أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الغلاء وارتفاع الأسعار في المغرب .















المزيد.....


الغلاء وارتفاع الأسعار في المغرب .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7582 - 2023 / 4 / 15 - 18:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" عندما فتحت الحاسوب على الساعة السادسة صباحا لاشتغل ، مدير البوليس السياسي الجلاد Le bourreau المجرم قطع الكونكسيون عن منزلي "
أ – الغلاء ثمرة السياسة المركانتيلية للحكومة : الغلاء هو المؤشر الاقتصادي لارتفاع معدلات الاستغلال الطبقي في المجتمع الرأسمالي . فهو يعني ارتفاع أرباح الطبقة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا ، ويعني توسعها في استغلال اكبر لفئات اجتماعية أوسع .
من الواضح أن كل وضع سياسي واجتماعي مؤات للقوى المسيطرة ، يدفعها لشن هجوم اقتصادي واسع على الفئات الشعبية الفقيرة ، وذلك لتدعيم سيطرتها السياسية ، وتعزيز هجماتها القمعية والعدوانية كما حصل في فترات مختلفة من التاريخ . هكذا فان كل ارتجاج أو تراجع في ميزان القوى السياسية للحركة الرافضة ، ولقوى الممانعة الملتصقة بالجماهير ، خاصة الفقراء منهم ، يقابله هجوم اقتصادي للقوى الطبقية اليمينية المستأثرة بالحكم ، كأداة لاستغلال الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى ، التي تعيش دائما على هامش مجتمع الأسياد .
والرأسمالية بتركبها الاستغلالي ، ليس لها في النهاية سوى دور واحد : نهب الشعب المستضعف والمغلوب على أمره ، بفعل الخيانات ، وبفعل تغيير المعطف ، والبيع والشراء في أرزاق العباد ، باسم الشعارات الفضفاضة البراقة ، حتى إذا ما تمكنوا ووصلوا ، فإنهم لا يترددون في قلب الطاولة ، والظهور بمظهر الشخص الجشع ، المكشر عن أنيابه للحفاظ على مصالح أسياده ، وضمنها مصالحه التي لا تتعدى تحسين الوضع الاجتماعي من حسن إلى أحسن وهكذا. إذن الرأسمالية بتركبتها الاستغلالية تسعى في الجوهر إلى استغلال واستلاب حرية الشعب الإنسانية ، وحقوقه الوطنية والديمقراطية . ومعادلة الرأسمالي الاحتكاري في المغرب هي : المزيد من التبعية للسياسة الاقتصادية الإمبريالية ، لأجل المزيد من الاستغلال الداخلي . ونتيجة المعادلة ، تفجير حركة الأسعار تفجيرا مذهلا ، لسبب سياسي واضح هو تمركز القوى الغنية في السلطة ، بالاعتماد على قدرتها القمعية ، اقتصادا وسياسة وأجهزة ، وبتحولها إلى أداة امتصاص في اتجاه الداخل الوطني المغربي . لهذا فان الغلاء هو ثمرة الدور الطبقي للحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية .
إن ارتفاع الأسعار الذي مس بشكل مهول المواد الأساسية الاستهلاكية للفقراء ، من خضر وزيت ولحوم ودجاج وطحين و الغاز الذي تمت الزيادة في ثمنه بطريق غير مباشر كي لا يثير اهتمام الناس ، بواسطة النقص من كمية الغاز في القارورة ، إضافة إلى الزيادة المهولة المرتقبة في ثمن الخبز والحليب ومشتقاته ، ثم الارتفاع المهول في ثمن المحروقات من بنزين السيارات إلى بنزين الدرجات النارية ، ثم أثمان الأدوية الصاروخية ، وتقليص إن لم نقل انعدام الخدمات الأساسية للمواطن من تطبيب واستشفاء وتعليم ، والارتفاع الصاروخي في أثمان العقار والإيجار بفضل الاحتكار والجشع ، والتواطؤ بين المنعشين ومختلف السلطات .. الخ ، كل هذا يبين الدور الطبقي للنظام البوليسي ، وكونه المحرك السياسي ، بل المحرك الأول والأساسي لشَرْه التجار والاحتكاريين ، وإقبالهم الجيد على أكل لحوم المستهلكين الفقراء في مجتمع الغلبة فيه للأقوى والويل كل الويل للمستضعفين في الأرض.
