أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - ما أشبه اليوم بالبارحة















المزيد.....

ما أشبه اليوم بالبارحة


علي الجلولي

الحوار المتمدن-العدد: 7547 - 2023 / 3 / 11 - 22:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تتعقد الأوضاع وتتداخل الأوراق، وفيما يتطلب التعاطي السليم قدرا مهما من العقلانية والشجاعة والوضوح، تتجه الانتهازية بشتى تعبيراتها وفي مختلف المجالات إلى حرف النظر وتلويث الجدل السليم بما يشكل مساعدة لا على الفهم بل على السطحية والجبن في إرباك مقصود لا قصد له سوى إضعاف الموقف الثوري وتزيين المقاربات الانتهازية التي لا هدف لها سوى بث الوهم لتسهيل تمرير المصالح الفئوية والشخصية التي كثيرا ما كانت تقود أوساط الانتهازيين.

لقد بيّنت الحملة السياسية/الإعلامية الأخيرة والتي استهدفت حزب العمال وأمينه العام تحديدا، وهي في الحقيقة حملة متواصلة منذ عقود ولم تهفت يوما في استهداف الفكر والمواقف الثورية التي ظلت على الدوام ومهما اختلف الزمان أو المكان، خاصية من خصائص الصراع الطبقي والسياسي. لقد كشفت هذه الحملة التي تقودها الأذرع الدعائية الشعبوية وتنخرط فيها عن وعي وغيره أوساط من الانتهازيين بمن فيهم سليلي بعض تعبيرات “اليسار” الذي وضع نفسه على ذمة السلطان كما تعوّد ذلك، كشفت عن خلط ولو أنّ غالبه مقصود، وعن قصور في التمثل والتفكير والوعي.

إنّ ما تعيشه بلادنا اليوم ليس مستجدا، فالانقلاب ليس الأول في تاريخ البلد فقد قام بن علي بانقلاب أبيض من داخل المنظومة الحاكمة على وليّ نعمته، ولم يجد في معارضته إلا القوى المبدئية فيما تهافتت أغلب القوى السياسية والاجتماعية والمدنية على مساندته، هذه المساندة التي رافقته إلى يوم رحيله الذي كان المطلب الأساسي لثورة الشعب. لقد ساندت هذه القوى بن علي لأنه “خلّص البلاد من الفساد والاستبداد والرئاسة مدى الحياة”. وبعد أن رتّب بيته الداخلي صلب الطبقة والأجهزة والحزب، نظم الهجوم الواسع على كل خصومه لفرض صمت القبور، وطبعا كانت الانتهازية في الموعد مقدمة جليل الخدمات، فانبرى صحافيون وسياسيون ونقابيون ومثقفون ونشطاء من كل حدب وصوب للانخراط في جوقة الدعاية والتحريض متزامنة مع الهجوم السافر على الحريات، وقد كانت الحجج يومها أنّ الخوانجية أعداء الحرية وخطر ومتطرفون وإرهابيون..، لذلك لا مشكل في قمعهم وتعذيبهم وإصدار أحكام ثقيلة بالسجن، وحين طالت عصا القمع مناضلات حزب العمال ومناضليه، انبرت نفس الجوقة لتكرير نفس التعلات، فهؤلاء أيضا متطرفون، ولعل البعض يتذكر خطاب السلطة طيلة تسعينات القرن المنصرف بكون “بن علي يتصدى للتطرف مهما كان مأتاه”. ولعل البعض يتذكر جيدا انخراط عديد القوى في النظرية الانتهازية التي تقول أنّ المطلوب التصدي للفاشية الصاعدة ممثلة في الخوانجية أساسا باعتبارهم أخطر من الفاشية النازلة ممثلة في نظام بن علي. لقد وجدت هذه المقاربة الانتهازية روادا في أوساط الانتهازيين منذ أوساط التسعينات حين كان بن علي ونظامه في أوج قوتهما مسنودين بتواطؤ أغلب القوى محليا ومساندة أهم القوى خارجيا.

