|
قراءات في مستقبل حرب بوتين على اوكرانيا -2
لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 7530 - 2023 / 2 / 22 - 16:11
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
قرءات في وجهات الحرب ونتائجها وتبعاتها المستقبلية 1. قراءة في مستقبل الحرب على ضوء معطياتها ومجراها خلال عام كامل بدأت هذه الحرب بغزو سريع اعد له مسبقا الرئيس بوتين لتغيير نظام الحكم في كييف ليتم بسرعة وقبل ان يفيق العالم ليبدأ بأعلان احتجاجته خلال بيانات طويلة او قصيرة فيها ادانة للغزو ورفض لنتائجه ، ولكنها طبعا لن تستطيع تغيير الواقع على الارض بعد تنصيب والي على اوكرانيا سواء يانيكوفيج او جنرال عسكري يتوج كقائد للانقلاب ( ربما سيتم يوما الكشف اي منهما ولكن السلطات الاوكرانية اعلنت انها القت القبض على 700 شخص بينهم ثلاثة جنرالات خلال الاسبوع الاول من بدء الغزو). لقد تم التخطيط لهذه "العملية الخاصة " ، كما يبدو ، وفق فرضيات اثبتت جميعها انها فاشلة فيما بعد. وهنا لست في صدد مناقشة خطة بوتين او وفشلها ، بقدر تقييم فشل فرضياته بشن هذا الغزو وذلك لعلاقتها المباشرة بموضوعنا الاساس في قراءة مجريات ومستقبل هذه الحرب، فهي فرضيات ذات علاقة هامة بتحديد مستقبل الحرب، كما ويمكن ايضا استخلاص ان العملية كانت مخططة اصلا للتنفيذ خلال ايام كما تشير له مناقشة هذه اللرضيات. الفرضية الاولى تقوم على ان الحكم في اوكرانيا ضعيف وسينهار من اول ضربة حيث يقف على رأسه ممثل كوميدي لايرتقي لمستوى معرفة الفباء في السياسية ، وغاب عن عباقرة اعادة مجد الامم ، مثل الرئيس بوتين، انه حتى ممثلا كوميديا ، وحاله حال أي مواطن اوكراني اخر، حتى خبازا ، انه سيقاوم احتلاله لأعتزازه بوطنه ووطنيته وخياراته ، وربما يفضل الموت على الاستسلام وتسليم بلده لبوتين أو لغيره، وهذا ما اثبته فعلا الشعب الاوكراني ، فالوطني لايمكن كسره بتلك السهولة مثل كسر الاتباع والمرتزقة مثل الاوليغارخ يانكوفيج الذي ترك الجمل بما حمل عام 2015 بينما هو رئيسا لدول. وفرلصاحبه هاربا خوفا على حياته وطالبا تأمين ثرواته وقصره ذي الاقفال الذهبية. ان وطنية الشعب الاوكراني اسقطت هذه الفرضية، رغم انه تبدو كانت صحيحة لو نجح الغزو خلال ايام ولن تتمكن هذه الوطنية بالتجمع والتجميع حول زيلينسكي. وربما الفرضية الثانية ان الشعب الاوكراني سيستقبله بالورود مثلما اخبرته اجهزته ، وهي خدعت نفسها وخدعته ايضا ربما كي لايغضب عليها ، كما طرحه احد الفارين على التلفزة حتى انه قال انه امر مضحك حقا ان تتنازل لقريب لك عن بيتك لمجرد ان قريبك يعتقد ان ذلك افضل لك ،مشيرا لعلاقة القرابة بين الروس والاوكران . اتى الواقع ليقول عكس ذلك فالشعب الاوكراني رغم انه باغلبيته العظمى يتحدث بالروسية ( وذلك لطغيان التعليم بها ) واشتراكه ثقافيا وتاريخيا مع روسيا ، ولكنه تحول ضد بوتين باغلبه سواء بعد احتلاله للقرم وحرمانه منها ، فكيف