|
قراءة انطباعية عن رواية -آرام- للكاتبة الأردنية فاطمة الهلالات
كايد الركيبات
(Kayed Rkibat)
الحوار المتمدن-العدد: 7548 - 2023 / 3 / 12 - 13:18
المحور:
الادب والفن
أقامت مديرية ثقافة محافظة معان في مركز الأمير الحسين بن عبدالله الثاني الثقافي فعالية احتفالية بتاريخ 1/3/2023، بمناسبة إشهار رواية "آرام" الصادرة بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، للكاتبة الروائية فاطمة محمد الهلالات. وخلال الفعالية أهدت مديرية الثقافة لكل شخص من الحضور نسخة من الرواية، وحظيت كل نسخة بتوقيع الإهداء من قبل كاتبة الرواية، والحال هذا حثني على قراءة الرواية، ومن ثم كتابة ما فاض به مداد القلم عنها. رواية "آرام" كاتبتها نشمية أردنية عانقت في صباها وشبابها أصالة ارتباط الإنسان بالمكان، وتأثرت بالإرث التاريخي الخالد الذي تركه الأدوميون ومن ورث حضارتهم من الأنباط، ومن جاء بعدهم إلى يوم الناس هذا، فجاءت صرخة الحياة من ضواحي البتراء، لتقل: أنا هنا، لتقل: أن الإبداع إلى الآن ينثر أريج عطرة من منحوتات الصخور الوردية، لتقل: أعيش معكم معشر البشر وأشعر بأحاسيسكم أين ما كنتم في كل أرجاء الدنيا، لتقل: خذوا عني هذه الرواية. وجعلت بطل روايتها شاباً في الرابعة من عقود العمر أسمته "يوسف"، وهذا الولوج للعالم الذكوري جنب الراوية استغراق توظيف الأنا في السردية الروائية، وخلصها من طغيان الحكم العاطفي الأنثوي على مجريات الأحداث التي تعايش معها بطل روايتها، والتي تمثل منعطفات الحياة الاجتماعية بمختلف جوانبها. وحتى تتمكن الراوية من تكوين صورة عامة للرواية، بنت فكرة الرواية على تدفق مستفيض من الأحلام التي تغلف حياة بطل الرواية "يوسف"، وخلقت من تفسير هذه الأحلام أدوات الطرح الموضوعي للمشاكل اليومية، وتكوين الانطباع الشخصي الذي يعبر عن فلسفة تعايش الفرد مع واقعه الاجتماعي، ومجمل ما يدور في خلده عن تصوراته للمعاناة الإنسانية، في عالم اختلت فيه معايير الحكم والتوازن. فمنذ البداية كان مولد بطل الرواية في نظر والدته نحساً عليها، لأن والده مات بعد مولده، وهذا الشعور لم تُخفِهِ الوالدة عن ولدها، وهو ما ترك في نفسه الأثر السلبي تجاه مباهج الحياة وزينتها، امتد أثره مع مراحل عمره المختلفة، حتى عندما تزوج وكون نواة الأسرة لم يستطع تحمل تراكمات المشاكل والخلافات الزوجية، ولم يكن لديه بدائل للتعامل معها، ولم يجد مخرجاً للتخلص منها إلا طلاق زوجته "سمر"، واستمرت معه عقدة فشل تجربة الزواج ما تبقى من عمره، فلم تعد فكرة الزواج تُشغل باله، وإن حرص أعز أصدقائه على تغيير قناعاته، وهنا وظفت الكاتبة فيض من أحلام "يوسف"، فمرة كان يحلم بأنه يبحث عن فردة حذائه المفقود، في مكان لا يعرفه، ومرة يرتدي ثوباً لا يناسب جسده، وأن عليه أن يخلعه، ومرة يحلم بأن مركبته تهوي به وبزوجته في منحدر، وهو عاجز عن تفادي الموقف. وآخِر ما رآه قبل فراق زوجته، أنه يسلم عليها بيد مقطوعة. ثم جاء قرار "يوسف" الخروج من قريته التي كان كل سكانها من عشيرته وأقاربه، لأنه لم يعد يجد فيها ما يدعوه للبقاء، بعد طلاقه لزوجته، ووفاة والدته، فما فائدة كثرة الأقارب والمعارف إن لم تكن تربطهم عاطفة ومحبة، لا بل إن العلاقات السائدة بينهم هي علاقات النفاق والتحاسد والبغض والظلم، فكان يتنامى في نفسه الشعور بأن يتركهم ويرحل، ولم يغب عن خلد الكاتبة أن توظف هنا ما يبرر هذا القرار ويؤكد رشده، فكان منها أن وظفت لذلك حلم رآه "يوسف" في منامه، يخبر عنه بقوله: "رأيت قريتي تغرق في ماء عميق كأنه البحر، ويعلوها الماء حتى أقصى قمم جبالها، واختفى الناس، وانمحى أثر المساكن والبيوت، ولم يبقَ غيري جالساً على قمة أحد جبالها، وبيني وبين الماء شبرين اثنين فقط"، هنا تدخلت الكاتبة من جديد فخلقت شخصية في