|
كريم جخيور ومماحكة اليقينيات المتعالية
ليث الصندوق
الحوار المتمدن-العدد: 7572 - 2023 / 4 / 5 - 16:11
المحور:
الادب والفن
هذا واحد من الشعراء الذين لا يُروّجون لبضاعتهم في أسواق الضجيج ، ولذلك لا يجد من الضروري التعريف بنفسه أو بمنجزه عبر صفحته في ال facebook سوى بمدينته ( البصرة ) ، وربما هناك تعريف صوريّ آخر يجمعه مع نخبة من أدباء مدينته يكشف عن غطاء هويته دون أن يحددها، وعدا ذلك ، فمن يريد التعرف به أكثر من حدود هذه الهوية المكانية الصورية عليه قراءته من خلال قصائده . أما صفحته في الموقع فتكاد تخلو – إلا في النادر – من أيّ نشاط آخر ينافس قصائده على الصدارة ، وهي بالعموم قصائد نثر قصيرة يمسك خيوطها موضوع محدد لا تكاد تنفلت منه بالرغم من تدفقها الصوري وطوفانها اللغوي . ومن بين مواضيع قصائده والمتعددة تهيمن موضوعة العلاقة ما بين الشاعر والمرأة ، وهي علاقة أزلية في الشعر ، وقد أضفت أزليتها عليها طابع النمطية والتكرار ، بيد أن الشاعر ينجح في تحريرها من هذا القيد التاريخي بشطر العلاقة إلى جانبين ، الأول داخلي مخصوص للإثنين معاً ، الشاعر وحبيبته ، والثاني خارجي تتعدد صوره ، لكنه بالعموم مخصوص لليقينيات الكونية والأرضية المتعالية . ومن ثمّ يأتي التماحك بوضع عناصر الركنين في مواجهة جريئة مع بعضهما . وبينما يُشكّل عنصرا الجانب الأول رقمين ثابتين في معادلة التماحك ، تتغير عناصر الجانب الثاني من قصيدة إلى أخرى ، بل وضمن القصيدة الواحدة أحياناً . يشكل المقدس أحد عناصر الجانب الثاني / الخارجي ، والتماحك معه هو نوع من الإجتراء ، فهو السماويّ المُطهّر ، وكلّ ما عداه أرضيّ مدنّس ، ومن البدهي أن عنصري الجانب الأول هما بحسب رؤية يقينيات القداسة ضمن المدنسات ، بيد أن الأمور لا تستقيم على هذا الشكل من وجهة نظر من يدير المماحكة ويُشارك فيها أيضاً منتمياً لأحد جانبيها ، ومن ثمّ يُحكّم فيها منحازاً لنفسه أولاً ولجانبه ثانياً : ( فأنا لا أريد أن أستبدلك بحورية ربما لا تعرف فداحة القبل ولا أحبّ أن أكلّف ملائكة الرب بخدمتي) أو قد تكون المماحكة تحدياً للمقدس في قضية الخلود : ( فأنا لا شيء عندي أقدمه إلى الرب سوى قصائدي التي لا تموت ) وقد تكون السياسة أحد عناصر اليقينيات المتعالية / ألجانب الثاني – الخارجي ، والتماحك عندئذ موجه للساسة الحاكمين على اختلاف وتعدد مظاهرهم : ( ولا أحبّ أن أكون مع الطغاة أو أقضي ليلة حتى لو كانت ماجنة معهم ) وقد تُعقد المماحكة ضد النظم العسكرية ، وهي مماحكة لليقينيات السياسة المتعالية بوجهها الثاني المغشّى بالقسوة والدمار ، وهذه المماحكة لا تأتي في الإطار الضيق لعلاقة الحب ما بين الشاعر وحبيبته ، بل في الإطار الثلاثي الأوسع والمتعدد الأوجه لتلك العلاقة والذي يشمل الناس كلهم والأسرة القريبة ، إضافة إلى ( إمرأة لم أقبّلها بعد ) : ( أكره الحرب حتى لو كانت عادلة ) أو : ( ألحرب التي لا ناقة لي فيها ولا شرف ) وقد تكون الأمة بكاملها من دون تجزئة ، وبهويتها القومية ، أحد عناصر الجانب الثاني / الخارجي ، بالرغم من يقينيتها ، وتعاليها أمران مشكوك فيهما : ( وأنا كلما نظرت إلى ضريحك يعجّ بالسياح الأجانب والقليل من العرب فهم منشغلون بأسعار الطماطم وارتفاع مهر الزيجات ) وفي هذه الحالة يستعين الشاعر بقناع لمماحكة الأمة يُخفي وراءه ضمير المتكلم ويستعيض عنه بضمير المخاطب / المعتمد بن عباد ، وهذه الإستعاضة أوجبت إستعاضة أخرى مقابلة في عنصري الجانب الأول / الداخلي أو ( الشاعر وحبيبته ) حيث حلّ محلهما الصاحب بن عباد وزوجه : ( وكنتَ العاشق النبيل حيث حققت لزوجك الرومية ما تحلم به عاشقة لا تُحبّ الموت لكنها ماتت قريبة منك ) وعدا ذلك يتقصد الشاعر إدارة معالجاته بعفوية يتماهى معها خطاب القصيدة مع الخطاب اليومي ، ويصبح الشعر بالرغم من كل جنوحه وانزياحاته أداة للتواصل ، سواء مع خارج القصيدة / القاريء ، أو مع داخلها / الحبيبة : ( كلما أخذتها إلى غرفتي في الطابق الأول حيث الماء بارد والهواء مكيّف ) وإمعاناً في التبسط لا يتحرّج الشاعر أن ينزلق – وهو في ذروة تدفقه العاطفي – بخطاب القصيدة اليومي إلى حافة لغة الشارع : ( حتى لو أخذتك المصائر إلى بغداد