|
إبكتيتوس - العبد الروماني الذي أصبح أحد أعظم فلاسفة المذهب الرواقي
حسين علوان علي
(Hussain Alwan)
الحوار المتمدن-العدد: 7553 - 2023 / 3 / 17 - 18:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ولد الفيلسوف الرواقي الروماني ابكتيتوس في حوالي 55 م، في مدينة هيرابوليس ضمن إقليم فريجيا اليوناني القديم، في منطقة باموكالي جنوب غرب تركيا الحالية. عندما كان ابكتيتوس صبيًا اقتيد كعبد إلى روما بطريقة ما لخدمة أحد مساعدي طاغية روما الإمبراطور نيرون. خلال عبوديته درس الرواقية على يد الفيلسوف (موسونيوس) الذي يعتبر واحدًا من أعظم أربعة فلاسفة رواقيين رومانيين، إلى جانب سينيكا وماركوس أوريليوس، ثم إبكتيتوس بنفسه اشتهر موسونيوس ملهم ابكتيتوس بكونه معلمًا رواقيًا عظيمًا، لم يتصور الفلسفة سوى أنها ممارسة لـ السلوك الإنساني النبيل، ودعا إلى الالتزام بالعيش من أجل الفضيلة لا المتعة. لأن السعي إلى الفضيلة ينقذنا من وقوع الأخطاء التي تدمر الحياة. لكن ما هي الفضيلة من وجهة النظر الرواقية. انها شكل من أشكال المعرفة التي تشكل ملامح الشخصية والحياة بأكملها. يتم تعريف الفضيلة الرواقية في أربع فضائل عامة أساسية وهي الحكمة، الشجاعة، ضبط النفس، ثم الاعتدال. يُنظر إلى هذه الفضائل على أنها أربعة صور لشكل واحد من المعرفة، وأنها مترابطة تماما فيما بينها، وانها مجتمعة تشكل الصفات الأساسية لعيش حياة بشرية كريمة. تم إعتاق ابكتيتوس من العبودية واكتسب أخيرا حريته عام 89 م. وقد بلغ عمره 34 عام . تم إبعاده مع فلاسفة آخرين عن روما في نفس العام من قبل الإمبراطور دوميتيان، الذي طرد الفلاسفة عن المدينة واعتبرهم يشكلون خطرا على الإمبراطورية. رحل ابكتيتوس إلى شمال غرب اليونان واستقر هناك، حيث افتتح مدرسة خاصة لتعليم الفلسفة حققت شهرة طيبة و اجتذبت طلابا عديدين من رجال الطبقة العليا في المجتمع الروماني. كان أحد هؤلاء تلميذه المخلص (أريان) الذي بادر إلى تدوين أفكاره في مخطوطات، حيث أن مُعلمه لم يكتب بنفسه شيئا واكتفى بكونه معلما للفلسفة الرواقية. كان ابكتيتوس يعتقد أن الكون تحكمه قوة أساسية سماها الله أو الآلهة، او زيوس الذي هو أب الالهة والبشر في الميثولوجيا والدين اليوناني. رأى أبكتيتوس أن القدرة على الاختيار هي صفة البشر الأساسية وجوهر طبيعتهم، من خلال مبدأ السبب والنتيجة في الطبيعة، وهذا هو مفهوم الإرادة البشرية الحرة في الفلسفة. أكد ابيكتيتوس أن قراراتنا خالية من الإكراه الخارجي، وأن الانسان يتخذ قراراته بحرية دون إكراه وترتيب من أية قوة أخرى، وأن قناعاتنا ومواقفنا ونوايانا وأفعالنا هي خياراتنا المستقلة الخاصة بنا. بالنسبة لـ فيلسوفنا الرواقي المبرّز فإن المشكلة الأساسية في حياتنا نحن البشر، أننا نعاني لأننا نفشل في التمييز بين ما هو تحت سيطرتنا وما هو ليس كذلك. تتضمن الأشياء التي تقع ضمن سيطرتنا أحكامنا ونوايانا، رغباتنا ومشاعرنا، عالم العقل الداخلي الذي تحكمه إرادتنا. لكن، كل شيء آخر خارج سيطرة عقلنا