هل وضعت الحرب الروسية الأوكرانية أوزارها؟

خالد بطراوي

الحوار المتمدن-العدد: 7524 - 2023 / 2 / 16 - 16:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

من الواضح جدا أن التغطية الاعلامية المتعلقة بيوميات الحرب الروسية الأوكرانية قد بدأت تخف عما كانت عليه في بداية الحرب التي تدخل عامها الثاني هذه الأيام.
ولعل مرد تراجع التغطية الاعلامية حول هذه الحرب مجموعة من العوامل أهمها أن الماكنة الاعلامية الامبريالية تسعى الى ذلك فهي التي أججت التغطية الاعلامية في البداية بغية الضغط على روسيا من ناحية والتأثير الاعلامي على الرأي العام من ناحية أخرى. ولما تبين للامبريالية أن الروس يمتازون بطول نفس ولا يأبهون لكل ما يقال ومستمرون في حربهم لفرض حقائق جديدة في العالم، بدأت الماكنة الاعلامية الامبريالية تخفف من حديثها وتسليط الأضواء على الحرب كي لا يتم اكتشاف ضعف الرد على التحرك الروسي على كافة الاصعدة الاقتصادية والسياسية والاعلامية وغيرها.
كما وأن من أسباب تراجع التغطية الاعلامية هو التفات المجتمع الدولي الى أحداث جسام باتت حديث الساعة كالزلزال التركي الأخير.
ولكن ذلك كله لا ينفي مطلقا أن التغطية الاعلامية حول الحرب قد أصبحت صفرا بل ما زالت هناك بعض الأخبار التي ترشح بين الفينة والاخرى وترمي " العظمة" للمحللين وخاصة من يسمون أنفسهم بـ " الخبراء العسكريين" بينما تترك "اللحم" ودسمه للروس الذين لم يستخدموا بعد وسائلهم القتالية المتطورة.
وعودة على السؤال المتعلق بإذا ما كانت الحرب الروسية الاوكرانية قد وضعت أوزارها، والجواب على ذلك هو "لعم" أي مزيج من اللا النافية والنعم المؤكدة.
فمن ناحية لم تستطع روسيا "أو لا تريد " أن تحسم المعركة بالنصر المطلق المبين ورفع العلم الروسي على الأرض الآوكرانية وفي ذات الوقت لم تعلن أوكرانيا استسلامها، ولم تتحرك دول الغرب لعقد مباحثات سلام بمبادرة منها مباشرة أم عبر منظومة الأمم المتحدة المهترئة.
وعليه، فان توصيف الحالة هي حالة "مراوحة" أي مكانك سر. فروسيا مستمرة في عملياتها ولا يمكنها التراجع والانسحاب وإلا فستعتبر ذلك "هزيمة" لها وهي لا تريد التصعيد وتشعر بالارتياح لحالة المراوحة هذه، وتعتمد على عنصر الزمن ولا تعتبر نفسها في حالة إستنزاف، بل هي التي تقوم بعملية الاستنزاف لاوكرانيا المدمرة وغير القادرة على إحداث أية ثغرة أو انجاز التفوق العسكري، وروسيا أيضا تستنزف الدول الداعمة لأوكرانيا التي لا تجرؤ على الدخول مباشرة في الحرب من أراضيها، بمعنى أن تطلق من أراضي هذه الدولة الغربية أو من أمريكا أو من القواعد العسكرية القريبة من روسيا أية قذيفة تكون كافية لرد ساحق ماحق من قبل روسيا، وفي ذات الوقت فان هذه الدول مرغمة على تقديم العون العسكري وغيره من الامدادات الى اوكرانيا التي شكلّت رأس حربة " أو بوز مدفع" للحرب الصامتة بين روسيا من جهة والغرب وأمريكا من جهة أخرى.
أما أوكرانيا فلا تستطيع أن تعلن هزيمتها وترفع الراية البيضاء لأن في ذلك الكثير الكثير من المعاني التي ستسجل في سفر التاريخ والتي لها من التبعات الكبيرة. إذ لن تقوم لاوكرانيا أية قائمة بعد الان، وستنتقل من " البسطار الغربي" الى " البسطار الروسي" وستقام حكومات عبارة عن "سلطة ادارة مدنية" خاضعة للاملاءات الروسية على كافة الاصعدة، وسيحاسب الشعب الاوكراني قادته على ما سببته للشعب الاوكراني من ويلات وكوارث. وعليه، فليس أمام أوكرانيا التي ظنّت أن الغرب وأمريكا سيدعمانها، إلا أنها تعيش أيضا حالة المراوحة " مكانك سر" الى حين أن يأتي من يقوم "بإنزالها عن الشجرة" باسلوب يعرف على أنه "حالة تحقيق النصر لهذا وذاك " (Win Win Situation).
أما أمريكا والغرب، فكيف لهم أن يرفعوا الراية البيضاء لروسيا؟ فان فعلوا فان روسيا ستفرض معادلات جديدة في العالم برمته. ولهذا فليس لديهم الجاهزية الان لتسوية المسألة الروسية الاوكرانية، وهم أيضا ينتظرون من يقوم "بإنزالهم عن الشجرة"، فمن ناحية لا يستطيعون الدخول مباشرة في الحرب الدائرة رغم أنهم يرسلون بعض الفرق، ومن ناحية أخرى يمدون أوكرانيا بالعتاد العسكري البالي أو قديم التطور الذي لا يصمد أمام السلاح العسكري الروسي المتطور المستخدم رغم أنه ليس الاكثر تطورا لديهم، فالاكثر تطورا ما زال في مخازن الجيش الروسي. ولهذا فليس من المستعبد أن تحاول أمريكا والغرب احداث عملية اختراق داخلي في القيادة الروسية ولن تتأخر في تنفيذ عمليات اغتيال اذا ما سنحت لها الفرصة وكانت الظروف مواتية. ولا ننفي مطلقا أن يكون كل ما يدور من رحى الحرب ما هو الا ثمرة تنسيق مشترك بين أمريكا والغرب وروسيا وترتيبات اعادة تموضع.
ستستمر الحرب الروسية الاوكرانية لفترة لن تكون قصيرة، ستعتمد أسلوب "الكر والفر" و "خرمشة القطط" و " ضربة على الحافر وضربة ع المسمار". ستكون أوكرانيا " كبش الفداء" والضحية الأساس، وستخسر روسيا من بين أبنائها أيضا عددا لا بأس به وكما غنّى الشيخ إمام " الحرب لسه في أول السكة".

#خالد_بطراوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات