أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قراءة في قصيدة (” هذا الهوى..يطربني”) للشاعر التونسي القدير: د-طاهر مشي تموجات الحالة النفسية..وتمظهرات الإيقاع الدراميسيكولوجي. (قراءة أسلوبية)















المزيد.....


قراءة في قصيدة (” هذا الهوى..يطربني”) للشاعر التونسي القدير: د-طاهر مشي تموجات الحالة النفسية..وتمظهرات الإيقاع الدراميسيكولوجي. (قراءة أسلوبية)


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7580 - 2023 / 4 / 13 - 09:31
المحور: الادب والفن
    


تصدير : "إذا كان تكرار المفردة يضع بين يديّ المتلقّي مفتاحاً للفكرة المسيطرة على الشاعر، فإنّ تكرار العبارة يخضع للقوانين التي تتحكم في العبارة..سواء أكانت دوافع نفسية،أم تركيبية..."(نازك الملائكية في كتابها قضايا في الشعر المعاصر)

في البدء-(القصيدة)

هذا الهوى..يطربني
يا من هوى الذكرى متى ذكراك؟
فالليل قد ناحت به نجواك
والهمس بالأسحار يغمرني
والنبض في الشريان كالأفلاك
خوفي من الأشواق تهجرني
يا روعة الخلاق ما أبهاك
فالحرف يسحرني لما الخجل
يسعى ونبضي ما عساه رجاك
ضني أنا والليل يلحفني
رحال أسعى في مدى أقصاك
حتى أبوح الحب من وصبي
أمشي على جمر الهوى لأراك
من بهجتي قد بحت موعظة
نذرا بها الأشواق في دنياك
فأتت على زرعي تداعبه
في نبرة المشتاق..ما أقساك
تمضي بنا الذكرى بلا سبب
يا نتفة في القلب ذا سكناك
عشت الهوى نغما ليطربني
يا صحوة المشتاق ما أضناك
جثمت على جرحي فذا عتب
والنبض في تيه كذا إنهاك
فسكبت دمعي في هوى وَجوى
وسكنتها الأحلام كي ألقاك
هذا الهوى تمضي به الافلاك
يا من سبى قلبي بلا إدراك
(د-طاهر مشي )

