|
عصر الدكتاتورية العالمية يتمدد إلى علم التاريخ
ثائر دوري
الحوار المتمدن-العدد: 1711 - 2006 / 10 / 22 - 11:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل دخلنا في عصر محاكم التفتيش ثانية ؟ هذا السؤال يجب طرحه بجدية تامة بعد القانون الذي يجرم من يشكك بإبادة الأرمن ، و الذي أقره البرلمان الفرنسي . لست قانونياً لأعرف بدقة ما هي أركان جريمة الإبادة ، و هل تنطبق على ما جرى للأرمن في الحرب العالمية الأولى . مع ملاحظة أن ما جرى تم في سياق حرب عالمية ( الصحيح حرب امبريالية ، أوربية غربية) راح ضحيتها ملايين البشر من كافة الملل و الأعراق ، إما بالقتل المباشر في سياق الأعمال الحربية ، أو من خلال النزوح القسري و هجرة السكان ، و سوء التغذية و المجاعة و الأمراض التي فتكت بالمدنيين ، و الأمر المؤكد أن كل شعوب البشرية قد عانت ، و إن بنسب متفاوته من تلك الحرب التي يطلق عليها الحرب العالمية الأولى في حين أنها صراع بين ضواري الغرب الإمبريالية ، بين قوى استعمارية صاعدة كالألمان و الطليان و قوى استعمارية مستقرة كالفرنسيين و الإنكليز ، وقد دفعت شعوب أوربا و آسيا و أفريقيا الثمن . لقد تعرض الأرمن كباقي شعوب الأرض إلى مآسي مروعة في تلك الحرب ، و أنا أتمنى على الأخوة الأرمن أن يناقشوا ما جرى معهم في تلك الحرب بهدوء ليستخلصوا منه العبر التاريخية كي تتحول تجربتهم المؤلمة إلى ذخيرة إيجابية لكل الإنسانية ، و أول خطوة على هذا الطريق هي أن يسحبوا ورقة معاناتهم من يد القوى الإمبريالية التي تريد أن تستغل آلامهم و عذاباتهم في صراعاتها و مصالحها المادية الضيقة ، كحال الفرنسيين اليوم . في عام 1997أقر البرلمان الفرنسي قانوناً يعتبر أن ما تعرض له الأرمن في الحرب العالمية الأولى هو جريمة إبادة ،و هذه الخطوة نصب بها البرلمان الفرنسي نفسه مشرعاً لكل البشرية ، فمن المعلوم أن البرلمان الفرنسي يمتلك سلطة على الأمة الفرنسية ، و يحق له إبداء الرأي في أمور تخص الأمة الفرنسية التي انتخبته ليمثله أما أن ينصب نفسه مشرعاً للبشرية كلها ، و بمشكلة لم يكن الشعب الفرنسي طرفاً بها ، فهذه سابقة تاريخية لم يسبقهم لها سوى الأمريكان ، ففي التسعينات أقر الكونغرس الأمريكي قانون داماتو الذي يعاقب الشركات غير الأمريكية التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيراني بأكثر من عشرين مليون دولار ، و ذاك اليوم احتج الأوربيون و على رأسهم فرنسا على هذا القانون ،لأن الكونغرس الأمريكي لا يحق له أن يشرع لبقية البشرية بل يحق له فقط أن يفرض تشريعاته على ما هو أمريكي فقط ، فإذ بهم بعد حين يرتكبون نفس الإثم الأمريكي ، و في مجال أخطر هو مجال التاريخ الذي هو علم بكل معنى الكلمة ، و من العبث مناقشته في البرلمانات و عبر إقرار قوانين ،فدراسة التاريخ يجب أن تترك للمؤرخين و المختصين الذين يدلون برأيهم بحدث تاريخي ما ، و يحصل نقاش حول هذا الأمر ، و لا يحتاج الأمر لقانون ، فإذا اقتنع الناس بالرواية التاريخية سلموا بها و صارت بديهية بالنسبة لهم و إلا بحثوا عن رواية أخرى . في العام 2006 أكمل البرلمان الفرنسي ما فعله قبل عشرة أعوام ، فأقر قانوناً يجرم التشكيك بإبادة الأرمن ، التي أقرها هو بقانون سابق . و هذا القانون مقتبس من قانون سابق سيء الصيت يجرم كل من يشكك بالمحرقة ، و قد حوكم بسبب هذا القانون و سجن مؤرخون لأنهم شككوا بما يسمى المحرقة ، و أشهرهم غارودي .. إن هذا القانون الفرنسي يظهر العقلية الإمبريالية التي تعتبر نفسها وصية على التاريخ البشري ، و يظهر كم أن الفروق بين الإمبريالية الفرنسية و الإمبريالية الأمريكية زهيدة للغاية لدرجة لا تكاد تلحظ معها بالعين المجردة ، فإذا كانت الإمبريالية الأمريكية تعطي نفسها حق الوصاية على العالم اقتصادياً و عسكرياً ، فتقرر من هو الطيب و من هو الشرير ، فالإمبريالية الفرنسية تكمّل الدور الأمريكي ، فتطرح نفسها وصية على تاريخ العالم ، و من البداهة أن يتم ذلك من زاوية مصالحها الخاص . كان أجدر بالنواب الفرنسيين الذين يملكون هذا الفائض الإنساني أن يراجعوا تاريخهم قبل أن يراجعوا تاريخ الشعوب الأخرى ، و يصدروا أحكاماً أخلاقية تخصهم لا سيما و أن التاريخ الفرنسي يحتاج إلى المراجعة في مفاصل كثيرة منه لا سيما في الهند الصينية التي أدخلوها في حرب طاحنة أكلت الحجر و البشر ، و في الجزائر التي أبادوا مليوناً و نصف المليون من سكانها ،و في هايتي التي أباد نظام ثورة الإخاء و المساواة ، نظام الثورة الفرنسية ، ثلث سكانها دفعة واحدة لأنهم طلبوا الإخاء و المساواة ! هذا عدا عن مذابح رواندا المليونية التي لم تجف دماء ضحاياها بعد ، و الدور الفرنسي في حدوثها واضح وضوح الشمس في منتصف النهار . إن دموع التماسيح التي يذرفها النواب الفرنسيون على عذابات الأرمن لم تعد قادرة على خداع أحد ،فالجميع يدرك أن في خلفية المشهد تقبع المصالح و الصراعات الضيقة و الهواجس العنصرية ، فتركيا التي تتكون من ستين مليوناً من المسلمين لا مكان لها في أوربا حسب الفكر اليميني العنصري الذي يتعاظم نموه في أوربا ، و يتمدد كبقعة الزيت من الأحزاب ذات الاتجاهات العنصرية الصريحة ،كحزب ماري لوبن ،إلى أحزاب اليمين الديغولي ( اقرأ تصريحات ساركوزي ضد أبناء الضواحي ) . ففي خلفية المشهد يقبع فكر عنصري يرغب بالحفاظ على أوربا مسيحية نقية ، لكن أوربا تلعب بالنار فتركيا لن تبق واقفة ذليلة تطرق أبواب الإتحاد الأوربي المقفلة في وجهها ، أو التي تطالبها بالخروج من جلدها كي تفتح لها الباب ، كما هو حالها اليوم ، و لن تتحمل طويلاً الاحتقار و الإذلال المقصودين ، كما يعاملونها اليوم ، فبين الأترك يتبلور سريعاً خيار العودة إلى شرقهم إن لم يكن لقيادته ، فرافعة من روافع نهوضه ، أو على الأقل كطرف أساسي في بنائه ، و عندما يكتمل هذا الخيار فإن تركيا هي من سيغلق الباب في وجه أوربا ، و عندها ستقف أوربا على باب تركيا المشرقية المسلمة طويلاً.
#ثائر_دوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عزمي بشارة ونووي كوريا الشمالية
-
تصريحات بابا روما من زاوية أخرى
-
مساخر فكرية سورية
-
هل هناك ما يمنع أن يكون المرء عاطفيا و عقلانيا في الوقت عينه
...
-
التفجع على خمسينيات القرن العشرين
-
خمس قوى في مركب واحد
-
معنى استعادة قناة المنار لنشيد -الله أكبر فوق كيد المعتدي -
-
المقاومة تعيد الاعتبار للإنسان أمام الآلة
-
الفرق بين الصيد في المياه العكرة و المياه الصافية
-
استبداد أم احتلال ؟
-
من سيحاسب من في لبنان ؟
-
مع المقاومة تحت أي راية كانت
-
ولادة العربي الجديد
-
قنابل نووية يدوية الصنع
-
الإرهابي هو كل من يعارض مصالحنا
-
تلفيقات فكرية سورية
-
تيمور الشرقية قصة نفطية نموذجية
-
خرافة الاستعمار الجيد
-
العدوان الإمبريالي على العرب بين -القوة الناعمة -و -القوة ال
...
-
مصر على مفترق طرق التغيير
المزيد.....
-
من يقصد ترامب بـ -الجميع- الذين أحبوا خططه في غزة؟
-
ترامب: إسرائيل ستسلمنا قطاع غزة بعد انتهاء القتال ونتنياهو ي
...
-
لبنان: تعثّر تشكيل الحكومة بعد 3 أسابيع من تكليف نواف سلام..
...
-
الدفاع الأوكرانية تعلن استلام مقاتلات -إف-16- من هولندا
-
مصرع طيارين اثنين في تحطم طائرة خفيفة بضواحي موسكو (فيديو)
-
محكمة تركية تصدر أغرب وأطول حكم في التاريخ!
-
هجوم مصري حاد بعد تصريحات -غير مسؤولة- لوزراء في حكومة نتنيا
...
-
إعلام عبري يكشف تفاصيل لأول مرة حول لقاء لم يتم بين السنوار
...
-
التجارة الجزائرية تسحب حلوى على شكل عين بشرية من الأسواق
-
فيديو من الأرشيف السوفيتي.. جهاز المخابرات الخارجية الروسي ي
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|