|
المرأة في الفن التشكيلي: سعيد الاتب نموذجا
غازي الإمام
الحوار المتمدن-العدد: 7549 - 2023 / 3 / 13 - 10:04
المحور:
الادب والفن
منذ أن خلق الله حواء من ضلع أدم...جعل لها مكانة سامية وكرامة متساوية مع الرجل في المكانة والقيمة، لكونها قد خلقت من نفس المادة التي خُلق منها الرجل، ولكن دورها في أكل الفاكهة المحرمة بعد أن سمعت حجة الثعبان وتقاسمها لهذه الفاكهة مع ادم مما تسبب في عصيان أمر الله ومن ثم طردهم من جنة العدن.... وهذا ما وقد أطلق عليه في الكثير من الكتب السماوية تحت مسمى " سقوط الإنسان." ومع مرور الأزمنة والعصور على مر التاريخ، لعبت المرأة دورا هاما ومحوريا في حياة البشر، فكانت الحبيبة والزوجة والأم والأخت، والمعلمة والمربية، التي ترسم مستقبل الأطفال والشباب وتلهمهم بالحب والحنان والتشجيع الضروري للنجاح، في الحاضر والمستقبل. وأصبح يُنظر إلى المرأة، ليس فقط كما وصفت بأنها نصف المجتمع، بل هي كل الحياة. وهنا يجب أنوه، الى أن النساء احتلت جزءا كبيراً في رسومات الكثير من المشاهير في عالم الفن والرسم، أمثال بابلو بيكاسو، وماكس بيكمان، وويليم دي كوننج، وفان كوخ، وماك ديلون، وسلفادوردالي، والكثير غيرهم في هذا العالم من الذين أحتلت لوحات النساء رسوماتهم ولوحاتهم.على سبيل المثال زوجة ماكس بيكمان وزوجة بيكاسو، وغيرهن من النساء. ليس هناك من أهتم بالنساء في رسوماته مثل بيكاسو، فنساء بيكاسو كن كثيرات، أمثال إيفا، أولجا، ماري تيريز، دورامار، فرانسواز، جنيفياف، و جاكلين.... لكنه تزوج اثنتين فقط هما أولجا وجاكلين. وهناك اثنتين انتحرتا وهما ماري تيريز وجاكلين حزناً، بعد ان دفعهما بيكاسو للجنون، اما إيفا فقد ماتت قبل ان يهملها، او يتركها. يقول بيكاسو عن علاقاته النسائية " لا تستطيع أمرأة أن تهجرني... أنا الذي أقرر هجر المرأة" . لكن عشيقته السيدة فرانسواز هجرته، على الرغم من أنها كانت أكبر من بيكاسو . هجرته فرانسواز وسط استهجانه وغضبه وقوله الممتلئ بالغرور، وتركت في ريشته جراحاً عميقة حاول أن يضمدها برسوماته الصارخة، والغرائبية، والمحتجة والمستغيثة. وقد أثرت كذلك جاكلين روك، آخر العنقود في علاقاته النسائية، والتي كانت تتمتع بجمال وأنوثة وبساطة وقدرة على تحريك مخيلة بيكاسو، ودفعه إلى المزيد من الخلق والإبداع. وأذا ما نظرنا للمرأة العربية بشكل خاص، فسوف نجدها من أكثر نساء الدنيا اللواتي تعرضن للتهميش، بسبب القيم والعادات القاسية التي فرضتها ثقافة المنطقة ، والتي نشأت وترعرعت فيها. وأقصد بذلك المنطقة العربية وبلدان الشرق الأوسط، ومع كل هذا، إلا أنها ثبتت أقدامها على أرضية صلبة، حتى تثبت لنا ولكل الدنيا، أنها كل شئ بالحياة. هنا، نستطيع القول - وببساطة - أن الرسام سعيد الأتب، الذي يحمل بين ضلوعه وروحه عاطفة ورومانسية جياشة للمرأة، ممزوجة بالإهتمام الكبير أحيانا، والهروب من المواجهة معها أحيانا أخرى، منذ نعومة أظافره عندما ألتقى بحبيبته الأولى في مدارس وملاجئ الأيتام، وهو في سن الحادية عشرة، لتصبح تلك الحبيبة، المصدر الأول لأبداعه الفني، كونه عاش معها في بيئة لم تسمح له مصارحتها بحبه، الا عن طريق رسوماته ولوحاته، منذ بدايتها، الى أن غادر لبنان الى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو في عمر الشباب لتصبح المرأة مصدر إلهامه وعبقريته. وقد تركت المرأة في حياة سعيد الأتب ورسوماته، الكثير من الأشجان والمعاناة بما فيها شعوره حسب رأيه الشخصي "بالفشل العاطفي." بالنسبة لي، وحسب وجهة نظري، أعتبره من الرسامين العرب المهمين والمميزين إبداعياً، في أمريكا والشرق الأوسط، على الرغم من قلة التقدير، وعدم