بعد غزوه في مدنه، انه يرفض الهيمنة وخصوصا نموذج حكم بوتين القمعي بتنصيب حكاما عليه خاضعين له، وخلاف رواية بوتين ان هناك انقلابا حصل عام 2014 ، فهو كان احتجاجا شعبيا على هذه الهيمنة ورفضا لنموذج حكمه الاوليغارخي ومنه خرجت ملايينهم ضد يانكوفيج، ليس ضد روسيا بالذات، بل احتجاجا على منعهم في اختيار السير الى الاتحاد الاوربي الليبرالي الاكثر تحضرا وجاء بعد امتناع يانكوفيج ،وبامر من بوتين ، من توقيع اتفاقية تؤدي لانضمام اوكرانيا اليه مستقبلا، فالحركات الشعبية ليست انقلابا ،كما يدعي بوتين ، فلم يساهم العسكر بها اساسا، بل زحفت مئات الالاف عل قصره . ان فشل فرضية بوتين هذه تقود لأستنتاج مهم ان الشعب الاوكراني كان سيقاومه حتى لو نجح غزوه باسقاط زيلينسكي ، فهو سيواجه مقاومة وحربا شرسة مع شعب اوكرانيا، وهذا بحد ذاته وحده كافيا على هزيمته ، فكيف اليوم وقد رأى هذا الشعب ان مدنه ومساكنه ومحطات توليد الطاقة والمدارس والمرافق تدمر، وملايين مهجرة ، عدا مئات الالاف من الجرحى وجثث الضحايا. ان عزيمة ومقاومة الشعب الاوكراني هي من يحدد مصير هذه الحرب حتما ، وما السلاح الغربي الا مساعدا لتسريع حسمها لصالحه ، كما اثبتت المعارك على مدى عام .فالشعب الاوكراني ليس كيانا وهميا كما قال مرة بوتين ، بل كيانا وطنيا كباقي الشعوب كما اثبت. والفرضية الخاطئة الثالثة لبوتين ، والتي ايضا لها تأثيرا على مستقبل هذه الحرب، تقوم على ان اميركا والاوربيين غير مستعدين للتورط مباشرا او غير مباشرا في اوكرانيا ، فهي ليست ذات اهمية لهم مثلما هي له ، ولن يغامروا بمواجهة روسيا النووية امام ضغط شعوبهم . وربما ما اقنعه على ذلك قرائته ان بايدن رئيسا ضعيفا وهرما ، واتى انسحابه المخزي من افغانستان في سبتمبر عام 2021 ليؤكد له صدى ذلك ، وجعله يفترض ان بايدن ، وربما مثله ماكرون وشولتز ، لن يقوموا باكثر من اصدار تصريح فيه أدانة وعقوبات وعدم اعتراف سيكون في غنى عنها جميعها امام المصالح ذ( اردت ان اضيف انه تم الكشف في صحيفة نيويرك تايمز ان اصل مخطط الغزو كان مقررا في ابريل عام 2021 وقام بايدن وقتها باتصال وبتهديد بوتين بان اميركا لن تكون متفرجا ، وهال امر كشف العملية فقرر بوتين تأجيلها، ولكن بعد رؤية الهزيمة في انسحاب افغانستان قرر بوتين ان اميركا سوف لن تتدخل وان بايدن اعجز من القيام بفعل) . والواقع تماما عكس هذه الفرضية كما نراه اليوم ، فاميركا ومن بعدها اوربا اخذت على عاتقها تجهيز الجيش الاوكراني بالسلاح لخوض الحرب ولن تسمح لبوتين لا لتغيير حكمها ولا لاحتلالها ، وهذا القرار يبدو انهم اتخذوه كونهم يدركون انه يمس دولهم ذاتها (كما سيأتي تبيانه ) ، وفشلهم فيه يعني فشل دولهم وانظمتهم كبذاتها، وهو امر لن يسمحوا به ، حتى لو كانت أهمية اوكرانيا قليلة لهم، كما فرض بوتين ، إذ ان اوكرانيا اصبحت بالغة الاهمية لهم بعد اطالة امد الحرب، وهذن من الامور التي ستحدد مستقبل هذه الحرب ايضا. هناك فرضية رابعة هامة تخص الطاقة واوربا ، فيبدو ان الرئيس بوتين افترض تحييد اوربا من واقع اعتمادها على توريدات الغاز الروسي اليها ، ولكن هذه ايضا فشلت باطالة فترة الحرب ،رغم دهشته لذلك ، فالشتاء الصعب يقارب اليوم على الانتهاء ولم تجمد القارة بسببه، بل على العكس قررت القارة الاستغناء عنه ، وهذا سيضعفه مستقبلا. هناك فرضيات اخرى منها موقف الصين مثلا او الرهان على تفكك دول الاتحاد الاوربي في موقفها من اوكرانيا بوجود قادة قوميين على رأس دول مثل المجر والجيك ، او بفوز محتمل للو بان في فرنسا، او حتى مراهنته على جبن الاشتراكيين والليبراليين في المانيا مثلا، ولكنها جميعها يبدو فرضيات لحرب ايديولوجية وطويلة ، ولم تلعب دورا لليوم في هذه الحرب التي اعتبرها قصيرة وستسير وفق مافرضه وتوقعه، أو مأشتهاه. من مراجعة نوعية وطبيعة هذه الفرضيات الاساسية يمكن الاستخلاص انها جميعا كانت ستكون صحيحة فقط خلال سيناريو غزو سريع يؤدي لأسقاط نظام حكم كييف خلال ايام ، ولكن بفشل هذا الغزو السريع ، انقلبت جميع هذه الفرضيات ضده وبشكل حاد ، بحيث انقلب ماكان امرا مسلم به الى حواجز منيعة. فهي فرضيات ربما تصح للقيام بعملية سريعة تنتهي خلال ايام او اسابيع ، ولكنها بالتأكيد ليست فرضيات تصلح لحرب شاملة طويلة كما تطورت اليه اليوم. ان المقاومة العنيدة للاوكران في الدفاع عن وطنهم ، والدعم الغير محسوب للغرب اصبحا يمنعان نصرا لبوتين ، ويمكن القول انه حسم عمليا ونظريا مصير هذه الحرب لصالح اوكرانيا وافشل مخطط بوتين وربما سينتهي بهزيمته، كونه هو الطرف الاضعف امام هذا الحشد الداخلي والغربي والدولي امامه. والسؤال الواقعي اليوم هو دراسة كيف ستتم هزيمة بوتين وليس انتصاره ؟وهنا ربما يبرز مفترق للطرق بين مايرده الاوكران ومايريده الغرب ، فالأخير لايريد انتصارا لبوتين ، كما هو لايريد ايضا انتصار لأوكرانيا في هذه الحرب ، وكلمة انتصار هنا حرفيا تعني دحر الجيش الروسي وهزيمته، فالغرب لايريده لاسباب تمس امنه ، خصوصا وروسيا دولة نووية اولا، ثم العواقب المستقبلية للفوضى التي تلي هذه الهزيمة ، وعليه سنناقش مختلف سيناريوات هزيمة بوتين، وايضا امكانية انتصاره بخضوع الغرب للجلوس والتفاوض معه وفق مصالحة جزئية له ، وهذا يبدو هو اقصى مايريد تحقيقه اليوم للخروج من الحرب ليعلن نفسه منتصرا . 2. قراءة في معنى التحكم بالفوز والخسارة وهل تنتهي الحروب دوما بالمفاوضات وصف احد المحللين العسكريين العرب على التلفاز ، وهو محقا، ان هذه الحرب قد تحولت الى حرب موضعية تشبه الحرب العالمية الاولى ، فهي ليست ديناميكية كالحرب العالمية الثانية ، بل يمكن تسميتها حرب استنزاف ، فلا الروس قادرين على التقدم لأحتلال اوكرانيا ، ولا الأوكران سيكونوا قادرين على هزيمة الروس وفق نوع وكمية التسليح التي يتلقونها من الغرب ، ومنه فستؤدي لخسائر بشرية هائلة على الجبهات. بمعنى اخر ، وهذه قرائتي لهذا التحليل الذي يردده ايضا محللين غربيين، ان القرار في هذه الحرب تحول من يد المحاربين الى يد السياسيين . وهم في هذه الحالة اميركا والاتحاد الاوربي من جهة الغرب، وبوتين من الجهة الاخرى . ورسالة الغرب له لايمكنك الانتصار في هذه الحرب والسيناريو المطروح للخروج منها هو ايقاف الحرب و الانسحاب من اوكرانيا دون شروط وبعدها الجلوس على مائدة المفاوضات. بينما يطرح بوتين سيناريو ايقاف الحرب باعتراف اوكرانيا والغرب ، حتى لو ضمنا او شكليا بحق روسيا في حماية الاقاليم الاربعة وتجري المفاوضات عليها ، ومع الغرب حول مستقبل العلاقات بينهما. اما الاوكران فلهم سيناريو ثالث : الانسحاب الكامل من الاقاليم الاربعة ومن القرم قبل بدء اية مفاوضات. من هذن يمكن التوصل لنتيجة ان هذه الحرب ستبقى مستمرة حتى يحصل كسر التوازن في هذه الحرب ، وكسره هو في الواقع بيد الغرب الذي هو مصدر التسليح لأوكرانيا ويتحكم به وفق مجريات الامور وبشكل ربما يسمح لها باحراز انتصارات في التقدم لتحرير اراضي يحتلها الروس اليوم لتشكيل ضغط اكبر على بوتين واجباره على السيناريو الاول ، خصوصا مع خسائر بشرية كبيرة ستبدأ بالضغط وتهديد حكمه من الداخل مشفوعة بتشديد التضييق الاقتصادي عليه ونفاذ موارد روسيا المالية من الطاقة التي ستنخفض الى النصف كما يراها الاقتصاديون عام 2023 قياسا بالعام الذي قبله. أي بعبارة اخرى سيجري الضغط على بوتين للقبول بالانسحاب قبل انهيار حكمه . ولكن الانسحاب بحد ذاته سيؤدي ايضا لانهياره امام هذه الخسائر البشرية الكبيرة ( يقدرها العسكريون مائتي الف قتيل خلال عام واحد ) التي سيحمله اياه الشعب الروسي كنتيجة لمغامرته. ومنه يمكن الخروج بنتيجة واحدة ان الغرب يتحكم واقعا بعمق الجبهة ومقدار الضغط العسكري على بوتين من خلال كمية ونوعية السلاح ومقدار الدعم المالي والذي يبدو انه مستعد لتقديمه لأجبار بوتين على ايقاف الحرب ، وان لم تنجح مرحلة ليتحقق ذلك ، فسيقوم بزيادة الضغط وزيادة تجهيزه للاوكران ودعمهم حتى يتم أرغام بوتين على القبول بالأنسحاب من الاقاليم الاربعة ، او جزء منها على الاقل ، وارغام اوكرانيا على القبول بهذا الانجاز ، لبدء التفاوض .اي ان الغرب يسعى لأرغام بوتين على الانسحاب والقبول بانهاء الحرب وفق زيادة الضغط خطوة خطوة عليه من خلال الدعم للاوكران لتميل الكفة لصالحهم. بالمقابل يراهن بوتين على ان الغرب سيعاني من دعمه لاوكرانيا عاجلا ام اجلا وسيتم تحول في الرأي العام الغربي لوقف الدعم واجبار اوكرانيا بالقبول بالتفاوض والتنازل عن الاقاليم الاربعة وفق ضمانات امنية دولية لها . اي ان رهان بوتين مرتبط بعوامل تجبر الغرب على وقف دعمهم لاوكرانيا ، منها تعب ونفاذ صبر شعوب الغرب ، او بحلول ازمة اقتصادية تدفعه لتقليص او حتى ايقاف دعمه، وربما يخطط للصمود حتى عام 2024 ، بانتظار صعود ترامب للرئاسة مثلا ، ومنه يمكن ان يتصدأ الحلف الأميركي