|
حكايتان طلال حسن الهارب
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7532 - 2023 / 2 / 24 - 14:08
المحور:
الادب والفن
حكايتان
طلال حسن
الهارب
" 1 " ــــــــــــــــــــــ بعد حوالي الشهر ، من الهروب والتخفي ، وصل الأمير عبد الرحمن على حصانه متعبا ، إلى هذه المدينة الصغيرة ، التي تقع على حافة الصحراء . ومضى على حصانه ، يبحث عن خان متواضع يبات فيه ليلته ، قبل أن ينطلق في الصحراء ، ويذوب في آفاقها الرحبة ، فلا يصل إليه أعداؤه ، الذين يبحثون عنه، وقد رصدوا جائزة لمن يدلهم عليه . وعثر على خان ، في أبعد طرف من المدينة ، وترجل عن حصانه أمام بوابته ، وجاءه صاحب الخان ، يسبقه كرشه الضخم ، ومعه خادم عجوز ، فقال له : أريد غرفة صغيرة . وقال صاحب الخان : يبدو أنك وحدك . وقال الأمير : كما ترى ، وسأبقى هنا ليلة واحدة ، وربما أكثر . والتفت صاحب الخان إلى الخادم العجوز ، وقال له : خذ الحصان إلى الإسطبل ، وقدم له الماء والعلف ، فهو أيضاً متعب وجائع . ومدّ الخادم العجوز يده ، وأخذ زمام الحصان من الأمير، ومضى به إلى الإسطبل القريب من الخان ، دون أن يتفوه بكلمة واحدة . ومشى صاحب الخان أمام الأمير ، واجتاز به البوابة إلى الداخل ، وهو يقول له : تعال أريك الغرفة ، التي ستبيت فيها هذه الليلة . وقاده إلى غرفة صغيرة ، في آخر الخان ، وأراه الغرفة، وقال له : هذه الغرفة تناسبك . وتطلع الأمير إلى أطراف الغرفة ، وقال : نعم إنها صغيرة ونظيفة ، أشكرك . ونظر صاحب الخان إليه ، وقال : لدينا طعام في الخان، سآتيك بما تحب إذا أردت . وقال الأمير : نعم ، إنني بحاجة إلى الطعام فعلاً ، أرسل لي رغيفاً من الخبز ، مع قليل من اللبن . واتجه صاحب الخان إلى خارج الغرفة ، وهو يقول : سأرسل لك الطعام قبل المساء . وقبيل المساء ، جاءه خادم برغيف من الخبز ، وقعباً مليئاً باللين ، فانكب الأمير على الطعام ، والتهمه كله ، فهو لم يأكل شيئاً منذ أكثر من يوم . وأوى إلى فراشه ، بعد أن أحكم إغلاق باب الغرفة ، وتأكد مما يحمله خفية ، والذي شده كحزام داخلي حول بطنه ، وسرعان ما استغرق في نوم عميق .
" 2 " ـــــــــــــــــ أفاق الأمير صباح اليوم التالي ، لكنه لم ينهض من فراشه ، إنه مازال يشعر بالتعب ، صحيح أن حاله أفضل من البارحة ، لكن جسمه ما زال بحاجة إلى المزيد من الراحة ، خاصة وأنه مقبل على سفر شاق ، لا يعرف بالضبط نهايته . ونهض الأمير ، وأنصت إلى ما يدور خارج الغرفة ، وحين اطمأن إلى أنه ليس هناك ما يريب ، فتح الباب بهدوء ، وأطل إلى الخارج ، نعم كلّ شيء على ما يرام، فخرج من الغرفة ، وأغلق بابها ، ومضى إلى السوق ، ليتأكد من أن الأوضاع مطمئنة في المدينة . ومشى في شارع المدينة الوحيد ، بدكاكينه الفقيرة المتواضعة ، دون أن يتلفت حوله ، لكن عينيه الحذرتين المرتابتين ، كانتا ترصدان ما حوله ، وشعر ببعض الارتياح للناس العاديين ، الذين كانوا يسيرون في الشارع ، أو يتوقفون عند الدكاكين . وبينه وبين نفسه ، قرر أن يبقى في هذه المدينة ، يوماً أو يومين آخرين ، حتى يرتاح تماماً ، مما عاناه من الهرب والتخفي في هذه الفترة ، ثم يواصل هربه إلى خارج البلاد عبر الصحراء . وتباطأ الأمير ، واضطربت خطواته ، عندما لمح عينين سوداوين ثابتتين تتطلعان إليه ، عبر الناس المتزاحمة وسط الشارع ، ورمقه بنظرة سريعة ، ثم أشاح عنه ، كان رجلاً ربما تجاوز الأربعين ، غامق البشرة ، مفتول العضل ، أهو عبد ؟ من يدري . ورغم أنه لم يتذكره ، وربما كان لا يعرفه ، إلا أنه لم يرتح لعينيه السوداوين الثابتتين ، لعل هذا اللعين يعرفه، وتعرف عليه هنا ، و .. وتوقف برهة ، ثم تراجع خطوات ، ثم انسلّ عائداً إلى الخان . ومرّ بصاحب الخان ، فتوقف عنده لحظة ، وقال له : أرجوك ، مرِ الخادم أن يُعدّ لي حصاني . فقال صاحب الخان : كما تشاء . وأسرع إلى غرفته ، ولملم على عجل حاجياته البسيطة منها ، ثم عاد إلى صاحب الخان ، وأعطاه أجرة الغرفة، فقال له صاحب الخان : حصانك جاهز . وأسرع الأمير إلى خارج الخان ، وهو يقول له : أشكرك .. أشكرك جداً . وفي الخارج ، قدم الخادم العجوز للأمير حصانه ، وقد أعده له ، فمنحه مبلغاً من المال ، ثم امتطى حصانه ، وانطلق به مبتعداً عن الخان . وما إن ابتعد الأمير ، وهو على حصانه ، عن المدينة الصغيرة ، وعن العينين السوداوين الثابتتين والبشرة الغامقة ، حتى تنفس الصعداء ، وتطلع إلى الأمام بشيء من الارتياح ، حيث الصحراء تمتد بعيداً ، لا تحدها إلا السماء ، البعيدة الصافية الزرقاء . " 3 " ـــــــــــــــــ أبطأ الأمير قليلاً ، وهو على صهوة حصانه ، حين غابت المدينة في الأفق ، ولم يعد حوله وأمامه غير الصحراء المترامية ، وها هو ، بعد هذه المعاناة ، قاب قوسين أو أدنى من النجاة . آه ما أقسى حياة الهرب ، ومواجهة الصعاب ، وخاصة لأمير مثله ، عاش حياته كلها في القصور الآمنة ، لم يصدق أنه يمكن أن ينجو ، هو الذي لم يعانِ في حياته ، من مثل هذه الصعاب والمشقات ، التي واجهها خلال أيام هربه ، والتي تربو على الشهر . وحين سقطت المدينة في يد الأعداء ، وقتلت زوجته وولداه ، استطاع هو وحده ، وبشق الأنفس ، أن يفلت من القتلة ، ويهرب من القصر ، ولم يستطع أن يأخذ معه غير بعض الذهب ، وجوهرة نادرة ، كان قد اشتراها لزوجته بمائة ألف دينار . ولاحت له من بعيد ، نخلة باسقة منعزلة ، لا يعرف كيف نمت في هذا المكان من الصحراء ، وما إن وصل إليها ، حتى برز له رجل أربعيني ، غامق البشرة ، ومدّ يده ، وأمسك بقوة زمام حصانه . وحدق الأمير في الرجل ، وقلبه يخفق بشدة ، آه إنه نفس الرجل ، الذي حدق فيه في السوق ، بعينية السوداوين الثابتتين ، فقال له بصوت مضطرب : أيها الرجل ، اترك زمام حصاني . وابتسم الرجل ، وقال : هذا الحصان يحمل كنزاً . ونظر الأمير إليه ، وقال متلجلجاً : أنا .. أنا لا أعرفك . واتسعت ابتسامة الرجل ، وقال : أنا أعرفك . ولاذ الأمير بالصمت ، وهو يكاد ينهار ، فقال الرجل : أنت الأمير عبد الرحمن . وردّ الأمير متلجلجاً : كلا ، لست الأمير عبد الرحمن ، أنت واهم ، إنني رجل عابر . وشدّ الرجل زمام الحصان بقوة ، وقال : بل أنت هو الأمير ، وقد رصدت عشرة آلاف دينار ، لمن يقبض عليك ، ويسلمك لمن تهرب منهم . وجمد الأمير فوق صهوة حصانه ، ولاذ بصمت مطبق، فتابع الرجل قائلاً : تعرف ، أيها الأمير ، إنني عبد ، وبمثل هذا المبلغ ، أشتري حريتي ، وأعيش بسعة حياتي كلها . ومدّ الأمير يده إلى حزامه ، وأخرج الجوهرة ، وأراها للرجل ، وقال له : هذه الجوهرة اشتريتها بمائة ألف دينار ، خذها ، واترك زمام حصاني . ونظر الرجل إلى الأمير ، الذي كانت عيناه اليائستان متعلقتين به ، تنتظران ما سيقوله ، والسحب المضطربة تتجمع فيهما ، ثمّ قال بصوت هادئ : أيها الأمير ، أنا أعرفك ، أنت رجل كريم ، وأريد أن تعرف ، أن بيننا نحن العبيد من هو كريم أيضاً . ورفع يده عن زمام الحصان ، وتراجع عنه عدة خطوات ، وقال : أنت هارب ، احتفظ بجوهرتك ، لعلك تحتاج إليها ، اذهب يا سيدي ، ولترافقك السلامة .
25 / 4 / 2020
سعدى
" 1 " ــــــــــــــــ قبل أن أنام ، وعلى عادتها كلّ يوم ، راحت أمي التي أصابها المرض ، تتحدث عن الماضي ، وهذا اليوم كان حديثها عن موضوعها الأثير ، عن أبي . وقالت أمي بصوتها الشائخ المتعب ، وربما كانت تحدث نفسها ، أكثر مما كانت تتحدث إليّ : كان أبوك صياداً ماهرً ، لا يجاريه في ذلك أحد من القرية . وصمتت أمي ، ثمّ التفتت إليّ ، وقالت : عمرو .. أجبتها مبتسماً : نعم أمي . فقالت : كان أبوك يعرف ، أنني أحبّ لحم الغزلان ، فكان يخرج إلى الصحراء ، ولا يعود إلي البيت إلا ومعه غزالة لي . فقلتُ لها : سأخرج غداً إلى الصحراء ، يا أمي ، وآتيك بغزالة ، كما كان يفعل أبي . واعتدلت أمي في فراشها ، وقالت لي : لا يا بنيّ ، لا يا عزيزي ، لا أريدكَ أن تذهب إلى الصحراء ، إنها خطرة للغاية ، ابقّ إلى جانبي ومع الأيام ، اشتدّ المرض على أمي ، وعبثاً حاولتُ أن أعالجها ، وكأنما كانت مشتاقة إلى أبي ، وتستعجل اللقاء به ، فانطفأت كما ينطفئ القنديل ، وتركتني في عتمة ، ليس فيها بصيص من الضوء .
" 2 " ـــــــــــــــ لم أطق البقاء طويلاً في البيت ، الذي خلا من أمي ، وبقيتُ فيه وحدي ، فامتطيتُ حصاني ذات صباح ، وقد تمنطقتُ بسيفي ، وانطلقتُ لأتوغل في الصحراء ، حيث الفضاء الواسع ، الذي لا تحده حدود . وصادفني جاري عبد الله ، وأنا أخرج من القرية ، وحاولتُ أن أتحاشاه ، وأمضي في طريقي ، دون أن أوجه له كلمة ، لكنه ناداني قائلاً : عمرو .. وتوقفت عن السير بحصاني ، وأجبته باقتضاب قائلاً : أهلاً عبد الله . ونظر إليّ عبد الله متسائلاً ، وقال مبتسما : خيراً يا أخي، أراك على حصانك في هذا الصباح ، وقد تمنطقت بالسيف ، إلى أين أنت ذاهب ؟ فأجبته ، وأنا فوق حصاني : إلى الصحراء ، أريد أن أصطاد غزالة . وابتسم عبد الله ، وقال مازحاً : هناك غزلان كثيرة ، قرب وادي السعالى ، أنصحك أن لا تقترب منه ، فهو شديد الخطورة . فلكزت حصاني ، ومضيتُ مبتعداً ، وأنا أردّ عليه قائلاً: جدتي كانت تتحدث عن السعالى في الصحراء ، مثلما تتحدث عنها أنت الآن ، وعندما سأشيخ مثلها ، ربما تحدثتُ مثلما كانت تتحدث .
