أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأخدود














المزيد.....


الأخدود


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7527 - 2023 / 2 / 19 - 13:25
المحور: الادب والفن
    


البناءُ، كان متعددَ الطوابق. وبالوسع تشبيهه بخلية نحل، لولا الفوضى الضاربة أطنابها في كل مكان فيه. ويلوحُ لي، وأنا أستعيد ذكرى ذلك المكان وما حفلَ به من غرائب، أنه كان سكناً جامعياً في أدواره العليا ومعهداً تعليمياً في دوره الأرضيّ. ولكن، بأيّ صفةٍ كنتُ هناك في يوم حصول الواقعة، التي أسجّلها الآنَ: أكنتُ طالباً أم مجردَ ضيفٍ أو زائر؟
على أية حال، فمن المؤكد أنه كان مكاناً أليفاً، بالرغم من أنني رأيتني فيه غريباً لا أكاد أعرفُ أحداً من ساكنيه. أما الزمن، فلعله كان عشية يوم عطلة، أنقسمَ فيه الطلبة بينَ المهتم بدروسه وبينَ الباحث عن اللهو هنا وهناك. من ناحيتي، فإنني كنتُ قد تيقنتُ سلفاً، باستحالة وجود شخصٍ أعرفه في هذا المكان: لقد كانَ، حَسْب، مكاناً للذكرى؛ تماماً، مثلما أستعيده الآنَ على الورق.
لقد استُهلت الواقعة في حجرة أليفة، وجدتني فيها وحيداً، لحين حضور فتاة تضع على عينيها نظارة طبية. لاحَ من طريقة كلامها معي، أنها كانت تعرفني فيما مضى من زمن. وكان برفقتها فتاةٌ في مثل سنها، بيدَ أن جمالها كان مبهراً. وكان لهذه الأخيرة، إيماءةٌ، سحرتني بشكل خاص؛ يميل فيها رأسها قليلاً، فيما تحدق بي عيناها ملياً وباهتمام. قالت ذات النظارة الطبية، تقدّم لي صديقتها: " أخبرتها أنك رسامٌ، وهيَ جاءت تطلب منك خدمةً ". هنا، ابتسمت الأخرى بود وقالت موضحةً طبيعة طلبها: " أريد منك رسماً لختمٍ رسميّ، يُشبه هذا ". قالتها، فيما كانت تمد لي يدها ببطاقة. ثم أضافت: " إنها تسمح لحاملها بارتياد مسبح السكن الجامعيّ. بعدما تنتهي أنت من الرسم، سيقوم أحد الأصدقاء بنقشه على حبة بطاطا، ليُصار لاستخدامه كختم مزيّف "
" إذاً أدعكما الآنَ، لكي تتدبرا معاً الموضوعَ "، قالت ذات النظارة الطبية وهيَ تنهض لتغادر الحجرة. بقيت الأخرى تنتظر جوابي، فيما كانت إيماءتها تهيمنُ على كياني وتبلبله. أبديتُ موافقتي على مضض، مدفوعاً برغبتي إرضاء الفتاة الجميلة. على الأثر، أنجزتُ الرسمَ بحضورها وفي خلال فترة وجيزة. قالت لي وهيَ تستلم الرسم، الذي حاز رضاها: " أتمنى أن ألتقيك بعد قليل في المسبح، فثمة حفلٌ سيقام فيه هذا المساء ".
سرعانَ ما وجدتني في المسبح، أدير نظري في أرجائه بحثاً عن فتاة الختم. وكان جانبٌ من المكان قد أعدّ لحفلٍ راقص، وعلى أنغام الموسيقى الغربية. عبثاً كانت عيناي تبحث عن فتاتي، وسط هذا الحفل الصاخب. وكنتُ أتنقل بارتباك، مرتدياً مايوه السباحة. إلى أن قررتُ، محبطاً، مغادرة المكان. عندما وصلت للركن، المنتظمة فيه خزائنُ الملابس، فإن المشرفة هناك خاطبتني بشيء من التهكّم: " الملابس جميعاً، نقلت إلى الطابق الثاني ". لم أجد حرجاً في مغادرة المسبح بالمايوه، كوني رأيتُ آخرين يفعلون ذلك. لحقتُ بهم، متأملاً استلام ملابسي. لما وصلتُ للمكان المطلوب، هالني مشهد أكوام الملابس، المرمية على الأرض وكيفما اتفق. قال أحدهم بلسانٍ مخمور: " بما أنه من المحال العثور على ملابسي، فإنني سأستعير ما أجده مناسباً لي ". من جهتي، ارتأيتُ اختيارَ سترة رياضية مناسبة. ثم وجدتني أندسُ ثانيةً بين أفراد ذلك الطابور، وكانوا متجهين إلى ناحية المدخل.
