|
حروب أمريكا في القرن الحادي والعشرين
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 7531 - 2023 / 2 / 23 - 00:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن اعتبار التورط الأمريكي في الحرب في أوكرانيا امتدادًا للحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضد جميع المنافسين، من أجل تحقيق عدة أهداف، من بينها الحفاظ على هيمنة الدولار الأمريكي على النظام النقدي الدّولي والتحويلات المالية الدّولية والتجارة، ومن بينها أيضًا فَرْض سيادة القانون الأمريكي خارج الحدود الإقليمية، وكذلك إنعاش صناعة الأسلحة الأمريكية، إلخ. إن مفهوم تطبيق القانون الأمريكي خارج حدود الولايات المتحدة، والسماح للقضاة الأمريكيين برفع الدعاوى القانونية للمعاملات أو الأعمال التجارية التي حدثت في أي مكان في العالم، بذريعة استخدام الدولار الأمريكي في هذه المعاملات، هو محاولة لجعل القانون الأمريكي فوق الإتفاقيات والقوانين الدّولية، وهذا يجبر الشركات الأجنبية على الخضوع لرقابة وسيطرة الدولة الأمريكية ودفع غرامات باهظة، عن "انتهاكات" وهمية، أو تجبرها على بيع أسهمها للشركات الأمريكية، وذلك لتجنب المضايقات الإدارية والمالية. ترفع حكومة الولايات المتحدة عددًا لا يحصى من الدعاوى القضائية دون أي أساس حقيقي سوى الوصول إلى معلومات المنافسين ومشاريعهم الإقتصادية، والتدخل لتعطيل أو إسقاط تلك المشاريع، مما يسمح للولايات المتحدة بتقوية هيمنته الإقتصادية والمالية. من ناحية أخرى ، تجاوز الدَّيْن العام للولايات المتحدة 31 تريليون دولارًا ويتزايد بعدة مليارات من الدولارات يوميًا، ليُصبح الدين أكبر بكثير من حجم الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة، وبما أن الملاءة المالية للولايات المتحدة "مضمونة" بالدولار وهو العملة الوطنية، فإن أمريكا تضمن قيمتها ليس من خلال قُوّة وزيادة الإنتاج، وإنما من خلال الهيمنة العسكرية. منذ بداية الصراع الذي أطْلَقَته الولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا من خلال انقلاب سنة 2014، تخلصت روسيا من جميع الديون الأمريكية تقريبًا (سندات الخزانة الأمريكية)، حيث كانت تحتفظ بسندات خزانة أمريكية بقيمة 90 مليار دولار سنة 2015 ولنتخفض قيمتها إلى حوالي مِلْيَارَيْ دولار فقط بنهاية سنة 2021، أما الصّين فإنها تُخَفِّضُ تدريجياً من حجم هذه السندات، لأن طرحها بكثافة يُخفض قيمتها، من 1270 مليار دولار سنة 2015 إلى 970 مليار دولار سنة 2022. ويؤدي انخفاض الطلب على سندات الخزانة إلى زيادة أسعار الفائدة وصعوبة تمويل الدين العام الأمريكي، في الوقت نفسه، يُؤَدِّي تطور التجارة (خاصة النفط والمواد الخام) في السوق الدولية بالعملات المحلية، إلى خفض الطلب على الدولار، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته، وبدأت روسيا والصين توقيعَ اتفاقيات تجارية عديدة ومتنوعة، مقومة بعملات أخرى غير الدّولار، ومنها بيع وشراء المحروقات، ما سيمثّل ضربة كبيرة لعملة ولهيمنة الإمبريالية الأمريكية. "يُمثل البترودولار" أحد بنود الاتفاقية الأمريكية السعودية للتعاون الاقتصادي للعام 1979، وتنص هذه الاتفاقية على أن تبيع السعودية