|
رواية للفتيان اشوميا الزهرة المقدسة
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7498 - 2023 / 1 / 21 - 00:47
المحور:
الادب والفن
رواية للفتيان
اشوميا الزهرة المقدسة
طلال حسن
" 1 " ـــــــــــــــــــــــ خرجت أشوميا من غرفتها ، ومضت كأنها عصفورة فتية ترفرف ، رغم أن مربيتها العجوز تقول لها ، كفى ، يا اشوميا ، لا تطيري هكذا ، أنتِ الآن في السادسة عشرة من عمرك . وتوقفت اشوميا في شرفة القصر ، التي تطل على الحديقة ، وكالعادة تبعتها مربيتها العجوز مثل ظلها ، وتوقفت إلى جانبها صامتة . وعبت ملء صدرها ، من أنفاس الربيع الدافئة العطرة ، ورمقت المربية العجوز بنظرة سريعة ، وهتفت قائلة : هذا الربيع ، المليء بالأزهار والحياة ، لمن ؟ فردت المربية العجوز بلهجة مازحة : للحملان ، والخشوف ، و .. فقاطعتها اشوميا قائلة : أنا .. خشف . وتنهدت المربية العجوز ، وقالت : آه . ونظرت اشوميا إلى البعيد ، بعينيها السومريتين السوداوين ، وقالت : أنتِ غزالة ، كبيرة بعض الشيء ، وأنا خشف صغير ، خذيني إلى الربيع . وتنهدت المربية العجوز ثانية ، وقالت : ليتني أستطيع ، أنتِ تعرفين الكاهنة الكبيرة . وعلا حزن شفاف ، كغمامة بيضاء ، ملامح اشوميا السمراء ، وقالت : لو كان لي أم ، أم حقيقية ، لما حبستني في هذا القصر ، ولأخذتني إلى الربيع . واقتربت المربية العجوز منها ، وقالت : أنا أمكِ ، يا عزيزتي ، فقد ربيتك مذ كنت طفلة ، ورعيتك حتى كبرت ، وصار عمرك ست عشرة سنة . ونظرت اشوميا إليها ، وقالت بصوت يغشاه الحزن والاحتجاج : لو كنتِ أمي بحق ، لأخذتني الآن في جولة صغيرة ، بعيداً عن هذا السجن . ونظرت المربية العجوز إليها صامتة ، حزينة ، فقالت اشوميا ، وهي تستدير ، وتمضي إلى الداخل : ستقولين لي مرة أخرى ، الكاهنة الكبيرة ، فلأذهب إلى فراشي ، وأدفن نفسي فيه ، فهذا أفضل . وظلت المربية العجوز في مكانها ، تنظر بعينيها الشائختين الحزينتين إلى الربيع ، إنها هي نفسها ، في ربيعها ، الذي مرّ سريعاً ، كانت تحب الربيع ، وترشف الكثير من رحيقه ، رغم أنها ولدت في كوخ ، وليس في قصر ، حتى انتشلتها الكاهنة الكبيرة ، وجاءت بها إلى القصر لترعى .. اشوميا . وتنهدت المربية العجوز ، ويبدو أنها طول عمرها كانت تتنهد ، ومضت إلى داخل القصر ، وتوقفت مترددة أمام باب غرفة اشوميا ، وسرعان ما دفعت الباب برفق ، ودخلت إلى الغرفة . وإذا اشوميا منبطحة في فراشها ، ووجهها الأسمر مدفون في مخدتها الكبيرة الناعمة ، وقد غطت خصلات من شعرها الأسود وجهها السومري الأسمر ، فاقتربت منها ، وهمست : اشوميا .. لم تردّ اشوميا عليها ، فقالت المربية العجوز بلهجة الممنية : أيتها الخشف .. وتحركت خصلات الشعر الأسود ، وأطل منها الوجه الأسمر النضر ، والعينان السوداوان المتألقتان ، وتابعت المربية العجوز قائلة : أعرف أن هذا خطأ ، وأن الكاهنة الكبيرة ستعاقبني ، إذا عرفت . واعتدلت اشوميا في فراشها قائلة : لن تعرف . وقالت المربية العجوز : مهما يكن ، انهضي ، وبعد الغداء يمكننا أن .. وهبت اشوميا قائلة : هيا نتغدَّ . وأمسكتها المربية العجوز ، وقال لها : مهلاً ، يا اشوميا ، مازلنا في الضحى . ومدتْ اشوميا يديها الفتيتين ، وأمسكت كتفي المربية العجوز الضامرين ، وقالت : أنتِ عند وعدكِ ؟ وردت المربية العجوز : عند وعدي . وابتسمت اشوميا ، وقالت : كلمة رجال ؟ وهزت المربية العجوز رأسها ، وقالت مبتسمة : كلمة رجال ، شرط أن لا نتأخر . فقالت اشوميا ، وعيناه السوداوان الواسعتان ، تشعان وسط وجهها الأسمر : لن نتأخر .