وصرتِ تُتقنين التبغدد وتلفظين الماء : مي والصوت : صوط ) وفي كل ذلك ، بل قبله وبعده ، لا يتخلى كريم جخيور عن أناه ، ولا يُعيرها لسواه إلا في النادر القليل ، وبهذا النادر القليل سنختم فيما بعد ، فهي ، أي أناه صوته المعبر عن هويته ، وهي هويته التي تكشف انتماءه . وبتفكيك هذه الأقانيم الذاتية الأربعة : ضمير المتكلم ، والصوت ، والهوية ، والانتماء ، لا يرشح سوى العاشق في دور الشاعر ، أو الشاعر في دور العاشق ، لا فرق فالتمييز ما بينهما يبدو مستحيلاً حتى لو غافلنا الشاعر وتلبّس دوراً آخر كدور العراف مثلاً ، أو ( عراف هذا الكون ) كما في ( أقول الكون .. وأشير إليكِ ) محتكراً العِرافة لنفسه وحدها بهذا الحصر الكوني ، وليس الأرضي فحسب ، لأنه سيفضح نفسه بنفسه ، أو سيفضح نفسه من خلال مهمة العِرافة التي ستكشف دوره المخفي / دور العاشق : ( أنا عراف هذا الكون مكتشف أقانيم الجمال ) ومن دون ريب أنه يعني ب ( أقانيم الجمال ) تضاريس جسد المعشوقة ، أو يلمح إليها ، ولكن التصريح بها جاء في إشارتين متطرفتين موقعياً من القصيدة ، وبتكرار جملة واحدة . أما الموقعين ، فهما العنونة والختام ، وأما الجملة فهي ( أقول الكون .. وأشير إليك ) . وإن كانت العنونة قد وجهت القراءة إلى إمرأة ما تُحرك مضمرات النص من داخله ، إلا أنها اكتفت بهذا الدور المبطن تاركة للشاعر إمساك زمام المبادرة ليملأ فراغ السطح ، ويُعرّف القاريء بنفسه باعتباره عرافاً . ومع ذلك ستبقى مجرّة العنونة تُضيء طريق الوصول إلى موقع المرأة من القصيدة . ولكن موقع المرأة التصريحي المنعكس نصياً من ( العنونة ) على ( الختام ) لن يتحقق إلا بثلاث مراحل : ألمرحلة الأولى : وهي المرحلة التي تبدأ بدعوة الشاعر / العراف لخمس فئات من المكتشفين إلى مقاعد الدرس من أجل إعادة اكتشاف العالم بتضاريسه العاطفية الجديدة ، وهو عالم يختلف عن العالم القديم الذي سبق لهم أن اكتشفوه . والعالم الجديد هو نفسه الذي سبق أن بشر بمستقبله لويس أراكون ( ألمرأة هي مستقبل العالم ) ، أما الفئات الخمس فهي : – ألفئة الأولى : وهي التي ينتسب إليها الشاعر بهويته الثانية ، هوية العراف ، وهم ( العرافون والسحرة ) ولكنه ينتسب لهذه الفئة ليس باعتباره عضواً فيها ، بل باعتباره سيدها ، فهو ( عراف هذا الكون ) . – ألفئة الثانية : وهي فئة أكثر رصانة وموضوعية من الأولى ، وهي ، أو هم ( معلمو الجغرافيا ) . ووجود هذه الفئة ضرورة معرفية ، لأنهم مدعوون إلى قراءة جديدة لنص قديم ، أي إعادة اكتشاف العالم وفق منظور جديد غير الذي سبق أن لُقّنوه . وبتبني هذه الفئة للقراءة الجديدة يكون الشاعر قد فرض رؤيته الذاتية على أولي الشأن . – ألفئة الثالثة : أصحاب الأناشيد العظيمة – الفئة الرابعة : وهي التي ينتسب إليها الشاعر بهويته الأولى ، أي ( الشعراء ) أو بحسب إطلاق الشاعر ( ألشعراء بطبقاتهم ) . – الفئة الخامسة : وهي الفئة الأخطر باعتبارها على تماس مع المقدس وهم ( رواة الأحاديث ) والصيغة على إطلاقها توحي بالعمومية ، فهي تشمل كلّ ناقلي النصوص الملفوظة أو الأحاديث عن متكلمين بغض البصر عن طبيعة تلك النصوص ، أو طبيعة المتكلمين والناقلين ، إلا أن ربط الأحاديث ب ( الأسانيد الصحيحة ) يُلزم تحديد المعنى بالمقدس حصراً ، فنقل الحديث العام لا يوجب سنداً ، ولا يشترط صحة . وقد توحي دعوة هذه الفئة إلى احتمال وجود موقع للمرأة داخل المقدس ، ولكن الشاعر يلغي احتمالية هذا الفهم بإزاحة حدية دلالة المقدس السماوي في إتجاهين أرضيين ناعمين ، الأول باتجاه الورد ، والثاني باتجاه اليمام : ( ورواة الأحاديث الذين جاهدوا لأن تكون بأسانيد صحيحة إبتداءً من الورد وإلى آخر سرب يمام ) ألمرحلة الثانية : وهي مرحلة الدلالة أو الإرشاد ، وتتكون من خمس عشرة خطوة إرشادية ، في كل منها كشف جديد لسر قديم ، وقد جُمعت الخطوات كلها ضمن خمس مجموعات ، تبدأ كل واحدة منها بالفعل ( دلّ ) بصيغتيه ، الأولى المنصوبة ب ( أن ) المضمرة جراء دخول لام التعليل على الفعل ( لأدلهم ) ، والثانية المسبوقة بحرف الإستقبال ( سأدلهم ) . ويتراوح عدد الخطوات في كل مجموعة ما بين ( 2 – 5 ) مرتبطة ببعضها ضمن كل مجموعة بحرف العطف ( الواو ) ، مع ملاحظة