نفطها بالدولار الأمريكي فقط، وأن تعيد استثمار احتياطياتها الفائضة بالدولار في سندات الخزانة والشركات الأمريكية، وفي المُقابل، تضمن الولايات المتحدة أمن العائلة المالكة السعودية، وتمكنت السعودية من فَرْضِ بيع النفط بالدّولار من قِبَل مجمل الدول المُصدّرة للنفط (أوبك) وحذت دول أخرى من مصدري المحروقات والمَعادن والمواد الأولية الأخرى حذو دول أوبك، وباعت منتجاتها بالدولار، وأدى ذلك إلى تقوية زيادة حجم الطّلب على الدّولار، وطبْع كميات كبيرة من أوراق الدولار الذي أصبح العملة المرجعية للمواد الخام الأخرى، وبالتالي العملة الاحتياطية في العالم - مما أعطى الولايات المتحدة التفوق المطلق والامتيازات الكبيرة ... استغلت الصين، خلال السنتَيْن الأخيرَتَيْن، الخلافات بين الولايات المتحدة والسعودية، فزادت من تعاونها مع السعودية في عدة مجالات، منها النفط والتجارة والبنية التحتية والاستثمار، ويخطط الصندوق السيادي السعودي للاستثمار في الشركات الصينية في القطاعات الاستراتيجية، كما عززت السعودية تعاونها وتبادلاتها بالعملات المحلية مع روسيا، بعد الإتفاق معها على خَفْضِ إنتاج النفط الخام، منذ سنة 2020، للمحافظة على حَدٍّ أدْنى من الأسعار. تشكل الحرب في أوكرانيا ضد روسيا والاستفزازات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ضد الصين، نماذج لردود الفعل الأمريكية، إذ تعتبر الولايات المتحدة مبادرات روسيا والصين للحدّ من الهيمنة المالية والعسكرية الأمريكية، على مستوى عالمي، بمثابة إعلان حرب، لأن إعادة بيع سندات الخزينة الأمريكية على نطاق واسع قد يؤدّي إلى الإنهيار التدريجي لمنظومة البترودولار، وإيذانًا ببداية سقوط الهيمنة الأمريكية. تستفيد الحكومات المتعاقبة في الولايات المتحدة من الحصانة القضائية على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في أمريكا الجنوبية وآسيا (إندونيسيا وماليزيا وفيتنام ...) وتدمير العديد من البلدان، باستخدام قوة عسكرية غير متناسبة لإسقاط نظامي العراق وليبيا، على سبيل المثال، عندما أثار قادتها (صدّام حسين ومعمّر القذافي) إمكانية بيع النفط بعملات غير الدولار الأمريكي، لكن لا تستطيع الولايات المتحدة التعامل مع روسيا والصّين بنفس الشّكل، لأنهما قُوَّتَانِ عسكريتان لا يمكن مهاجمتهما سوى بشكل غير مباشر، من خلال الاستنزاف أو الحرب الهجينة أو الحروب بالوكالة، بدعم من رأس المال المالي وتمثله بورصات وول ستريت ولندن، وبتواطؤ من وسائل الإعلام التي تعيد إنتاج دعاية الحرب الأمريكية القائمة على التّهويل وترويج الأكاذيب، بشكل مُتَعَمَّد ومُخَطّط ومُعَدّ سَلَفًا من قِبَل أعلى دَوائر الدولة الأمريكية، وأتاح لنا موقع "ويكيليكس" الإطلاع على ملايين الوثائق الرسمية الأمريكية المُسَرّبة التي كشفت صِحّة وثُبُوت المؤامرة الأمريكية (والغربية) ضد قادة ليبيا والعراق، وأثبتَتْ هذه الوثائق الرّسمية التّهديد الذي يتعرض له أولئك الذين يحاولون التّخلّي عن التعامل بالدّولار، وتعريض هيمنة النظام النقدي الأمريكي للخطر، ويصل هذا التهديد حد تدمير بلد وتفتيت دولة وتشريد وتجويع وقتل عشرات الملايين من البَشَر... اتضح أن الولايات المتحدة تريد تدمير