أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محموديعقوب - جذور ألهكسوس ألميته















المزيد.....

جذور ألهكسوس ألميته


محموديعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 05:11
المحور: الادب والفن
    


تُلفتْ روحي وتُلف جسدي, وما عاد بوسعي ان اقول شيئا اخر اثر عودتي من سنوات الاسر الطويلة, التي طمى فيها فيضان القول والوصف الى الحد الذي اغلق الاسماع بسيل الجفاء,هل اقول عدت بخمسة اسنان فقط في فمي, وقرص صلع يؤطره شيب كالرماد؟..ام اهمس بخيبة ومرارة انني رجعت مع خيط جنون؟! كلا ..كل ما يمكنني قوله انني وبعدما وطأت قدمي ارض الوطن, لم اكن وقتها سوى ذكرى حرب وصدى انسان .
وساعة استقر بي الحال في منزلي, اتعبتني طقوس الترحيب وهذيان الزائرين, ووجمت حائرا ازاء سر التهاني التي تصب على رأسي ليل نهار .لم تكن عودتي في وقت مناسب تماما, بالنسبة لي على الاقل, اذ وجدت وطني اسيرا برمته, تحاصره الهموم الشائكة, ويتمرغ ابناؤه بكل حيف في اتون الفقر والذل .
كنت موظفا في ما مضى, وتوجب علي ان اعود الى عملي بعد فترة قصيرة من قعودي, بالرغم من معرفتي المسبقة بالقيمة التي آل اليها الراتب الذي لايكفل معيشة يومين او ثلاثة من الشهر بكامله. وحالما عدت الى عملي تلظيت بشطف العيش وبؤسه واصبحت في حالة مزرية مثل اعم الناس .وبعد ايام قصيرة توثقت علاقتي مع زميل في العمل, كان كنز نصائح ودليل محنة, وهو موظف قديم, يتدبر امور معيشته بصبر واناة, اعتنى بي وراح ينصحني, وكنت افعل مثله, احمل كل يوم حاجة من اثاث بيتي وابيعها, احملها على مضض, غير انه ما ان يصبح ثمنها في جيبي حتى اعود جذلا بما احتاط به .
وصديقي هذا يعرف جيدا ما يبيع, فابتدأت بآنيتي واغطيتي وفراشي ثم اتيت بعدها على اثاث المنزل الاخرى, ولم تمض فترة حتى نضب البيت تماما, فضعفت حيلتي وضاق ذرعي, الا ان بصيرة صديقي النافذة سرعان ماافضت بي الى شبابيك وابواب الدار الداخلية فكنا نقلع البعض منها ونبيعها الواحدة تلو الاخرى, وهكذا كنا نخوض حربا سجالا لانهاية لها مع ذلك العيش اللعين وفيما عدا ذلك, كنت منطويا, اقضي بقية وقتي عاكفا على المطالعة, التي تقطع دابر التسكع على مفلس مثلي .
في ذلك الخضم خطرت لي فكرة مدهشة وطريفة ايضا, ربما كانت بايحاء من خبل افكاري واوهامي التي ورثتها من سنوات الحرب المضنية . فقد عزمت على كتابة قصة طويلة اردت لها ان تكون "قصة مثيرة"وان ابيع هذه القصة ان امكن!..فانفرط حماسي لذلك بسرعة, اعددت العدة لمثل هذه المغامرة وثابرت على انجازها بعد ان استقامت وتصلبت فكرتها الرخوة المترججة في ذهني . كانت فكرة القصة تمثل حياتي بما تنطوي عليه من محن ومفارقات وغرائب , تلك الامور الثلاثة بأمكانها ان تجعل من تلك القصة نفحات سحرية في تصوري وتقديري, إنها قصة حياتي منذ ان اتمت الملائكة ختاني وانا في أقمطة ولادتي وحتى فك جوامع اسري.. واستطيع أن اقول للامانة , انني أستعنت وبشكل سافر بمجموعة من الروايات والسير الذاتية القديمة التي كنت أقتنيها, فاينما اجدني امام عقبة كأداء خلال استرسالي كنت انهل من تلك الكتب ما يدفعني قدما رغم تعبي واستنفاد طاقتي اقول بكل صراحة ان تلك القصة لم تلد الا ولادة عسيرة , كما يولد الاطفال الخدج , ما ان رأت النور حتى حُملت الى بيت صديق تولاها بالرعاية والسهرحتى تعافت . ولما كانت تلك القصة قصة حياتي ,وانا مازلت حيا ارزق, لذا كانت نهايتها مفتوحة بدون خاتمة . وكان صديقي الموظف اول من شرفني بقرائتها , ولم يكتم مشاعره , فأعلن انها اثارت حماسته للكتابة ايضا ..
طرحت القصة للبيع , في سورة من تعليقات اصدقائي الساخرة ولغوهم الذي لا يطاق , وذهول البعض الاخر, وكانوا على يقين بأن ما من عاقل سليم سيجازف ويخطو لشرائها , لذا بقيت القصة مدة طويلة بائرة ولم يقلبها احد بالرغم من ان خبرها شاع وتخطى حدود دائرة عملي . وبعد تفسر تلك السورة بأيام صدم جميع الموظفين حينما تقدمت واحدة من زميلاتنا معربة عن نيتها في شراء القصة , امام انظار الجميع الذين تلبدت صفحات وجوههم بمشاعر متمايزة . كانت أرملة مات زوجها في الاسر معي , ولم تطل المساومة كثيرا فبعد كلمتين تم ذلك بيسر امام الجميع الذين وقفوا مكذبين هذه الصفقه المحيرة , وعموما حفزني ذلك فيما بعد على المضي في الكتاية والمطالعة ..