الاوربي ، وبعده وقف الدعم لأوكرانيا. أي ربما يخطط بوتين بالصمود لحين وقوع اي من هذه الفرضيات ليفرض حله وتحقيق انتصارا له يكون قد استحق كل هذه التضحيات. أي ان الحرب يمكن ان تستمر عمليا ونظريا طوال هذا العام 2023 ، لتمكين الاوكران من تحقيق اختراق جيد بتسليح نوعي وكمي غربي ، وان لم يتم فسيزيد الغرب من دعمه لاحداث هذا الاختراق واجبار بوتين على الانسحاب الجزئي وبدء التفاوض قبل انهيار حكمه . وصمود بوتين ايضا امام الضغط لمدة عام او عامين بانتظار حدوث تراجع او تصدع في الدعم الغربي، وعليه يمكن التركيز على هاتين القراءتين واي منهما سيتحقق لانهاء هذه الحرب واقعا. هناك رأيا ثالثا ، ويطرحه عديدون من المعارضين الروس ، ومنهم ماطرحه كاسباروف ، بطل العالم السابق في الشطرنج والناشط حاليا ضد بوتين ونظامه، على قناة CNN الانكليزية على يوتوب، ان على الغرب التفكيرلتحقيق مصلحة روسيا على المدى البعيد لمصالحه نفسه، وهو ارجاع الديمقراطية اليها وازالة حكم بوتين ومنهجه من خلال انهاء أي امل له في كسب هذه الحرب . وذلك يأتي بتبني الغرب صراحة منهجا يؤدي لانتصار اوكرانيا عسكريا ، وليس تجهيزها بمعدات وسلاح لمنع انتصار بوتين ، بل لتحقيق انتصار اوكرانيا عليه ،ومنه سينهار نظامه ودون مفاوضات ، فالحرب العالمية الثانية ،كما يقول ، انتهت بانتصار عسكري للحلفاء وليس من خلال المفاوضات مع هتلر، ولاتوجد قاعدة تقول ان كل حرب يجب ان تنتهي بمفاوضات كما يفترض الغربيون ، بل ان الطريق الاقصر يكون بهزيمة بوتين ومنها نظامه، لفسح المجال امام الشعب الروسي ليقرر مصيره ، وكلما تم ذلك اسرع يكون افضل لتقليل خسائر الشعب الروسي ومنع انهيار دولته ومنه الفوضى التي لايريدها الغرب. والواقع ان هذا السيناريو ربما هو مايفكر فيه الغرب ايضا ولكنه يجعله كما يبدو المرحلة الاخيرة ان لم تنجح الحالية باجبار بوتين على الانسحاب الجزئي. وما سيشجع الغرب على المرحلة الاخيرة هبوط او تهافت التلويح بشن حرب نووية كما هدد به ميدفيدف ، حيث وقفت الصين والهند ضده ، وربما ايضا توصل بوتين لاستحالته ، وهذا يعني ان ورقة اخرى من تهديد الغرب ايضا قد ضعفت . وعليه يبقى هناك خياران لاغير اما رهان قبول بوتين بانسحاب مقابل التفاوض ، او الدفع باتجاه خسارته عسكريا ليؤدي لأنهيار حكمه بعد تكبيده خسائر كبيرة غير قادر على اخفائها عن الامهات الروسيات، اي اتخاذ قرار بدعم اوكرانيا بشكل يؤدي لأنتصارها بتحرير اراضيها ومنه انهيار حكم بوتين. ان الغرب مايزال على رهانه الاول باقناع بوتين بالانسحاب والتفاوض ، والخطوة القادمة ستكون بدعم اكبر لاوكرانيا لأجباره على الاسحاب والتفاوض قبل انهيار حكمه، واذا وجد الغرب ان ذلك لم يأت بنتائج وأن جبهته الداخلية بدأ نفاذ صبرها ، فربما سيلجأ الى حل كاسباروف وهو تسريع انتصار اوكرانيا واجبار بوتين على التراجع ، ومنه انهيار نظامه . انها سياسة الخطوات ، ففشل واحدة منها لتحقيق نتائج سيؤدي الى الاخرى ، واليوم نحن بين اعتاب الاولى للتحول للثانية، فان فشلت خلال عام 2023 ربما سنشهد تصعيدا للثالثة عام 2024 وفق ماطرحه كاسباروف ، اي قبل احتمال قدوم رئاسة جديدة لأميركا او قبل اية ازمة داخلية اقتصادية عاصفة ، او نفاذ كلي لصبر الشعوب الغربية الذي يعول عليه الرئيس بوتين.