" 3 " ـــــــــــــــــ بعد منتصف النهار ، وقد تقدمت في عمق الصحراء، واقتربتُ من وادي السعالى ، الذي حذرني منه جاري عبد الله ، لمحت غزالة من بعيد . لم تهرب الغزالة مني ، حين توجهتُ إليها بحصاني ، وإنما ظلت في مكانها ، وبدا لي أنها كانت تتشاغل عني، دون أن يبدو عليها الخوف . وأعددتُ القوس والنشاب ، وما إن صارت على مرمى مني ، حتى وثبت برشاقة ، وأطلقت سيقانها للريح ، وحثثتُ حصاني للحاق بها ، لكنها سرعان ما غابت عني ، وكأن الرمال انشقت وابتلعتها . وأبطأتُ قليلاً ، وأنا أتلفتُ حولي ، وأدقق في الصحراء المترامية ، وخفق قلبي بشدة ، حين جاءني صوت فتاة من ورائي يهتف بي : عمرو . وشددتُ زمام حصاني ، حتى توقف متململاً ، وكأنه يحس بتوتري واستغرابي ، لكني لم ألتفتْ ، وأصغيتُ ملياً ، لعلها الريح ، لكن الصوت نفسه جاءني ثانية : إنني أناديك ، يا عمرو . والتفتُ نحو مصدر الصوت ، وهالني أن أرى فتاة شابة ، تقف متطلعة إليّ ، من أين انبثقت هذه الفتاة فجأة ؟ أيعقل أنني مررتُ بها ، دون أن أراها ؟ واستدرتُ بحصاني ، وسرتُ به نحوها ، وقبل أن أصل إليها ، حدقتْ فيّ ، وقالت : ستسألني ، وهذا من حقكَ ، من أين أنتِ ؟ وتطلعتُ إليها ، وقلتُ : لقد ناديتني باسمي ، عمرو . وابتسمت الفتاة ، وقالت : لأن اسمك عمرو . وصمتت لحظة ، ثم أشارت إلى حيث تشرق الشمس ، وقالت : إنني من هناك . ونظرتُ حيث أشارت ، ثم تطلعت إليها ، وقلتُ : لقد حذرني صديق من التوغل في هذه المنطقة . وابتسمت الفتاة ، وقالت : وها أنت قد توغلت . وصمتت لحظة ، ثم قالت : رأيتك منذ أن دخلت المنطقة ، وأعجبتني هيأتك ، وشجاعتك ، وتعاملك مع حصانك القويّ الجموح . ولذتُ بالصمت لحظة ، ثم قلتُ : المساء يقترب ، وستغيب الشمس ، لدي طعام جئتُ به من قريتي ، لنأكل معاً ، ثم نتبادل الحديث إذا أردتِ . وصمت للحظة ، ثم سألتها : ما اسمكِ . أجابت بصوت هادئ : سعدى .