تسليط الضوء الكافي عليه، ونقص الدعم المادي والإعلامي لنتاجه الإبداعي والفني، الذي أنجزه في مرسمه المتواضع، بمدينة باترسون بولايتي نيوجرسي ونيويورك الأمريكيتين. ويعتبر سعيد الأتب، من الرسامين العرب الماهرين في الولايات المتحدة الأمريكية، ممن رسموا البورتريه للمرأة، في أشكال ووجوه متعددة ومعبرة. وهنا أعرض جزءا بسيطا من اللوحات التي رسمها، كأمثلة أنتقيتها شخصيا لهذه المقالة. بحيث نرى أسلوبا ممتعا وجميلا، يتسم بالعفوية والبساطة والصدق دون تخطيط مسبق منه لرسمها. وبرأيي المتواضع، فإن أغلب لوحات سعيد الأتب، جاءت بالصدفة، وفقاً لما تمليه عليه اللحظة والحالة الإبداعية. ليعبر عن مزيج من الشعور بالحب والغضب، وشعوري الأحباط والتفاؤل. كذلك نجد أن القضية الفلسطينية، التي عايش أحداثها الفنان سعيد الأتب في لبنان، لها حضور كبير في رسوماته ولوحاته.. كونها قضية العرب الأولى، قضية حق عادلة، والتي ربط فيها سعيد الأتب بين المرأة الفلسطينية، وأملها في أستعادة المسجد الأقصى الشريف. وظهر ذلك جليا في اللوحات التي رسمها، ومزج فيها ألوانا تعبر عن التفاؤل بتحرر المرأة المقدسية الفلسطينية، من براثن العبودية في كافة أشكالها. لم ينس سعيد الأتب ما تتعرض له أغلب النساء العربيات، من كبت نفسي وأجتماعي، وتهميش ومعاناة في حياتهن الزوجية والأجتماعية، من قبل الكثير من الأزواج العرب الذين ينظرون، إليهن نظرة أستعلاء، لاتعطيها حقها بالحياة كأنثى وزوجة وأم وحبيبة تستحق التقدير والأحترام والتشجيع، وليس الأهانة والعبودية. وللمرأة، كأم ومربية، حضور قوي في رسومات الفنان سعيد الأتب. فهي المرأة التي تهز سرير الطفل بأحد يديها، وتهز العالم بيدها الثانية.. وهي المدرسة الأولى التي إذا أعددتها " أعددت شعبا طيب ألأعراق"... فهي الأم التي ستطبع بصماتها في شخصية الطفل الذي تربيه وتهتم به، الى نهاية مسيرة حياته. كذلك عبر سعيد الأتب، عن علاقاته المضطربة مع الكثير من النساء اللواتي أرتبط معهن، بعلاقة عاطفية، وأرتباط زوجي، وخلّف منهن البنين والبنات، وتعايش معهن على السراء والضراء، في غربته، بالمهجر هنا في الولايات المتحدة. وعلى رغم أعتراف سعيد الأتب بأنه كباقي البشر، غير معصوم عن الخطئ والوقوع بالمحظورات، في علاقاته النسائية، لكن هذا لم يغير من طبيعته كونه انسانا حساسا ورومانسيا من الطراز الراقي.. ولكن الذنب في فشل علاقات الحب مع النساء، برأي سعيد الأتب، لا يتحمله الرجل فقط، بل المرأة كذلك، بتعدد وجوهها ورغباتها وغيرتها التي عبر عنها برسوماته، ليؤكد ما تلعبه تلك السلبية من دور في فشل الكثير من علاقاته الغرامية. رسم الفنان سعيد الأتب المرأة في وجوه عديدة، كبورتريه ممزوج بالحيرة، وبعدم الفهم ووضوح الرؤية لما تريده المرأة. ومن الأشياء التي تعجبها أو تكرهها، بأسلوب وألوان ظهرت جلية في لوحاته.. إذ أن جمال المرأة عند سعيد الأتب، لا يقتصر على المظهر الخارجي للأنثى، بل يتعداه الى مكونات أعماقها ونقاء روحها وصفاء قلبه.ا ورغم كل هذا وذاك، تبقى للمرأة حضورها القوي في نتاجه الفني والإبداعي المتميز والغزير. وتبقى المرأة، كما هي على الدوام، الرقم الصعب في حياته، وفي حساباته الشخصية والفنية. كما تبقى المرأة في حياته رمزاً للوجود الإنساني النبيل ، رمزاً للجمال في هذه الحياة، ومصدرا مهما من مصادر الحب والعطاء.
#غازي_الإمام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين جبران خليل جبران وسعيد الأتب: هل ثمة تقمص في الفن التشكي
...
-
المبدعون والجاليات العربية في الولايات المتحدة: تجاهل وغياب
...
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|