ويبدو اليوم ان القدرات متوفرة للتحول من المرحلة الاولى الى الثانية، فان لم يلجأ الرئيس بوتين الى انهاء الحرب والانسحاب سيتم التحول للثالثة ،فجميع الخيارات متوفرة ومعها القدرات لتحقيقها على الارض، وكمثال اورده احد المحللين ان ماقدمه الغرب الى اوكرانيا لحد اليوم هو قرابة 100 مليار دولار لتحقيق توازن على الحبهات، وهذه لاتشكل سوى اقل من 0.02 بالمئة من مجمل الدخل القومي لدول الغرب، في حين انها شكلت قرابة ربع الدخل القومي لروسيا، وبامكان الغرب رفع دعمه الى 500 بليون دولار دون ان يؤثر كثيرا على مجمل اقتصاده ، بينما ستعجز روسيا عن الاستمرار في الحرب ستضيق اوتنتهي الخيارات امامها ، وهو رأي فيه حقيقة الارقام التي لاتقهر لتحديد مجريات هذه الحرب، فالقدرات هي من تحسم ، وصاحب القدرات هو من يتحكم. ان رهان الرئيس بوتين باجبار اوكرانيا والغرب على القبول بتنازل ولو شكلي او جزئي عن اراضيها والجلوس للتفاوض كطرف قوي ومنتصر فيبدو لحد اليوم ضعيفا ، امام ضعف شعبية هذه الحرب داخليا ، والمقاومة العنيدة للاوكران انهم لن يقبلوا بتمزيق بلدهم ، ولا الغرب مستعد لاعطاء بوتين هذا النصر لأن ثمنه عليهم سيكون اكثر بهضا وتكلفة ، مستقبلا كما يقرؤونه ويصرحون به علنا ، فنصر جزئي لبوتين سيؤدي الى تغيير العالم ، منه ولادة حلف روسي صيني جديد ، وولادة حكومات غربية قومية ربما تخرج من الاتحاد الاوربي ، وولادة امبراطوريات اسلاموية على البحر المتوسط جنوب القارة، اي بمعنى بدء انهيار نظم اوربا الليبرالية ، وهو الامر الذي حلم به بوتين ، وربما ينجح فيه لو استطاع الصمود لعدة سنوات لحدوث فرضياته اعلاه. ولكن الغرب يقرأه من دون مفسر احلام ، ومنه يعمل على منع انتصاره الجزئي، وفي نهاية المطاف لايريد خوض معركة ايديولوجية عالمية جديدة بين القومية والليبرالية على امتداد القارة الاوربية ، تجري بداياتها حارة على ارض اوكرانيا اليوم ، ولكن نتائجها ستؤثر على شكل العالم غدا .وهذا هو الامر الذي سنناقشه ادناه وفق كلا المجريين وتبعاتها على العالم وعلى العالم العربي تحديدا. 2. قراءة في تبعات الحرب الاوكرانية في حالة هزيمة بوتين وانهيار نظامه ربما لايحتاج القارئ هنا لجهد كبير ليرى ان العالم سيسير على نهجه الحالي ولكن الصين التي تراقب هذه الحرب عن كثب ستؤجل قرارها بغزو وتحرير تايوان ، وربما سيضعف ويندحر نظام اية الله ومعه اردوغان والاسد بانهيار بوتين ونظامه. اما المعضلة الكبرى فتبقى حالة الحكم والدولة في روسيا ، فلا الغرب ولا الروس انفسهم ، ولا اي احد ، على ما اعتقد يملك