أن الخطوة الثانية من المجموعة الثالثة جاءت بصيغة إستفهامية غير حقيقية مسبوقة ب ( كيف ) التي تخرج مخرج التعجب ( وكيف تتساقط كسر البرق ) بينما جاءت الخطوة الخامسة من المجموعة الخامسة بصيغة الإستفهام ب ( أي ) : ألمجموعة الأولى : لأدلهم على : – ألخطوة الأولى : دوران الأفلاك – ألخطوة الثانية : إنتصاب الجبال – ألخطوة الثالثة : مساقط الضوء ألمجموعة الثانية : لأدلهم على : – ألخطوة الأولى : حدائق الياسمين – ألخطوة الثانية : أغصان الكستناء – ألخطوة الثالثة : أماكن حدوث الزلازل ألمجموعة الثالثة : سأدلهم على : – ألخطوة الأولى : مواعيد المطر – ألخطوة الثانية : وكيف تتساقط قطع البرق ألمجموعة الرابعة : سأدلهم على : – ألخطوة الأولى : منابع الأنهار – ألخطوة الثانية : مواقيت المدّ والجزر ألمجموعة الخامسة : سأدلهم على : – ألخطوة الأولى : بيادر القمح – ألخطوة الثانية : إخضرار العشب – ألخطوة الثالثة : جرار الخمر – ألخطوة الرابعة : قوارير العطر – ألخطوة الخامسة : وفي أيّ سماء / تتراقص أقواس قزح ألمرحلة الثالثة : وهي مرحلة القول ( سأقول لهم ) ، والقول هنا يعني خلاصة نتائج البحث في المرحلتين السابقتين . ومهمة القول ، أو إعلان النتيجة هي مهمة الشاعر / العراف نفسه الذي سيرتدّ بخطابه إلى البداية / المرحلة الأولى ليعلن نتيجة التدليل أو الإرشاد بالفعل ( دلّ ) في المرحلة الأولى على الفئات الخمس . اما النتيجة العامة / القول فهي من ثلاث نتائج فرعية ، الأولى منها بصيغة الإستفهام ، والثنتان الأخريان معطوفة على الإستفهام الأول ، وكالتالي : – النتيجة الأولى : لماذا نهارنا بشمسين – النتيجة الثانية : وليلنا بقمرين – ألنتيجة الثالثة : وعلى دروبنا تتناثر النجوم ويلاحظ ان جميع عناصر النتائج الفرعية الثلاث تنتمي إلى مجال دلالي واحد فيما لو رددنا إلى الإفراد صيغة التثنية في ( الشمسين والقمرين ) ، لأن مكمّلي تثنيتهما الآخرين معاً هي المرأة التي تنتمي إلى مجال دلالي آخر هو الأرض ، وفي هذا توقيع على الخاتمة ، أو على موقع المرأة من الخاتمة : ( سأقول لهم كلّ هذا وأشير إليك ) وبذلك يعود النص في حركة شبه دائرية إلى النقطة التي بدأ منها ، إلى العنونة . وعلى العكس من هذا الإمتداد الكوني الشاسع واللامحدود للمرأة ، يرتدّ الشاعر إلى فضائه القريب في ( أرسم غابة ) ليستحضر المرأة من مكونات عالمه الأرضي ، عالم البشر الإستهلاكي وغير المقدس ، أو عالم التخييل المزدوج ، عالم الرسم ، وعالم الكلمات ليدمج قاموسيهما الإيحائيين وادواتهما التعبيرية والبلاغية معاً في محاولة للرسم بالكلمات على حدّ تعبير الراحل الكبير نزار قباني ، مكتفياً لعملية الإستحضار بورقة وقلم سحريين يُنشآن على تخوم الوهم حقيقة بديل ، ولكنها قمينة بالتعاطي مع تقلبات وأهواء الشاعر الذي يبدأ مهمة التمثيل الصوري تلك برسم شجرة الرمان ، والقصد من تحديد نوع تلك الشجرة بالذات واضح ، فأثمارها المستديرة البضة تُذكره بأجمل رمانتين في شجرة الجسد الأنثوي : ( أرسم شجرة رمان وأعتني جيداً برمانتين ثنتين ) وستتوالى المطابقات ما بين المرأة ومكونات عالم الشاعر الأرضي في نمط هو أقرب إلى التشبيه بأدوات الرسام / الشاعر حيث الحقيقة / المشبه ، والعنصر الأرضي / المشبه به مع إلغاء أدوات التشبي : – ألغابة / المشبه به = شعرها / المشبه – جرة عسل / المشبه به = شفتاها / المشبه – ألسماء / المشبه به = عيناها / المشبه ومما لا شك فيه أنّ وجها الشبه حاضران في التشبيه الأول وهما ( اللون والكثافة ) ، وكذلك فأن وجه الشبه حاضر في التشبيه الثاني وهو ( المذاق ) إلا أن وجه الشبه السماوي ينحرف في التشبيه الثالث عن وجه الشبه الأرضيين : – ألمشبه الأرضي = العينان العسليتان – ألمشبه السماوي = ألسماء الزرقاء ( وفي أعلى الصفحة ألونها بالأزرق ، وأقصد السماء بينما أعرف أن عينيك عسليتان ) ولعلّ تعمّد الإتكاء على الفعل ( أعرف ) يعني أن الشاعر يعي انحراف المقاربة اللونية عن الحقيقة ، ولكنه يتقصّدها أيضاً . وربما أراد بذلك إحداث خلخلة تشبيهية تدفع باتجاه البحث عن تأويلات ومقاربات خارج الإطار اللوني ما بين السماء والعينين ربما تكون الإتساع ، أو العمق ، أو الصفاء ، أو سوى