|
الكارثة المائية التي يمر بها العراق
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 7546 - 2023 / 3 / 10 - 00:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لو قلت ان الكارثة المائية التي نعيشها ـــ مسؤول عنها الحكومات العراقية وبخاصة 35 عام من الحكم الدكتاتوري ثم حكام المحاصصة والتبعية لقاء البعض محتجاً معارضاً لقولي، وهو يسمع ويشاهد ما تفعله إيران وتركيا بالعراق خلال السنين الحالية ، قد اتفق معهم وانا مثلهم اتابع اتساع وعمق الكارثة المائية، لكن أذكر مُصراً " لو " أن الحكام او الحكومات العراقية كانوا يتحملون المسؤولية الوطنية تجاه معضلة المياه والجفاف مستقبلاً بحق لقاموا بالتحرك المطلوب وهو العمل من اجل درء الكارثة فيما يخص تنظيم الخطط والأساليب لبناء السدود والمجمعات المائية واهتموا بالحفاظ على مياه النهرين دجلة والفرات التي كنت تذهب للبحر بشكل مباشر ولم تستفد البلاد ولا الشعب العراقي منها، أما الأسباب الأخرى فهي بفعل خارجي كان من الممكن إيقافه عن طريق المفاوضات المباشرة واشراك الأمم المتحدة كضغط عالمي ، حتى لوكان الأمر يحتاج الى القوة مثلما فعلت وتفعل الدول التي كانت شعوبها مهددة بالعطش والفناء واراضيها بالجفاف المميت! كانت البلاد ما بين النهرين اسم معروف في التاريخ أطلق على العراق لوجود نهرين كبيرين هما دجلة والفرات ولقب العراق بارض السواد لكثرة أراضيه الزراعية وبساتينه واشجاره، ثم ما يمتلكه من اهوار وانهار وروافد ومنابع وعيون مائية ، وخلال مئات السنين وبلاد ما بين النهرين تعيش الرخاء المائي بوفرة المياه وعلى مر الدهور لم يبادر الى ذهن الكثيرون أن هذه البلاد ستتعرض للجفاف بدءً من جفاف انهارها وروافدها لا بسبب الطبيعة او تبدلات مناخية بل بسبب ما تقوم بها دول الجوار ، الجاران المسلمان إيران وتركيا اللذان تساهمان في هذه الكارثة عن طريق تجفيف انهاره وروافده، هذا التوجه العدائي عبارة عن سياسة ممنهجة لتجفيف البلاد وتدمير زراعته وحياته البشرية ضمن مخطط هدفه الهيمنة والسيطرة على موارده ، فتركيا ولا حاجة لإطالة الحديث عما قامت به من إنشاء السدود على نهري دجلة والفرات دون التشاور مع العراق، هذه السدود الضخمة التي تحبس حصة العراق المائية وعلى الرغم من المناشدات واللقاءات والمباحثات إلا أن تركيا ماضية في حبس المياه بينما في الجانب الثاني هي تجني فوائد جمة تدعم اقتصادها حيث تصدر للعراق ما قيمته مليارات الدولارات من بضائع مختلفة، اما إيران ماضية في غيها في حبس المياه وحسب احصائيات رسمية فقد بنت من السدود ث وقطعت حسب تصريح اللواء الركن جمال الحلبوسي " ايران قطعت 42 نهرا عن العراق" وفي مقدمتها، نهر الزاب الصغير، نهر الوند ، نهر كارون، نهر كرخه يصب في هور الحويزة، نهر دوبريج، نهر الطيب، نهر كنجان ، نهر وادي كنكير وغيرها من الأنهار والجداول ...