ومما لاشك فيه أن جدلية الصراع بين النظام البوليسي الطبقي ، وبين المجتمع المتعدد الطبقات والفئات ، ستبقى قائمة ومتواصلة بفعل التناقض التركيبي ذاته . ولكن المسالة ، سياسيا ، تتحدد في معرفة نتائج هذا الصراع ، وفي توضيح كيفية جعل قوى الصراع ترجح إلى جانب الفقراء والمظلومين والمستلبين ، بقدر ما تنفصل القوى المضطهدة عن مضطهديها لتستغل سياسيا ، وتكافح ببسالة وتواصل لإسقاط منظومة الاحتكاريين الرأسماليين الذين لا يتوانون لحظة واحدة في نهبها اقتصاديا ، جامعين بين عنف المال وعنف السلطة .
إن الرد السياسي الوحيد على وضع الغلاء والفقر وارتفاع الأسعار في المغرب ، لا يخرج عن نطاق تغيير منظومة الرأسماليين الاحتكاريين ، أي الطبقة المركانتيلية التي لا يهمها إلا الربح على حساب الأمن القومي للدولة . فإذا كانت المعارضة الراديكالية بمختلف أنواعها خاصة تلك المهتمة بمشكل الفقر وغلاء المعيشة ورفض ارتفاع الأسعار، تقف عند حدود فضح الغلاء وكشف أسبابه ونتائجه ، فإنها مطالبة بمقاومته . فالغلاء عنف اقتصادي وسياسي ، والعنف لا يقاوم بالتظاهر ، وترديد الشعارات ، وقراءة الأشعار على الناس ، وهي تتذور جوعا ومرضا ، بل لا بد من تحرك ضاغط يلزم الدولة البوليسية بالتدخل في الإنتاج ، والاستيراد ، والتصدير لمصلحة الشعب لا لمصلحة الأقلية المركانتيلية التي لا يهمها إلا مصالحها . إن هذا التحول لا يمكن أن يحصل إلا بتصادم مع قوى النهب ، والاستغلال ، والاغتيال الشعبي ،وهذا وحده الأسلوب القادر على إحداث التوازن الأخلاق والاجتماعي داخل المجتمع .
المشكلة البنيوية للغلاء :
إن مشكلة الغلاء في المغرب لا تختلف في الواقع عن باقي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أخذت تطرح نفسها بحدة خلال السنوات الأخيرة ، بمعنى انه لا يجب النظر إليها كمشكلة طارئة يمكن القضاء عليها ، أو على الأقل التغلب عليها إلى فترة طويلة نسبيا ، ببعض الإجراءات السطحية أو التدابير الجزئية . فجميع هذه المشاكل كل مترابط بعضه ببعض الآخر، تتطلب مواجهتها مواجهة للأرضية نفسها التي تنمو عليها ، أي البنية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب ، وسياسة النظام المخزني التي تكرس هذه البنية ، وبعبارة أخرى ، لا يمكن لتلك المشاكل ، والفقر والغلاء منها ، أن تجد حلولا صحيحة إلاّ داخل إطار سياسة اقتصادية اجتماعية شاملة ومتكاملة ، تستهدف إحداث التغييرات اللازمة والممكنة في تلك البنية ، وما عدا ذلك فهو من قبيل المسكنات التي وانْ تركت بعض الآثار ، فذلك إلى أمد قصير لا تلبث بعده هذه المشاكل أن تطل برأسها ثانية بنفس الأشكال و بأشكال أخرى مختلفة ، آخذة في الغالب طابعا أكثر حدة من السابق .
صحيح إن المعالجة الجدية لمشكلة الغلاء ، لا تسقط من حسابها أكثر التفسيرات رواجا هذه الأيام ، للأسباب التي أدت إليها . فهي تأخذ بعين الاعتبار ، بل تنطلق من ان ارتفاع الأسعار في الخارج ، هو أساس مشكلة الغلاء في بلدنا . كما عليها أن تأخذ بعين الاعتبار ، وجهة نظر ثانية التي تؤكد على الأسباب الداخلية ، والتي تحصرها عموما في وجود الاحتكار ، وتعدد السماسرة ، والوسطاء التجاريين الجشعين . لكن هذه التفسيرات كما يروج لها حاليا ، إما أنها تأتي لتغطية مواقف محض تبريرية ( رد الغلاء إلى أسباب خارجية ) ، وإما أنها تبقى سطحية وجزئية، لا تذهب إلى جذور المشكلة ( الاحتكار وكثرة السماسرة والوسطاء ). وفي الحالتين تقود إلى حلول تطفو على سطح المشكلة ، وتبقى قاصرة عن معالجتها بصورة فعالة .
