|
- المحتوى الهابط - في طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7526 - 2023 / 2 / 18 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" المحتوى الهابط " في طريقة اختيار رئيس الوزراء العراقي
يمكن وصف طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي بالهابطة : لانها خادشة للذوق الديمقراطي العام الذي تخلّقَ خلال القرون الثلاثة الاخيرة واصبح : ثقافة عالمية معروفة السمات والقواعد …
اول خدش ، أو قل اول هدم للديمقراطية في العراق ، يتمثل برفض اعتماد نتيجة الانتخابات في تسمية رئيس مجلس الوزراء ، وهو ما يعادل الغاء قوة ارادة الشعب التي تتبلور في نتيجة الانتخابات ، وبالتالي الغاء حرية الشعب في اختيار مسؤوليه . وهذه القوة اللاغية لارادة الشعب تتكون من اقلية قليلة جداً ، هم رؤساء بعض الاحزاب الاسلامية ، وقيادة بعض الميليشيات ، وبعض الروزخونية وجميعهم لا يفقهون من السياسة غير تقاسم المناصب وحيازة المغانم .. اذاً من حقنا ان نتساءل : لماذا يتم اجراء الانتخابات اصلاً ؟ …
وكما يتعدى المنشور الشاذ والسلوك الشاذ على الذوق العام : كذلك تتعدى طريقة اختيار رئيس الحكومة في العراق على قواعد وآليات تطبيق الديمقراطية وتمعن في تشويهها …
بعبقرية اجتماعية وسياسية خاصة ، استطاعت نخبة المجتمعات الاوربية العبور بمجتمعاتها من : مرحلة في التاريخ البشري كانت سمتها الاساسية : الصراع الدموي على السلطة ، الى مرحلة في ادارة الصراعات الاجتماعية والسياسية تتميز بالسلمية ، وخاصة بعد حرب الثلاثين عاماً 1618 - 1648 ، وذلك بالتراضي على التخلي عن تحكيم السيف والبارود في الوصول الى السلطة ، والاستعاضة عنهما بتحكيم صندوق الانتخابات ، وتسليم السلطة للفائز بنسبة اصوات اعلى . وهذا هو الجوهر العظيم للاجتماع البشري تحت ظل الديمقراطية : التخلي عن العنف ، ونزع الكثير من صفات التوحش ودخول مرحلة سن الرشد والنضج الاجتماعي . لكن في العراق ( الديمقراطي ) يتم التخلي عن نتيجة الانتخابات : الآلية الوحيدة لادارة الصراعات سلمياً ، والعودة الى التوحش ، الى الصراع الدموي ، الى صراع العنف والقتل والخطف في تعيين رئيس مجلس الوزراء …
برَّرَ القوميون والاسلاميون عدم التقيّد بالتطبيق السليم لقواعد وآليات العمل الديمقراطي : بضرورة شق طريق ثالث لا يشبه طريق الاوربيين ، وذلك للحفاظ على الاصالة والهوية : اللتان ستتعرضان الى التدمير بتطبيق كل آليات وعناصر اشتغال النظام الديمقراطية . لكن احداث التاريخ في القرن العشرين ، كذبت هذه الرؤية : اذ بعد هزيمة النازية والفاشستية في الحرب العالمية الثانية . لم تتدمر : لا هوية المانيا ولا ايطاليا ، ولم تتخرب اصالة شعبيهما : بالعكس ، لقد فتحت الديمقراطية لهما طرقاً اخرى متعددة للتعبير العبقري عن الهوية والاصالة : كما ان اليابان ارتفعت اشواطاً في التقدم العلمي والتكنولوجي والعدالة الاجتماعية بالتطبيق السليم للديمقراطية . بعد مرور قرن كامل على هذه الثرثرة العبثية لا يريد هذان التياران : الاسلامي والقومي الاعتراف بان محاربتهما للتطبيق السليم للديمقراطية نتج عنه : ضياع الشعوب العربية لقرن كامل في صحراء التجريب العبثي الذي لم تكن نتيجته الّا اعادة انتاج الاستبداد والتخلف ، وما قاد اليه من حروب خارجية وداخلية ، ونكسات وهزائم ، وهجرة كثيفة للاوطان نتيجة البطالة ، ونتيجة اجبار الناس على العيش وسط اشكال من الحياة قاعدتها : الفقر والارهاب …
ان اصالة الشعوب وهوياتها ترتبط في الأوان الذي نعيش بما عليه اقتصادها الصناعي من تقدم ، ومن ابداع تكنولوجي ، ومن قدرة على صناعة سلع وبضائع تملك امكانية المنافسة في السوق العالمية ( كلما صغرت ، كلما كانت عالية الجودة ورخيصة الثمن ، وقادرة على المنافسة ) . وليس افراد المجتمع العراقي مخلوقين من مادة اخرى اكثر هشاشة من المادة التي تم صنع الانسان منها : لكي تضيع منه هويته واصالته ودينه واعرافه التي لم يفقدها انسان المجتمعات التي تمارس الاختيار الديمقراطي منذ قرنين من الزمان …
ان عدم احترام نتائج الانتخابات يدل على عدم وجود معارضة رسمية قوية ، وعدم الاحترام هذا نابع من عدم معرفة اغلبية العراقيين لأهمية وجود معارضة : اذ ان عدم وجود معارضة يعني ان المجتمع لا يؤمن بالتعددية ولا يحترم معتقدات الآخرين : وهذا ما نلمسه واقعاً في العراق خاصة بعد صدور دستور 2005 الذي مأسس التقسيم الطائفي والعرقي في البلاد والبسها ثوب الشرعية وهو يتحدث عن مكونات . والمعارضة هي دائماً ابنة مجتمع مدني قوي ومتماسك : يستطيع بفعاليات التظاهر والاعتصام ان يفرض شروطه على السلطة القائمة ، ويجبرها على التنازل ، وتحقيق مطالبه . لكن في العراق يتم اختطاف افراد المعارضة من الساحات العامة ، حيث تتم تصفيتهم جسدياً : كتعبير قوي عن رفض الاختلاف ، اي رفض وجود الركن الثاني من اركان وجود الديمقراطية بعد ركن الانتخابات الدورية . وهذه التصفية الجسدية لافراد المعارضة مستمرة كتقليد ثابت منذ العهد الملكي : يعكس غيابها ثبات المجتمع وانطوائه على بعد انتاجي واحد : هو الانتاج الزراعي ، وما يفرزه المجتمع الزراعي من عصبيات طائفية وقبلية . تمارس هذه التصفيات ميليشيات لا تقوى الدولة على حماية مواطنيها منها ( وهذا يذكرنا بما قاله الملك فيصل قبل 90 عاماً عن اسلحة العشائر : دولة اضعف من مجموع قوة عشائرها ) وفي وقتنا الحالي : دولة اضعف من مجموع قوة ميليشياتها . ميليشيات اقوى من نظام الدولة السياسي ، وهي التي تلغي نتائج الانتخابات وتجيء برئيس الوزراء الى السلطة وتتحكم به من وراء ستار . فتكون النتيجة انتفاء وجود نظام سياسي ذي ملامح محددة في العراق . من غير الاخذ بنتائج الانتخابات والاعتراف الرسمي والشعبي لا يمكن الحديث عن نظام سياسي ديمقراطي في العراق بل يمكن الحديث عن وجود عصابات سياسية : بدأت تجيد الاشتغال على الاستثمار في التناقض : الامريكي الايراني ، وفي الاستثمار السياسي في الدين …
- [x] والحقيقة ان ظاهرة المجيء برؤساء الوزارة من خارج نتائج الانتخابات هي السمة المميزة للتجربة ( الديمقراطية ) في العراق . واستمرار التمسك بها بعد كل دورة انتخابية يدل : على ان الصفوة السياسية لا تريد للخطوات الديمقراطية الصحيحة ان تترسخ في العراق ، لكي يظل الفساد المالي والاداري سائداً ، ولكي تمعن في السيطرة على شخص رئيس مجلس الوزراء وتجعله ينفق جل وقته في ارضائها وتلبية طلباتها ، واخذ رأيها قبل الاقدام على اتخاذ اي قرار : اقتصادي او عسكري او ثقافي . اذ لا بد ان يطمئنها اولاً