عقبَ خروجنا من المدخل بدقائق، لم يعُد ثمة درجٌ وإنما طريق ترابيّ مبتل بماء المطر. فكّرتُ عندئذٍ بالعودة إلى المبنى، ولكن هذا كان قد اختفى أثره. وهوَ ذا أخدودٌ، ينفتحُ على الأثر لعينيّ، وكان يظهر من خلفه ما خُيّل لوهمي أنه منظرُ الشام بجبالها وغوطتها. ولكنه لم يكن وهماً، طالما أنّ أصواتٍ من الطابور تعالت وهيَ تُسمّي مسقطَ رأسي. غبطتي الغامرة بهذه الحقيقة، سرعان ما بددها فكرة أخرى، مريعة: " إنك في طريقك للهلاك، لو لم تتراجع على الفور! ". ثم بدا أن العودة كانت ضرباً من المحال، بسبب ضيق الأخدود وكثرة مَنْ يدفعونني مِنَ الخلف. إلى أن واجهنا جدارٌ عال، يقف بالقرب منه رجالٌ يلوح من هيئتهم أنهم أفراد أمن الحدود. امتلأ داخلي غماً ويأساً، فيما أُدفَعُ دفعاً باتجاه سلمٍ خشبيّ، مسندودٍ على الجدار.
صاحَ أحدُ رجال الأمن، مخاطباً إيانا: " لن نتمكن من التدقيق في أوراقكم، وذلك بسبب كثرتكم، وأيضاً لأنكم قدمتم من بلد صديق. فما عليكم سوى ارتقاء السلم الخشبيّ، لاجتياز الأخدود والوصول إلى المدينة ". هدأت نفسي قليلاً، وها أنا ذا أبدأ بارتقاء السلّم حينَ حان دوري. كوني مصاباً بعقدة الخوف من الأماكن المرتفعة، فإنني ثبّتُ نظري بفتاةٍ كانت قد أضحت بأعلى السلّم. ولكنها بدلاً عن النزول إلى الجهة الأخرى من الجدار، إذا بها تقدّمُ رجلاً وتؤخر أخرى. أخذ السلم عندئذٍ بالاهتزاز، فما كان مني سوى الصراخ بتلك الفتاة بالكف عن العبث بأعصابنا. حينما التفتت بوجهها إلى ناحيتي، فإنني فوجئتُ بأنها صديقتنا؛ صاحبة النظارات الطبية. خاطبتني بهدوء، وفي آنٍ واحد، بنبرة متوعّدة: " لا تصرخ هكذا، كيلا يفطن رجال الأمن لوجودك معنا ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفير جهنم
- شباب إمرأة: ريف ومدينة ورغبة
- غزل البنات؛ فيلم الكوميديا الخالد
- المومياء؛ الفيلم المصري الفريد
- العزيمة؛ فيلم الريادة الواقعية
- ليلة ساخنة؛ إغتصاب آمال الغلابة
- تمصير الروايات الأجنبية: تيريز راكان
- المشاكل النفسية، سينمائياً
- عادل إمام وظاهرة التحرش الجنسي
- مخرج الفظائع
- شيخ المخرجين
- باب الحديد: الأبله مهووساً جنسياً
- سواق الأوتوبيس: الإنسان والضباع الضارية
- من أفلام الجريمة: الطاووس
- الأديب والإدمان
- المقارنة المستحيلة
- العار؛ الوجه الجميل لتاجر المخدرات
- ايقونة السينما المصرية: محمد خان
- عصر الذئاب؛ تجارة وعذرية وجريمة
- العرّاب؛ مأثرة الفن السابع


المزيد.....




- طريقة تثبيت تردد روتانا سينما  الجديد 2025 “مش هتعرف تغمض عي ...
- الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماع ...
- عذّبه الأب، وعاش ليشهد فرار الإبن.. محمد برو وعدالة تأخرت نص ...
- فرقة لا تعزف الموسيقى بل تقدمها بلغة الإشارة لفاقدي السمع
- (بالصورة) رسامة كاريكاتير تستقيل.. والسبب -إنحناء بيزوس أمام ...
- إرث العثمانيين الثقافي.. ديانا دارك وتجوال جديد على جسور الش ...
- -انحناءة- بيزوس أمام ترامب تتسبب باستقالة رسامة كاريكاتير في ...
- ترجمة مُضللة لتصريحات وزير دفاع أمريكا عن ضربات ضد الحشد الش ...
- -لا أرض أخرى-.. البدو الفلسطينيون يجبرون على الرحيل تحت غطاء ...
- قائد الثورة..ضرورة زيادة النتاجات العلمية والفنية عن هؤلاء ا ...


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأخدود