أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - خريف عدن . . واخيلة شبحية تذهب للمحو / نص قصصي - مارس 10- 2023














المزيد.....

خريف عدن . . واخيلة شبحية تذهب للمحو / نص قصصي - مارس 10- 2023


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 7548 - 2023 / 3 / 12 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


ما أن يحل الخريف على مدينة عدن ، افقد بوصلة ايقاع يومي الرتيب خلال بقية الزمن من كل عام – نعم لا تنكشف فصول السنة هنا كغيرها من البلدان . . سوى ما نعلمه بانقسام العام الواحد الى نصفين مناخيين ، ستة اشهر حرا والاخرى باردة – إلا أن من عاش منا في بلد تلونه الفصول الاربعة . . يعي تماما من منتصف شهر اكتوبر تسيد لهبوب الرياح الباردة ليلا والمشبعة برطوبة الهواء برائحة مياه الخليج المالح – قد يمكنك الجلوس شتاء وقتها عاري الصدر على شرفتك المطلة على الشارع العام واضواء اعمدة النور تشكل لوحة مسائية خلابة ، خاصة وتكون السماء صافية وغزوه بالنجوم المتلألئة بتزاحم مهيب وتسلل اعداد مجنونة من الكواكب الشاحبة متناهية الحجم . . بينها – إلا انك مع صفير رياح الخريف ليلا تشعر بوخز البرودة تخترق عظمك رغم ارتدائك لكامل ملبسك – احساس جسدي لارتعاد اوصالك . . لا تشعر به في وقت اخر من العام ، حتى عند قعودك مبللا بمياه غسلتك دون تنشيف جسدك . . داخل غرفتك المغلقة احتفاظا بتبريد مكيف الهواء الى اقصى درجته . . .
لم تدرك شيئا وقتها ، لكنك علمت لاحقا بعد مرور زمن بعيد . . حين تحضر إليك مجزءات من الذاكرة – كثير ما كان منها عالم عدن لعمر طفولتك وجزء من شبابك ، وحتى في ترحلك بعيدا عنها لعقود غير قليلة ، كانت ظلالها تصاحب روحك وتغلف عوالمك الاخرى التي تعيشها . . لتجدها بعد سنين قد اصبحت نسيجا من تراكم اخر من الذاكرة ، لكنها حين تأتيك لا تكون إلا مضمخة بمخيلات شبحية ومسيجة بروابط شبه مخفية لذكرياتك القديمة لمدينة الخليج اليمني . . .
كان يرتبك نظام حياتك لشهرين من كل عام ، خصوصا من بعد الخامسة والنصف عصرا – لم تعد تجرك قدماك الى اماكن اللقاء بالأصدقاء . . كما اعتدت عليه ، مغيرا المكان والصحبة كل بضعة ايام ، تارة في الشيخ عثمان واخرى في المعلا او التواهي واحيانا في كريتر – غالبا ما كان يأسر لقاءكم السير دون تخطيط بتجاذب الاحاديث التي لا تنتهي ، لتجدون انفسكم جالسين على التراب في منطقة عارية بعيدا عن المعمورة ، فضاء متكامل يحيط بكم بضوء قمري شاحب ، تظهر السماء متصلة بالأرض من مختلف الجهات ، وحين ينقاد ليلا زمرة الاصدقاء هروبا من عالم البشر الى المملاح او شط من شواطئ البحر ، وتجدون انفسكم متموضعين على صخور وصوت تكسر الموج يحيط بكم . . لا عقة اوجهكم واقدامكم العارية بعد خلع الاحذية والجوارب عنها ، لا يجد المرء حدا فاصلا بين الفضاء وصفحة المياه واليابسة – كما لو انك ومن معك تعيشون وقتا من الطفو في اللا مكان – يعبر الوقت وكالأطفال لا تحسون به و . . الاحاديث لا تنته ، لتفاجأوا بانبثاق ضوء الفجر . . تجرجرون اقدامكم بتثاقل الانهاك على اجسادكم . . عودة للنوم لبضع ساعات بعدها – لا اعرف سر دورة فصل الخريف علي ، اجدني اسيرا كمسحور لوحدتي ، حتى عند غيابي لايام عن اصدقاء يتصلون عن سبب انقطاعي ، كنت اتهرب بأعذار واهية و . . كثيرا ما كنت لا ارد عليهم او اتجنب الالتقاء بأي منهم خلال النهار – كنت اجدني بعد المرور لشراء مشروبي الخاص و . . الوقت يشير اقترابا من الدخول في الثامنة ليلا او ما بعدها قليلا ، إذا بي جالسا على صخرة اسفل قلعة صيرة من جانبها الخلفي بعيدا عن البشر ومياه البحر تحيط بي من اتجاهات ثلاث ، واحيانا التجئ لمساحة خالية من ساحل ابين – كانت نسمات البحر الباردة تسكرني مثقلة رأسي ، وإذا بجسدي يتلاشى الشعور به ، لأجدني اسير حالة عشق – في ماذا . . لا أدري ، تارة تتهيج عواطفي فينذرف الدمع بصمت دون توقف و . . إذا بنفسي تغادرها كل الالام ومنغصات الحزن واوجاع الجسد – شعور بنفسي لا أذكر مثيلا له غير زمن طفولتي – ينفتح العالم والكون بهيجا دون تعليل او ادراك ما – واخرى كلما ارتشفت ريقا يتفتح ذهني منتشيا . . حتى يتلاشى وجودي في المكان ، مذابا عبره باتساع متدفق في الكون و . . في اغواره غير المنظورة – كان الميني كاسيت وسماعة الاذن يغادران ركنهما المنسي طوال العام – افتح موسيقى رومانسية واحيانا سمفونية . . وفق حالتي التي اصل فيها الى موضع جلوسي – وقت يسير وفعل سحر النسمات البحرية الباردة و . . السكون عدى صور ايقاعات تكسر موجات البحر القريبة مني وتلك المتناوبة ابتعادا عن الشاطئ . . تنزعني مني . . لأتحرك تكوينا غير مرئيا خلال المسار الصوري للموسيقى . . حتى اتلاشى لأكون ظلا داخل اصوات الموسيقى واتحرك منسابا بانسياب مساراتها – لا استفيق إلا بقاطع شعور نعاس ثقيل يدب في نفسي مثقلا على عيني ، اشطف وجهي بقليل من الماء من القنينة او ماء البحر ، انظر في ساعتي ، كان توقيتها غالبا ما يشير الى ما بعد منتصف الليل بساعتين او اكثر – اقف محركا اذرعي وقدماي لتنشيط الدورة الدموية ل . . لطرد الشعور بالنوم ، انطرح على سريري واذهب في نوم لم اذق مثله قبلا – شهران ونصف على ذات المنوال واعتزال العالم ليلا – كم هي لذيذة الحياة وقتها ، مذاق وتمتع لا حدود لهما ، لا يضاهي ذلك الشعور . . حتى بقيد شعرة شعور التملك والثروة والليالي المجنونة من العشق او ممارسة الجنس . . .