لقد كنا من القوى القليلة، وهذا نقوله للتوثيق والتذكير لا للتفاخر، التي صاغت الفهم الثوري السليم والمبدئي للتناقضات الاجتماعية والسياسية التي تشق البلاد وما يترتب عن ذلك من ضبط للأولويات، ولن نأتي بجديد حين نقول إنّ ذلك هو ما يرسم خطوط الفصل بين الموقف الثوري والمواقف الإصلاحية والانتهازية والطفولية. وكما هو طبيعي تتحدد العلاقات السياسية تأسيسا على ذلك، لقد انبنت تجربتنا السياسية طيلة عقود على المبدئية والجرأة والشجاعة، ولم نهادن حاكما ولم نوجه سهامنا في غير محلها، وحين توفرت الحرية السياسية التي اعتقدنا منذ تأسيس الحزب أنها المدخل المحوري وأحد العناوين الأساسية لنضال شعبنا من أجل تحرير إرادته ووعيه وتنظمه، فيما كان يراها البعض تشويها للنضال الحقيقي خوفا من التصادم مع السلطة الحاكمة التي رفضوا لعقود توصيفها بالفاشية والدكتاتورية، حين توفرت الحرية التي لم يناضل العديد من أجلها انبرى البعض إلى الاعتراف بكوننا كنا على حق لكن دون الجرأة على استكمال التقييم النزيه بالاعتراف بخطأ موقف المهادنة. لقد انخرطنا في مقاربة أنّ الثورة تقبر ما قبلها والمهم هو الاستعداد للتجاوز، لكن هاهي الأصوات تنعق من جديد فرادى وجماعات من أجل جرنا إلى الانتهازية وإلى مهادنة منظومة الحكم وإلى خلط الأوراق لتمرير أسوأ المواقف وأكثرها ضررا على شعبنا الذي يتعرض لمغالطة كبرى تتمثل في كون ما جرى يوم 25 جويلية 2021 هو تصحيح للمسار الثوري، وهو حركة تصحيحية استهدفت حركة النهضة الظلامية والإرهابية والفاسدة، لذلك فإنّ الموقف السليم يقتضي مساندة هذه الحركة ورأسها والإجراءات التي تم اتخاذها. نحن نرى أنّ التاريخ يعيد نفسه في شكل مهزلة، فبعض القوى والأوساط هي ذاتها التي قامت بنفس الدور بداية التسعينات وانضمت لها جوقات أخرى من المرتزقة والمضللين، وقد وصل الأمر حدّ انخراط بعض مدّعي الانتساب إلى اليسار في دعم الانقلاب وتوجهاته رغم كونها تواصل نفس الخيارات الطبقية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعمقة للتبعية والتفقير والتهميش والتطبيع…

نفس خيارات دولة الاستعمار الجديد وهي خيارات لا وطنية ولا شعبية، والانقلاب قاده جزء من المنظومة ضد جزء آخر، وهما من نفس الطبيعة الطبقية والسياسية والفكرية، فسعيد لا يقلّ يمينية وظلامية ومحافظة على حركة النهضة وائتلاف الكرامة، وهو إضافة إلى ذلك معادي للحركة النقابية والمدنية، ومجمل الوسائط وعلى رأسها الأحزاب التي اعتبر أنّ عهدها ولّى ومضى، وهو معادي للمساواة بين الجنسين ، ونظامه يقمع الحريات ويتابع المدونين والنشطاء ويلفق القضايا من خلال قضاء التعليمات وأمن التعليمات. وهو لا يفتح القضايا والملفات الحارقة والمهمة التي تهم المحاسبة والمسائلة مثل قضايا الاغتيالات والأجهزة الموازية والتسفير والفساد واستغلال النفوذ…، فلماذا يطالبنا “أصدقاؤنا” بمساندته ودعمه؟

