السعيد عبدالغني
شاعر
(Elsaied Abdelghani)
الحوار المتمدن-العدد: 7529 - 2023 / 2 / 21 - 11:39
المحور:
الادب والفن
في بعض نصوص السعيد عبد الغني وقفت على بعض الاستفهامات التي لم يتلقاها كوني معرّفة بيّنة، ليس لغموضها أو شعريّتها أو لأنها كتبت بلغة السعيد البعيدة الغور، الرمزية، وأحيانا الفوضوية، بل لأنها كلمات يلوح معناها ثم لا يلبث أن يستتر، كلمات تختار الآذان التي تسقط عليها، والقلوب التي تعيها، تضن بمكنونها على من لّا عهد له بتاريخ حملها.
والغريب أنني ما زلت أتلقاها كما قرأتها أول مرة، كما تُقْرأ الشّذرات، أو الصرخات الأخيرة وكلام النهايات..
يقول في قصيدة طويلة له:
"مَن الّذي غَزَلَكَ مفتوحَ التَّجاوزِ هكذا؟"
إنما هذا بالنسبة لي ما يسمّونه العرب ببيت القصيد، نسيت كل تقدم في القصيدة وما تأخر، استوقفني هذا السؤال كثيرا، وظلّ يتردد على خاطري، وأنا بطبعي إذا قرأت شيئا وأحببته أحفظه فورا لا أراديا..
الذات المتنقلة من مّكان إلى مكان، وتنظر من نافذة ثم أخرى، وتقيم ثم ترتحل، هي هذه الذات المفتوحة التجاوز، وهذا ما يسمّيه الصوفية بمرحلة التّلوين، إذ يكون العبد متنقلا من حال إلى حال، وهكذا هو الصوفيّ وهكذا الشّاعر ايضا: مضطرب بلا قرار، يقول أبو حيّان التّوحيدي في رسالة من رسائله في الإشارات: " أما قراري واضطرابي، فقد ارتهنني الاضطراب حتى لم يدع فيّ فضلا للقرار". لا أقول إن السعيد شاعر أو صوفي، أنا لا أملك أن أحده وإن كان التعريف الذي قد أطلقه عليه يقول بالشساعة..
يقول السعيد في مناجاة أخرى:
"لا استفهام بقى سوى: لم الوحدة كمال الذوات؟"
هنا تتجلى أجمل مهام الشاعر الحقيقي، إثارة هكذا أسئلة، تعني إنه يرى من نوافذ لم يطل عليها عنق، ويطرق أبوابا وقف من وقف على عتباتها، فيعبّر بلسانه الخاصّ، ولا يهمّه ما سيكون من جرّاء ما أثارَ وما نبش.
يقول شاعر تركي: "الوحيد، هو «أنتَ» نفسه".
كمال الذوات شساعتها أيضا، فالذات بين الاخرين تُضَيَّقْ وتُحصَر، فلا تعود قادرة على أن تكون، وليس ذلك منها بل من الآخرين.. هذا الاستفهام لا يمكنني تلقيه بالمنطق، لأن الإنسان المتوحّد لا سبيل لإدراكه بالنسبة للإنسان العاقل..
يقول في رسالة شعرية إلى أدونيس: "كيف أخلق لغة لما لا لغة له؟"
إذا ما أردت فهم قوله هذا لَصِيغَ وشُكِّلَ سؤاله في رأسي بصورٍ ضبابيّة تسدل أمامها أستار وأستار لا تهتك إلا بالجنون والعبث، إن ما لا لغة له تام ونحن أبناء النقص، إن ما لا لغة له مكشوف ونحن أبناء الحُجُب، إن ما لا لغة له قادر ونحن ضعفاء.. إن ما لا لغة له غريب ونحن نتغرّب في توقنا إليه وتوحّدنا به...، إن ما لا لغة له، لا شكلَ له، ليس ضدا لشيء إذ هو ليس بشيء، ليس كائنا لأنه لا يمكن اعدامه، وهاء "لأنه" لا تعود عليه، إنما نحن نفترض أنه يمكن أن يحاز تقرّبا له، أما غير ذلك فلا يجري عليه شيء.
يقول في قصة قصيرة له: "ما الذي ينهض في قلبي يا خالقي في الليل؟"
ألطف ما في هذا الاستفهام هو أداته التي تريد الماهية، يقول: إن ما ينهض في قلبي ليلا ليس ألما، ليس حزنا، ليس انتشاء، بل ما لا يمكنني تبيّنه، شيء غير ذلك كلّه، غريب ومجهول لم أتعرّفه بعد ولكنّني استطعته..
#السعيد_عبدالغني (هاشتاغ)
Elsaied_Abdelghani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