|
الديمقراطية كأداة للترويض السياسي
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7585 - 2023 / 4 / 18 - 15:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" هذه الدراسة بعثتها من Cyber لان مدير البوليس السياسي الجلاد Le bourreau قطع الكونكسيون عن منزلي " للديمقراطية وظائف وفضائل لا تحصى . فهي ليست فقط أداة إضفاء طابع حديث وتمثيلي على المشروعية السياسية ، وليست فقط أداة تمكن من اشراك أوسع الجماهير في المساهمة بدرجات متفاوتة في إدارة الشأن العام ، وليست فقط عكاظا ( سوق عكاظ ) سياسيا يوفر لكل الفرقاء ، ولمختلف الفاعلين ، مجال صراع مهذب ومحدد القواعد . بل الديمقراطية تمتلك بالإضافة الى الألف فضيلة السابقة ، فضيلة فريدة أخرى ، هي فضيلة الاستدماج السياسي للفصائل المتمردة والثائرة من اليمين واليسار معا . طبعا الديمقراطية في الدول الديمقراطية الغربية . ان الديمقراطية كفضاء للتفاعل وللحوار السياسي ، توفر إمكانية تقليم اظافر الفئات التي كانت لا تجد في غير العنف واللغة النارية مبتغاها . فهي بما توفره من إمكانية لمساهمة الجميع في الفعل السياسي ، على المستويين المحلي والوطني ، تتيح لكافة الفصائل ان تجد لها مكانا في الرقعة السياسية ، لكن شريطة القبول بالديمقراطية نفسها كلعبة سياسية جدية . انها تنقذ كل الفصائل من هامشيتها ، وتيسر لها الانخراط في المجال السياسي ، تعبيرا ونشاطا فعليا ، وبذلك تمتص نقمتها ، وتنزع منذ البداية شوكتها . لكن الاستدماج السياسي L’intégration politique الذي تمارسه الديمقراطية ، لا يقف عند حدود الشعور بالانتماء والمساهمة واقتلاع عقدة النقص والحقد الناتجة عن التهميش السياسي . بل ان له اسسا سسيولوجيا عميقا وراسخا . فوراء الاستدماج السياسي يقوم استدماج سوسيولوجي ، لان الديمقراطية تفسح المجال امام استيعاب عشرات ، بل مئات وآلاف المناضلين الحزبيين ، وتفتح لهم أبواب الانخراط في النظام السياسي ، والالتصاق بمؤسساته المحلية والوطنية . وهكذا يصبح عشرات المناضلين الطهريين كائنات بشرية ذات مسؤولية في القطاع الديمقراطي : في المجالس البلدية والقروية ، والمجالس التمثيلية ، او الغرف المختلفة . وانخراط هؤلاء في القطاع الديمقراطي يوفر لهم ، بالإضافة الى الشعور الكامل بالمواطنة السياسية ، فرص الاستفادة المباشرة او غير المباشرة من عائدات القطاع الذي ينتسبون اليه ، إذ تتراخى بالتدريج تلك الأخلاقية الطهرية المتوارثة عن عهود الزهد ، والتفاني ، والسذاجة ، وحسن النية ، وتأخذ في التشكل نفسية أخرى قوامها حساب المنافع والمخاسر ، والاستدفاء بما يرفع من الشأن . هكذا تتبخر صورة المناضل الطهري الذي " يناضل " من اجل " المبادئ " ، وتتشكل صورة السياسي الذي يجمع بين همِّ الشأن العام وهمِّ الشأن الخاص . ان القطاع الديمقراطي ، بقدرته على تشغيل مئات الفعاليات السياسية ، يتحول الى أداة سحرية قادرة على قلب مشاعر الحقد ، بل وعلى تليين صلابة لقناعات ، وتلوين وتأويل الأيديولوجيات نفسها . ان الأساس الفكري لهذا التحول ، هو صورة الانسان نفسه . فالإنسان ليس ملاكا ، مهما ادعى ، ومهما رفع من شعارات ، بل ان التجربة تثبت ان هذه المبادئ والشعارات نفسها هي محط استثمار عن طريق المزايدة . وهذه عملية لا تحدث في واضحة الوعي ، بل هي عملية مبهمة جزء كبير منها ، يحدث على مستوى اللاّوعي ، بحيث يكون الشخص فيها ، وهو يشاهد هذه التحولات والامتساخات الكافكاوية في نفسه وسلوكه ، قادرا على افراز التبريرات التأويلية ، وعلى الحفاظ على تماسكه النفسي والمذهبي ، والاّ يسقط فريسة الشك والإنشلال عن الفعل . للنظام الديمقراطي الحديث هذه القدرة الرهيبة على الاستدماج السياسي لكل الفصائل الرافضة . فهو قادر على تحجيم ادعاءاتها ، وجعلها تقتنع بانها لا تمثل الاّ رأيا بين آراء ، وحقيقة بين حقائق ، وانها لا تملك الا رع الحقيقة لا الحقيقة كلها ، كما يقتلع من نفوس أصحابها مشاعر وضغائن الشعور بالدونية والهامشية ، وفوق كل ذلك ، فهو يعيد غرس الفاعلين في تربة سوسيولوجية جديدة ، قوامها الملكية ، والانتفاع ، والانتقال من الانتفاع المعنوي الى الانتفاع المادي . إذن لهذه التحولات قاعدة مادية قوامها الأجرة المجزية ، وسوق المنافع ، وطموحات اكتساب قدر من السلطة ، وهذا ما يشكل الأرضية القاعدية الصلبة لأيّ تحول . ففي هذه الحال ، لم تعد المسألة تتعلق بمجرد تحولات فكرية وايديولوجية ، بل ان المسألة أصبحت تتعلق بتحولات سوسيولوجية ، أي بحراك اجتماعي نحو الأعلى . ان