ذلك كثير . والتحديد هنا ليس هو المهم ، بل الأهم هو نقيضه ، أي التبديد ، تبديد حرص القاريء عن مقاربة قصد الشاعر ، ودفع الأول ليكتب نصه الخاص ، أو فهمه الخاص للنص . وكلما تعددت صور الفهم ، وتبددت مركزية الرؤية ما بين القراءات ، فذلك يعني أن الشاعر قد نجح في خلق التأثير ، أو أنه نجح في دفع القاريء إلى رسم غابته الخاصة به ، بألوانه الخاصة ورؤيته الخاصة ، مثلما يعني أن الشاعر / الرسام قد نجح في مهمة تحويل القاريء إلى شاعر / رسام منافس . وفي الحالين يبقى الشاعر متحكماً بزمام رؤيته المدموغة بضميره الشخصي ، ضمير المتكلم ، وقد قرر منذ البدء – كما أسلفنا – أن لا يتخلى عنه أو يتنازل عنه لسواه ما دام هو الرابط الأوى الذي يُمسكه بحبيبته التي يخصها بضمير المخاطب من أجل إدامة حركة الخطاب بالاتجاه الذي يتعمده ( منه إليها ) : – وخوف أن يطول الطريق سأحفظ آخر قصيدة كتبتها لك ( في الطريق إلى القيامة ) – حانية أنت مثل أخت كبيرة وأنا الذي يكبرك بعشر سنين ونيف (ألجنوب طين أسمر ) – … فأنا لا أريد أن أستبدلك بحورية ربما لا تعرف فداحة القبل ( بهجة العارف ) – رغم أنك لم تفضي بعد عقدة لسانك لتقولي أحبكَ ولكني مطمئنّ إلى ما يقوله قلبكِ وأنت تقرأين قصائدي ( أرسم غابة) - فأنا عاهدتكِ أن لا أشرك معك أحداً ( في الصباح ) وقد تلفت انتباهنا عناية الشاعر بتقنية تكرار أنساق من الجمل الفعلية أو الأسمية المسندة إلى فعل بعينه ، أو إسم بعينه كما في ( أرسم غابة ) حيث يتشكل النسق من تكرار الجمل الفعلية المسندة إلى الفعل ( أرسم ) ، أو كما في ( أقول الكون .. وأشير إليك ) حيث تتشكل بنية القصيدة ، وتنمو من تكرار صيغتين فعليتين ، الأولى مسندة إلى الفعل ( أدعو ) والثانية للفعل ( أدلّ ) كما سبق تبيانه ، أو قد تتشكل ، وتنمو البنية من تكرار جمل إسمية كما في ( ألمعاصي تجمعنا ) . بيد أن كل تلك الصيغ تبدأ بالتشكل من عناصر خارجية ، لتنتهي القصيدة بتضافر عنصري الداخل المشتركين ، أو أل ( أنا ) ، وال ( أنتِ ) . والملاحظ أن تطبيق هذا النظام التعاقبي لا يتمّ وفق حسابات نمطية ثابتة ، بل يتغير من قصيدة إلى أخرى بحسب طبيعة العلاقة ودلالالتها ما بين عناصر الاستهلال الخارجية ، وعنصري الختام أل ( أنا ) وال ( أنت ) . ففي ( وحدي مشغول بك ) تتحدد دلالة التعاقب في رسم علاقات الإنشغال ما بين طرفين ، أحدهما يمثل الكل ، والآخر الجزء من الكل ، ثمّ توضع علاقات الكل والأجزاء تلك في جفنة واحدة من ميزان المقارنة ، وفي الجفنة الأخرى توضع علاقة ال ( أنا ) ب ال ( أنت ) ، وكأنّ التوازن ما بين الجفنتين هو تأكيد لمتانة العلاقة ما بين عنصري الجفنة الثانية . ويمكن حصر علاقات الإنشغال في الجفنة الأولى بعشر علاقات ، سبع منها مركب من عنصر مركزي واحد / ألكل ، في مقابل عنصر فرعي واحد / جزء ، وثلاثة منها مركبة من عنصر مركزي واحد / ألكل ، في مقابل عنصرين فرعيين / جزئين : 1 - كلّ / واحد – جزء / واحد : – الكلّ / الليل – ألجزء / نجومه – الكلّ / ألصباح – ألجزء / شمسه – ألكلّ / ألصيّاد – ألجزء / طرائده – ألكل / ألأطفال – ألجزء / ألاعيبهم – ألكلّ / ألعاشقة – ألجزء / حبيبها – ألكلّ / الأم – ألجزء / إبنها – ألكلّ / ألصوفيّ – ألجزء / أوراده 2 - كلّ / واحد – جزء / إثنان : - ألكلّ / ألغابة – الجزآن / أشجارها + طيورها – ألكلّ / ألبحر – ألجزآن / أمواجه + مراكبه – ألكلّ / ألسماء – ألجزآن / زرقتها + غيومها ويُلاحظ على العلاقات الأربعة الأولى من الفقرة ( 1 ) أن عناصر الكلّ فيها ( ألليل والصباح والصيّاد والأطفال ) قد أكدت انشغالاتها بأجزائها مباشرة دون أن تضطرّ إلى الإستعانة بعناصر ربط خارجية ، على عكس العلاقات الثلاث الأخيرة من الفقرة ذاتها ، حيث أن عناصر الكل ( ألعاشقة والأم والصوفيّ ) دعّمت انشغالاتها بالاستعانة بعناصر رابطة خارجية عن الطرفين : فالعاشقة : استعانت للتواصل مع حبيبها ، أو الانشغال به بعنصري الليل والرسائل : ( ألعاشقة مشغولة بحبيبها ولهذا تقضي الليل بقراءة رسائله ) مع ملاحظة أن سياق القراءة أوجب اعتبار علاقة العاشقة بحبيبها علاقة كلّ بجزء . والأم : استعانت للتواصل مع إبنها الغائب بالأدعية : ( ألأم مشغولة بعودة إبنها