" 4 " ــــــــــــــــــ يبدو أنّ لليل هنا سحره ، ليل كأن شاعراً ، من هذه الصحراء ، نقشه بكلماته ، صمت عميق ، نجوم بعيدة ، قمر معلق في الأفق ، وسعدى إلى جواري . تبادلنا الحديث طويلاً ، والأحرى أني تحدثتُ كثيراً ، لا أدري لماذا ، حدثتها عن أبي ، بعيني أمي ، وحدثتها عن حبّها العميق له ، وقد ظلّ إلى جانبها ، حتى بعد رحيله ، وظلت تتحدث إليه ، وتناجيه ، إلى أن رحلت هي الأخرى . صمتُ ، وكانت هي صامتة ، وملتُ عليها ، والقمر ينظر إلينا من بعيد ، وهمست لها : سعدى .. ابتسمت فرحة ، وكأنها تعرف ما سأقول ، فتابعت الهمس : لنتزوج ، يا سعدى . قالت سعدى ، وهي مازالت تبتسم : أنا لا أطيق الحياة إلا هنا ، يا عمرو .. هززتُ رأسي موافقاً ، فتابعت قائلة : سأبقى إلى جانبك، مادمتَ تريدني .. وقلتُ لها : سأريدكِ دائماً . ونظرت إلى حيث تشرق الشمس ، وتابعت قائلة : وعليك أن تحميني من البرق ، يا عمرو . ثم أشارت إلى حيث تشرق الشمس ، وقالت وقد انطفأت ابتسامتها : إذا أبرقت هناك ، ولم تحمني ، ومسني شعاع من ذلك البرق ، أطير من هنا ، ولن تجد لي أثر في أي مكان . مددتُ يديّ ، وأطبقت على كفها ، وأنا أقول لها : سأحميكِ بحياتي ، يا سعدى .
" 5 " ــــــــــــــــ مرت الأيام والأسابيع والشهور ، وأنا أعيش هانئاً مع سعدى ، في خيمة صغيرة ، وسط هذه الصحراء القفر ، وكنتُ أخرج للصيد أحياناً ، وغالباً ما أعود إلى الخيمة، دون أن أصيد أي شيء . لكني ـ ويا للعجب ـ أجد سعدى ، قد أعدت سفرة شهية من الطعام ، وقد سألتها مرة : سعدى ، من أين هذا الطعام اللذيذ ؟ فتضحك سعدى ، وتجيب مازحة : أنا صيادة ماهرة ، يا عمرو . وتنظر إليّ بعينيها الجميلتين ، وتتابع قائلة : لقد علمني أبي الصيد ، وأنا طفلة صغيرة . وألوذ بالصمت ، وفي داخلي تتردد أسئلة عديدة ، لكني كنت أكتمها ، فلم أسألها من هو أبوها ، ومن هي أمها ، ومن أي الأقوام هم ، وحتى لو سألتها ، لأجابتني بمزحة أبعدتني عما سألتها عنه . وذات يوم ، سألتها ، والقمر يطل علينا ساطعاً : سعدى، أتحنين إلى أهلك ؟ وقطبت سعدى ، وبدل أن تردّ على سؤالي ، قالت : يبدو أنك أنت تحنّ إلى حياتك السابقة . لذت بالصمت ، وقد رأيت عينيها تغيمان بالحزن والتأثر، وسرعان ما نهضت ، ومضت صامتة متكدرة ، إلى داخل الخيمة . " 6 " ــــــــــــــــ وقفتُ بباب الخيمة ، في اليوم التالي ، وسعدى ترتب الفراش في الداخل ، ونظرتُ إلى السماء ، وقلتُ كأنما أحدث نفسي : في السماء اليوم ، غيوم ثقيلة سوداء ، وبوادر عاصفة تلوح في الأفق . ولاذت سعدى بالصمت ، إنها مازالت متأثرة ، مما دار بيننا ليلة البارحة ، والقمر يطل علينا ، لعله الحنين إلى أهلها ، أو .. من يدري . وخرجت سعدى من الخيمة ، دون أن توجه إليّ كلمة واحدة ، وألقتْ نظرة سريعة إلى الغيوم القاتمة في السماء ، وقالت : قد تمطر بعد قليل ، من الأفضل أن لا نبتعد اليوم عن الخيمة . وعادت سعدى إلى الخيمة ، دون أن تنظر إليّ ، وبدل أن أتبعها إلى الداخل ، مضيتُ أتفقد الحصان ، الذي ربطته إلى وتد خلف الخيمة . وتوقفت قرب الحصان ، الذي راح يحمحم حين رآني ، ومددتُ يدي ، وأخذت