أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله مزرعاني - واشنطن... لمحات من مسار الهيمنة!















المزيد.....


واشنطن... لمحات من مسار الهيمنة!


سعد الله مزرعاني

الحوار المتمدن-العدد: 7541 - 2023 / 3 / 5 - 09:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



كان يُصنّف هذا العنوان في مرحلة «الحرب الباردة» (1945-1990) على أنه ذو طابع «إيديولوجي»، أي أنه مستند إلى انحياز مسبق يستلهم العقيدة لا الموضوعية. إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، سارع مفكرون (منظِّرون) بورجوازيون إلى إصدار «فتوى» ببلوغ التاريخ «نهاية» مساره (فوكوياما): كان ذلك يعني، في ما يعني، إضفاء صفة مخادعة، تقدمية وحضارية وإنسانية على النظام الرأسمالي، بوصفه محرّكاً لتقدم البشرية الشامل، أي بوصفه نظام حرية «طبيعياً» لا إكراه فيه ولا قمع.

في مجرى توطُّدها كنمط إنتاج عالمي، مرّت الرأسمالية المنتصرة على النظام الإقطاعي، منذ أواسط القرن الـ16، بمراحل وتحولات جوهرية. لقد تمكنت من إرساء الدول القومية ولا سيما في أوروبا. وهي بادرت إلى فصل الدين عن الدولة. ثمّ أطلقت لاحقاً مسار الصراع مع الإمبراطوريات القديمة وقضت عليها، وورثت مستعمراتها في الحرب العالمية الأولى. انتقل التنافس الضاري مُطعّماً بنكهة قومية شوفينية وعنصرية، إلى طور لاحق قاد إلى نشوب الحرب العالمية الثانية لإعادة اقتسام الأسواق والمواد الأولية بزعامة ألمانيا النازية. أضعفت الحرب الضواري الرأسمالية، وهُزمت النازية شر هزيمة. تكرّس في السياق، بالبطولات والتضحيات الهائلة، انبثاق وحضور الاتحاد السوفياتي ومنظومته قطباً ولاعباً دولياً جديداً. برزت، بالمقابل، قوة مهمة كانت تتحفَّز وتتربّص، هي الولايات المتحدة الأميركية التي خرجت من الحرب العالمية الثانية بأقل الخسائر وأعظم الأرباح!


باشرت واشنطن دخولها المسرح الدولي (بعد مرحلة حياد شكلي ومخادع)، على أوسع نطاق، عبر سياسة العصا (قنبلتا هيروشيما وناكازاكي غير الضروريتين)، والجزرة، عبر (مشروع «مارشال») لإعادة ضبط سياسات ومصائر الدول المهزومة والخاسرة في الحرب، على الإيقاع الأميركي الجديد. كتب أندريه غروميكو، رئيس الدبلوماسية السوفياتية لعقود (في مذكّراته): «وجدت السياسة الأميركية (الجديدة) أحد انعكاساتها عام 1957 في الإعلان الرسمي عن "مبدأ أيزنهاور-دالاس" الذي تمنح بموجبه واشنطن نفسها الحق باستخدام القوة العسكرية لفرض هيمنتها على الشرقين الأدنى والأوسط...تحت غطاء مواجهة الخطر الشيوعي!». في السياق نزل، بالفعل، الأسطول الأميركي السادس في لبنان دعماً للرئيس كميل شمعون الذي كان قد انضم إلى «حلف بغداد» الذي كان أُنشئ عام 1955 بقيادة بريطانية أميركية.
الواقع أن كل شيء كان ممهّداً لواشنطن لفرض عولمة اقتصادية سياسية أمنية استهلاكية كاملة لولا أن إحدى نتائج الحرب الثانية، كما أشرنا، كانت نشوء الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإيديولوجية.
لم يكتف مقتنصو النصر الأميركيون بالمنافسة في الحقل الاقتصادي في شروط ملائمة لهم تماماً، فهم، وتحت عنوان التصدي لـ«الخطر الشيوعي»، اشتقوا مشروعاً كاملاً لعولمة أميركية جامحة وطاغية ما لبثت أن تحولت إلى حرب باردة مدجّجة بالأحلاف والقواعد العسكرية والأساطيل البحرية وسباق التسلح في الأرض والفضاء والمحيطات. فضلاً عن منظومة إيديولوجية إعلامية تتكامل وتتعاظم باستمرار من خلال تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات خصوصاً: لشيطنة الخصم وإلصاق تهمة «الشر» على مجمل علاقاته ومواقفه.


في مجرى ذلك، بكّرت واشنطن في محاولة شطب كل ما نشأ من علاقات وأحلاف في وجه النازية والفاشية، ومن نتائج نجمت عن الحرب الكونية الثانية. وهي بادرت إلى إنشاء «حلف الناتو»، فور انتهاء الحرب ورداً على محاولات الاتحاد السوفياتي الترويج لمبدأ «التعايش السلمي بين الأنظمة الاجتماعية المختلفة». ومن المفارقات، التي تتكرر اليوم، أن الوفد السوفياتي في لقاء «الأربعة الكبار» (أميركا، الاتحاد السوفياتي، بريطانيا وفرنسا) في جنيف عام 1955، اقترح انضمام موسكو إلى حلف «الناتو»! وبعد أكثر من ستة عقود، اقترح الرئيس بوتين على «الشركاء» الأميركيين والغربيين انضمام روسيا إلى الحلف نفسه. أمّا الرد الأميركي-الغربي، فكان في الحالتين: الدهشة، والرفض والإمعان في محاولة التصعيد السياسي والأمني والاقتصادي.
في امتداد تاريخ دموي بدأ بإبادة السكان الأصليين، استكملت سلطات الولايات المتحدة بلورة شخصيتها بالتمييز العنصري داخلياً، وبالتوسع الاستعماري وخوض حروب احتلال وهيمنة على امتداد العالم، بينها محطات لا تُنسى كالعدوان على فييتنام (1965)، وحصار كوبا منذ عام 1965، واحتلال أفغانستان والعراق منذ حوالي 20 عاماً، وحصار وإفقار فنزويلا لإطاحة سلطتها الشرعية، وصولاً إلى الحصار الشامل لإيران، وهي استخدمت ولا تزال أقذر الوسائل، كالتدخل المباشر والغزو وتنظيم الانقلابات العسكرية ودعم الأنظمة الديكتاتورية والعنصرية ونشر الأساطيل وزرع مئات القواعد العسكرية حول العالم، إلى استحداث واستخدام مافيات الإرهاب والمخدرات، إلى سياسات التفرقة وإثارة الانقسامات العرقية والطائفية، فضلاً عن استغلال أخطاء الخصم: الكبيرة منها والصغيرة. بذلك وسواه باتت واشنطن حاضرة في كل أزمات العالم، تغذية أو استغلالاً، من أجل مراكمة مصادر قوة واستئثار إضافية، ولاكتساب أسواق جديدة وللسيطرة على مصادر وممرات الطاقة وبقية الموارد والثروات الطبيعية والاستراتيجية. وهي اليوم تستخدم «الحرب الناعمة» بعد أن تكبّدت خسائر هائلة في حروب الغزو والاحتلال التي جرت تحت العنوان القديم الجديد: وضع قوة أميركا العسكرية في خدمة هيمنتها الاقتصادية، كما أكدت «استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2002» المقرّة في عهد الرئيس بوش الابن و«المحافظين الجدد»، والتي مهّدت للغزو الأميركي للعراق في نيسان 2003.


لم يؤدِّ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، إلا إلى المزيد من السعي الأميركي لتعزيز الهيمنة ولاستحداث وسائل جديدة، مباشرة أو غير مباشرة، أكثر ضراوة وقذارة. أي أنه لم يؤدِّ سوى إلى تأجيج التناقضات وبالتالي إلى تغذية الصراعات وزيادة عدد ضحاياها على امتداد العالم. ليست الصراعات هي التي تؤدي، أساساً، إلى التناقضات. العكس هو الصحيح. فالولايات المتحدة قد استغلّت زوال الثنائية القطبية من أجل التفرد والمزيد من التوسع والنهب والسطو على ثروات وموارد الآخرين وحقوق ومصادر حياتهم: شعوباً وطبقات شعبية، بمن في ذلك عشرات الملايين من الشغيلة والمستخدمين الأميركيين أنفسهم! كذلك تمَّ تشديد الاعتداء على حقوق شعوب بأكملها، بما فيها في دول حليفة، لتسخيرها في خدمة مصالح الاحتكارات والمجمع الحربي الأميركي. في مجرى ذلك استشرست واشنطن لإزاحة كل منافسة متشبّثة بالتفرد والوحدانية ولو كلّفها ذلك خسائر فادحة أو اضطرها إلى فتح عشرات الجبهات في العالم وضد أكبر دوله وشعوبه، كما بالنسبة إلى الصين وروسيا وإيران و«القارة العجوز» أوروبا نفسها كما يحصل اليوم في التعامل الأميركي مع الحرب في أوكرانيا حيث تتجاهل واشنطن، بالكامل، مصالح الأمن الأوروبي التي صمام أمانها احترام مصالح روسيا قبل أي طرف آخر.
أولت واشنطن دائماً أهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط. أشرنا إلى مشروع «ايزنهاور» عام 1957. ودائماً، ومنذ مراحل نشوء المشروع الصهيوني كانت واشنطن، وما زالت، داعمة وراعية لكل مراحله الاغتصابية والعدوانية. غزو العراق عام 2003 كان في خدمة مشروع «الشرق الأوسط الكبير». كذلك الأمر بالنسبة إلى مشروع «صفقة القرن». والمشروعان يستهدفان خدمة العدوانية الصهيونية، بالدرجة الأولى. وتحتل واشنطن بالعدوان السافر أراضيَ في العراق وسوريا وتتحكم بمصائر الكرد ومعها مصائر أربع دول إقليمية مهمة في المنطقة، مستغلّة أخطاء تتعلق بالمساواة أو حق تقرير المصير. هذا فضلاً عن قواعدها العسكرية في الخليج وأساطيلها في بحار المنطقة وممراتها الإستراتيجية. هذا السياق هو الذي يحدد سياسة واشنطن حيال لبنان منذ غزو شواطئنا عام 1958 حتى اليوم: بالضغوط والحصار والعقوبات وتغذية التناقضات، دعماً للفاسدين واستهدافاً للمقاومة ضد العدو الصهيوني.



#سعد_الله_مزرعاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الحريري وأزمة لبنان
- وفي الليلة الظلماء...
- أين المعارضة وأيّ معارضة!
- الدولة الطائفية الهشّة
- المعارضة الوطنيّة: إعادة تأسيس
- الإمعان في تشويه «الطائف»
- معارك ما بعد الترسيم
- رؤساء لبنان
- تحوّلات جوهريّة
- مقاومة «جمول» وشيءٌ من الصراحة!
- ألم يحن الوقت بعد؟!
- الانفعالات والأزمات
- الإصلاح السياسي مدخل كل إصلاح حقيقي
- انتهت الانتخابات: الأزمة مستمرة
- انتهت الانتخابات: الأزمة أكثر تعقيداً
- لا يعوّل على إصلاح سواه!
- من يصرخ أوّلاً؟!
- من عطّل «الطائف»؟!
- فتّش عن واشنطن!
- الحزب الشيوعي اللبناني إلى أين؟


المزيد.....




- شاهد التسلسل الزمني للحظات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ف ...
- لماذا يتعجل الشرع الزمن نحو الرئاسة؟
- الادعاء الألماني يوجّه اتهامات ضد مشتبهين بالانتماء إلى داعش ...
- ما أهمية إعلان الجيش السوداني تحرير الخرطوم بحري؟
- شهيد بنابلس ومقتل جندي إسرائيلي وإصابة 5 بجنين
- السعودية تهنئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا
- شاهد ما كشفته صور حطام طائرة ركاب ومروحية في نهر شبه متجمد ب ...
- حماس تعلن مقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف ونائبه مروان ع ...
- ترامب: -لا ناجين- من حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية ف ...
- أبو عبيدة يُعلن مقتل محمد الضيف وعدد من القيادات العسكرية لـ ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله مزرعاني - واشنطن... لمحات من مسار الهيمنة!