طبعا لن ندخل المستنقع، ولن نرتبك في ضبط التناقضات المركزي منها والأساسي، لقد صغنا الشعار المكثف لكل ذلك في شعار ” لا شعبوية لا دساترة لا خوانجية”، وإذا كان التناقض الرئيسي الآن هو مع الشعبوية باعتبارها على رأس الحكم وفي قلب المنظومة وتقود الدولة، فإنّ التناقض الأساسي هو مع جناحي منظومة الهيمنة الطبقية والسياسية والإيديولوجية التي قادت الدولة قبل 25 جويلية وقبل 14 جانفي أي “الدساترة والخوانجية”، والترتيب بينهما طبعا تمّ لدواعي تتعلق بالوزن الموسيقي لا غير. إنّ هذه القراءة الماركسية اللينينية للتناقضات وللأولويات هي القراءة الأكثر تماسكا وجرأة وشجاعة، هي قراءة حرة ومتحررة من كل تبعية لأيّ كان من أقطاب الرجعية الجاثمة أو المتربصة. أما من يريدون جرّنا إلى النظرية السخيفة التي اعتنقتها كل الجوقات الانتهازية هو منذ غابر الأزمان أنّ “البهيم المربوط أخطر من البهيم المسيّب”، فهذا منطق لن نتجرعه كلفنا ذلك ما كلفنا، فكلا الحمارين خطير وأخطرهما هو “المسيب” الذي يأكل الزرع، كل الزرع.



#علي_الجلولي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمر البيئة والمناخ في مصر: الرأسمالية وحدها مسؤولة على تمد ...
- -مهسا ايميني- تتحول إلى أيقونة وحرائر إيران تصنعن التاريخ
- استفتاء بأي أهداف ودستور بأي مضامين؟ أو في تهافت حجج الداعمي ...
- دستور سعيد من التضليل إلى التلاعب: انه العبث يا مولاي..
- معركة الدستور تتواصل ضد كل شقوق الثورة المضادة.
- دستور 30جوان: كسوة جاهزة على قياس سيدنا الرئيس
- الشعبوية وضياع بوصلة بعض النخب
- سعيّد يدفع البلاد دفعا نحو الأسوأ
- أفكار حول ظاهرة العنف صلب المؤسسة التربوية وضدها.
- الثورة والثورة المضادة في السودان وتونس: نقاط التقاطع، نقاط ...
- المؤتمر الاستثنائي استحقاق للتّموقع والفساد
- صراع أجنحة المنظومة: ماذا عن قيس سعيّد؟
- الصّراع السياسي في تونس: الأقنعة الزائفة
- المهمّشون يدافعون عن أنفسهم والخدم يدافعون عن السّلطان
- بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام: لماذا نناهض عقو ...
- من أجل تثبيت يوم 8 ماي يوما وطنيّا لمناهضة التّعذيب
- “أزمة الكورونا” وبشاعة الرأسمالية
- هل نحن متساوون أمام الكرونا؟
- أفكار حول التطبيع، والتطبيع الرياضي مع العدو الصهيوني
- الجزائر:الشعب يصرّ على التّغيير


المزيد.....




- آلاف المسلمين يؤدون صلاة عيد الفطر في ساحات لشبونة
- كاراكاس: نواصل التعاقد مع شركات الطاقة رغم الضغوط الأمريكية ...
- صلاة العيد في قصر الشعب بدمشق لأول مرة في تاريخ سوريا الحديث ...
- الأشخاص الأكثر عرضة للجلطات أثناء السفر بالطائرات
- Acer تتحدى آبل بحاسب مميز
- جيمس ويب يرصد ضوءا -مستحيلا- من فجر التاريخ
- تحديد خلايا جديدة في العين قد تفتح آفاقا لعلاج العمى
- تحديات جوهرية تواجه تطور الذكاء الاصطناعي
- في غضون عامين يمكن لترامب أن يدير ظهره لروسيا
- الجيش الأوكراني يستعد لعدوان


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - ما أشبه اليوم بالبارحة