إن مواجهة مشكلة الغلاء تضعنا في الواقع ، عبر الأسباب المذكورة وغيرها من الأسباب ، وجها لوجه أمام المشكلة الاقتصادية والاجتماعية بتكاملها في المغرب . وعلى وجه التحديد أمام المسألة المركزية في هذه المشكلة ، التي تكمن في هيمنة إنتاج الخدمات داخل الاقتصاد الوطني ، وما يتفرع عن هذه المسألة المركزية من مسائل أساسية أخرى . كضعف مجالات الإنتاج السلعي : الزراعة والصناعة والحاقهما بمجال إنتاج الخدمات نفسه ، تم إلحاق الاقتصاد المغربي بمجمله بحاجات الخارج ، والتقلبات التي تحدث فيه ،هذا دون أن ننسى انعدام التوازن في مجالات توزيع الدخل والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية .
إن العلاقة العضوية بين مشكلة الغلاء في المغرب ، والبنى الاقتصادية والاجتماعية ، تبرز بشكل واضح عند الإجابة على السؤال ذي الشقين التالي :


-1 لماذا على المغرب أن يستورد ارتفاع الأسعار الذي يحصل في الأسواق العالمية ؟.
2 - لماذا على ارتفاع الأسعار عندما يعبر الحدود المغربية آتيا من الخارج ، أن يخضع لعملية تضخيم في الداخل ، تزيد في حدته أفقيا وعموديا بنسبة كبيرة ؟. amplification
بشكل واضح . إذا كان من المؤكد أن ارتفاع الأسعار ، يشكل هذه الأيام ظاهرة تعاني منها جميع البلدان الرأسمالية المتقدمة ، وانّ هذا الارتفاع جاء نتيجة لتضافر عوامل عدة ، منها ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، نتيجة للجفاف وسوء الظروف الطبيعية على العموم ، في البلدان المصدرة لهذه المواد من جهة ، ومن جهة ثانية للسياسة الزراعية المتبعة في البلدان الرأسمالية المتقدمة ذاتها ( بلدان السوق الأوربية على الخصوص )، ثم تقليص حجم ومساحة الأراضي الزراعية بفعل الهجوم الكاسح للأسمنت المسلح ( العمران ) ، حيث ينتعش المضاربون والاحتكاريون المؤيدون من طرف السلطة ، وتحويل المساحات الخضراء ، إلى تجزيئات تحت غطاء التعاونيات ، إضافة إلى امتداد ما يطلقون عليه المناطق الصناعية ، على حساب الأراضي الزراعية .. بالإضافة إلى السياسات النقدية والمالية المتبعة في نفس هذه البلدان ، وعلاقة تلك السياسات بأزمة النقد الدولي … إذا كان كل ذلك صحيحا ، فلا يترتب على ذلك بديهيا أن يتبع المغرب تلك البلدان من ناحية المشاكل الاقتصادية ، التي تعاني منها بشكل عام ، وارتفاع الأسعار والظواهر التضخمية بشكل خاص .
ثم كيف نفسر إن ارتفاع الأسعار في المغرب ، على الرغم من عدم توفر الإحصاءات والأرقام الدقيقة في هذا المجال ، قد تناول وبنفس المعدل ، إن لم يكن أكثر ، المنتجات المحلية ( زيت الزيتون ، زيت المائدة ، اللحوم ، الدجاج ، السمك ، الدقيق بمختلف أنواعه ، الحبوب من قمع صلب وطري ، الخضروات ، الفواكه ، النقل ، إضافة إلى العديد من الخدمات والمنتجات الصناعية ..) ، وانّ الارتفاع الذي يحصل في أسعار المنتجات المستوردة ، يزيد عموما عن ارتفاع أسعار المنتجات ذاتها ، سواء في بلدان المصدر ، أو في البلدان المستوردة الأخرى . وبعبارة موجزة . لماذا كانت وطأة ارتفاع الأسعار في المغرب اشد منها في أي بلد آخر ( التذمر الصارخ والواضح لفئات اجتماعية واسعة جدا ، بسبب تدني الدخل وجمود الأجور ، وتفاقم البطالة التي أصبحت مستشرية بين الدكاترة والأطباء والمهندسين ، تم المسيرات الأخيرة التي شهدتها المملكة ، بسبب هذا الغول المسمى بارتفاع الأسعار) .
القنوات الأفقية والعمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار :
1 - القنوات الأفقية لتضخيم ارتفاع الأسعار: إن انتقال ارتفاع الأسعار إلى المغرب ، لا يبقى في حدود السلع المستوردة فقط ، بل يطال مجمل الإنتاج المحلي من السلع والخدمات وذلك لجملة من الأسباب أهمها :
-- طبيعة الإنتاج السلعي المحلي : فهو يعتمد في جزئه الأكبر ، على مواد أولية ، ومواد وسيطة تأتي من الخارج . وهذه الملاحظة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للإنتاج الصناعي ، الذي ليس هو في الواقع بمعظمه ، سوى عبارة عن تخصص في آخر عمليات الإنتاج الفعلي ( صناعة تركيبية ، قولبة ، تغليف …) ، التي تُدخل بعض التحويلات على منتجات منتهية أو شبه منتهية مستوردة من الخارج .
-- إن لجوء المغرب إلى استيراد الجزء الأكبر من حاجاته الضرورية ، خصوصا الحبوب والزيوت ومشتقاتها ، مشتقات الحليب .. من شأنه أن يؤدي كلما ارتفعت أسعار هذه المواد في الخارج ، أن ترتفع وبشكل أكثر في المغرب ، بفعل الرسوم الضريبية ، وبفعل تكاليف النقل ، وتعدد الوسطاء ، حتى تصل السلعة إلى السوق الوطنية ،حيث يتحمل المستهلك تبعات جميع هذه الزيادات التي تطلبها استيراد المنتوج .
-- إذا كان بالإمكان رد جميع العوامل السابقة لتسرب ارتفاع الأسعار ، ولانتشار هذا الارتفاع ، حيث يشمل الإنتاج المحلي إلى الجانب الاقتصادي البحْت ، من البنية الاقتصادية العامة ، أي جانب التوازن بين القطاعات الإنتاجية .. ، يأتي بالإضافة إلى ذلك ، الجانب المالي من هذه البنية ، أي نوع وطبيعة السوق المالي ، والجهاز المصرفي المغربي ( ارتفاع فوائد القروض بشكل أكثر بكثير عما يجري به العمل في أروبه ) ، خاصة السلفات الموجهة للاستهلاك ، والسلفات الموجهة للسكن ، حيث يشكل هذا بدوره قناة أساسية ،ينفذ منها ارتفاع الأسعار إلى الإنتاج المحلي ، وخصوصا القسم الذي يتعلق منه بإنتاج الخدمات .
فكما هو معروف ، إن السوق المالي الوطني التي تتميز بكونها سوقا لتجميع كميات هائلة نسبيا من الودائع ، التي تبقى عموما تحت الطلب ، أو إلى اجل قصير ، وإعادة توزيعها إما في قطاع التجارة والقطاع الثالثي بشكل عام ، وإما في قطاع البناء ، وما تبقى يوظف في الأسواق النقدية والمالية العالمية ، وذلك دون أن تعود تلك السوق بفائدة تستحق الذكر على قطاعي الإنتاج السلعي . إن وضعا شبيها بوضعنا الحالي ، حيث يعاني النظام النقدي الدولي من أزمة حادة ، وحيث تطغى الظواهر التضخمية ، من شانه أن يؤدي في إطار سوق مالية كهذه ، بالأموال المصدرة إلى العودة للالتجاء في المركز الأم في المغرب ، والبحث عن طرق ووسائل من شانها أن تقلل قدر الامكان من الخسائر ، فيجري بالتالي استعمال هذه الأموال في التوظيف في قطاع البناء ، وفي المضاربات العقارية بشكل عام . من هنا يأتي الارتفاع الكبير الذي يعرفه سعر العقار في المغرب في الإيجار أو الشراء قصد التمليك ، ثم أسعار الأراضي المجهزة للبناء . وهنا يلعب المضاربون والاحتكاريون الذين يجدون في السلطة عونهم وملاذهم الأخير ، إنّ هذه السياسة الخاطئة تشجع راس المال الثابت ، أي غير المتحرك ، وتقتل الدورة الاقتصادية أساس التنمية والخلق والإبداع ، وتغرق سوق الشغل بالكساد والبطالة ، وما ينتج عن ذلك من تبعات كالأجرام ، الفقر، المرض ، والجوع… إن الشخص المضارب ، يحقق أرباحا خاصة على حساب الدولة والمجتمع ، وآلام الفقراء والمعوزين والمحاجين .