والآن-(القراءة النقدية)
يعد التكرار من الظواهر الأسلوبية التي تلعب دوراً بارزاً في كشف إبداعية النص الشعري،إذ يصور تموجات الحالة النفسية التي تعتري المبدع،لهذا فإن التكرار يتميز في الشعر الحديث عن مثيله في الشعر القديم بكونه يهدف بصورة عامة إلى الإبانة عن دلالات داخلية فيما يشبه البث الإيحائي،إذ ينزع إلى إبراز إيقاع دراميسيكولوجي.
واللفظ المكرر يمثل بؤرة أو نقطة ساطعة في جسم القصيدة تجذب نحوها الوسائل الفنية الأخرى لتتحد كلها وتسهم في كشف وإزالة الأغلفة التي تحمل في طياتها المعنى الحقيقي،فضلاً عن دوره في إثراء موسيقية النص من خلال الإيحاء بسيطرة العنصر المكرر وإلحاحه على فكر الشاعر وشعوره.
ويقوم التكرار في القصيدة الحديثة بوظيفة إيحائية بارزة،وتتعدد أشكاله وصوره تبعاً للهدف الإيحائي الذي ينوطه به الشاعر،وتتراوح هذه الأشكال ما بين التكرار البسيط الذي لا يتجاوز تكرار لفظة معينة أو عبارة معينة،وبين أشكال أخرى أكثر تركيباً وتعقيداً يتصرف فيها الشاعر في العنصر المكرر بحيث تغدو أقوى إيحاءً.
لقد برزت ظاهرة التكرار بشكل واضح في قصيدة ”د-طاهر مشي“ (” هذا الهوى..يطربني”)،وأخذت عدة مظاهر للحضور خلال النص الشعري،فمنها تكرار الحروف،وتكرار الألفاظ (أسماء وأفعال)،وتكرار العبارات (الشوق..الإشتياق..الهوى ) الأمر الذي يضع بين أيدينا مفتاحاً للفكرة المسيطرة على الشاعر في أعماق اللاشعور،إذ إن إيقاعية التكرار تمثل عوداً نفسياً للمغزى الدلالي اعتماداً على التجانس النفسي في التطابق الصوتي،وبه يصبح تشكيلاً نامياً ذا دلالات خاصة من خلال التشابهات الصوتية للوحدات الإيقاعية.
لقد عمد الشاعر التونسي القدير "د-طاهر مشي"-كما أسلفت-إلى استخدام بعض الحروف وتكرارها في قصيدة بعينها،مما أثرى الإيقاع الداخلي بلون من الموسيقى الخفيفة تستريح له الآذان وتقبل عليه مستمتعة به،ففي قصيدته السابقة (” هذا الهوى..يطربني”) تكرر حرف الهاء (12مرة) وهو صوت لثوى*مجهور،تتكرر فيه ضربات اللسان على اللثة تكراراً سريعاً؛ليعطى رعشة مكررة تجسم ما أصيب به الشاعر من إحساس بالشوق وشعور بالأسى،هذا فضلاً عما لهذا الصوت من قوة ووضوح سمعي يوحيان بالصخب العنيف الذي لا يقوى الشاعر على كتمانه.
ليس معنى هذا أن الصوت المفرد يحمل دلالة ذاتية قبلية كامنة فيه،إذ من الممكن أن يحاكى كل هذه المعاني صوت آخر مختلف في صفاته عن صوت “الهاء”ولكن الشاعر استطاع أن يشحن هذا الصوت بهذا البعد الدلالي من خلال موقعه في السياق.
والشاعر"الطاهر"إذ يسعى إلى استغلال قيمة الإمكانيات الصوتية،فإنما يهدف إلى إيجاد نوع من التماثل الصوتي الذي يساعد على تجسيد التجربة الشعرية،لذا فالشاعر يتعامل مع الأصوات تعاملاً خاصاً يستنطق من خلاله خصائصها السمعية التي تؤثر في إنتاج الدلالة.
من العرض السابق لبنية التكرار بوصفها ـظاهرة أسلوبيةـيتضح لنا كيف تمثل مظهراً من مظاهر الحركة وإثارة الدلالة،كوسيلة إيقاعية تكشف عن إبداعية النص الشعري،فضلاً عما تقوم به من تنويع للموسيقى الداخلية وتعزيز للنغمة التي يستعين بها الشاعر على بث خواطره، حيث يجعل اللفظ وتراً من أوتار عدته الموسيقية داخل العمل الفني.
ومن ثم يعد التكرار تأكيداً للتنوع،وتوقيعاً لفظياً للثراء الدلالي،لكونه مثيراً حسياً لمجموعة من المنبهات الترابطية داخل الذهن الشعري المنتج للقصيدة التي أصبحت-بشكلها هذا-معادلاً رمزياً يوازى فيمة الداخلي الخارجي والخارجي الداخلي،بحيث لا يتضح الفصل ولا تتبين الحدود.
المنهجُ الأسلوبيُّ منهجٌ رحْبٌ،يتّسع لدراسة النصّ الأدبيّ،والشعر خاصة،بمختلف تفاصيله، بدءاً من الصوت-الحرف،وانتهاءً بالتركيب والمقطع الشعري،منطلقاً من النص ذاته،من عناصر بنائه اللغوية والبلاغية،فدراسة النص الأدبي أسلوبياً يكشف،ليس فقط،عن لغة الشاعر،وإنما ايضاً عن الموسيقى الداخلية للقصيدة،وهذا مهمٌّ جداً في قصيدة النثر خصوصاً، حيث الإيقاع والموسيقى ينتجان عن حركة الأصوات والألفاظ وترابطها في التركيب الشعري، لتوليد الدلالة،كما تكشف الأسلوبية أيضاً عن التقنيات البلاغية وطريقة الشاعر في استخدامها وتوظيفها في بناء نصه الشعري،وبثّ عواطفه وهواجسه،وبالتالي رؤياه الشعرية.
وهنا أقول : للتكرار جانبان من الأهمية،فهو يركّز المعنى ويؤكّده،وبذلك يؤدّي دوراً دلالياً غير مباشر،دلالةً لا تحملها الأبيات مباشرةً،ولا تؤديها مفردةٌ بعينها،لكنّه التراكم والدفق الشعري، ويمنح النصّ،من ناحيةٍ ثانية،نوعاً من الموسيقى التي تتوافق مع انفعالات الشاعر.
وقد كشفت قراءتي لقصائد د-طاهر مشي (أزعم أني اطلعت على مجملها)أنّ الشاعر التونسي السامق د-طاهر مشي.،اعتمد كثيراً-في جل قصائده على تكرار الأفعال،لما للفعل من حيويةٍ وقدرةٍ على الانتقال من حالةٍ إلى حالةٍ،سواءٌ انتقالٌ حركيٌّ،أو انتقالٌ شعوريٌّ داخليٌّ،يمكنه التعبيرَ عن التململ والقلق اللذين لا يطيقان السكون أو المكوث في حالةٍ واحدة.
إن الشاعر د-طاهر مشي-موجه بإيقاع مسيطر يطلب تشكيله،وعليه أن يلبى بإخضاع الكلمات لمطالب هذا التشكيل،الذي يستدعى الكلمات ويكسبها قيمتها في أنظمة لغوية تحقق بنية القصيدة ودلالتها الرمزية.
هذا،ويمثل تكرار الألفاظ،الحروف والعبارات ملمحاً أسلوبياً مميزاً في شعر “د-طاهر مشي”، يعتمد عليه كثيراً كأسلوب فني يحتوي على إمكانيات تعبيرية متعددة بواسطة الإلحاح على إعادة هيئة التعبير لاستثارة المخزون والمكبوت النفسي من المشاعر والأحاسيس.
ومن أشكال التكرار في شعر”د-طاهر مشي” ما يسمى بـ (الترديد) وهو تعليق الشاعر لفظة في البيت متعلقة بمعنى،ثم يرددها فيه بعينها ويعلقها بمعنى آخر في البيت نفسه،ويعد التكرار بالترديد من الأساليب التي تتميز بقدرتها على ترتيب الدلالة والنمو بها تدريجياً في نسق أسلوبي يعتمد على التكرار اللفظي،كما أن هذا الأسلوب يجعل المتلقي مشاركاً مشاركة فعلية في استكشاف جماليات التعبير الفني،إذ يدفعه إلى قراءة البيت مرة ثانية ليقف على أثر التوزيع والاختيار اللذين يعدان من أبرز سمات العمل الإبداعي.
ختاماً
هذه قراءة أسلوبية مقتضَبَة لقصيدة الأديب الشاعر التونسي الفذ د.طاهر مشي (”هذا الهوى..يطربني”)،ركّزتْ على بعض الظواهر الأسلوبية،تجاوزت غيرها الكثير،ولا تزال القراءة تحتمل الكثير،وتكشف الكثير،فالمعجم اللغوي للشاعر واسعٌ،والإحالات بالتناصّ،والانزياحات لا تكفيه قراءةٌ محدودة في زمن محدود .



