التي يعقدها الخلفاء والتي كانت تحفل بألوان مختلفة من المذاكرة في العلم والأدب والطب والفلسفة " و"كان عالي النفس رفيع الهمة لا يتملق الخليفة ولا يتمسح بأعتابه على عادة أمثاله من الشعراء والأمراء، وباستقصاء ديوانه لا نجد له غير قصائد محدودة في مدح الخليفة وتهنئته، تشكل في مجموع أبياتها أقل من سدس الديوان وهي نسبة ضئيلة لا تضع شاعرنا في طبقة المداحين أو الشعراء الرسميين . وتجعلنا نعتبره من فئة الشعراء الذاتيين الذين أكثروا القول في الوصف والغزل."4 يقول أبو الربيع في فراق الأحبة : فسروا وما قضوا لبانة عاشق ألف الغرام وحــالف السـهـــدا ما ضرهم لو أسعفوا بـتـــحيـة يحيون من أودى بـهـم وجــدا لم يبق منه بعادهم إلا صــــدى قدحته أنفاس الــهـوى زنــــدا يا ظاعنين وبين أثناء الـحــشا قد خـيـموا وإن انــتحوا نجــدا لا تحسبوا أني كلفت بـغــيـركم وجــدا و أنــي خنتكم عـهـدا وما ذاك من شيم الكرام وإنني أرعى الذمام وأحــفــظ الـــودا إن كان هذا الدهر حالف صرفه فينا البعاد وأظــهــر الــحــقدا وتعــصـبـت لـفـراقـنا أيـــامــه وتــجــمـعــت لــقتـــــالنا جندا فالله يــخــلـف ظنــه ويديـلنــا وصــلا ويــنـظـم شــملنا عقدا هكذا، صور الشاعر إحساسه تجاه أحبته بأمانة وإخلاص بتلقائية التعبير و سلامة اللغة وقوة الألفاظ مع قوة الإيقاع الداخلي الى جانب الخارجي، حتى قيل عن غزله " غزل رقيق عفيف لا يبتعد عن اللفظ الشريف، والغاية النبيلة، يكشف عن عاطفة عميقة تفتحت لحب وهبه الشاعر قلبه فنعم به حينا وقاسى منه أحيانا كثيرة ."5 قال مخاطبا نفسه من زهدياته : يا نفس حسبك ما فرطت فازدجري عن الـــذنوب فإن القـــبر مثــــواك خافي الالــــه لما قــدمـت من زلــل واعصي هــــــواك فإن الله يــرعاك إن الهوى قلما تـجــدي هــوادتــــه وهو الذي عن سبيل الرشد أقصاك إلى م تلهــيــن عن قــولي مغـالطة وتـــوقـــنين بــأنـــي غــــير أفاك ؟ أصغي إلـى فما في الأرض من أحد ألـــقــي إلــيه صـــريح النصح إلاك تـــوبي إلــى الله إن الله يــقــبــلــها واسعي بــجهدك في تحسين عقباك عاطفة دينية صادقة وإيمان قوي راسخ في عذوبة الأسلوب وسهولة اللفظ وشرف المعنى مع صفاء الخاطر. يصدق عليه قول ابن رشيق في أحد الشعراء " كان أملح صنعة، أحسن مذهبا في الكلام، يسلك منه دماثة وسهولة مع قرب المأخذ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقة "6. ومن زهدياته أيضا : إليك إلهي قد قصدت بـــــحـاجـتـي وحسبي أني قـد قــصـدتك راغـبا قصدتك لما أثقل الــذنـب كـاهـلـــي فلا ترجعني مخفر السعي خـائـبـا أجرني من أوزار غـرقـت بـبـحرها وخذ بيدي إني أتــيــتــك تـائـبـــا وعجل خلاصي إنـــني بــك عــائــذ تعوذ من أضحى من النــار هاربا فما زلة إلا وعــفـــوك فـــوقــهــــا وإن كنت في الزلات أرتـع لاعـبـا وما أحد أرجو لـــكــشــف مـلـمتــي سواك فبلغني الذي كـنـت طـالـبـا ابتهالات ومناجاة في مقام الاعتراف والأوبة إلى الله تعالى بصدق العاطفة وحرارة الرجاء، في انكسار تام للنفس أمام عزة الله عبر فيها الشاعر عن أمله في التوبة. وخلاصة القول في شعر أبي الربيع سليمان الموحدي، كما يقول الدكتور عباس الجراري، إنه كان صادق الشعور صافيه ... كان يستعير معانيه فينفث فيها من روحه ويحملها من تجربته العاطفية ما يبعث فيها قوة وعذوبة تجعلان القارئ يأنس لما تفيض به من نبضات ويرتاح لما هي عليه ...فجاء شعره مزيجا من سمات أدب هؤلاء وهؤلاء، فيه جزالة المشرق وبساطة المغرب ورقة الاندلس.7. الهوامش: 1- الادب المغربي القديم في كتب التراجم، محمد محيى الدين ، ص124 بتصرف. https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/393/2/1/116168 2- الديوان ص13. 3- عباس الجراري ، دار الثقافة ، الدار البيضاء، 1984.ص13. 4- المرجع نفسه ، ص149. 5- دعوة الحق https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/1802 6- العمدة في محاسن الشعر، دار الجيل، ج1، ص 130. 7- عباس الجراري، ص238.
#فطنة_بن_ضالي (هاشتاغ)
Fatna_Bendali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- الأشجار تحلق عميقا- لسعد ياسين يوسف
-
مفهوم الشعر في قصيدة -مارق من ضجة الأوراق- للشاعرة ابتهال مح
...
-
- غيثة تقطف القمر- بفاس
-
تحت الضوء رجال ذئاب للشاعرة العراقية حياة الشمري
-
المغرب بعيون عراقية
-
الخلفيات النصية في قصيدة - مضى وحيدا- للشاعر العراقي محمود ف
...
-
الوطن الرمز في قصيدة -حينما يصير الوطن منفى - للقس جوزيف إلي
...
-
رحلة قصيرة -مدينة الصويرة-
-
اللغة العربية و الآفاق
-
التعليم والتعلم الانشطة والوضعييات
-
الشاعرة كوثر على محمد نجم شاعرة قضية
-
الرمز في قصيدة -غرام الأفاعي- للشاعرة حنان بديع
المزيد.....
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|