أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الورقة الخضراء














المزيد.....

الورقة الخضراء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7538 - 2023 / 3 / 2 - 18:50
المحور: الادب والفن
    


طفلة لم تبلغ العاشرة من عمرها، اعتاد المارة على رؤيتها وهيَ تفترش الجادة الأنيقة، المحاذية لشارع محمد الخامس من جهة مسجد الكتبية. كانت تبيع المناديل الورقية، التي ما زال الناس يعرفونها باسم ماركة " كلينكس "، فيما هيَ تقرأ كتاب المدرسة أو تحل مسألة في مادة الحساب. طفلة جميلة الملامح، لكنها ضئيلة القامة ونحيلة؛ ربما لأنها لا تتغذى بشكل جيد. ناهيك عما تعانيه من مشقة الرزق، إن كان في آناء البرد أو القيظ.
مع ذلك، كانت " رقيّة " تعدّ نفسها سعيدة بشكل من الأشكال. فإنها تحظى بالثناء في المدرسة والمنزل على حدّ سواء. لقد نشأت على تحمل المسئولية بهذا العُمر الغض، وذلك عقبَ طرد والدتها من الخدمة بإحدى الرياضات بسبب معاناتها من مرض عضال. منذئذٍ نزلت الطفلة إلى العمل في الشارع، جنباً لجنب مع إكمالها للدراسة نهاراً.
أمرٌ واحد، كان ينغّصُ على رقيّة الشعورَ بالسلام والأمان في أثناء العمل. متسولة شابة، كانت لا تفتأ تراقبها عن بُعد بعين منتبهة وجشعة. أحياناً، كانت هذه تقترب من الطفلة مع ابتسامة مسمومة على شفتيها المكتنزتين: " لقد حظوتِ بغلّة وفيرة حتى الآن، أيتها النملة! ". أو تقومُ حانقةً برفس الكتاب، الذي تقرأ فيه الصغيرة: " إنك تخدعين الزبائن به، فيشفقون عليك ويشترون مناديلك اللعينة ".
ذات ليلة ربيعية، وكان أذان العشاء قد انطلق قبل نحو ساعة من مسجد الكتبية المجاور، مرت سائحة أجنبية من الجادة وما لبثت أن توقفت مدهوشة ومشفقة. لقد لحظت إصرار الطفلة، بائعة المناديل، على مراجعة دروسها في هذه الساعة المتأخرة. اقتربت منها، لتنحني عليها وتحدثها بضع كلمات بالفرنسية. ثم دست السيدة يدها في حقيبتها، وناولت الطفلة ورقة مالية من فئة الخمسين درهماً. غبَّ مغادرة المرأة الكريمة، بقيت رقيّة لحظات وهيَ تقلّب الورقة الخضراء في يدها وقد غمرتها البهجة. فكّرت خصوصاً، بمقدار سعادة الأم عندما تعاين غلّة اليوم.
" آه منك، أيتها النملة الخبيثة! "، تناهى في العتمة صوتٌ كفحيح الأفعى. كانت الجارة المتسولة، والتي ما أسرع أن انتزعت الورقة الخضراء من يد الطفلة: " هذه أعتبرها تعويضاً لي عن أولئك الزبائن، الذين لطالما عمدتِ أنت لسرقتهم مني بألاعيبك ". قفزت الطفلة من مكانها، تحاول استعادة ورقتها المالية، لكن الأخرى دفعتها بعنف وغادرت المكان مسرعةً. رقيّة، لحقت بها معولة باكية، مستنجدة بالمارة عبثاً. أسقط في يدها أخيراً، عندما ابتلعت العتمة تلك المرأة الشريرة. بدَورها، أخذت الطفلة طريقَ البيت دون العودة لأخذ رزم المناديل الورقية. الطريق إلى المنزل، الكائن في حي المسيرة القديم، كان يستغرق حوالي الساعة مشياً على الأقدام، وقد قطعته رقيّة وهيَ تسير مترنحة من شدة النحيب والحزن.
كانت تلك المرة الأخيرة، التي شوهدت فيها الطفلة بائعة المناديل الورقية على الجادة، المحاذية لشارع محمد الخامس. ويقال، أنها رحلت عن الدنيا تأثراً بحمى شديدة. وكانت لا تفتأ تهذي بالكلام عن الورقة الخضراء، لحين أن أسلمت الروح.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزل في الأزقة العُلوية
- المكتبة المهجورة
- الأخدود
- سفير جهنم
- شباب إمرأة: ريف ومدينة ورغبة
- غزل البنات؛ فيلم الكوميديا الخالد
- المومياء؛ الفيلم المصري الفريد
- العزيمة؛ فيلم الريادة الواقعية
- ليلة ساخنة؛ إغتصاب آمال الغلابة
- تمصير الروايات الأجنبية: تيريز راكان
- المشاكل النفسية، سينمائياً
- عادل إمام وظاهرة التحرش الجنسي
- مخرج الفظائع
- شيخ المخرجين
- باب الحديد: الأبله مهووساً جنسياً
- سواق الأوتوبيس: الإنسان والضباع الضارية
- من أفلام الجريمة: الطاووس
- الأديب والإدمان
- المقارنة المستحيلة
- العار؛ الوجه الجميل لتاجر المخدرات


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الورقة الخضراء