-
نـــوال السعداوي الصوت المشاكس في الثقافة العربية الحديثة.. الصوت المحاصر باستمرار خوف البوح باسراره وخباياه.. هذه المرأة ظلت صامدة تدافع عن الحرية والمرأة علي أكثر من جبهة.. أثرت الثقافة العربية بنصوص عديدة تدافع فيها عن قيم انسانية كبري، تتهددها قيم جديدة يفرزها عصر العولمة والربح والجدوي... التقيتها في مدينة سوسة جوهرة الساحل التونسي، جالستها وتحدثنا كثيرا في مواضيع عديدة ومختلفة فكان لنا معها هذا اللقاء..
û هل ما زالت تعتقد نوال السعداوي أن الثقافة الذكورية هي السائدة في الساحة العربية، تملي قيمها ونظرتها الي العالم والاشياء؟
ــ أعتقد أن الثقافة الطبقية الابوية تسود العالم منذ نشوء العبودية حتي اليوم، من شمال أمريكا حتي جنوب افريقيا وآسيا مرورا بالبلاد العربية، إذ لا تزال تحكمنا القيم الطبقية الابوية علي المستوي الدولي والمستوي المحلي داخل الدولة. وكذلك علي المستوي العائلي داخل الأسرة، ولا يمكن الفصل بين هذه المستويات الثلاثة. فهي مترابطة تشكل النظام الهرمي الذي يحكمنا والذي نتج عنه الاستعمار القديم والجديد، وتكوين دولة اسرائيل العنصرية وولّد الحروب في العالم أجمع والمنازعات السياسية والدينية والطائفية وكلها صراعات اقتصادية تتنازع فيما بينها علي امتلاك الارض والاموال والنساء وتتاجر بالدين والاخلاق وتتاجر أيضا بالجنس والاثارات الصحافية والاعلامية.
حصار المرأة
û الي أي حد يمكن القول إن التراث وحده مسؤول عن حصار المرأة وقمعها؟
ــ هذا غير صحيح فالتراث ليس وحده مسؤولا عن مشكلات المرأة، صحيح أن المرأة قهرت في التاريخ البشري منذ نشوء العبودية أو ما تسميه الان بالنظام الطبقي الابوي، الا أن الماضي لا ينفصل عن الحاضر والحاضر لا ينفصل عن المستقبل، فالتاريخ حلقات متصلة والقيم السلبية التي تعترض النساء والفقراء والعبيد لا تزال قائمة حتي اليوم ولكن بأشكال مختلفة، بسبب استمرار الاستعمار سواء الخارجي منه او الداخلي وكذلك القوانين المنظمة للأسرة والزواج والتي تنصب الرجل وصيا علي المرأة وصاحب السلطة المطلقة.
û وهل صحيح أن تحرير المرأة لا يتم الا علي يد الرجل؟
ــ لا أعتقد أن المرأة تنال حريتها عن طريق الرجل، المرأة ستنال حريتها السياسية والاقتصادية والشخصية عن طريق منظمات نسائية قوية، تشرح قضية المرأة وتدافع عنها وتعتقد ان تحرير المجتمع بأسره لا يمر الا عبر تحرير المرأة.
أحيانا تتحول المرأة من قاهرة الي مقهورة ومن مقهورة الي قاهرة، فهي تقهر غيرها أطفالها مثلا أو الخادمة عندها وقد تقهر نفسها، بل قد تنتحر وتقتل ذاتها بسبب الخوف واليأس، ولانها تخاف من اغضاب الرجل صاحب السلطة، وتخاف من الطلاق وتخاف من الحرق.
û ألا ترين أن المرأة نفسها تسعي الي قمع ذاتها في بعض بقاع عالمنا العربي وهي بالتالي سبب الوضعية التي هي فيها؟
ـ
ـ كل هذا بسبب الخوف من السلطة التي تقهر المرأة او الرجل في الوقت ذاته. الا ان الرجل نفسه ظل يتبني هذه القيم ويدافع عنها في حين انها ضده. وهنالك ايضا أمهات كثيرات يقهرن بناتهن ارضاء لازواجهن، ونري امهات يفضلن اولادهن الذكور عن البنات وانا في عائلتي شخصيا لي خالات وعمات قهرن بناتهن وجعلن الاخ يسيطر علي الاخت ويضربها تأديبا لها.. فالمرأة تقهر المرأة أحيانا وتقهر نفسها، وأنا في عيادتي جاءتني كثيرات يردن تعذيب أنفسهن.. وهنالك من الرجال من لا يشعر بلذة جنسية الا حين يضرب المرأة..
û هل يمكن الحديث عن أدب نسائي عربي له خصائصه ومميزاته؟
ــ نحن نضيع الوقت دائما في الشكليات والتسميات، هل نسمي أدب المرأة بأدب نسائي أم أدب مؤنث؟ وهل ترتدي المرأة الحجاب ام النقاب أم الماكياج أم غيره.. فكلها شكليات يتفادون بها الجوهر.. فالمرأة العربية تكتب أدبا قد يكون جيدا متقدما وقد يكون متخلفا ولكن هذا لا يناقش، لأن حركة النقد الادبية في بلادنا العربية لا تزال قاصرة وبعيدة عن فهم وتقييم الادب الجيد المتقدم الذي تكتبه المرأة..