على ضمان مصالحها قبل ضمان اي مصلحة وطنية : والّا سلبت منه كرسي رئاسة الحكومة ، واطاحت به . ومنذ عادل عبد المهدي ومروراً بالكاظمي وحتى محمد شياع السوداني تكاملت الظاهرة في العراق ( الديمقراطي ) : حيث يداس على نتائج الانتخابات وتتم الاستعاضة عنها بما يتم التوافق عليه من قبل تحالف الساسة الاسلاميين والروزخونية المعممة او المكشدة ، واكبر الغاء لنتائج الانتخابات تم عام 2010 ، وتم منع الفائز في الانتخابات : الدكتور اياد علاوي من تشكيل الحكومة ، لكن سطحية الفكرة الديمقراطية في ذهن علاوي : وعدم ايمانه العميق بفكرة المعارضة ، جعلته يستمر في دعم نظام الفقهاء والساسة الاسلاميين المدعومة من دولة " ولاية الفقيه " الدينية في ايران …
هذه الظاهرة الشاذة هي علة العلل في العراق واذا لم يتم تلافيها باعتماد نتائج الانتخابات في تعيين رئيس مجلس الوزراء : ستظل الحكومة ضعيفة وتابعة لتحالف رؤساء الاحزاب الاسلامية والميليشيات وبعض الروزخونية ، وغير قادرة على فرض قراراتها .. ودونكم قرار الحكومة الاخير في جعل قيمة كل 100 دولار 1300 ديناراً ، فقد ظل مجرد قرار ، لا تأثير له على خفض قيمة الدولار ، ورفع قيمة الدينار العراقي : بسبب من قوّة نفوذ المهربين وعملاء ايران على الشؤون المالية في العراق ، وعلى قرار البنگ المركزي العراقي في بيع العملة …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليمين الاسرائيلي واليمين الفلسطيني وجهان لعملة واحدة
-
القوّة وحدها تملك امكانية تسمية الامكنة
-
في العام الجديد ( 2 ) المستوى السياسي
-
في العام الجديد
-
تسريبات الصحافي علي فاضل وشكل الحكم القادم في العراق .
-
هل هي صورة مجرم ام صورة لفائز بجائزة ؟
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء استمرار العنف في
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أَم النظام السياسي النيابي وراء استمرار
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق
...
-
النظام النيابي ام البنية الطلئفية وراء عنف الحوار في العراق
...
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثالث
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثاني
-
ثورة المرأة الايرانية
-
نقيضان لا يلتقيان : الحشد والدولة
-
- ناسا - زيارة الى وكالة الفضاء الامريكية
-
عن : سامي مهدي
-
القاتل والمقتول في النار
-
استمرار اللامعقول
-
خضراء العراق وخضراء الدمن
-
يوميات عاشوراء (4) - ليلة الوحشة
المزيد.....
-
-المحطة الذكية-.. ابتكار يسعى لتحويل دبي لمدينة صديقة للدراج
...
-
البرغوثي لـCNN: السنوار شجاع وسيُنظر إليه على أنه بطل.. وهذا
...
-
مدفيديف: نظام كييف يحاول صنع -قنبلة قذرة-
-
إسرائيل تعلن تحييد مسلحين اجتازوا الحدود من الأردن
-
علماء يرسمون خارطة للجلد البشري قد تساعد في معالجة الندوب
-
ترحيب غربي بمقتل السنوار: فرصة للسلام والإفراج عن الرهائن
-
مصر.. تفاصيل دستور الدواء الخامس
-
احتجاز جثمان السنوار بمكان سري.. والكشف عن نتائج التشريح
-
خبير روسي: مقاومة ما يحدث في العالم هو ما يوحد -بريكس-
-
عراقجي من إسطنبول: هناك فهم مشترك بالمنطقة تجاه خطورة الصراع
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|