تقودني اشواقي – بعد ثلاثة عقود - للعودة في ذات الموسم من كل عام الى عدن – الرياح الباردة ليلا المحملة بنسمات مياه البحر لم تزل كما هي تحس بها ، لكنها اصبحت فاقدة لأثر سحرها عليك – حاولت مرارا تقمص حالتك القديمة ، وحاولت كل الطرق والوسائل ل . . لتذوق ما كنت قد تعودت عليه من قبل ، حتى تصنعت السقوط في السكر – لا شيء يحضرك ، حتى دفء ما تحمله كل تلك الذكريات القديمة . . انمحت – تحث نفسك ، تعاصر دماغك لإفلات ولو شيئا من الذاكرة تستأنس بها وتشبع الحنين فيك – لا شيء . . سوى شعورك بالحزن و . . الضياع لفقدان جنة الارض طبيعتها و . . حتى انها اصبحت ما حية للذاكرة .



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيف انسان عابر / نص قصصي
- يرتحلون في الذاكرة / نص قصصي
- تمزقات ليلية . . للروح
- خارطة الطريق لإنهاء الاحتراب وتفكيك الأزمة اليمنية / الجزء ا ...
- الجزء الرابع عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من ...
- ديار لم تعد ديارا
- يقدم رمضان . . في ظل نخاسة دائمة
- خارطة الطريق لإنهاء الاحتراب وتفكيك الأزمة اليمنية ...
- لتقدمين . . قبل جرف العاصفة / نص شعري مباغت للحظة
- خارطة الطريق لإنهاء الاحتراب وتفكيك الأزمة اليمنية الجزء ال ...
- قدر . . يماحكك الوجود
- ابجديات يمنية معاصرة / في التفكير والكتابة - من كتابي 2020 ج ...
- 4 / من الداخل اليمني . . لسعودية بن سلمان الرسالة (الثالثة ...
- 3 / من الداخل اليمني . . لسعودية بن سلمان الرسالة (الثالثة ...
- 2/ من الداخل اليمني . . لسعودية بن سلمان خارطة الطريق لإن ...
- من الداخل اليمني . . لسعودية ابن سلمان ( الرسال ...
- من الداخل اليمني . . لسعودية ابن سلمان ( الرسالة الثان ...
- الجزء الثالث عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعم ...
- رسالة يمني . . لسعودية بن سلمان
- غفران . . في الجحيم قصيدة / 11فبراير2023


المزيد.....




- -الجوكر جنون مشترك- مغامرة سينمائية جريئة غارقة في الفوضى
- عالم اجتماع برتبة عسكري.. كيف تشرّع القتل بصياغة أكاديمية؟
- -لوكاندة بير الوطاويط-.. محمد رمضان يعلن عن تعاون سينمائي مع ...
- العرض الأول لفيلم -Rust- بعد 3 سنوات من مقتل مديرة تصويره ها ...
- معرض -الرياض تقرأ- بكل لغات العالم
- فنانة روسية مقيمة في الإمارات تحقق إنجازات عالمية في الأوبرا ...
- جنيف.. قطع أثرية من غزة في معرض فني
- مسرحية -عن بعد..- وسؤال التجريب في المسرح المغربي
- كاتبة هندية تشدد على أهمية جائزة -ليف تولستوي- الدولية للسلا ...
- الملك الفرنسي يستنجد بالسلطان العثماني سليمان القانوني فما ا ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - خريف عدن . . واخيلة شبحية تذهب للمحو / نص قصصي - مارس 10- 2023