سيناريو لذلك ، فالغرب لايريد التورط بمسائل داخلية اساسا ، خاصة في روسيا ، لانه يعرف انه سيفشل ، وهذه احدى العوائق امام الغرب في السير بسناريو الاوكران او كاسباروف، ولكنهم ربما يعولون على الطبقة المثقفة من العسكر وجهاز المخابرات لقيادة البلاد والعودة لدستور عام 1992 واجراء انتخابات والبدء من جديد مقابل استفادة الطرفين من درس التسعينات وجعل الغرب يقوم باستثمارات ضخمة في الاقتصاد الروسي ورفع كافة العقوبات والمساعدة على تقوية اقامة نظام ديمقراطي، ومنه جعل العالم مكانا مفتوحا وامنا للجميع. هذا ربما يبدو سيناريو يبدو ورديا ولكنه ايضا ليس مستحيلا كون للجميع مصلحة فيه ، وكم انجب النظام السوفيتي خروشوف وغورباتشوف يمكن نظام بوتين المجيئ بميدفيديف او غيره ، ويبقى وعي المصلحة لكل طرف هو الذي يمكن ان يجمعهما، بالنسبة لعالمنا العربي فهذا هو السيناريو الافضل له دون شك، فانهيار تحالف بوتين اية الله، بوتين والاخوان باسم اردوغان ، بوتين والاسد باسم العروبة ، بوتين وناتنياهو باسم القومية ،بوتين وحزب الله باسم التحرر من الصهيونية ، ربما ستنهار جميعها مع نظم الميليشيات في العراق وسوريا واليمن ولبنان وستجبر السيسي لنقل السلطة للمدنيين لتنصرف هذه البلدان لتنمية اقتصادياتها ونظمها نحو التنمية ، وان فشلت فذلك لا احراك فيه للعالم كما ولايكلفه شيئا. 3. قراءة في تبعات الحرب لو انتصر بوتين وقبل الغرب بشروطه رغم ضعف هذا السيناريو ولكن احتماه وارد ، ويتعين فيه على بوتين الصمود على الاقل لسنتين في هذه الحرب الاستنزافية المكلفة ، كما تمت مناقشته اعلاه، وان تم ووافق الغرب عليه كأن يمنى الجيش الاوكراني بخسارة كبيرة ويتم محاصرة كييف والتهديد باحتلالها، وتحت ضغطها سيقبل الاوكران بالتفاوض وعليهم وعلى الغرب القبول بشروط بوتين بضم الاقاليم الاربعة وحيادية اوكرانيا او ضمان استقلالها ، وربما موافقة بوتين على انضمامها الى الاتحاد الاوربي على ان تكون محايدة ولاتنضم للناتو، ولكن مهما كان شكل الاتفاق ما هو الا انتصارا لبوتين وسيؤدي الى صعود البوتينية القومية لتغزو حتى اميركا ودول اوربا الغربية وصعود حكومات اليمين القومي ومنه ربما تجمعات لدول قومية لتكون امبراطوريات موازية بالقوة لروسيا، اي الرجوع مقاربة لصورة العالم بداية القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الاولى بسيادة الامبرطوريات منها تركية واخرى فارسية شمالها المانية وجنبها فرنسية وشرقها روسية وغربها بريطانية وامريكية ، وهكذا ولكل منها اتباع ونفوذ ويحسب لها الف حساب. اما الدول العربية فستنقسم لثلاثة عقائد اسلامية متحابة واحدة مع ايران ،واخرى مع اردوغان والثالثة حصة السعودية . هذا مايمكن قرائته لو قدر لبوتين الفوز . عموما يبدو ان العالم اليوم غير مستعد لذلك ، لقوة اليسار الليبرالي الشعبي السائد اليوم في اوربا واميركا ولها من القوة بردعه وافشاله، وحتى جزء واسعا من