2 -- القنوات العمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار : في الواقع إن جميع القنوات التي يتسرب من خلالها ارتفاع الأسعار ، إلى السلع والخدمات المعروضة ، والمنتجة في السوق المغربي ، والتي سلف ذكرها ، تشكل في الوقت ذاته قنوات للارتفاع العمودي في الأسعار الوطنية . بمعنى أن كلا منها يُسرّب إلى سعر السلعة أو الخدمة المنتجة محليا وحتى المستوردة منها ، ارتفاعه الخاص . بحيث يأتي الارتفاع في سعر سلعة معينة ، كتراكم للزيادات الجزئية التي تأتي بها كل القنوات المعنية ، وبالتالي يكون هذا الارتفاع طرديا مع عدد القنوات التي تصب في سعر هذه السلعة . وهكذا إذا كان معظم السلع والخدمات المعروضة في السوق الوطنية ، تراكم الارتفاع الذي يطرأ على السلع الوسيطة في الخارج ، والارتفاع الذي يأتي من الأجور ، و الارتفاع الذي يأتي من البنية المالية والنقدية ، كالارتفاع في الإيجارات والفوائد التي تتسرب من خلال البيع بالتقسيط مثلا ، فهي تضيف إلى هذا التراكم ، مساهمات أخرى في الارتفاع ، تنتج عن الأسباب التي يشدد عليها كثيرا الآن كأسباب للغلاء . أي احتكار رخص الاستيراد ، و احتكار إنتاج وتسويق السلع والخدمات المحلية من جهة ، ومن جهة أخرى تعدد السماسرة الجشعين بين المنتج أو المستورد والمستهلك .
من ارتفاع الأسعار إلى مشكلة الغلاء
تأتي بعد ذلك ، الجوانب التي تشكل الترجمة الاجتماعية للسياسة الاقتصادية المتبعة ، وللتركيب الاقتصادي العام في المغرب ، لتكون قنوات أخرى لتضخيم ارتفاع الأسعار ، ولتنتقل بهذا الارتفاع من مجرد ارتفاع في الأسعار ، إلى مشكلة غلاء حادة . هذه القنوات تتمثل بشكل خاص في الطرق المتبعة في توزيع الدخل القومي ، وتوزيع العبء الضريبي ، والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية .
إن توزيع الدخل القومي يتم بشكل غير عادل ، حيث تستغل الأقلية المحتكرة الجزء الأكبر من هذا الدخل ، في حين يبقى السواد الأعظم من الشعب ، محروما من ابسط شروط الحياة الضرورية ، بل إن الأغلبية تعيش تحت مستوى الفقر .
إن الضرائب غير المباشرة التي تنال أكثر ما تنال الفئات الاجتماعية الشعبية الفقيرة ، تشكل أهم مصدر للجبايات التي تحصل عليها الدولة . أما الضرائب على الدخل التي تثقل كاهل صغار الموظفين والمتقاعدين حيث تقتطع لهم من المنبع ، فإنها تزيد في تأزيم الوضعية المعيشية للسواد الأعظم من الشعب المستضعف .
أما الضمان الاجتماعي ، فهو لا يزال في بدايته ، ولا يزال هناك جزء كبير من المواطنين خارج نطاق التغطية الصحية ، وهو ما يؤثر على المردودية وعلى الحق في الحياة .
أما التعليم فهو في جزء منه أصبح يخضع للمضاربين في القطاع الخاص ، أي يخضع مع سائر الخدمات الاجتماعية والثقافية الأخرى ، للقوانين التي تتحكم بالسوق التجارية المحضة ، أي إن أسعارها تعكس مباشرة الارتفاع الذي يحدث في أسعار السلع والخدمات الأخرى .
ان ازمة الغلاء ستستمر ، بل ستزيد سوء ، والنظام المخزني البوليسي لن يبادر الى اتخاذ خطوات فعالة على المدى القصير ، او المدى المتوسط والبعيد خصوصا ، لمعالجة أسباب الغلاء . فالاحتكار ( الجمع بين السلطة والمال ) ليس شبحا ، كما يدعي البعض ، حكام البلد هم الاشباح التي ترقص على انغام المحتكرين .