روايتها مهمتها تفسير الحلم، كنت صاحبها بأبي قيس، فمنحته فرصة مقابلة "يوسف" في سفره، أو قل جعلت منه طيف مُتخيل يعرض في خاطر "يوسف" في ليلة سفر مرهقة، فسر حلم "يوسف" قائلاً: "لقد وقعت قريتك في الفتنة فعلاً، وما كان بينك وبين تلك الفتنة سوى ما ذكرتَ فنجوت". لم تَكُف الأحلام عن المرور بخاطر "يوسف"، ولم تتوقف تأويلاتها عند حد، لكن توقفنا عند بعضها، وتركنا منها الكثير في سياق سردية الرواية لمطالعة القارئ، لأن الراوية نوعت في تناول المواضيع الاجتماعية، وقلبت مزاج القارئ بين يأس، وأمل، وحزن، وتوقع، وكان لها أقوال أطلقتها على لسان بطل روايتها "يوسف"، عند كل صعوبة تواجهه ويفكر فيها بالانتحار، فكانت تتدخل وتشعل في نفسه فتيل مصباح الإيمان، وتطلق على لسانه القول: "ولكن ما جدوى أن تنتحر؛ لتتخلص من أوجاع عالم دنيوي مؤقت زائل فانٍ، لتلقى حساباً وجزاءً جحيمياً أبديّاً؟!". إلى جانب تعمد كاتبة الرواية تضمين الأحلام في سردية أحداث الرواية، كان لها إبهام آخر تعلق باسم الرواية "آرام" فآرام مصطلح استخدمته الكاتبة، ولم توظفه كشخصية من شخصيات الرواية، وحتى عند ذكرها في آخر الرواية لشخصية من الشخصيات باسم "آرام" لم تكن "آرام" هذه هي ذات "آرام" التي بدأت معنا الإشارة إليها من بداية سردية الرواية، وإن أكثرت الكاتبة التساؤل عن معنى مصطلح "آرام" في الرواية فلم تجب عنه بشكل صريح، وهذا يجعلنا نخلص إلى أن مصطلح "آرام" يمثل العلاقة الروحية بين الكاتبة وبين روايتها، وأنه يمثل حالة من حالات الحضور غير المباشر للكاتبة في الرواية. وتضمنت الرواية عبارات جميلة للكاتبة تروح حِكماً إن شئت قل، أو قل إن شئت تدخلات فلسفية تضفي رمزية المعاني على الأحداث، منها: "إن كنت مؤمناً بحلمك فاتبعهُ أينما كان"، ويبدُ أن هذه العبارة لها خصوصية عند الكاتبة، فقد كانت واحدة من ثلاث جمل قصيرة مثلت مقدمة الرواية، وكانت تستهل بها إهداء الرواية لمن طلب توقيعها على نسخته. ومن أقوالها: "اختر لكسرك صمتاً يليق به" (ص:46)، ومع اختلاف المناسبة، فإن قولها هذا يذكرنا بقول الشاعر العراقي محمد الجواهري: وحين تَطغَى على الحرّان جمرتهُ --- فالصمتُ أفضلُ ما يُطوى عليه فمُ ومن أقوالها: "الأرض جميلة طاهرة، فإن لم تزينها بجمال خلقك، فلا تحكِ عن حبها، وأنتَ تلوثُ جمالها بقبحك" (ص:59). ولها القول: "وأما ما في قلبكَ فاتركه في قلبك، سيحتويه معك قبرك" (ص:110). وتقول: "... أكنّا لولا الأحلام حيينا؟!" (ص:131). وتقول: "امض مطمئناً بنقاء سريرتك، خيرٌ لك من أن تتلفت حولك خوفاً من تربص الذئاب" (ص: 152). وتقول: "كم هو مُحزن أن تنظر إلى حذاءك؛ لئلّا تفضح عيناك ما جَنتْ يداك..." (ص: 171). لا أبالغ إن وصفت الرواية بالجميلة الممتعة، فمع انسياح الأفكار وشرودها وأنت تقرأ الرواية، توقفك دِقة التوصيف، وتكامل الصورة المتخيلة للحدث، مع استذكار كل حلم يرويه بطل الرواية، وتجد له الكاتبة مَدخلاً مُحكماً لاستكمال سياق الرواية، نعم تتعدد تأويلات ومفاهيم قراءة الرواية، وتُؤخذ مضامينها بتفاسير شتى، حسب ميول القارئ، لكن سعة المواضيع التي سردتها الكاتبة في روايتها تجعل مشارب القراء ــ على كل حال ــ تصدر مرتوية، بعد أن وردت ظامئة.
#كايد_الركيبات (هاشتاغ)
Kayed_Rkibat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حق التعبير عن الرأي
-
في الذكرى المئوية لمعركة ميسلون
-
لماذا لا نتعلم من نقابة المعلمين
-
المعرفة قبل الاعتراض على قانون الضريبة
-
السيف والنار في السودان
-
قراءة في العلاقات الثنائية الأردنية السعودية
-
فرصة الإصلاح الضائعة
-
أسرار داعش
-
الصراع الخليجي في الدول العربية المحترقة
-
الحكومة المصرية الجديدة
-
ضربة عسكرية لسوريا
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|