اليمين لايرغب به فهو اذ يعادي الليبرالية الثقافية للحفاظ على الثقافة العرقية والتقاليد القومية والدينية ، ولكنه ليس مستعدا لدهس الحريات ونظم الديمقراطية ، كما يييمها بوتين اواية الله ، فهذه اصبحت جزء من ثقافة وتقاليد الغرب وحضارته القومية، ومنهما فسيناريو بوتين او دوغين او هنتغتون او دونالد ترامب او اية الله او اردوغان لن تنجح لسبب اساس ، انها لاتصلح للمجتمعات المعاصرة بعدىان تشبعت بروم الحريات والديمقراطية كجزء حتى من الثقافة الشخصية. فالرجوع للخلف يحدث فقط عند الوصول للهاوية ، كما مع حالة تهديد بوتين بالنووي، ولكنه سيستمر للامام بدونها ، او بالتفاف حول الهاوية ، كونه طريق طبيعي اي Natural Path لتطور الانسانية والمجتمعات. د. لبيب سلطان 22/02/2024
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءات في فهم حرب بوتين على اوكرانيا -1
-
العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -2
-
العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -1
-
من ذاكرة طفل عن فاجعة 8 شباط 1963
-
بحث في نجاح النظم الملكية وفشل الجمهورية في العالم العربي
-
فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3
-
فهم حضارة الغرب لمجابهة الاصوليات الشعبوية -2
-
فهم حضارة الغرب لمجابهة الأصوليات الشعبوية-1
-
الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-3
-
الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-2
-
الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع مما معلن-1
-
الأدلجة كأهم اسباب التخلف في العالم العربي
-
حول نشأة المعتزلة والفكرالعقلي المشرقي الاول
-
حول الحوار الليبرالي الماركسي -2
-
لماذا ينجح الحوار الليبرالي الماركسي في الغرب ويفشل عند العر
...
-
لماذا الرأسمالية وليست الماركسية دواء الشفاء للتخلف العربي
-
سقوط الرموز الخمسة لقلعة اية الله
-
بوادر عدوان واسع وآثم على الشعب الكردي
-
صواريخ بوتين في سجل جرائم الحرب والأرهاب
-
قراءة في نتائج الانتخابات النصفية الامريكية
المزيد.....
-
ضجة في إسرائيل بسبب صدور أمر بالتحقيق مع زوجة نتنياهو
-
-هذا لا يمكن أن يستمر-.. الجنود الأوكرانيون يأملون في التوص
...
-
زلزال قوي يضرب جنوب شرق جزيرة هونشو اليابانية
-
قتلى في غارات إسرائيلية على اليمن استهدفت مطار صنعاء ومواقع
...
-
كارثة بيئية في البحر الأسود: إنقاذ أكثر من 1200 طائر بعد غرق
...
-
اليمن.. ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على صنعاء وال
...
-
-تلغراف-: على ترامب أن يعرض على بريطانيا صفقة الانضمام إلى ا
...
-
فنلندا تحقق في -تخريب- كابل كهرباء بحري يربطها بإستونيا وسط
...
-
اتهامات للسلطات التونسية بالتنكيل بقيادي في حركة النهضة
-
كازاخستان تحسم الجدل عن سبب تحطم الطائرة الأذربيجانية في أكت
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|