مثل أجسادنا وممتلكاتنا، علاقاتنا وثروتنا، شهرتنا وسمعتنا، كل هذا يعتمد إلى حد كبير على عوامل خارجة عن سيطرتنا. إن الخلط بين العالم الداخلي لـ أذهاننا ، الذي نسيطر عليه، وبين العالم الخارجي الذي لا يمكننا التحكم به، هذا الخلط هو الذي يسبب معظم المعاناة في حياتنا اليومية. نحن نعاني في الحياة لأننا نفشل في فهم نظام السبب والنتيجة الذي يتحكم بالعالم الخارجي. تستند الفلسفة الرواقية بشكل عام على فكرة أن البشر يمكن أن يعيشوا حياة سلام وسعادة، من خلال فهم وقبول النظام الطبيعي للكون الذي يتمحور على مفهوم السبب والنتيجة. ينص هذا المفهوم على أن كل ما يحدث في العالم هو نتيجة لسبب، وأن كل سبب له تأثير وهو النتيجة. فإذا تمكن الناس من فهم أسباب المواقف والأحداث، يمكنهم أيضًا فهم التأثيرات والنتائج التي قاد إليها الأسباب، واتخاذ الخطوات المناسبة للتحكم في مصيرهم.على العكس من ذلك فاننا غالبًا ما نفترض أن الأشياء والظروف الخارجية هي الأشياء الأكثر قيمة في الحياة. نعتقد خطأً أن السعادة توجد خارج أنفسنا. ثم ، عندما يخيّب العالم الخارجي آمالنا، نشعر بالحزن والخوف والحسد والرغبة والقلق. يرفض ابكتيتوس اعتبار هذه المشاعر والنتائج السلبية مفروضة علينا، بل نحن مسؤولون عن عواطفنا ومشاعرنا وأفكارنا وأفعالنا. السعادة عند إبكتيتوس والرواقية بشكل عام لا تكمن في الحصول على ما نرغب فيه. ولكن في القبول بما نحصل عليه. الرفاهية لا تنبع من امتلاك الأشياء الخارجية، لكن من خلال السيطرة على الرغبات والسعي لـ امتلاك المزيد من الاشياء. مفتاح الرفاهية عند الفيلسوف والحكيم الروماني ابيكتيتوس هو المواءمة بين ما تعطينا الحياة وبين ما نريده منها، ما يفعله الآخرون هو أمر خارجي بالنسبة إلينا، ما يفعله الآخرون لا يؤذينا إلا إذا سمحنا نحن بذلك. اعتبر إبكتيتوس الفلسفة طريقة حياة وليست مجرد نظريات أو أفكار جامدة لاحياة فيها، وأن علينا أن نقبل بهدوء ونزاهة كل ما يحدث لنا. ومع ذلك فإننا نبقى مسؤولين عن أفعالنا ، وإن لنا القدرة على فحص هذه الأفعال والتحكم فيها من خلال الانضباط الذاتي الصارم. لم يتزوج إبكتيتوس ولم ينجب . عاش حتى سن الشيخوخة ومات عن ثمانين عام في مدينة بريفيزا اليونانية.
#حسين_علوان_علي (هاشتاغ)
Hussain_Alwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرائق السماء
-
حين نتجنب مواجهة الذات
-
إنكسمندر- مؤلف أول كتاب في الفلسفة، أول من رسم خارطة للعالم
-
بيتهوفن، عبقرية متفردة وحياة جسّدت المأساة
-
طاليس- أول فيلسوف يوناني،أب الفلسفة الغربية وأول معلّم في تأ
...
-
يوم تركتها عند دجلة.. ورحلت
-
نازفون في الضباب
-
جنود بلا دماء
-
إنهم يسرقون الأماكن
-
الدين والخوف
-
فيسبوك ونظرية المؤامرة
-
راجع يا هوى
-
مسرحية سوناتا الركام
-
التنّين
-
عالم أوحد
-
حيث هناك ..
-
انها دقات قلبي..
-
فن النار ( ثنائية النهوض والفناء)
-
بوابة الحزن آهلة بالغناء
-
الحب لا يورث
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|