روسيا والصين لمجرّد محاولتهما تأسيس عالم رأسمالي متعدّد الأقطاب، بدل القُطب الواحد الذي تُهيمن عليه الولايات المتحدة، لكنهما قوتان عسكريتان لديهما حلفاء ويمكنهما مقاومة الأدوات الأمريكية للهيمنة العسكرية والمالية والإعلامية، ويعْسر تدميرهما بسهولة، لذلك عمدت الولايات المتحدة إلى تطبيق سياسة الحصار والحظر التجاري والإستفزاز بواسطة أطراف أخرى، وشن الحرب بالوكالة ضد روسيا، بدل مهاجمتها مباشرة، لأن الإمبريالية تخشى المُقومة. لو كانت الأنظمة العربية وطنية لاعترضت على الإحتلال الصهيوني لفلسطين، ووقفت ضد تدمير العراق وليبيا وسوريا واليمن، وبما أنها أنظمة عميلة فإنها تحالفت مع الكيان الصهيوني ضد إيران، وضد الشّعوب العربية، وتحالفت مع الإمبريالية الأمريكية (باسم الجامعة العربية) لتدمير العديد من الدّول العربية وتشريد شعوبها، ولذا فإن مقاومة الإمبريالية والصهيونية تَمُرُّ عبر مقاومة الأنظمة العربية، وبالأخص تلك العميلة للولايات المتحدة والتي طبّعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّابع - 18 شباط/فبراير 2023
-
بيرو – نموذج الهيمنة الإمبريالية في أمريكا الجنوبية
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّادس - 11 شباط/فبراير 2023
-
في ذكرى ميلاد روزا باركس
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الخامس - 04 شباط/فبراير 2023
-
من خلفيات حرب الناتو ضد روسيا: الإستحواذ على المعادن الثمينة
-
أمريكا الجنوبية، بين الهيمنة الإمبريالية الأمريكية ومحاولات
...
-
راسل بانكس (Russell Banks ) 28/03/1940 – 07 كانون الثاني/ينا
...
-
ليبيا زمن التقسيم والخراب
-
تونس- انتخابات برسم الإفلاس
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الرابع - 28 كانون الثاني/يناي
...
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثالث - 21 كانون الثاني/يناي
...
-
متابعات - نشرة أسبوعية – العدد الثاني - 14 كانون الثاني/يناي
...
-
مُتابعات – نشرة أسبوعية العدد الأول 07 كانون الثاني/يناير 20
...
-
اقتصاد سياسي – مُتابعات
-
المسألة القومية
-
المسألة الكُرْدِيّة، قضية حق أُرِيدَ بها باطل
-
الذّكرى المائوية للإتحاد السّوفييتي 30 كانون الأول/ديسمبر 19
...
-
فساد عابر للقارات
-
تأثير السياسة والمال في كرة القدم
المزيد.....
-
شاهد ما كشفته صور حطام طائرة ركاب ومروحية في نهر شبه متجمد ب
...
-
حماس تعلن مقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف ونائبه مروان ع
...
-
ترامب: -لا ناجين- من حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية ف
...
-
أبو عبيدة يُعلن مقتل محمد الضيف وعدد من القيادات العسكرية لـ
...
-
واشنطن.. لحظة اصطدام طائرة أمريكية بمروحية عسكرية ومقتل 64 ش
...
-
مقابلة الكلب -رامبو- بمصر
-
من قائد -تنظيم إرهابي- إلى رئيس انتقالي.. احتفالات في دمشق ب
...
-
خلال لقاء مع حماس.. إردوغان يأمل في نجاح المرحلتين الثانية و
...
-
-حياتي ليست أقل قيمة-.. غضب في الأرجنتين من خطط ميلي لإلغاء
...
-
مقتل 6 أشخاص بهجوم روسي بمسيرة على بناية سكنية في سومي شمال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|