أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كريمة مكي - عِنْدَمَا نَحِنُّ لِلأَدَبْ...














المزيد.....

عِنْدَمَا نَحِنُّ لِلأَدَبْ...


كريمة مكي

الحوار المتمدن-العدد: 7550 - 2023 / 3 / 14 - 17:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أكثر من عشر سنوات و التونسي المسكين ينام على السياسة و يصحو عليها.
أكثر من عقد من الزّمن و التونسي يفطر سياسة و يتغدّى سياسة و يتعشّى سياسة.
في كلّ صباح جديد ينهض التونسي متثاقلا كئيب و عوض أن يلتفت لمشرق الشمس و يرفع يديه بالشكر لخالق الأكوان الذي وهبه يوما جديد ليسعى في الأرض فتعمر به و تزهى،
تجده يبدأ يومه بفطور مغمّس بطين السّياسة و أوحالها فيفتح عينيه على الجوّال و أذنيه على الإذاعات ليُعيد متابعة ما تعشّاه البارحة من تصريحات و خصومات و عراك و سباب بين هذا و ذاك على حلبة البلاتوهات.
بعد ذلك يأخذ التونسي وقتا مستقطعا من السياسة ليذهب إلى عمله، فيعمل ما أمكنه أن يعمل دون أن ينسى معاودة الحديث في نفس تلك الأحاديث مع من يشاركه المكان أو حتى مع العابرين فيبدأ بالتأسّف على الوضع الذي آلت إليه البلاد ثم يُذكّر محاوره بما سمعه في الصباح متصوّرا أنّ محاوره ليس مطلعا مثله بما فيه الكفاية. و هكذا إلى أن يحين موعد الغداء و ما أدراك ما موعد الغداء. هذا الموعد المقدّس لدى كلّ الشعوب و لدينا طبعا و لكننا و يا للمأساة، لا نعرف كيف نلقاه و كيف نعطيه حقّه من الاحترام. فالطعام نعمة من أعظم نِعم الإله و مباشرته تستوجب أن نتطهّر له من كل المنجسات المادية و الفكرية و أن نُخلي الرّأس ممّا سواه حتى يعود على الجسم بالصحّة و على العقل بالطاقة اللازمة لمجابهة أحمال الحياة.
و أنّى لنا أن نفهم حينئذ ماذا أكلنا و كيف أكلنا و هل أحببنا حقّا ما أكلنا و به أحسسنا و استمتعنا أم فقط أكلنا و فقط شبعنا!
أنّى لنا، فقط، أن نفهم؟! و كيف، إذن، لا تُهلكنا الأمراض!
لقد صارت تونس ومنذ أن سقط النظام و قامت الفوضى الإعلامية في البلاد، بلد المليون سياسي و أكثر: الكلّ يُنظّر و الكلّ يُفتي و الكلّ يشاكس و الكلّ يراوغ ... و التونسي الغافل يُعطي كلّ هؤلاء انتباهه ليُنغّصوا عليه أحلى أوقات يومه و هو يحسب أنّه يُحسن صنعا و يزداد علما و ما يزداد حقا إلاّ همًّا و غمًّا...
إنّك لتجد منّا ساعة الغداء من يأكل اللقمة بِيَدٍ و بالأخرى الهاتف اللعين لكي لا يفوته شلاّل الأخبار الهادر على مدار اليوم ثم و في نفس الوقت يرسل بأذنيه بين الحصص التي تؤثثها الإذاعات التونسية الكبرى في ساعتي الغداء و كلّها تحكي في السياسة بلا أدنى سياسة و بعدد لا يحصى من المتحاورين الذين يتخاطفون الكلمة و يتصايحون على رؤوسنا و لا يتوقفون إلاّ إذا رحمتنا السّاعة و جاءنا موعد الأخبار!
أيّ معدة في العالم – يا الله- قادرة على هضم كل هذه السّموم؟؟؟
قولوا بالله عليكم:
لماذا تفعلون بأنفسكم الأفاعيل؟؟؟
لماذا تجعلون أخبار السّياسة خبزكم اليومي؟؟؟
ستموتون – و الله- مللا و ثقلا و طنين!
دعوا السياسة لأهلها و عودوا لأنفسكم لتنقذوا نفوسكم من اليأس و الحزن و الحنين!
أعيدوا صياغة العالم من حولكم حسب ما تحبّون حقّا... و ستُذهلون.
لا تستسلموا للمرتزقة من الخائضين في الشأن العام بغير علم و لا ضمير.
لا تصدقوهم إذ يشوّهون لكم وجه البلاد و وجه الحياة.
الحياة صعبة و معقّدة و قاسية نعم و لكن الدنيا ما تزال بخير لأنّ الأصل فينا هو الخير أمّا الشرّ فعابر بنا غير مقيم.
وتونس اليوم بخير و هذه الشمس أمامكم مازالت تشرق فيها، كما كانت دوما، فمِمّ تخافون؟
أنتم لستم في حاجة للحديث الطويل في السياسة، فالسياسة الحق هي قَدَرُ أناس مُعيّنين تماما كما أنّ العلم أو الأدب قَدَرُ أناس آخرين.
فابحثوا بداخلكم عمّا تعشقون و ستعرفوا أيّ درب تسلكون و فيه تتألّقون...
اقرؤوا كتب الكبار: ستجدون أرواحا تُشبه أرواحكم تنشد المحبّة و السّلام و ستهدؤون كثيرا و تطمئنّون.
لا تضيّعوا وقتكم الثمين في متابعة الغوغاء، فالعلم لن يأتيك - أيها المستمع الحزين- من أفواه السياسيين الكاذبين بل من داخلك أنت فأغلق عنهم أذنك و حوّل سمعك إلى الدّاخل.
في هذه الأيام العصيبة نحن لا نحتاج لهذا الكم من السياسة، نحن نحتاج أكثر إلى الأدب... و لو قليلا...قليلا فقط من الأدب!