فهي لا تنقطع عن الأدعية) والصوفيّ : استعان بطريقة إلقاء فريدة هي ( الرقرقة ) لإدامة انشغاله بأوراده ، ويبدو أن الشاعر تعمد – لسبب ما – حصر انشغال الصوفي برقرقة أوراده في ( بلاط الرب ) بدل أن يُشغله بصاحب البلاط : ( ألصوفيّ مشغول بأوراده يترقرق وجداً بها في بلاط الربّ ) وبذلك فهناك أربعة أنماط من الوسائط الرابطة إستعانت بها العناصر / الكل الثلاثة من أجل الإتصال بأجزائها ، استأثر العنصر الأول بنمطين إثنين منها ، واستأثر العنصران الآخران بنمط واحد لكل منهما ، وكالتالي : – فالعنصر الأول / العاشقة استعانت بوسطين رابطين ، الأول مادي / ألرسائل ، والثاني زمني / الليل – والعنصر الثاني / الأم استعانت بوسط رابط غيبي / الأدعية – والعنصر الثالث / الصوفي استعان بوسط رابط صوتي / ألرقرقة ولكن إعلان الشاعر لأناه من خلال صوته يتطلب كما في قصيدة ( أحبك ) جرأة على ( نكاية الصمت ) وذلك بتحكيم تقنية الانزياح التي تُخرج الصوت عن نمطية ذبذباته الفيزياوية ومعياريته القاموسية ، وتحوله إلى قامة : ( نكاية بالصمت سأصيح بأعلى قامتي أحبكِ ) وبامتلاك الشاعر صوته الصيّاح تُسوّى ، وتستقر علاقاته الخارجية / بالعالم ( ألمطر وعيدان القصب ) ، والداخلية بأل ( أنت ) المدمجة جدلياً بال ( أنا ) ، وهو لا يريد أكثر من هذه التسوية ، ومن هذا الإستقرار ، فعند هذا الحد فقط تحقق الطبيعة المتضامنة مع الشاعر معجزتها المادية ، وربما تكون ماديتها نوعاً من الإستعارة للتعبير عن عمق ومتانة ذلك التضامن : ( حينها سينزل المطر وتخضرّ عيدان القصب ) اما بعد هذا الإخضرار ، أو بعد هذا التضامن الإستعاري : ( بعدها لا أحتاج إلى رواة مجروحة أسانيدهم ولا ناقلي أخبار لا تصدقهم الناس ) إلا أن الشاعر لا يلبث أن يتخلى عن أناه لضمير المخاطب في حالات نادرة ، منها ما أشرنا إليه سابقاً وعلى عجل في قصيدة ( المعتمد بن عباد ) ، بيد أن ما نتحدث عنه هنا قصيدة أخري من نمط آخر هي ( هذا هو أنت ) والمخاطب الذي تعنيه القصيدة هو مخاطب من نمط إنساني وبطولي آخر هو الإمام علي بن أبي طالب من دون أن يسميه ، بل دلّ عليه بإشارات خاطفة من : – مواقعه : ( ألجمل وصفين ) – وبأشيائه : ( نعله المخصوفة ، وسيفه الذي في السماء ) – وصفاته : ( العدل ) – وبأحداث من تاريخه : ( رفع المصاحف فوق الرؤوس ) وفي النص تتمازج الضمائر الثلاثة وفق رؤية الشاعر للشخصية المحورية المتوارية خلف لوازمها الأربع المشار إليها آنفاً ، بيد أن تراجع الشاعر عن موقعه ، وتخليه حتى عن صوته للجماعة – كما سنوضح لاحقاً – لا يعني تخليه عن أناه تماماً ، فهو يظل متوارياً في طيات خطابه ، أو موارياً ضميره اللغوي وراء ضمير المخاطب ، وهو ضمير لا يلغي تماماً صوت المتكلم ، بل يحجبه وراء أثر المخاطب ، وبمعنى آخر أن ضمير المخاطب شطر النص إلى منطقتين ، الأولى منطقة التهويمات والإيحاءات التي تكشف موقع اختفاء المتكلم ، بينما ظلّ المخاطب والغائب ( أو الغائبون ) في منطقة التاريخ ، فليس هناك من صوت دون مصدر ، ولا كلام من دون حنجرة ، وكأن الشاعر ينظر عبر ثقوب اللغة إلى المخاطب من جهة ، وإلى أناه هو من جهة أخرى ، لا لينتهز فرصة الموازنة بين الصوتين ، بل ليعلن ولاءه للمخاطب ، ويقر بضآلة مقامه أمامه . وقد تجلى هذا الموقف من خلال تكرار الإشارة إليه بثلاثة بدائل مختلفة اللفظ تمثلها مفردات العنونة الثلاث : هذا = إسم الإشارة ( ذا ) + ( ها ) للتنبيه ، والأسم للمذكر القريب ، بينما المشار إليه هو المخاطب نفسه ، أو المخاطب القريب عاطفياً / الإمام . هو = ضمير الغائب للمفرد المذكر ، أو ضمير الغائب – الحاضر / الإمام . أنتَ = ضمير المخاطب / الإمام وعدا العنونة ، فقد تكررت في النص الجملة الإشارية ( هذا هو أنت ) ستّ مرات تكرار اللازمة في القصائد المقطعية ، ولكن تكرار اللازمة في هذه القصيدة لم يُلجيء الشاعر على الخروج عن سنته في كتابة قصائده كتلة واحدة متراصة موضوعياً من دون تقطيع . ومع ذلك فلكل تكرار من الستة خطاب مختلف يسبقه : – فالتكرار الأول : مسبوق بخطاب مخصوص لسجاياه في الزهد معبراً عنه ب ( نعله المخصوفة ) ولعدله الذي تحقق ب ( سيفه الذي من السماء ) . والخطاب هنا ليس بضمير المخاطب ، بل