*الأصوات اللَّثَوِيَّة هي الصوامت التي يلامس فيه طرف اللسان اللثة الخلفية للأسنان العليا الأمامية.
يسمِّي الفراهيدي الصوامت اللثوية س،ز،ص «الحروف الأسلية»،كما استخدم اسم «لثوي» للحروف ث،ذ،ظ،التي تسمى أسناني في اللسانيات الآن.



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين ترتقي الكاتبة/الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود بخط ...
- المبدعة التونسية السامقة فائزة بنمسعود تتنفّس شعرا..وتؤسس-لن ...
- عندما تنثر أزهار الشاعر التونسي القدير جلال باباي عبقها (-قص ...
- جلال باباي : شاعرٍ تونسي أنهكته المواجع ونالت منه الأزمنة ال ...
- في حوار لا يخلو من الصراحة والشفافية مع الشاعرة/الكاتبة التو ...
- جلال باباي..شاعر تونسي كبير..عرفته في زمن مفروش بالمواجع..وع ...
- اشراقات الصّور الشّعريّة..وتجليات التكنيك الفني في قصيدة -أخ ...
- الشاعر التونسي القدير د. طاهر مشي..والناقد محمد المحسن وجهًا ...
- تمظهرات العمق الإبداعي..وتجليات البعد الفني في قصيدة - ناديت ...
- التطريز الإبداعي ..بأنامل الشاعر والكاتب التونسي القديرد-طاه ...
- شاعرة تونسية فذة منبجسة من ضلوع ولاية الكاف الشامخة.. تنتصر ...
- الشعر في الطقوس الإبداعية لدى الشاعرة التونسية الكبيرة فائزة ...
- الصدقة : فضلها عند الله كبير..وأجرها عظيم
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الطبي ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الأست ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الصيد ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الأست ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الأست ...
- هنا تطاوين : الأستاذ المختار صميدة (العدل المنفذ) قامة شاهقة ...
- هنا تطاوين : الأستاذ علي بن منصور (عدل إشهاد) قامة شاهقة في ...


المزيد.....




- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قراءة في قصيدة (” هذا الهوى..يطربني”) للشاعر التونسي القدير: د-طاهر مشي تموجات الحالة النفسية..وتمظهرات الإيقاع الدراميسيكولوجي. (قراءة أسلوبية)