ان الادعاء بعدم وجود احتكارات ، وان المغرب يعيش في ظل " نظام حر ، وفي ظل نظام المنافسة الحرة ، تكذبه الوقائع . ويكفي ان الهولدينگ الملكي ، وشركات محمد السادس تحتكر لوحدها التجارة والاقتصاد ، وهي من دون غيرها من الشركات لا تعرف التراجع في الأرباح بفعل الاحتكار ، حتى لا نقول الإفلاس . فالرعايا هم زبائن شركات الملك المختلفة والمتعددة والكثيرة ( مارجان / Marjane ، التجاري وفا بنك ... ) . ونكتفي ببعض الأمثلة الحية كدلائل : لماذا لا تعرف أسعار بعض المواد انخفاضا ، بل زادت ارتفاعا في المغرب ، رغم سقوط اثمنتها في بلد تصنيعها . لماذا لم يؤدي سقوط سعر الدولار الأمريكي الى انخفاض أسعار السلع المستوردة .. كالمحروقات .. الخ .
ان الطبقات الكادحة وقد توسعت قاعدتها لتنضاف اليها البرجوازية الصغيرة والمتوسط ، وما فوق المتوسطة ، لا تشتكي فقط من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، بل تشتكي يوميا من ارتفاع كلفة المعيشة عموما ، ومن تدني مستوى الخدمات العامة عموما .
ان الحل الوحيد لإرجاع الأسعار الى وضعها قبل دخول عدو الشعب عبدالاله بنكيران الى الحكومة ، ليس المسيرات التي يتحكم فيها الجهاز السلطوي ، والبوليس السياسي . بل ان الحل لهذه المعضلة المفروضة لتجويع وقتل الناس ، تبقى النزول الى الشارع والسيطرة عليه ، وانتقال الخروج ليصبح عصيانا مدنيا سيلقى المساندة من قبل مجلس الامن ، والأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي .. وواشنطن .. وسترعاه من بعيد المحكمة الجنائية الدولية . فمن دون النزول الجماعي الى الشارع ، سيزيد الرعايا فقرا في فقر اكبر منه ، وسيستمرون يئنون ويتشكون من آلام الجوع والامراض المختلفة ..
ان من يقف وراء الغلاء الغير مقبول ، الملك شخصيا ، وليس عبدالعزيز اخنوش الموظف في إدارة الملك ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقلنة المشوهة
- العيّاشة المُتعيّشون من السياسة
- هل إسرائيل في طريقها الى الزوال ؟
- في الثقافة السياسية
- هل ستفعلها المملكة العربية السعودية ، وهل سيفعلها الرئيس الر ...
- فشل الدولة البوليسية بعد سبعة وستين سنة من النهب والافتراس
- الخطاب السياسي ( 4 )
- الخطاب السياسي ( 3 )
- الخطاب السياسي ( 2 )
- الخطاب السياسي ( 1 )
- السلف . هل حقا كان سلفا صالحا ، ام كان في حقيقته سلفا طالحا ...
- في البطريركية السياسية
- تغول بوليس الدولة البوليسية السلطانية
- استراتيجية الاختراق الإسلامي للجامعة ومنها للمجتمع
- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
- التحالف ضد الشعب
- حين يكذب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ، على رئيس جزائري غا ...
- هل حقا أهان النظام الموريتاني النظام المغربي ؟
- في الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية
- جواب الديوان الملكي ، و( المعارضة ) الشاردة والتائهة .


المزيد.....




- رئيسة الاتحاد الأوروبي تحذر ترامب من فرض رسوم جمركية على أور ...
- وسط توترات سياسية... الدانمارك تشتري مئات الصواريخ الفرنسية ...
- لافروف: سلمنا واشنطن قائمة بخروق كييف
- الجيش الإسرائيلي يواصل انتهاك اتفاق الهدنة مع لبنان
- ترامب يبحث مع السيسي -الحلول الممكنة- في غزة ويشيد بـ-التقدم ...
- بعد قرارها بحق لوبان... القاضية الفرنسية تحت حراسة مشددة إثر ...
- زلزال ميانمار المدمر: تضاؤل الآمال في العثور على مزيد من الن ...
- ماذا وراء التهدئة الدبلوماسية بين باريس والجزائر؟
- -حماس- تدين مقتل أحد عناصر الشرطة في دير البلح وتشدد على أهم ...
- زيلينسكي يؤكد استلام أوكرانيا 6 أنظمة دفاع جوي من ليتوانيا


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الغلاء وارتفاع الأسعار في المغرب .