بضمير الغائب . – والتكرار الثاني : مسبوق بخطاب يركز على خلود ذكرى الإمام وتجددها مع مرور الزمن ( أعرافك التي لا تشيخ ) . – والتكرار الثالث : مسبوق بخطاب يثني على علو مقامه ، واستحالة منافسته عليه ( لا يرقى إليك الطير ) . – والتكرار الرابع : مسبوق بخطاب إدانة لمن ناصبه العداء ( لا للرماح قومتها القوافل ) . – والتكرار الخامس : مسبوق بخطاب تبجيل لشجاعته وإقدامه (بقامتك تستظلّ الحروب / ومن ثباتك تنطلق). – والتكرار السادس : مسبوق بخطاب عن تضحياته التي لم يتوخّ من ورائها ثمناً والتي لم يستوعبها مناوئوه فاجترأوا عليه : ( بلا ثمن كان كيلك بيد أنّ الرعاع لم يملكوا حلماً فاستقاموا جاهلية ) ويلاحظ توزع الضمائر الثلاثة على هذا الخطاب : ضمير الغائب : الذي جاء بصيغة مجازية رمز فيها للمفرد بصيغة الجمع ، ووضع الجمع في قالب من الإستعارة التصريحية حيث يغيب ذكر الإمام ، ويُصرّح بشبيهه : ( مقاصد من نعيم ومكارم مصطفاة ) ضمير المخاطب : كما في المقبوس السابق ضمير المتكلم : وقد جاء بصيغة الجمع : ( على إسمك نتكيء وبه نستقيم) وتأتي الخاتمة بخطاب مختصر يشيد بتقوى الإمام ، من دون تكرار اللازمة ، وبصيغة إستعارية مكثفة : ( باحة من جلال تقوى وصراط مستقيم ) ملحق ( نماذج من قصائد كريم جخيور ) مساء الحب : المساء هو واحد ذاك الذي تعلنه الشمس في أول غروبها ثم تأتي القلوب لتبدأ بالتسميات مساء الحب مساء الياسمين مساء الخير تسمية تصلح للجميع حتى الذين لم يطرق ابوابهم حلم خير ولكن وحده نحلم به في الصباح في المساء وفي الليل نعيشه الحب حتى أننا لا ننزعه من قلوبنا ______________________- لا أحبك عارية : إنزعي اﻷزرق حتى ﻻ أقول هناك سماء ثامنة فيتهمني الفلكيون بالجهل ويرميني الوعاظ بالضلالة أنا الذي كلما رأيتك أزددت يقينا أن الله جميل أنزعي اﻷخضر حتى ﻻ أقول رأيت الأشجار ترقص حافية فيقول الناس مجنون إنزعي اﻷحمر الشفيف حتى ﻻ أشتعل فتسري في اﻷرض عدوى الاحتراق انزعي الأسود فأنا ﻻ أحب لعبة اﻷضداد إنزعي إنزعي إﻻ قلبك فأنا لا أحبك عارية __________ أحبك : نكاية بالصمت ساصيح بأعلى قامتي أحبك حينها سينزل المطر وتخضر عيدان القصب بعدها لا أحتاج إلى رواة مجروحة أسانيدهم ولا ناقلي اخبار لا تصدقهم الناس ________________________________ وحيدا : أحتفي بهذا العبث لا مريد سواي ولا طرائد في مهبطي تحاصرني القطارات أفاع من حديد وضجر قطار صاعد قطار نازل قطار بضائعه موتى وآخر للحروب _____________________________- أحبك : لو تعرفين كم هي حارة وأنا أكتبها وكم تمنيت لو أنطقها فما بفم وقلبا بقلب لعرفت لحظتها عسل الحب وأن كل ما قيل عن آهاته ليست سوى جمر قبلة وشهيق انتظار _________________________________ راعية الأغنام : القطار أفعى من حديد وفي الليل أسمعه ذئابا تبقر خاصرة الليل بالعواء كيف تأمن الصحراء وأنت من المدينة حيث الليل أضواء لا تنام والخطى لا تنطفئ. راعية الأغنام التي كلما أخذتها إلى غرفتي في الطابق الأول حيث الماء بارد والهواء مكيف تسب ليلة زواجها الذي أخذها من المدينة الى هذا الهجير كانت في كل ثلاثة أيام تأتي مرة تترك أغنامها تتقافز على العشب وتصعد تكثر بالسمن والحليب ولا تبخل علي بالحرائق والقبل.. _____________________________________ وحدي مشغول بك : الغابة مشغولة بأشجارها وطيورها البحر مشغول بأمواجه ومراكبه السماء مشغولة بزرقتها وغيومها الليل مشغول بنجومه الصباح مشغول بشمسه الصياد مشغول بطرائده والأطفال مشغولون بألاعيبهم العاشقة مشغولة بحبيبها ولهذا تقضي الليل بقراءة رسائله اﻷم مشغولة بعودة ابنها فهي لا تنقطع عن اﻷدعية الصوفي منشغل بأوراده يترقرق وجدا بها في بلاط الرب وأنا انا وحدي مشغول بك ___________________________________________ في الطريق الى القيامة : سنترك كل شيء على الطريق وكل سيأخذ حبيبته وخوف ان يطول الطريق سأحفظ آخر قصيدة كتبتها لك وانا في لحظة سكر فأنا لا شيء عندي أقدمه الى الرب سوى قصائدي التي لا تموت هذا ما أملكه وقد تركتها الى العشاق لعلها تنجح في فك طلاسمهم __________________________________________ الجنوب طين أسمر : حتى لو أخذتك المصائر الى بغداد وصرت تتقنين التبغدد