أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي زيدان جوابرة - قصة قصيرة (حُرّاس مدينة الأنبياء)














المزيد.....


قصة قصيرة (حُرّاس مدينة الأنبياء)


فتحي زيدان جوابرة
كاتب ، قاصّ ، روائي

(Fathy Zedan Jawabreh)


الحوار المتمدن-العدد: 7504 - 2023 / 1 / 27 - 14:09
المحور: الادب والفن
    


"الله أكبر ، لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله". هتافات صادحة تنطلق من حناجر الآلاف في الطريق إلى مقبرة الشهداء، يغمرني الخشوع وتجتاح القشعريرة بدني وأتماهى في ذاك الموكب الجنائزي المهيب، وأنسلخ من جسدي وأصير طيفًا يطوف فوق مسيرة الزفاف السماوي، تتشكل غيوم كثيفة ذات بياض ناصع، وفي وسط هذا البياض تتشكل بقعة صفراء وتصير قبة، وحولها تكوينات حجرية على هيئة قباب وعقود. تستحيل التكبيرات والتهليلات إلى زئير وصهيل وأزيز حول القبة الصفراء وفي ثنايا الأبنية الحجرية المهيبة. زغاريد حادّة تنطلق من زقاق قديم، وكائنات ملائكية وحمائم ولبؤات تكتظ في الأزقة وعلى الشبابيك والأسطح، وثمة مخلوق نصفه الأمامي وطواط والآخر أفعى يطوف ويسبح في غبش بين بياض الغيوم.
الغيوم تضطرب وتتلوّن وتتراكض إلى جهة ما وكأنها مندفعة إلى حرب. نعم هنا معركة تدور في الأنحاء وفي السماء وفي الأفق، والأصوات تختلط ولا أعي شيئا مما يجري حولي. ينهمر المطر ويتناثر الخلق في تجمعات طولية على الجانبين، الرعد يقصف والبروق تلمع في الأجواء، وأنا كتلة مائية أسير في نهر يجري على مسافة طولية سوداء، والدفء يغمر هذا النهر الجاري، وثمة آخرون يسيرون أمامي يتحولون إلى كتل مائية مثلي تماما، وبعضهم يذوب ويتلاشى في الماء.
تختلط الأصوات والألوان، وزغاريد الملائكة تنطلق من الأزقة، تلمع برقة فيشتعل ذيل الأفعى، وتقصف رعدة فيزعق الوطواط. ذاك المخلوق المشتعل نصفه الخلفي غاضب ومرتعب، يحدّق في وجهي، يتفحصني ويكمل طوافه، يقذف ذَرَقَه فيصيب ثلاثة ملائكة صغارا كانوا على الأطراف، وأنا أغدو قريبا منهم، أراهم يتمددون وهم يحملون أشياء وردية، وعلى ظهورهم تلتصق حقائب منفوخة كالبالونات، أحدهم ملاك أنثى، ثم يغيب المخلوق البشع المشتعل نصفه الخلفي في الأفق، يولول ويزعق ويعربد. وأسمع نداءات صادحة تنطلق من المآذن والقباب: "شهداء... أقمار.... الجنة.... الخلود...". وعلى مقربة مني يضرب شيخ وقور على الدفّ، وينشد:
-" إذا اقتحم المسجدَ الأعداء، فلا تخافي يا صغيرة، اقرئي سورة الإسراء، واذهبي إلى المقبرة، فهناك الشهداء، يحرسون مدينة الأنبياء".
ويؤزني سؤال يتكرر في ذاتي التي لا أعيها:
-"ما الذي يجري؟ أين أنا؟. فأسمع:
-"ولا تقولوا لمن يُقتَل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون".
المكان دافئ له جلال ورهبة طاغية، الخلق كثير والمطر غزير، أسراب من طيور ملونة تأتي من بعيد في السماء وتحطّ في المكان. في طغيان الخشوع والسكون أسمع صوتا يخرج من الأرض:
- "جاءكم حارس جديد للمدينة". فيجيبه طير أبيض:
-"سيتبعه ثلاثة حرّاس آخرين، هم عصافير صغيرة. اعتنوا بهم جيدا".
تتجمع لبؤات وحمائم في ساحة واسعة، يغشى الساحة هديل وزمجرة، تغمض لبؤة عينيها ويصدر منها هديل، تتجمّع حولها لبؤات ويغادرن بها إلى الزقاق، وأرى بأمّ عيني قلبها يخرج من جوفها ويتدحرج عبر النهر الجاري إلى حيث نتواجد مع الطيور السماوية في حرم المقرّ المركزي للحرّاس. وأسأل:
-" الأسود تهدل؟". تتلفظ حمامة بكلام لا أستوعب كثيرا منه، لكن أعي أنها تقول:
-"نزمجر للميلاد ونهدل حين الموت، لا تقلق سوف تزمجر اللبؤة قريبا".
عبْرَ الزقاق الضيق ذاته وأنا أسير وحدي أحاول أن أفهم كل شيء جرى خلال ذلك الموكب الجنائزي المقدّس، متتبعا كل المشاهد والتفاصيل التي عاينتُها، سمعتُ امرأة تتساءل وتجيب عبر الهاتف وبصوت مزمجر:
-"توائم؟ ولدين وبنّوتة؟ الحمد لله الحمد لله ع سلامتها أم الأسد". فصرخت أنا بلا وعي:
-" الله أكبر ، لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله... باب الأقصى من حديد ما بفتحه إلا الشهيد".



#فتحي_زيدان_جوابرة (هاشتاغ)       Fathy_Zedan_Jawabreh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة (محكمة الضباع)
- قصة قصيرة (عبور في ممرّ الموت)
- قصة قصيرة (يوم عمل مع ميريام ومريم في بستان الزّلّيق)
- قصة قصيرة ( أبو الحسن والمتعقبون في ليلة مثلجة )
- خاطرة ( أسمى)
- خاطرة سردية (ما الوطن؟)
- قصيدة نثرية (من وحي دموع العربيات)
- مقالة نقدية (القرية والتراث الريفي في قصص محمد نفاع)
- مقالة سردية أو خاطرة: (زيارة مؤلمة لكن لا بدّ منها)
- قصة قصيرة (ليلة سقوط عروس الروحة)
- (حركة فتح: أسباب التّشتّت والعجز عن توحيد الصفوف)
- قصة قصيرة: أنا و(لولو) كلب آل روخمان
- قراءة عامة في مجموعة (التفاحة النهرية) لمحمد نفاع
- قصة قصيرة ( أنا وكلب نتانيا لولو روخمان)
- قصة قصيرة ( مجندة إسرائيلية )
- قصة قصيرة: ( هل من مترجم في المعبر؟ )


المزيد.....




- الجزء الثاني من الفيلم الناجح -Freakier Friday- أصبح جاهزاً ...
- مسجد إيفري كوركورون الكبير.. أحد معالم التراث الثقافي الوطني ...
- من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي زيدان جوابرة - قصة قصيرة (حُرّاس مدينة الأنبياء)