أمسد على رأسه ورقبته ، وهو مستسلم ومرتاح للمساتي له . وهطل المطر مدراراً ، وتناهت إليّ دمدمة العاصفة من بعيد ، وهممتُ أن أعود إلى الخيمة ، حين خرجت سعدى ، ووقفت تحت شآبيب المطر المنهمر . وهتفت بها : سعدى ، المطر شديد ، عودي إلى الخيمة ، أخشى أن تبرق في أية لحظة . وبدل أن تعود سعدى إلى الخيمة ، رفعت يديها إلى السماء ، والمطر ينهمر بشدة ، وفجأة التمع البرق ، وأعشى نوره الشديد عينيّ ، حتى لم أعد أرى شيئاً ، ثم انفجر الرعد ، كأنه بركان . وما إن هدأ البرق والرعد ، وصار بإمكاني أن أبصر ، حتى أسرعت إلى حيث كانت تقف سعدى ، لكني لم أجدها ، وتلفت حولي كالمجنون ، وصحتُ بأعلى صوتي ، والمطر ينهمر فوقي كالشلال : سعدى .. لم ترد سعدى عليّ ، ودرت حول الخيمة ، وركضت تحت المطر يميناً ويساراً ، وأنا أصيح بأعلى صوتي كالمجنون : سعدى .. سعدى .. سعدى . وتوقف المطر ، وتناهى إليّ صوت حصاني ، كأنه يناديني ، فتوجهت إلى الخيمة ، بخطى ثقيلة ، وأنا أكاد أتهاوى على الأرض ، ورأيت حصاني في مكانه ، ينظر إليّ مشفقاً ، وتوقفت مصعوقاً ، إذ لم يكن هناك أي أثر للخيمة ، التي عشت فيها مع سعدى .
" 7 " ــــــــــــــــ امتطيتُ حصاني ، وحثثته على السير ، وقد انقشعت معظم الغيوم من السماء ، وأطلت الشمس ، وغمرت بضوئها ودفئها أرجاء الصحراء . وسرعان ما مضى حصاني خبباً ، متجهاً إلى قريتي ، التي خرجت منها ، وعشتُ بعيداً عنها مع سعدى ، في خيمة على مشارف وادي السعالي . وعند مشارف القرية ، تناهى إليّ صوت ما زلتُ أذكره، وإن بدا لي أنني لم أسمعه منذ مدة ليست قصيرة ، إنه جاري عبد الله ، يخاطبني ضاحكاً : أهلاً عمرو . وتوقفت بحصاني ، والتفتُ إليه ، حقاً لقد اشتقتُ إليه ، رغم أنني غالباً ما أستثقله ، وقلتُ له بصوت هادئ : أشكرك ، يا عبد الله ، أرجو أن تكون بخير ، أنت وأولادك ، وأهل القرية جميعاً . وحدق عبد الله فيّ مندهشاً ، ثم ضحك ، وقال : حسبت أنك ستعود من الصيد بغزال ضخم ، عندما رأيتك تذهب للصيد في الصحراء ، صباح اليوم . ولذتُ بالصمت ، وقد اتسعت عيناي ، صباح اليوم ! ماذا جرى ؟ ونظرتُ إلى عبد الله ، وأردت أن أتأكد منه حقيقة الأمر ، لكني تذكرت تحذيره لي ، من وادي السعالى والجن ، فلكزت حصاني ، ومضيت إلى البيت، دون أن أردّ على عبد الله بكلمة واحدة .
9 / 5 /
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية للفتيان ذئب الأهوار
-
رواية للأطفال هدية الإلهة بنيتين
-
رواية للفتيان خزامى الصحراء
-
رواية للفتيان الجوهرة المفقودة
-
رواية للفتيان الصحن الطائر
-
رواية للفتيان اشوميا الز
...
-
رواية للفتيان نداء الانوناكي
-
رواية للفتيان نانوك
-
شبح غابة اتوري رواية للفتيان
-
رواية للفتيان فتى من كوكب نيبيرو
-
زهرة الأنوناكي
-
رواية للفتيان الحداد
-
رواية للفتيان من قتل شمر ؟
-
رواية للفتيان طفل من خرق
-
رواية للفتيان البجعة
-
رواية للفتيان جبل الوعول
-
جزيرة كالوبيوك
-
رواية للفتيان هوفاك
-
رواية للفتيان الزرقاء رائية ديدان
-
رواية للفتيان الجاغوار سيلو
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|