الخ في الوقت نفسه تستفيد من تصدير بضائعها وغازها بمليارات الدولارات بينما يعاني المواطن العراقي من سياسة الإرهاب المائي الذي يهدد الملايين من الشعب العراقي ويدمر زراعته ويجفف أراضيه ،وفي هذا الصدد أشار مهدي الحمداني وزير الموارد المائية ان "إيران حولت جميع الروافد عن شط العرب وانشأت سدة دون الأخذ بمصالح العراق " وقد حذر الحمداني " ان انخفاضا كبيراً في الايرادات المائية تعانيه البلاد بسبب قطع ايران كميات كبيرة من التدفقات " المائية. في المحصلة نجد أن سياسة تركيا الحالية في قضية حصة الموارد المائية للعراق سببت الى كوارث غير مسبوقة في قضية المياه والانخفاض الملحوظ في نهري دجلة والفرات مما أثر بشكل مباشر على الحياة البشرية وقضايا الري والمحاصيل والبساتين الزراعية، أما تصرفات حكام إيران فقد ساهمت ايضاً في انخفاض الامدادات المائية وهي تسببت ايضاً في الاضرار التي لحقت في الوسط وجنوب البلاد. اليوم والعراق يعيش أزمة شحة المياه لأسباب عديدة منها انخفاض هطول الامطار وإهمال الحكومات العراقية المتتابعة وسوء الادارة وشبح جفاف نهري دجلة والفرات بسبب السياسة المائية لدول المنبع ثم ارتفاع درجات الحرارة وغلق بعض الانهر في الاقليم بسبب بناء السدود الكبيرة من قبل تركيا وباقي الروافد من قبل إيران اصبحت بلاد الرافدين على حافة كارثة انسانية واسعة كما أنها أدت الى التصحر في مناطق عديدة، إضافة وبسبب ما ذكرناه فقد انخفض انتاج المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية . مشكلة الجفاف بشكل عام مشكلة تعاني منها العديد من الدول وبخاصة الدول التي تفتقر الى الانهار والجداول وقلة الامطار وغيرها من العوامل الطبيعية ، إلا أن العراق بلد المياه والانهار والاهوار لا يصطف مع الدول المشار اليها إلا أن كارثة الجفاف لاحت في الافق منذ سنين ولهذا الجفاف اسباب ذكرناها وبدأت تلوح مأساة المدن والقرى والارياف المطلة على نهر دجلة ونهر الفرات إضافة الى انهار اخرى وساهمت مثلما أشرنا ايران وتركياً في زيادة الاوضاع سوءً وعليه من الضروري ان لا تكتفي الحكومة العراقية بعقد لقاءات واجتماعات مع هاتين الدولتين بدون اي تراجعات ووضع مصلحة البلاد والشعب العراقي فوق أي اعتبار ووضع النقاط على الحروف بالحديث عن لب المشكلة وكيف يمكن علاجها وفق طرق عملية وخطط ثابتة واتفاقيات جديدة تلزم ايران وتركيا بالالتزام وعدم الاستيلاء على الحصص المائية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والاقليمية، ولقد أشارت وسائل الإعلام عن وجود لقاءات تفاوضية مع تركيا وكلف وزير الدفاع العراقي ثابت محمد سعيد العباسي برئاسة الوفد المكلف بالتفاوض مع الجانب التركي ولعل هذه اللقاءات تبشر بالخير للوصول الى حلول صحيحة تحفظ حقوق العراق في إطلاق زيادات من المياه وأشار الوزير ثابت محمد سعيد العباسي في حديث مع جريدة الحزب الشيوعي "طريق الشعب انه " سيكون هناك استجابة من الجانب التركي، وحتى الايراني والسوري، كون البيئة السياسية والاقتصادية الحالية، داخل هذه الدول مهيئة للتفاوض". أن التفاوض مع ايران وتركيا خطوة صحيحة لكن يجب أن تكون للمفاوضات معايير واضحة ومدروسة وأن لا تمر وكأنها مفاوضات شكلية ومجاملة على حساب الحقوق المائية المشروعة للشعب العراقي برمته لأن المياه قضية موت أو حياة ومن المسلمات الثابتة التي تخص الحياة بكل أنواعها في العراق، وأن تعتمد على أسس الحقائق وليس لمجرد العتاب أو روتينية المطالب ضمن الاستجداء مما يدفع الجانبين الإيراني والتركي على التعنت واستغلال ضعف الوفد العراقي أو ضعف الحكومة العراقية وبالتالي استغلال هذا الضعف وفرض اتفاقيات لا تعبر عن مصالح البلاد ولا عن مصالح الشعب العراقي، وليس هذا من نسج الخيال فنحن على علم بما