تلفظين الماء. مي والصوت صوط وتضاهين البغداديات غنجا. وأناقة تبقى بوصلة القلب تشير وهي مطمئنة الى الجنوب حيث الطين أسمر كما أراد الله لكنه لا يصير حجرا ولا يقرب من قلبه السواد حانية أنت مثل أخت كبيرة وأنا الذي يكبرك بعشرسنين ونيف كم يبدو ليل الشتاء قصيرا ونحن نتحدث عن الحب والرجال الذين ينصبون الفخاخ لاصطياد الفراشات وعن النساء اللعوبات وكيف أكون الضحية دائما وكثيرا ما نستمتع بالشعر تمتدحين قصائدي بقلب امرأة وعقل أكاديمي فأطير فرحا وذات ليل وفي لحظة ازدهار الكأس قلت أحبك وبقيت خائفا حتى الصباح بيد أنك غفرتها لي ربما قلت شاعر جنوبي فطارت به خفقة القلب لم أقلها ثانية ولكنني كتبتها سرا في كثير من قصائدي. ___________________________________________ هذا هو أنت : يخطىء من يخاصمه إنه الوحيد الذي من أجله تضحك الذبائح ونحو نعله المخصوفة تشرئب الرؤوس وسيفه الذي من السماء يفيض عدلا وسلاما. هذا هو أنت هتافك لا يذبل وأعرافك لا تشيخ أقباس من طهر قباب ولطف شفيع هذا هو أنت لا يرقى اليك الطير لا الجاهلية ولا الأبهات هذا هو انت لا للجمل باطل بكل ما حمل لا للرماح قومتها القوافل وفي صفين علمتها الهزائم رفع الصاحف رفع الرؤوس هذا هو أنت بقامتك تستظل الحروب ومن ثباتك تنطلق هذا هو أنت مقاصد نحو النعيم ومكارم مصطفاة على اسمك نتكئ وبه نستقيم بلا ثمن كان كيلك بيد أن الرعاع لم يملكوا حلما فاستقاموا جاهلية فاصطفاك الإله بيرقا لكل الأزمنة هذا هو أنت باحة من جلال تقوى وصراط أمين _________________________________ بهجة العارف : لست من الذين يكثرون القيام ويطيلون السجود ولكني دائما أحمده فلا محمود على مكروه سواه مع أني غير منشغل بالجنة أبدا لا بقصورها ولا حورياتها ولا بسررها المتقابلة وإذا ما كانت هناك فأنا فيها لا محالة فليس من العدل وحاشا له أن أكون مع يزيد مثلا ولا أحب أكون مع الطغاة أو أقضي ليلة حتى لو كانت ماجنة معهم أنا الذي لم أطرق أبوابهم يوما لا أريد قصرا فيه سبعون غرفة وفي كل قصر سبعون حورية وعلى أبوابها تقف الملائكة لا أريد هذا فأنا لا أريد أن أستبدلك بحورية ربما لا تعرف فداحة القبل ولا أحب أن أكلف ملائكة الرب بخدمتي. سيكون لي بيت وزوجة وأطفال مرحون نشرب قهوتنا في الصباح وليلا نعد الكؤوس الخمرة هنا لا نشتريها وليس لها علاقة برأس الشهر يكفي أن نخطو معا الى النهر فنملأ الجرار ونعود ضاحكين. __________________________________ أرسم غابة : لم ألتق بك من قبل أو أطبع قبلة على خدك أو على يدك كما يفعل عادة العشاق الارستقراطيون في الحفلات ولم أمسد شعرك من قبل فلماذا تشعر يدي بالخدر كلما تذكرتك ولهذا أخاف دائما من الخطأ أرسم شجرة رمان وأعتني جيدا برمانتين اثنتين وأحوطهما بعناية فلاح ماهر أرسم غابة ولكن دونما وحوش وأنا أشير الى شعرك وحين أرسم شفتيك أكتب تحتها جرة عسل وفي أعلى الصفحة ألونها بالأزرق وأقصد السماء بينما أعرف أن عينيك عسليتان. لم أقبلك من قبل فمن أوحى لي أنك تعرفين فداحة القبل أفعل كل هذا لأني أحبك كثيرا رغم أنك لم تفضي بعد عقدة لسانك لتقولي أحبك ولكني مطمئن الى ما يقوله قلبك وأنت تقرأين قصائدي التي أكتبها لك __________________________________________ المعاصي تجمعنا مباركة : مبارك أيها القلق الأسماء الحسنى مكارم النخيل مقبرة الانكليز / الورد الجوري مباركة المعاصي تجمعنا معا مباركة المواقد المترعة بالندى ومكر الجدات خرافة السدرة مباركة مباركة ساحة أم البروم يرقصها هدير العربات وتنام على شخير الجنود الساحات تتزين بو قاحتنا مباركة مبارك شارع الوطن كنت لا تنام إلا على خصر راقصة أكملت ليلتها بشهيق الصباح. أيها الشعر وليدنا الأكثر عافية وتمردا الأفق المتكئ على مرمى خطواتنا مبارك مبارك أيها الفقر (رجل علي) اثمنتصر في كل زمان السماء تبلل أحلامنا بنهارات صاخبة مباركة مبارك أيها الحنين تطرزك الخزامى الراقصات على قلب النافذة فيروز تنشر الصباح على أسرتنا مباركة مبارك أيها الحب ترتلك القصائد والعصافير فوق سطوح الجيران. مباركة أيتها الحياة مباركة بنا _____________________________________ رثاء متأخر جدا : بالثلاثة أكره الحرب حتى لو كانت (عادلة) كما يحاول أن يجملها مرتكبوها وليس في نيتي يوما أن أمتدح نياشينها ولا أنواطها وسيوفها فقد ماتت أمي وكنت في الثكنة لم أحضر ميتتها السريعة ولم أحفظ لها آخر صورة وهي ممددة بجسدها البارد النحيل رأسها تجاه القبلة تغطيها عباءتها السوداء وكنت آخر الباكين على أمي لم يبق لأمي سوى صورة باهتة بالأسود والأبيض ورائحة لا تجف. مات أبي وهو بعد لم يبلغ الستين وكنت في الحرب الحرب التي لا ناقة لي فيها ولا شرف ولأنني عرفت بميتته بعد. أربعين يوما صرت أيضا آخر الباكين لم يشاركني أحد كان أخي الوحيد في الحرب وأمي لم تنجب لنا باكية والناس لا يبكون بصدق غير موتاهم. أبي المحارب القديم والمقامر دوما كان كثيرا ما يعتني بثيابه فلا يفارقها العطر لسانه حلو والساعة السويسرية لا تفارق يده إلا وقت ينام خوفا عليها من العطل لم أره يوما يكثر من الهم ولا الصلاة ومن آثام الحرب وثالثة الكره لها أنني لم أزر قبريهما أو أوقد شمعة ولم أبلل رأسيهما بالماء أبي أمي لم تورثاني سوى الفقر فقبلت شاكرا ولكن أرجوكما لا تورثاني ميتتكما السريعة فعندي قصائد لم أكتبها وامرأة لم أقبلها بعد ______________________________________ في الصباح : لم تخرج الشمس،بعد، من مخدعها اقتطع من النهار فسحة ركعتين ولا أطيل فأنا عاهدتك أن لا أشرك معك أحدا وان النهار كسيده الليل قائم لك أيضا وكعادتي في الصباحات اتخذ من فيروز مدخلا للنهار وحتى أطمئن أنك توردت كثيرا في حلم البارحة فكان شهيقك يتصاعد بالقبلات وحتى لا يبرد عسل القبل أفتح نافذتي الإلكترونية واترك على صفحتك قبلة كم تمنيت لو أنها كانت شفاها تتعانق ___________________________________ ألمعتمد بن عباد : منذ ألف مضت ونيف وأنا كلما نظرت إلى ضريحك يعج بالسياح الأجانب والقليل من العرب فهم منشغلون بأسعار الطماطم وارتفاع مهر الزيجات أشتم يوسف بن تاشفين وأقول ما هكذا يموت الملوك الملوك العشاق ثم أتذكر لك يومين في الدنيا يوم الزلاقة حيث كنت الأمير الشجاع ترد الطعن بالطعن ويوم الطين وكنت العاشق النبيل حيث حققت لزوجتك الروميكية ما تحلم به عاشقة لا تحب أن تموت لكنها ماتت قريبة منك بعيدا عن التاجه وتركتك وحيدا تموت بلا تابوت ___________________________________ تماثيل : التماثيل الكبيرة تماثيل القادة والمحاربين و هم يمسكون الجهات بخيول من اسمنت ويطعنون الهواء برماح صدئة تماثيل الآلهة موشومة بالأدعية ودماء القرابين تماثيل الملوك بلا جوار. ولا حاشية ودونما عبيد يجرون برفق عرباتهم الملكية تماثيل الشعراء بجيوب مثقوبة وكؤوس طافحة بالبهجة يلوح لها الصبية والعاشقات ويحسدها شاعر موهوم التماثيل التماثيل التماثيل من ذهب ضاحك أو فضة لامعة كم تشعر بالوحشة ويأكلها الملل أقول الكون.. وأشير إليك ______________________________________ أنا : عراف هذا الكون مكتشف أقانيم الجمال سأدعو العرافين والسحرة ومعلمي الجغرافيا بخرائطهم الكبيرة والصغيرة سأدعو أصحاب الأناشيد العظيمة والشعراء بطبقاتهم ورواة الأحاديث الذين جاهدوا لأن تكون بأسانيد صحيحة ابتداء من الورد وإلى آخر سرب يمام وسأجلسهم على مقاعد الدرس حتى تبلى سراويلهم لأدلهم على دوران الأفلاك وانتصاب الجبال ومساقط الضوء لأدلهم على حدائق الياسمين وأغصان الكستناء وأماكن حدوث الزلازل سأدلهم على مواعيد المطر وكيف تتساقط كِسرُ البرق سأدلهم على منابع الأنهار ومواقيت المدّ والجزر سأدلهم على بيادر القمح واخضرار العشب على جرار الخمر وقوارير العطر وفي أي سماء تتراقص أقواس قزح وسأقول لهم لماذا نهارنا بشمسين وليلنا بقمرين وعلى دروبنا تتناثر النجوم سأقول لهم كل هذا وأنا أشير إليك
#ليث_الصندوق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألثنائيات الضدية في شعر يحيى السماوي
-
تحايا المدن
-
أغنية فكتور جارا الأبدية
-
من تمدد القصيدة خارج جسد اللغة .. إلى انكماشها داخل جسدها
-
هيمنة الغياب وتعدد أشكاله ومظاهره في ( رجل يهزّ الشجرة ويبتس
...
-
ملامح المثلث البنائي في سهول وتضاريس ( جواد غلوم ) الشعرية
-
تحولات الذات وانعكاساتها على اندماج وانشطار البؤر الصورية في
...
-
دارون وانقراض الشِعرليث
-
ألدوّامة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|