الانتقال الى المجال ( بالمعنى الكهرومغناطيسي ) ، الديمقراطي ، معناه الانتقال من مجال المبادئ الى مجال المنافع والمصالح الخاصة . ومع هذا التحول تحدث تغيرات في اللغة والمسلكيات ، والقيم ، والمصطلحات ، والتصورات القديمة ، وانبثاق قيم ومسلكيات جديدة ، مما يجعله مجال ترويض سياسي لا مثيل له . وهذه المسألة تصدق بالخصوص على دول العالم المتخلف كالمغرب التي تشهد تحولات ( ديمقراطية ) متضاربة ، وانتقالا تدريجيا من قيام السياسة على العنف ، الى ارسائها على ثقافة السلم الاجتماعي ، والحوار الاجتماعي كذلك . ان المكاسب المادية المباشرة وغير المباشرة ، وكذا المكاسب المعنوية الناتجة عن امتلاك قسط من السلطة ، او نوع من أنواع القرار ، او قيمة الإمضاء ، وكذا الامتيازات والمكاسب الرمزية الناتجة عن الانتساب الى دائرة السلطة ( التشريعية ) ، وما ينجم عنها من تسهيلات ، وكذا ارتياد الأماكن والرموز الخاصة بالسلطة ، كل تلك ملطات ديمقراطية ، لها القدرة على شد الفاعل السياسي ( المناضل سابقا ) الى المؤسسة السلطوية حالا ومثالا . Autoritaire . ان احدى الرهانات الأساسية للديمقراطية ، هي تدجين Domestication مختلف الفاعلين السياسيين ، وخاصة منهم الفصائل ، او الفئات الراديكالية ذات اليمين وذات الشمال ، باسم الأيديولوجية ، او العرق ، او باسم الدين ، وترويضهم ليس فقط على القبول بالواقع السياسي والتعامل معه بلغة وحساب الواقع ، لا بلغة وحساب الاحلام واليوتوبيات ، بل يجعلهم يركعون ويقبلون الايدي ، معبرين عن انفسهم انهم جزء من النظام لا خارجه .. أي جزء من النظام الرعوي ، البطريركي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي ، المفترس .. فالافتراس وبطرق شتى اصبح من شروط الديمقراطية المتخلفة والمقززة . فالديمقراطية السلطانية تستدمج اليوتوبيا ، وتتخلى عن كل رؤية سوداوية للحاضر ، مضيفة على هذا الأخير ، طابعا ورديا وشيكا ، حيث ينشد الناس الى انتظار الآتي المرتقب والقريب المدى . اما ( النخبة ) فهي قادرة على اصطيادها ، باستدراجها الى الانتماء الى السلطة ، لتنزيل برنامج الملك الذي نزل بالمظلات من فوق ، ثم استمراء المتعة في اطار القفص الذهبي الذي تمثله الديمقراطية المتخلفة ذاتها . لكن الديمقراطية مطالبة ، في الوقت الذي تمارس فيه السلطة بواسطتها مهمة الاستدماج والتدجين ، بان تحافظ على نوع من التعدد الحقيقي ، حتى لا تتحول مكونات المشهد السياسي الى مجرد نسخ مكرورة عن بعضها ، او الى أوجه مختلفة للسلطة . وتلك احدى مكونات الرهانات العسيرة لكل ديمقراطية .. ............................
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة بين الحب والحرب
-
الغلاء وارتفاع الأسعار في المغرب .
-
العقلنة المشوهة
-
العيّاشة المُتعيّشون من السياسة
-
هل إسرائيل في طريقها الى الزوال ؟
-
في الثقافة السياسية
-
هل ستفعلها المملكة العربية السعودية ، وهل سيفعلها الرئيس الر
...
-
فشل الدولة البوليسية بعد سبعة وستين سنة من النهب والافتراس
-
الخطاب السياسي ( 4 )
-
الخطاب السياسي ( 3 )
-
الخطاب السياسي ( 2 )
-
الخطاب السياسي ( 1 )
-
السلف . هل حقا كان سلفا صالحا ، ام كان في حقيقته سلفا طالحا
...
-
في البطريركية السياسية
-
تغول بوليس الدولة البوليسية السلطانية
-
استراتيجية الاختراق الإسلامي للجامعة ومنها للمجتمع
-
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
-
التحالف ضد الشعب
-
حين يكذب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ، على رئيس جزائري غا
...
-
هل حقا أهان النظام الموريتاني النظام المغربي ؟
المزيد.....
-
غواص يرصد صدفة مشهد تزاوج بين سلحفاتين بحريتين بجزر الديماني
...
-
الكرملين يصف الأجواء في مجلس الأمن بأنها -تصادمية- تجاه روسي
...
-
اكتشاف جثة شابة كويتية في حقيبة بعد يومين من اختفائها
-
حداد في كراتشي على وفاة العديد من الناس في موجة الحر في باكس
...
-
بي بي سي تحصل على شهادات شابين فلسطينيين ربطهما جنود إسرائيل
...
-
أوكرانيا تعرض على السجناء ثمنا باهظا لقاء الإفراج عنهم.. الق
...
-
إصابة جنود إسرائيليين في هجوم لحزب الله وإطلاق صواريخ من غزة
...
-
بالفيديو.. فرق الإطفاء تحاول إخماد حريق في جزيرة يونانية ورئ
...
-
ملياردير أمريكي: فشل بايدن في المناظرة يعزى إلى كل شيء ما عد
...
-
ماسك يعلن عن موعد إطلاق برمجيات Grok 2 للذكاء الاصطناعي
المزيد.....
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
المزيد.....
|