تقوم به إيران من ضغوط لرضوخ الجانب العراقي . وعدم الاعتراض على تجاوزات إيران على حصة العراق بينما الحكومة العراقية تصمت صمت القبور بما تقوم من سلوك مكشوف لسرقة المياه " عينك عينك يا تاجر" وتتصرف وكأن البلاد تحت سيطرتها وتابعة لها بفضل الأحزاب والتنظيمات والميلشيات الشيعية التابعة لها، وقد لا تختلف ما تقوم به تركيا من ابتزاز وتجاوز على حصة العراق فهي تستخدم ورقة PKK والعنصرية التركية بقضية دعواها حقها في الموصل وكركوك، وكذلك استخدام سياسة حجب أو قطع مياه دجلة والفرات من قبل السدود التي اقامتها على منابع النهرين وهي مصرة على السياسة العدوانية على الرغم من المناشدات الخجلة التي قامت بها البعض من الحكومات في الوقت الراهن . ان الأوضاع التي يمر بها شعب العراق تكاد أن تكون كارثية مدمرة وتحتاج إلى جهد مضاعف لمعالجة كارثة المياه والجفاف وعلى الحكومة العراقية أن تتعامل مع إيران كجارة تربطها مصالح مشتركة وليس كتابع لها بسبب الفكر الطائفي وعليها تغليب مصالح البلاد وعدم التلاعب والخضوع فالسنين السابقة دلت على أن أكثرية القوى المتنفذة بما فيها الميليشيات الطائفية المسلحة لم تنبس إلا خجلاً في بعض الأحيان ولم تطالب علناً وبقوة للكف عن تدمير البلاد بحبس أو السيطرة على حصة المياه ، كما يجب التحرك بقوة دون تأخير أو مرونة زائدة مع تركيا والمكالبة بإنهاء وجود القواعد العسكرية التركية وعدم السماح بما تقوم به من تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية، أما مشكلة حزب العمال التركي فيجب أن تحلها على الأراضي التركية وليس استغلال الأراضي في الإقليم ثم يجب إيقاف حبس حصة العراق المائية المنصوص عليها في كافة القوانين الدولية والإقليمية والمعارف الإنسانية. إيقاف الكارثة على الأقل في هذه المرحلة واجب وطني تتحمل الحكومة والقوى المتنفذة مسؤولية ايقافها عن طريق الموقف الحازم تجاه إيران وكذلك تركيا.
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات النيابية المبكرة في ظل قانون سانت ليغو المعمول به
-
الحرب الروسية الأوكرانية تهديد للسلم والسلام العالمي
-
إلى متى تستمر جريمة المحاصصة الطائفية والحزبية في العراق ؟
-
تداعيات الأوضاع السياسية والاقتصادية في إيران
-
بغداد ارجوزة النشيج
-
القضاء العراقي والفساد والكيل بمكيالين
-
الحكومة العراقية الجديدة والانتخابات المبكرة القادمة
-
الانتفاضة الشعبية والاعتداءات الإيرانية
-
النساء والحقوق المهضومة والتضحيات الجسام
-
مخاض سنة لولادة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والحكومة
-
هل يكفي هيئة النزاهة الاتحادية إحالة العديد من الفاسدين للقض
...
-
الحرب العالمية الثالثة المصغرة قد تبدأ من أوكرانيا
-
جريمة الاعتداءات الإيرانية على كردستان العراق
-
نص ــــ التلاشي والخلق
-
المظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية تتواصل في إيران
-
دور الطائفية في العراق تهديد للسلم الاجتماعي
-
تداعيات علة الفقر وتعاطي المخدرات وظاهرة الانتحار
-
الانفجار والسلاح المنفلت الذي كان البداية في المنطقة الخضراء
-
احتقان السياسي واحتمالات الحرب الاهلية
-
تداعيات حل مجلس النواب المنحل اصلاً والذهاب للانتخابات المبك
...
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|