حين حدثت هذه الاشياء لم اكن لآدري ان بعد فترة ستمتد يد الزمن لتطوي صفحة سوداء من حياتنا , وانني عشت كل تلك الويلات لأرى هذا اليوم العظيم , تغيرت احوالنا وصرنا نتقاضى مرتبات مجزية سمحت لنا بالعيش وتوفير ما فقدناه سابقا.
وسرعان ما صار عندي مكتبة و مكتب في البيت . كنت منكبا على عملي الوظيفي حين عادت اليٍِّ زميلتي تلك, تتأبط كتابا, دنت مني ووضعته امامي , ولم يكن سوى القصة التي ابناعتها, طلبت مني برجاء ان اضيف اليها فصلا جديدا, هو خاتمة القصة ونهايتها المبتورة , وقد وعدتني انها ستدفع اجرا عاليا مقابل ذلك!.. فاجأني ذلك واربكني فبقيت لثوان مسلطا عليها عيوني المترددة الخرساء.. اربكني ذلك لسببين , الاول يتعلق بنهايتي فأنا مازلت على قيد الحياة, والثاني اني اتحرج من النهايات كثيرا بكل اشكالها . ولكن اخلاصا لهذه المراة التي اسدت الي خدمة جليلة يوم اشترت قصتي في احلك الظروف , تقبلت عرضها وطلبت منها ان تمهلني وقتا كافيا..
صرت اسهر كل ليلة انقب عن الافكار وابحث عن شواردها دون كلل , علني اعثر على نهايه ترضي طموحي وتشفي غليل زميلتي المهووسه بتعقب النهايات. تعبت كثيرا دون طائل, فلا النهايات السعيدة اسعدتني ولا النهايات الحزينة وافقتني . وعلى اي حال استمر الامر طويلا حتى حدث ما لم يكن في الحسبان ذلك انني متُ , نعم متُ دون ان اكمل تلك الخاتمة , اما كيف... فقد متُ مقتولا لتبقى القصة قابعة في درج مكتبي . وبعد ان مرت شهور على انقضاء امري , تقدمت زميلتي الى اهلي مطالبه بأسترداد كتابها , فتم لها ذلك , وبعد ان فتحت القصة تفاجأت بأن الخاتمة كانت مكتوبة بالفعل و بخط يدي.. كانت مكتوبة بالحبر الاحمر الذي لم يجف بعد, والذي تضوع منه رائحة الدم, وقد كتبت هذه النهاية على نسق الفصول الاخرى وبعنوان بارز"جذور الهكسوس الميتة"اصف فيها على نحو فاجع حادثة قتلي مبتدا كما يلي ان خليطا انصهرفي بودقة الرعب, من شذاذ الافاق , ومن تقيأتهم الارض من الطرائد ومن صيادي الجوائز وذؤبان العرب في شرق المتوسط , اوحي اليهم امرائهم الغرباء ان يعبدوا اله الدم, انجرفت اسرابهم نحو الرافدين جرادا جارحا من اكلة اللحوم , جرادا اعمى لا يميز . وذات مساء قاد احد سائسي خيولهم نفسه ليفجرها في العراء .. وكنت اول من تمزقت وتناثرت اشلاؤه, ولحظة تشظي جسدي ادهشني ان القاتل لا يعرف قتلاه حقا, ولربما لايعرف المكان ايضا , وتناثر دمي قلائد عقيق احمر يشع بين عتمة المساء....)وهكذا تمضي هذه الخاتمة تروي الجزء المثير من القصة بضمير المتكلم حتى النهاية..
لفت نظري في نهاية هذا الفصل الختامي عبارة معرفية متوهجة ليست من النسيج القصصي الذي الفناه مكتوبة بين اقواسذبلت جذور الهكسوس في تربة التاريخ, فلا ينبغي لشجرتهم العقيمة ان تثمر), واعتقد ان هذا عين الصواب ذلك لأنني باق رغم مقتلي ..
وتوقفني الضرورة برهة لآشير الى امر يستحق التنويه , فبعد ان طار خبر هذه الخاتمة المروعة من لسان الى لسان , من البديهي ان كل لسان صار يضيف اليها كلمة او كلمتين , حتى تسربلت اخيرا بلباس اسطوري وكثر حولها اللغط و اختلطت الاقاويل بين الملايين من الناس القاصيين منهم والدانين , الذين شغفهم الفضول لقراءة قصتي يتقدمهم زملائي الموظفون فأعلنو جميعا عن رغبتعم في شراء نسخ منها وانني سعيد جدا لذلك متمنيا ان يقرؤوها بتمعن حتى تغمرهم السعادة مثلي.
ومن نافلة القول، ان اذكر ان ذلك اللغط واختلاط الكلام انما مبعثه قولي بأنني باق رغم مقتلي . واعتقد بان هذا القول سهل للغاية ولا ينبغي ان يثير الدهشة والاستغراب فكلكم تعرفون ان الارواح باقية لاتموت , وحين تشظى جسدي متمزقا شهقت روحي الى عنان السماء ثم استوت راسخة فوق الارض متشبثة باشلائي .. عظم من هنا, واوذار لحم من هناك, تلمها وترمم بها كياني لتبقيني سالما , معافى , اقرأ , واكتب , واعيش..



#محموديعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنه هو ألعراق...ج 2
- انه هو العراق وانه
- قصة كفاحي
- أنه ألعراق..وأنه
- قصه قصيره كرابيت


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محموديعقوب - جذور ألهكسوس ألميته