|
ذاكرة القضبان للأسيرة د/سعاد غنيم
سليم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 7533 - 2023 / 2 / 25 - 11:52
المحور:
الادب والفن
ذاكرة القضبان للأسرة د/ سعاد غنيم ( الرواية تهتك تاريخ الظلم) سليم النجار توطئة سعاد مصطفى غنيم من مواليد (الفريديس) قضاء حيفا- فلسطين، حاصلة على الدرجة الثالثة في القانون (الدكتوارة) من جامعة إكسترا- بريطانيا، سجنت ثلاث مرَّات في سجون الاحتلال الصهيوني: في العام ١٩٧٩، العام ١٩٨٣ ، والعام ١٩٩١.
ببلاهة، محتاراً وغير مُصدِّق، أخذتُ أرصدُ كلَ كبيرةٍ وصغيرة، وجوه وأصوات وسلوكيات، لشخصيات رواية الدكتورة سعاد غنيم (ذاكرة القضبان) الصادرة عن دار دجلة- عمَّان- ٢٠٢٢. أعوذ بالله ما الذي يجري؟ هل فقد الناس البصيرة؟ هل أصابهم العمى؟ حتى لو كانوا كذلك فهل فقدوا البصيرة؟ لا يفقد الأعمى البصر، أما نحن، من سنة إلى سنة للنكبة الفلسطينية التي وقعت علينا كالزلزال عام ١٩٤٨؛ فما عاد يكيفنا فقدان البصر. إنَّه العماء العميم، بصراً وبصيرة، لا يكاد ينجو منه أحد. إذن تلك هي الأسباب الموضوعيَّة التي تندغم فيها أسبابي الذاتيَّة: قراءتي للكتاب ولكتابات الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فقد قرأت فيما مضى من حياتي ومن كتاباتي ما يعجبني وما لا يعجبني. بعبارة أخرى، ما دعاني إلى كتابة قراءة نقدية هو (العماء) الذي رأيتُه يضرب حيثما قلبتُ النظر. وما دعاني إلى الكتابة عن رواية "ذاكرة القضبان" أيضاً هو خوفي من أن يبلوني العمى فيذهب بصري وبصيرتي. والآن أنا على يقينٍ من أنَّني كنت سأعمى بصراً وبصيرةً لولا أنَّي كتبت (تاريخ العيون المغطَّاة بالعماء). إنَّ ذاكرة الظلم هي التي تكشف فنتازيا الخوف من سرد ما حدث وما يحدث في سجون الاحتلال الإسرائيلي للمناضلات الفلسطينيات من قمعٍ وهتكٍ لآداميَّة الإنسان، الذي يتحوَّل في هذه الزناين- زنازين الموت- إلى رقم، وإلى ذكرى لمجازر تعرَّض لها الفلسطينيين على يد الصهاينة:(-يعني لمَّا الصهاينة يطخُّوني مش أرح أموت؟ طيب وإذا قطَّعوني مثل ما عملوا في دير ياسين؛ قطعوا الناس شقف حتى الصغار ص١١). وكأنَّ لسان حال الأسيرة الروائيَّة سعاد يقول أنَّ الفلسطيني جملةٌ منسيةٌ في جيبِ الذكرى خطفها مختلٌ عقليٌّ وألقاها فأستقرَّت في ذلك القلب الذي يحيا على الخوف والنسيان: (-يا بنت وين بدك توصّلي؟ - تحرير فلسطين يمّه. - يا بنت تزوَّجي وبكفِّي. - ما عندي وقت يمّه. - لازم تتعلَّمي كيف تطبخي. ص١٨١٩). في وسط سرد الكاتبة سعاد تتسرَّبُ جبالٌ أخرى بدالها واسمها الظلال... ليسَّ في زنزانتها إلا الظلال... تتناسل بهمَّةٍ وتملأ حائطاً وحائطاً، والحوائط لها عيونٌ تهتكُ آداميَّة الإنسان: (أتنهَّدُ الصعداء، مازال الدم ينساب منِّي، تمنَّيت أن أكون بلا دورات، وأن تنقطع عنِّي للأبد، لكن، عليَّ أن أفكِّر في الحل ص٦٧). والعيون لا تُشغِلُ السجَّان بما تراه ولكنّها تُرعِبُ بكلِ ما تفيضُ عليهِ ثم تُصِرُّ ألَّا تحكي... حتَّى في ليالي الزنزانة، لكن الكاتبة تحكي روايتها على الشكل الآتي:(يقتادوني من جديد، أتعثَّرُ بخطواتي، الصوت يتطاير من حلقي، صرخت في مجاهل الكيس النتن: -صامدون حتَّى الموت ص٧٩ ٨٠). كُن شجاعاً واستأصلني؛ هي رؤية بين خلاسيَّة الموقف والوقت الذي يبحث عن السجان، فكلاهما ينسجان ذاكرة الإنسان الفلسطيني، عليه أن يتوقَّف عن الرواية، عليه ممارسة فن الصمت، وعليه العيش على ذاكرة المهاجرين الذين قدِموا من كل حدبٍ وصوب وأعلنوا "دولتهم" وعاصمتها الزنازين للفلسطينيين، عليهم تدشِّين الخوف في حجر العلاقات ما بين الإنسان الفلسطيني والسجَّان: (أقفُ عاريةً دون ملابس، أحسُّ بأنِّي مولودٌ يصرخُ غضباً، الصمت يلفُّني وعليَّ أن أسقطَ في حِبالِ مصيدتها، تأتيني من جديدٍ تلك الكلمات التي أردِّدها: الهدوء، الصمت، الصبر. أقف منتظرة خطواتها ونسيم العصر يلاطفُ جسديَّ العاري، ويلطِّف التورُّمات ص١٢٧). وتستمر الروائيَّة سعاد في سرد حكايات العذاب التي تمتلئ بكل صور الهزائم والانكسارات، التي تحاول تكريسها صور الزنزانة، تخرج خارج أزمات الذات المفردة في محاولة لكشفِ أزماتِ الذَّات الجمعيَّة التي تحاول جاهدةً الخروج منها، فثمَّة إشارات ثقافيَّة مكثَّفة قويَّة في طبقات المعنى لهذه الإشارات، فالشيطان السجَّان الذي قرأ عذابات الفلسطيني يعرفُ قسوة الغربة والنبذ والنسيان من قبل ثقافة العماء. وكأنَّ الفلسطيني يعيش في كوكبٍ آخر لا علاقة له بالواقع، هي ثقافة الذكرى ذاتها التي جعلت الذَّات الكاتبة ترتحل مع المتلقِّي إلى سردها:(الروتين الجديد لم يكسر معنوياتنا بل على العكس تماماً، فقد زادنا صلابةً وإيماناً بأنَّنا سننتصر. قُمنا باستغلال الفورة/ الفُسحة على أكمل وجه، مدَّة الفسحة ساعة واحدة فقط، نخرج فيها إلى الساحة، كنَّا نستغلُّها لإزالة الكسلِ والخمولِ عن أجسادنا واستنشاق الهواء ص١٥٤). تركتني رواية "ذاكرة القضبان" للكاتبة الأسيرة المحرَّرة الدكتورة سعاد غنيم هكذا معلَّقاً ما بين السماء والأرض... هناك... بالضبط في منتصف المسافة، لا عنب الشام طالت يدي، ولا أصابني قضم من بلح الذي كان "اليمن السعيد ". لقد أوصلتني إلى النقطة التي يصعب معها المضيُّ قدماً أو التراجع، إنَّها ذاكرة القضبان.
#سليم_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرايا الأسر قصص وحكايا من الزمن الحبيس للأسير المحرر حسام كن
...
-
منارات في الظلام للأسير حسن نعمان الفطافطة
-
المشروع الوطني الأردني الفلسطيني / بين الواقع والطموح
-
جغرافيا كافرة وتيه فلسطيني جديد
-
مهزومون في زمن البيع .... سائرون نياماً في الحاضر
-
الثقافة في ومواجهة ثقافة الاستهلاك
-
الوعي الشقي .... وشقاء ثقافة السياسي المتأسلم .
-
ثقافة الاصلاح ...ديمومة القطع مع تراث ثقافة القبور
-
قبل الأوان بكثير
-
. وهم البصر ....المرأة الفلسطينية حلم الرغبة .
-
رؤى بعض المثقفين العرب ....كوميديا سوداء .
-
قراءة ماركسية للفكر السياسي النظري الفلسطيني .
-
الاصولية تجذر مداميكها بالتعاون مع الانظمة الراهنة
-
سرك حماس في غزة
-
الدراما العربية تستشف هي الاخري ازمات التاريخ العربي
-
ناجي العلي.. قمر المنفى
-
المشروع النهضوي العربي- التحدي التاريخي
-
قراءة في الاسلام السياسي - مسلسل الطريق الوعر
-
تصريحات محمود عباس كوميدية
-
حفل راقص امريكي ايراني
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|