كتب الأديب طه حسين: ʺأحسن المعرفة معرفة نفسك و أحسن الأدب وقوفك عند حدّكʺ.
وكتب الصوفي الكبير جلال الدين الرومي: ʺبالأمس كنتُ ذكيا فأردت أن أغيّر العالم...و اليوم أنا حكيم و لذلك سأغيّر نفسيʺ.
أما رائد الرواية المصرية نجيب محفوظ فكتب لكم: ʺكيف نضجر و للسّماء هذه الزُّرقة و للأرض هذه الخضرة و للورد هذا الشذى و للقلب هذه القدرة العجيبة على الحبّ و للرّوح هذه الطاقة اللاّنهائية على الإيمان.ʺ
تونس في 21/2/2021



#كريمة_مكي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من حرّمَ الحبّ على جنس النّساء؟؟؟
- تأتي المصائب أوّلا...و بعدها يأتي الشّفاء
- هل يستوي مَلِكُ الاستقامة مع أئمة الفِسق و الخيانة؟!
- الثورة الحقّ... قيس سعيد و أهل الطمع!!
- شجرة الصّخرة: لا تفتحوا في القلب قبرا...
- وجهك الأكذب!!
- شرين عبد الوهاب و تلك الصّورة المقلوبة!!
- عبير موسي: أمازلتِ هنا؟!
- هي...و الزّعيم (10)
- هي...و الزعيم 9
- هي...و الزّعيم(8)
- ما أكذب الخارج!!
- هي...و الزّعيم(7)
- هي...و الزّعيم(6)
- هي...و الزّعيم(5)
- هي...و الزّعيم(4)
- هي...و الزّعيم(3)
- هي...و الزّعيم (2)
- هي...و الزّعيم (1)
- لستَ وحدك المجنون سيّدي الرّئيس!!


المزيد.....




- ماكرون يطرد 12 موظفا في الدبلوماسية ويستدعي سفير بلاده في ال ...
- ابنتا بوعلام صنصال تطالبان ماكرون السعي لإطلاق سراح والدهما ...
- الجميع -هدف مشروع-.. محللة توضح أهمية الفاشر لـ-الدعم السريع ...
- إسرائيل: لن تدخل أية مساعدات قريبا إلى غزة للضغط على حماس
- عباس إلى دمشق الجمعة المقبل للقاء نظيره الشرع
- الداخلية التركية تعلن القبض على 89 إرهابيا يشتبه بهم بالانتم ...
- إسرائيل تفرج عن 10 أسرى فلسطينيين من قطاع غزة
- الحكومة اللبنانية تطلق مشروع إعادة تأهيل طريق المطار
- شاهد.. -سرايا القدس- تعرض مشاهد من قصف استهدف الجيش الإسرائي ...
- بكين تمدّ جسورًا مع جنوب شرق آسيا


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كريمة مكي - عِنْدَمَا نَحِنُّ لِلأَدَبْ...