35 كتابا
û ما الذي أضافته المرأة الكاتبة الي الثقافة العربية في القرن العشرين؟
ــ لقد أضافت المرأة العربية الكثير وانا لا أستطيع أن اتكلم عن كل الكاتبات والاديبات، ولكني أتحدث عن نفسي، أنا قدمت 35 كتابا باللغة العربية، ما بين الروايات والقصص والمسرحيات بالاضافة الي الاعمال الفكرية المتعددة، وقد ترجمت هذه الاعمال الي أكثر من 30 لغة في العالم، وتدرس في عدد كبير من جامعات أوروبا وأمريكا واستراليا وآسيا وافريقيا، وقد أضفت الي الفكر الانساني في العالم وليس الفكر العربي فقط.. لكن التعتيم الاعلامي في بلادنا يتجاهل هذه الاعمال ويحاول تشويهها وهنالك كثيرات مثلي لا يهتم بهن أحد..
û لقد واكبت مسيرة المرأة العربية عامة والمصرية خاصة علي امتداد عقود عديدة، فهل ترين أن هناك انتقالا نوعيا للمرأة خلال هذه المدة؟
ــ طبعا هنالك انتقال نوعي، وقد أضافت المرأة العربية من فكرها ومواقفها السياسية والنضالية ما دفع مجتمعاتنا العربية الي الامام.. ولولا مجهودات المرأة العربية ومساهماتها في الفكر والسياسة والاقتصاد والدين والاخلاق وغرسها لمفاهيم جديدة علي مدي العقود الماضية لما أصبحنا في ما نحن فيه..
û هل تؤمن نوال السعداوي بطبيعة خاصة بالمرأة تختلف عن طبيعة الرجل؟ وهل أن الطبيعة هي عنصر طبيعي متوارث أم أنها نتيجة للمخزون الثقافي والحضاري للانسان..؟
ــ في العلم اليوم أصبحنا لا نتحدث كثيرا عن الطبيعة البشرية سواء الذكورية منها ام الانثوية، ولكن نتحدث عن الدوافع والنظم السياسية التي تشكل وتغير في الطبيعة، فهناك حوار جدلي دائم وتفاعل مستمر بين ما هو طبيعي وما هو ثقافي، ولا يمكن فصل الطبيعي عن الثقافي..
û نوال السعداوي طبيبة، فما الذي أضافته هذه المهنة الي مختلف معارفها حول المرأة والرجل؟
ــ لقد أفادتني دراسة الطب كثيرا... فهي معرفة ضرورية لأي مبدع أو مبدعة خاصة تشريح النفس البشرية وتشريح الجسم أيضا وربط الامراض الجسمية والنفسية بالامراض السياسية والاجتماعية، وهذا لا يتأتي إلا لمن درس العلوم الي جانب الأدب..
û كيف تتأملين المشهد الفكري العربي؟
ــ يمر الفكر العربي بمرحلة يمكن أن نسميها ردة فكرية وثقافية بسبب تصاعد التيارات الفكرية، وهذه التيارات شجعها الاستعمار الجديد والقوة الاسرائيلية التي تحاول أن تشغل الفتن الطائفية وتمزق البلاد العربية لتسود هي في النهاية..
û هل نحن في حاجة الي تجديد الآراء التي ظهرت منذ اول القرن، ودعت الي تحرير المرأ ) قاسم أمين ــ الطاهر الحداد(؟ .. واستطرادا هل نحن في حاجة الي تجديد خطاب الاصلاح عامة؟
ــ نعم نحن في أشد الحاجة الي الاخذ بالايجابيات التي يحتويها تراثنا القديم منه والحديث.. لان تراثنا كأي تراث في العالم له ما هو ايجابي تعمل علي المحافظة عليه وتطويره، وهذا ما سعي الي تحقيقه الكثير من الرواد مثل الطاهر الحداد ومي زيادة وعائشة التيمورية وكوكب حفني ناصف وملك حفني ناصف وغيرهم كثيرون. كما أن في تراثنا العديد من السلبيات يجب علينا تركها وعدم اعتمادها بكل شجاعة بدون تملق للقوي السياسية الفاعلة، كما يفعل بعض الناس الذين يقفون من الماركسية الي الاخوان المسلمين وهم يفعلون ذلك لمكاسب سياسية والرغبة في الوصول الي كراسي الحكم..
û ما العلاقة بين القضية الوطنية والقضية النسائية؟ وهل يمكن تأجيل قضية المرأة الي حين تحرير الارض العربية؟
ــ النساء نصف الوطن العربي وبالتالي لا يمكن فصل قضايا نصف الوطن عن النصف الاخر..
فالقضية النسائية والقضية الوطنية متلاحمتان، ولا يمكن أن تتحرر النساء في وطن غير متحرر، كما أن الوطن لا يمكن ان يتحرر ونصف سكانه من النساء غير متحررات، لذلك لا يمكن تأجيل القضية والوطنية ولا يمكن تأجيل القضية النسائية, كلاهما وجهان لشكل واحد فهي معركة واحدة..