" 2 " ـــــــــــــــــــــ عند الغداء ، راحت اشوميا تتناول طعامها بسرعة ، ومرح ، فقالت المربية العجوز لها : بنيتي ، حبيبتي ، لا داعي لكلّ هذه العجالة . وبدل أن تبطىء اشوميا في تناولها للطعام ، هبّت من مكانها ، وقالت : انتهى الغداء . وكتمت المربية العجوز ضحكتها ، وهي تقول : لم تأكلي شيئاً يذكر ، لست طفلة . وطبطبت اشوميا على بطنها ، وقد رفعتها قليلاً ، وقالت : انظري ، لقد امتلأت بطني . ثم مضت إلى غرفتها متطايرة ، وهي تقول : انهضي ، انهضي بسرعة ، واتبعيني . وتحاملت المربية العجوز على نفسها ، وتبعتها إلى داخل غرفتها ، وقالت : بنيتي ، ارتدي ثياباً عادية ، لا أريد أن يلتفت إليكِ أحد . ونظرت اشوميا إليها ، فقالت : يا ويلي من الكاهنة الكبيرة ، ستعاقبني أشدّ العقاب ، إذا عرفت أننا خرجنا من القصر هذا اليوم . فهزت اشوميا رأسها ، المكلل بشعفة من خصلات الشعر الأسود اللامع ، وقالت : كما تشائين ، اطمئني ، سأرتدي ثيابا، ولن ألفت نظر أحد . ونظرت المربية العجوز إليها ، وقالت بصوت غير مطمئنٍ : هذا أفضل ، وإن كنت ستلفتين نظر هذا الأحد ، مهما ارتديتِ من ثياب . وصمتت لحظة ، وقد أبعدت عينيها عن اشوميا ثم قالت : ليت الألهة تشفق عليّ ، فلا تعرف الكاهنة الكبيرة ، بأمر خروجنا إلى الربيع ، آه . وتسللت المربية العجوز ، ومعها اشوميا ، من داخل القصر ، وحاولتا أن لا ينتبه إليهما أحد ، ومضتا مبتعدتين على عجل ، لكن إحدى الخادمتين لمحتهما ، وهما تجتازان الباب الخارجي . والتفتت اشوميا إلى المربية العجوز ، التي كانت تتدحرج إلى جانبها ، وقالت بصوت مرح مليء بالحياة : الجو اليوم رائع جداً . وحاولت المربية العجوز ، أن تلتقط أنفاسها اللاهثة المتقطعة ، وردت قائلة : هذا ما يخيفني . وضحكت اشوميا بمرح ، وقالت : أعرفكِ ، أنت تخافين الحياة نفسها . وتوقفت المربية العجوز ، وهي تلهث ، وقالت : ما أخافه هو اينانا ، إنها تنشط في مثل هذه الأيام ، التي أسميتها أنتِ ، رائعة ، يا اشوميا . ورمقت اشوميا المربية العجوز بنظرة سريعة ، ماكرة ، وقالت : اينانا إلهة الحرب .. وصمتت اشوميا ، فأضافت المربية العجوز قائلة : إلهة الحرب ، وما هو أخطر من الحرب أيضاً . وأطلقت اشوميا ضحكة مرحة ، وقالت : هيا خذيني ، يا عزيزتي ، إلى حيث يتجلى الربيع . واستأنفت المربية العجوز سيرها ، رغم شعورها الشديد بالتعب ، وقالت : سنذهب إلى المرج ، فهو قريب ، ورواده قلة من الناس ، رغم جماله . وتوقفت اشوميا ، متظاهرة بالاحتجاج ، وقالت : لكن الناس هم الربيع الحقيقي . وواصلت المربية العجوز سيرها البطيء ، وهي تقول بصوت لاهث : دعكِ من الناس ، إنهم الجحيم أحياناً ، وتعالي إلى المرج ، وسترين الربيع . ورغم قلة الناس ، كان المرج ربيعاً بكل معنى الكلمة ، حشائش خضراء زاهية على مدّ البصر ، تطرزها أزهار من كلّ الألوان ، وفي الخلفية ، عن بعد ، غابة من الأشجار المتطاولة النضرة ، وراحت اشوميا ، وسط هذا الربيع ، تدور وتزقزق ، والأنسم تطاير خصلات شعرها الأسود ، و .. وجاءتها صرخة مربيتها العجوز : انتبهي . ومرّ بها كالإعصار ، حصان فتيّ ، يمتطيه شاب أكثر فتوة وربيعاً ، ورغم أن الحصان وفارسه لم يلمساها ، إلا أنها تراجعت ، وتهاوت على الأرض . وأسرعت المربية العجوز اشوميا ، وقد اتسعت عيناها الشائختان ، وراح قلبها يخفق في خوف وقلق ، وقبل أن تصل إليها ، كان الفارس قد ترجل عن حصانه الجامح ، ووصل إليها متلهفاً وقلقاً ، ومدّ يديه الشابتين ، وأمسك يديها ، وأنهضها عن الأرض ، وهو يقول : الحمد للآلهة ، أنت بخير ، اطمئني . ورفعت اشوميا عينيها السوداوان الواسعتان إليه ، وحدقت فيه ، دون أن تتفوه بكلمة ، يا للربيع ، وأقبلت المربية العجوز ، وسحبت يدي اشوميا ، من بين يدي الفارس الربيع ، وهي تقول : أنت بخير ، يا اشوميا ، تعالي نعد من حيث جئنا . وتراجعت اشوميا ، وعيناها السوداوان الواسعتان مازالتا متعلقتين بالفارس الشاب ، فقال الفارس ، وهو يتبعهما بصورة لا ارادية : أخشى أن تكوني متعبة ، دعيني أوصلكِ بحصاني إلى حيث تريدن . وقاطعته المربية العجوز قائلة ، وهي تسحب اشوميا : لا ، نشكرك ، المكان قريب ، وهي بخير . وتوقف الفارس الشاب ، وراح يتابع بنظره اشوميا والمربية العجوز ، وهما تسيران ، حتى غابتا ، فقفل عائداً إلى حصانه الفتي .
" 3 " ـــــــــــــــــــ قبيل المساء ، أسرعت المربية العجوز إلى خارج القصر ، فقد تناهت إليها أصوات ، ظنت أنها تصدر من الكاهنة الكبيرة ومرافقاتها ، لكنها لم تجد أحداً منهنّ ، ويبدو أن خوفها صور لها هذا . وعلى الفور ، عادت إلى غرفة اشوميا ، فرأتها تجلس في فراشها ، تتطلع عبر النافذة إلى حديقة القصر ، فأسرعت إليها ، وقالت : تمددي في فراشك ، ستأتي الكاهنة الكبيرة بين لحظة وأخرى . وبدل أن تتمدد اشوميا في فراشها ، وتتظاهر على الأقل بشيء من التعب ، التفتت إلى المربية العجوز ، وقالت : لم تخبريني .. وقاطعتها المربية العجوز خائفة : الكاهنة الكبيرة ، أرسلت عند عصر اليوم ، كاهنة من المعبد ، تسأل عنك ، فقلت لها ، إنكِ متوعكة قليلاً . وكأن اشوميا ، لم تسمع منها أي شيء ، فقد واصلت كلامها قائلة : ذلك الفارس الشاب ، الذي كاد يصدمني بحصانه ، من هو ؟ ومدت المربية العجوز يديها الشائختين ، وراحت تدفعها برفق ، وهي تقول : تمددي الآن ، تمددي ، ستأتي الكاهنة الكبيرة ، وتراكِ كالحصان . وعقدت اشوميا يديها فوق صدرها ، وقالت : إذا سألتني الكاهنة الكبيرة ، عن سبب توعكي ، ورقادي في الفراش ، فمن يدري ، ماذا يمكن أن أقول .. واتسعت عينا المربية العجوز ، ومالت على اشوميا قليلاً ، وقالت وكأنها تتوسل : أنتِ خرجت إلى الحديقة ، بملابس خفيفة ، وأصبت بشيء من البرد . ومالت اشوميا رأسها بمكر ، وقالت : أنتِ تريدين مني أن أكذب على الكاهن الكبيرة .. وشهقت المربية العجوز : اشوميا .. وقالت اشوميا بمكر : ثم إن الإلهة اينانا ، ستحاسبني حساباً عسيراً على هذه الكذبة ، ومن يدري ، ربما ستحاسبكِ أنتِ أيضاً . ولاذت المربية العجوز بالصمت ، فقالت اشوميا : ذلك الفارس الشاب ، من هو ؟ وهمت المربية العجون أن تجيبها ، وإذا باب الغرفة يُطرق ، وأطلت الخادمة الشابة ، وقالت : سيدتي ، جاءت الكاهنة الكبيرة . ونظرت المربية العجوز اشوميا ، وقلت متوسلة : عزيزتي اشوميا .. وقاطعتها اشوميا متسائلة : من هو ؟ وانطلقت المربية العجوز إلى الخارج ، وهي تقول : إنه الأمير ، ولي العهد .. واتسعت عينا اشوميا الواسعتان السوداوان ، والتمع فيهما بريق ربيعي كالبرق ، وتمددت في فراشها ، وقلبها يخفق بشدة ، وهي تتمتم مذهولة : ماذا ؟ الأمير ! ولي العهد نفسه ؟ وخرجت المربية العجوز ، تستقبل الكاهنة الكبيرة ، عند مدخل القصر ، وانحت لها بكل احترام ، وقالت : أهلاً ومرحباً سيدتي ، أهلاً ومرحباً بكِ . وواصلت الكاهنة الكبيرة سيرها إلى الداخل ، دون أن تلتفت إليها ، وقالت : طمئنيني ، أرجو أن تكون عزيزتنا اشوميا على ما يرام . وسارت المربية العجوز إلى الخلف منها ، وقالت : بخير ، يا سيدتي ، بخير بعون الآلهة ، إنها وعكة عابرة ، وقد تعافت منها تقريباً . واعتدلت اشوميا ، حين دخلت الكاهنة الكبيرة غرفتها ، وخلفها دخلت المربية العجوز ، وهي تسير متعثرة بخطواتها ، وهمت أن تنهض من فراشها ، وهي تقول : أهلاً ، أهلاً ومرحباً سيدتي .. وأشارت لها الكاهنة الكبيرة ، أن تبقى في فراشها ، وقالت : قالوا لي ، إنك بخير وعافية ، لكني أردت أن أراكِ ، وأطمئن عليكِ بنفسي . وصمتت لحظة ، ثم تساءلت : ما الأمر ؟ ونظرت اشوميا صامتة ، وفي عينيه نظرة بريئة متعمدة ، إلى المربية العجوز ، وكأنها تقول لها بعينيها الواسعتين السوداوين ، ها ماذا تقولين ؟ وسارعت الكاهنة العجوز خائفة ، ومالت على الكاهنة الكبيرة ، وقالت : لا شيء ، يا سيدتي ، أنها وعكة بسيطة ، ربما أصابها برد خفيف . ورمقت اشوميا المربية العجوز بنظرة سريعة ، ثم تظرت إلى الكاهنة الكبيرة ، وقالت : لن أضيف الآن شيئاً إلى ما قالته ، مربيتي العزيزة . وصمتت لحظة ، فقالت اشوميا: تفضلي ، يا سيدتي ، اجلسي قليلاً ، إنني مشتاقة إليكِ . وجلست الكاهن الكبيرة ، على مقعد وثير قريب من سرير اشوميا ، وهي تقول : سأجلس بعض الوقت ، فأنا لي التزاماتي في المعبد ، ولا أريد أن أتأخر .
" 4 " ــــــــــــــــــــ عادت المربية العجوز إلى الغرفة ، وما كادت تخطو خطوة واحدة في الداخل ، حتى شعرت بيد اشوميا ، تطبق على يدها ، وتسحبها إلى وسط الغرفة ، وتبادرها قائلة : والآن أخبريني .. وقاطعتها المربية العجوز قائلة بصوت مرتعش : آه منكِ ، يا اشوميا ، أمتني من الخوف ، لقد ظننت أن الكاهنة الكبيرة ، عرفت بما حدث في المرج . وضغطت اشوميا على يدها برفق ، وقالت : لا تتهربي ، أجيبي على سؤالي . وسحبت المربية العجوز يدها ، من يد اشوميا ، وقالت : أخبرتكِ ، إنه الأمير ، ولي العهد . وتساءلت اشوميا ، وكأنها تسائل نفسها : ترى ما اسمه ؟ هذا الأمير .. أل .. ولي العهد . ودفعتها المربية العجوز نحو السرير ، وهي تقول : تعالي نامي ، المفروض أنك متوعكة . وتمددت اشوميا في فراشها ، ونظرت إلى المربية العجوز ، وقالت : تساءلت عن اسمه . وبدل أن تسمع اشوميا ، ردّ المربية العجوز ، طرق الباب ، وأطلت الخادمة الشابة ، وقالت منفعلة : هناك وصيفة من القصر الملكي نريدكِ . واتسعت عينا المربية العجوز ذهولاً ، وتمتمت : من القصر .. تريدني ! وقالت الخادمة الشابة تستعجلها : تعالي بسرعة ، إنها تنتظر في الداخل . وقبل أن تتحرك المربية العجوز ، هبت اشوميا من فراشها ، ودفعتها برفق حتى الباب ، وهي تقول : اذهبي ، وانظري ماذا تريد ، اذهبي . وذهبت المربية العجوز متعثرة ، وفوجئت بوصيفة شابة من وصيفات القصر الملكي ، تقف في انتظارها ، فأسرعت إليها مرحبة ، وقالت : أهلاً ومرحباً ، تفضلي نجلس في .. وقاطعتها الوصيفة الشابة قائلة : عفواً ، أرسلني سيدي الأمير موكانيشوم ، لأبلغك بأنه سيزوركم غداً عند الضحى ، للاطمئنان على .. اشوميا . وفغرت المربية العجوز فاها على سعته ، وتمتمت بصوت لا يكاد يسمع : الأمير .. ! وواصلت الوصيفة الشابة كلامها قائلة : أبلغي سيدتي اشوميا بهذا الأمر ، الأمير سيكون هنا في القصر غداً عند الضحى . فردت المربية العجوز قائلة : على الرحب والسعة ، أهلاً ومرحباً به في أي وقت يشاء . وتراجعت الوصيفة الشابة قليلاً ، وقالت : عن إذنكِ ، تحياتي إلى سيدتي اشوميا . واستدارت ، وسارت بخطوات رشيقة ، متجهة إلى الخارج ، وخرجت المربية العجوز تشيعها ، حتى الباب الخارجي من القصر . ووقفت اشوميا بباب غرفتها ، وما إن أقبلت المربية العجوز ، حتى هتفت بها : تعالي .. ومدت يدها ، حالما اقتربت المربية العجوز منها ، وسحبتها إلى داخل الغرفة ، وأغلقت الباب ، وحدقت فيها ، وكأنما تحدق في تمثال حجري ، وقالت لها : تلك الوصيفة ، أهي حقاً من القصر الملكي ! ورفعت المربية العجوز ، عينيها اللتان مازالتا مذهولتين ، وحدقت فيها ، دون أن تردّ بكلمة واحدة ، فتساءلت اشوميا : ماذا قالت ؟ تكلمي . وردت المربية العجوز ، كما لو كانت تمثالاً من الحجر : الأمير .. ولي العهد .. موكانيشوم .. سيأتي لزيارتكِ غداً .. عند الضحى . وجمدت اشوميا ، وقلبها يخفق بشدة ، موكانيشوم ، آه .. اسمه إذن .. موكانيشوم .. آآآه .
" 5 " ـــــــــــــــــــــ على غير عادتها ، أفاقت اشوميا مبكرة ، حتى قبل أن تفيق الشمس ، بل إنها لم تنم تماما ، كما تنام عادة كلّ يوم ، وربما أغفت قبيل الفجر لفترة قصيرة لا أكثر ، ولا عجب ، فاليوم ، قبيل منتصف النهار ، سيزورها الأمير .. ولي العهد .. موكاليشوم نفسه . واعتدلت في فراشها ، ترى كيف ستستقبله ؟ ماذا ستقول له ؟ ثم .. ما السرّ وراء زيارته لها ؟ إنه ليس شخصاً عادياً ، إنه .. إنه موكاليشيوم ، ولي العهد . وطرق باب غرفتها ، ودخلت المربية العجوز مباشرة ، وتوقفت وسط الغرفة تحدق فيها مندهشة ، وقد اتسعت عيناها ، وقالت : اشوميا ، الشمس لم تشرق بعد . ونهضت اشوميا من فراشها ، مشرقة الوجه ، وخصل شعرها الأسود كتاج يتلامع فوق رأسها ، وقالت : بل أشرقتْ ، مادمتِ قد أشرقتِ أنتِ عليّ . واقتربت المربية العجوز منها ، وهي تقول خائفة : يا ويلي من الكاهنة الكبيرة . وتساءلت اشوميا بمكر : والأمير .. ؟ وتمتمت المربية العجوز : ولي العهد .. وقالت اشوميا : موكانيشوم . وتمتمت المربية العجوز بصوت مضطرب : آه اينانا ، ليتني لم أخرج إلى المرج . ونظرت اشوميا إليها ، وقالت : هذه هي المرة الأولى ، التي أرى فيها الربيع . وقالت المربية العجوز : آه من الربيع . ومدت اشوميا يديها ، وضمت المربية العجوز إلى صدرها ، وقالت : مربيتي الحبيبة ، خذيني صباح الغد إلى معبد الإلهة اينانا . ودمدمت المربية العجوز : اينانا .. وتابعت اشوميا قائلة : سأقدم لها تقدمة تليق بها ، إنها .. إنها إلهة الربيع . وتملصت المربية العجوز من بين ذراعيها ، وقالت : أعددتُ لك الفطور ، فقد عرفت أنك أفقت مبكراً ، وربما لم تنامي إلا قليلاً ، أما أنا ، وبسببكِ ، لم أنم لحظة واحدة من الليل كله ، هيا انهضي . ونهضت اشوميا مقهقهة ، وانطلقت تحجل خارج الغرفة ، وهي تقول بمرح : منتصف النهار يقترب ، هيا بسرعة إلى طعام الإفطار . ولحقت بها المربية العجوز ، وقالت لها بصوت خافت : حبيبتي ، لا ترفعي صوتك ، وتعالي كلي جيداً ، فأنت مازلت نحيلة كالقصبة . وواصلت اشوميا حجلها ، وهي تقول : أنا خشف ، والخشوف دائماً خفيفة ورشيقة . وجلست اشوميا إلى المائدة ، التي تغص بأنواع الطعام ، وأخذت تأكل بسرعة ، وهي تقول : ما هذا ، يا عزيزتي ؟ إنه طعام يكفي قبيلة كاملة . ووقفت المربية العجوز وراءها ، تراقبها وهي تأكل ، وقالت : كلي ، يا عزيزتي ، هذه ليست ارشاداتي ، وإنما ارشادات الكاهنة الكبيرة . وردت اشوميا قائلة ، وهي تأكل بسرعة : مادامت هذه ارشادات الكاهنة الكبيرة ، سآكل .. وآكل ، حتى لو صرت إوزة ملثلك ِ . وغالبت المربية العجوز ضحكتها ، وقالت : إوزة ؟ آه لو رأيتني ، وأنا في عمركِ . ونظرت اشوميا إليها ، وتساءلت : أصدقيني ، هل مسكِ الربيع يوماً ؟ أخبريني بصراحة . ورفعت المربية العجوز عينيها ، اللتين التمع فيهما نسغ أيام الربيع الماضية ، وقالت : بل تزوجت أيضاً بربيعي ، لكن أيام ذلك الربيع كانت قصيرة جداً ، فقد ذهب إلى الحرب ، ولم يعد . وتوقفت اشوميا عن تناول الطعام ، وقد غشى عينيها الواسعتين السوداوين غمامة شفافة من الحزن ، فقالت المربية العجوز : أنتِ لم تأكلي شيئاً ، كلي . وصمتت لحظة ، ثم قالت : مرّ ربيعي سريعاً ، أتمنى أن يكون ربيعك دائماً . ونهضت اشوميا ، وقالت : أشكركِ . ومضت إلى غرفتها ، دون أن تحجل بمرح هذه المرة ، فلحقت بها المربية العجوز ، وقالت : اشوميا .. ونظرت اشوميا إليها ، وقالت : نعم . فتابعت المربية العجوز قائلة : عزيزتي ، لقد عشتُ ربيعي ، كما قدرته لي الآلهة ، لا تدعي أنتِ ربيعك يتسرب من بين يديكِ ، عيشيه حتى النهاية .
" 6 " ـــــــــــــــــــ قبيل منتصف النهار ، وقفت اشوميا قلقة مضطربة وسط غرفتها ، وإلى جانبها وقفت المربية العجوز ، وهي لا تقل قلقاً واضطراباً عنها . وتنهدت اشوميا ، وقالت : حان الوقت ، يا مربيتي ، سيأتي الأمير موكانيشوم ، في أية لحظة . فردت المربية العجوز قائلة : لا عليكِ ، يا اشوميا ، سنستقبله بكل هدوء واحترام و .. وقاطعتها اشوميا قائلة : أين نستقبله ؟ عند البوابة الخارجية ؟ أم في الداخل ؟ أم .. وقاطعتها المربية العجوز قائلة : بل هنا ، هنا يا اشوميا ، في هذه الغرفة ، سيجلس هنا ، على هذه الأريكة ، وأنتِ ستجلسين .. وهنا فتح الباب ، وأطلت الخادمة الشابة ، وقالت بصوت منفعل : جاء الأمير . ومدت اشوميا يديها ، ودفعت المربية العجوز برفق نحو الباب ، وهي تقول : اذهبي ، اذهبي بسرعة ، ورحبي بالأمير ، سأبقى أنا ، واستقبله هنا . ومضت المربية العجوز تهرول ، بجسمها الشائخ المتداعي ، وأسرعت لاستقبال الأمير ، وتناهى إلى اشوميا ، وقلبها يخفق بشدة ، وقع أقدام شبابية ، تأتيها من مكان قريب ، إنه الأمير . وفتح الباب ، ودخل الأمير موكانيشوم ، وتوقف على بعد خطوات من اشوميا ، وحدق فيها لحظة ، ثم قال لها : طاب يومك ، اشوميا . وبشيء من الصعوبة ، ردت اشوميا : أهلاً ومرحباً ، أيها الأمير موكانيشوم . وتقدم الأمير موكانيشوم منها قليلاً ، وقال : حمداً للآلهة على سلامتكِ ، خشيت أن أراكِ راقدة في الفراش ، وهذا ما كنت لأغفره لنفسي . ولاذت اشوميا بالصمت ، فسارعت المربية العجوز ، وقالت للأمير : سيدي ، كما ترى ، اشوميا بخير ، ولم تصب في الحادث بأذى يذكر . لم يلتفت الأمير موكانيشوم إليها ، وقال مخاطباً اشوميا : هذا ما تمنيته ، وأشكر الآلهة على ذلك ، كما أشكر الإلهة اينانا ، التي جعلتني أتعرف بكِ ، وإن كنت أتمنى لو تعرفت بك ، في مناسبة أفضل . وتمتمت اشوميا : أشكرك . ثم تنحت قليلاً ، وأشارت إلى الأريكة ، وقالت : تفضل بالجلوس هنا ، يا سيدي الأمير . وابتسم الأمير موكانيشوم ، وقال : شكراً ، جئت اليوم للاطمئنان عليك ، بعد الحادثة التي مرت بسلام ، ولو أن حصاني الأثير ، قد أصابكِ بأذى ، لنفذت فيه حكم الإعدام بدون تردد . وابتسمت اشوميا على استحياء ، وقالت : وهذا ما كنت لأجنبه إياه ، مهما كان الأمر . وابتسم الأمير موكانيشوم ، وقال بصوت هادىء : أشكركِ مرة أخرى ، وأرجو أن تتاح لنا الفرصة قريباً للتجول معاً في أطراف الغابة . ولاذت اشوميا بالصمت ، وقد اتسعت عيناها ، وراح قلبها يخفق بشدة ، فقال الأمير موكانيشوم : عن إذنكِ ، عليّ أن أذهب الآن ، فأنا مشغول مع أبي الملك ، في أمور هامة تخص الدولة . واقتربت اشوميا منه ، وقالت : أهلاً ومرحباً بكَ سيدي ، دعني أوصلك إلى الباب الخارجي . وردّ الأمير موكانيشوم قائلاً : لا ، أرجوكِ ، أخشى أن أنكِ مازلت متعبة من حادثة البارحة . وسار الأمير موكانيشوم نحو الباب ، وسارت اشوميا إلى جانبه ، وهي تقول : أشكرك ، إنني بخير ، وسأثبت لك ذلك ، بالسير معك إلى الحديقة على الأقل . وقال الأمير موكانيشوم ، وهو يسير إلى جانبها : أعدك أن لا تكون زيارتي هذه ، هي الزيارة الأخيرة ، وإنما سأزوركِ دائماً ، إذا سمحتِ . فردت اشوميا ، وقلبها يخفق فرحاً : أهلاً بكَ ، سيدي الأمير ، في أي وقت . وعند الباب الخارجي للقصر ، توقف الأمير موكانيشوم ، والتفت إلى اشوميا ، وقال : أستودعكِ الآلهة ، يا .. اشوميا . فردت اشوميا قائلة : رافقتك السلامة ، سيدي الأمير ، موكانيشوم . ووقفت اشوميا قرب الباب ، والمربية العجوز إلى جانبها ، تراقب الأمير موكانيشوم ، وهو يسير على حصانه مبتعداً ، حتى غاب عن أنظارها .
" 7 " ــــــــــــــــــــ دخلت المربية العجوز إلى المطبخ ، لتعدّ قليلاً من " البيبون " لاشوميا ، فاقتربت منه الخادمة الشابة ، وقالت لها بصوت خافت : أيتها المربية .. لم ترتح المربية العجوز لصوت الخادمة الشابة ، فالتفتت إليها متوجسة ، وقالت : نعم . ومالت الخادمة الشابة عليها ، وقالت بنفس الصوت الخافت : الكاهنة الكبيرة ، تريد أن تراكِ مساء اليوم في المعبد . وتساءلت المربية العجوز خائفة ، وكأنما تسأل نفسها : لماذا ؟ فردت الخادمة الشابة قائلة : لا أعرف ، قيل لي فقط ، أن أبلغكِ بذلك . وأشاحت المربية العجوز عنها ، فمالت الخادمة الشابة عليها ثانية ، وقالت : الكاهنة الكبيرة ، تريد أن تذهبي إليها ، بدون علم اشوميا . وحدقت المربية العجوز فيها متسائلة ، فرفعت الخادمة الشابة كتفيها ، وقالت : هذا ما قيل لي . واستدارت الخادمة الشابة ، وخرجت من المطبخ على عجل ، فأخذت المربية العجوز ، شراب : البيبون " الساخن ، وذهبت به إلى اشوميا . وشربت اشوميا شراب " البيبون " الساخن ، وأعادت القدح إلى المربية العجوز ، ثم تمددت في فراشها متثائبة ، وقالت بصوت ناعس : إنني متعبة بعض الشيء ، سأتمدد في فراشي ، لعلي أغفو قليلاً . وأخذت المربية العجوز القدح ، وأعادته إلى المطبخ ، ثم مضت إلى غرفتها ، واستبدلت ثيابها ، وتسللت من القصر ، دون أن تخبر أحداً بوجهتها . وطوال الطريق ، بين القصر والمعبد ، كانت المربية العجوز ، تقلب الأمر في ذهنها ، تنتابها الحيرة والقلق ، ترى ماذا تريد الكاهنة الكبيرة ؟ مهما يكن ، فلابدّ أن الأمر هام وخطير ، ولاح لها المعبد من بعيد ، وبدا وكأنه وحش خرافيّ ، قد فتح شدقيه المخيفين على سعتهما . ودخلت المربية العجوز المعبد ، ومضت مباشرة إلى جناح الكاهنة الكبيرة ، واستأذنت بالدخول عليها ، فأذن لها ، ودخلت إلى حيث تنتظرها الكاهنة الكبيرة . كانت الكاهنة الكبيرة ، تجلس في مقعدها الوثير ، فتقدمت المربية العجوز منها وانحنت أمامها ، وقالت : طاب يومكِ ، يا سيدتي . وحدقت الكاهنة الكبيرة فيها ، دون أن تردّ على تحيتها ، ثم قالت لها : علمت أن سيدنا الأمير موكانيشوم ، قد جاء إلى القصر ، وزار اشوميا في غرفتها . وهزت المربية العجوز رأسها ، وهي تكاد تنهار ، وقالت بصوت مضطرب : نعم ، يا سيدتي . وتابعت الكاهنة الكبيرة قائلة بصوتها الهادىء : يفترض أن اشوميا في القصر ، ولا تخرج منه مطلقاً ، ومع ذلك ، فقد زارها الأمير شخصياً . ولاذت المربية العجوز بالصمت ، وهي توشك أن تنهار ، فقالت الكاهنة الكبيرة بصوت حازم : أيتها المربية ، أنتظر جواباً صادقاً منكِ . وقالت المربية العجوز ، وكأنها تجهش بالبكاء : خرجنا البارحة إلى المرج القريب ، ولسوء حظي ، صادف وجود الأمير موكانيشوم ، على حصانه الجامح ، ورآها ، رأى سيدتي ..اشوميا . وصمتت لحظة ، ثم قالت بصوت المذنب : في اليوم التالي ، جاء إلى القصر ، والتقى باشميا . ونهضت الكاهنة الكبيرة ، وقالت : علمت أنه قد يأتي ، في الأيام القادمة . وأجابت المربية العجوز ، وكأنها تعتذر : هذا ما قاله الأمير ، يا سيدتي . وتوقفت الكاهنة الكبيرة ، وحدقت فيها بحدة ، ثم قالت : ما كنت أخشاه حصل ، ولن نستطيع أن نطلب من الأمير ، أن لا يزور القصر ، ولكن حاولي جهدك ، أن تمنعيه من اللقاء باشوميا ، ريثما نجد حلاً حاسماً . وانحنت المربية العجوز ، وقالت بصوت واهن : أمركِ ، يا سيدتي ، سأبذل قصارى جهدي ، ولتكن الآلهة في عوني . وتراجعت المربية العجوز ، وهي تنحني للكاهنة الكبيرة ، حتى وصلت الباب ، ثم استدارت بهدوء وتثاقل ، ومضت إلى الخارج ، وهي تقول : استودعكِ الآلهة العظيمة ، يا سيدتي .
" 8 " ــــــــــــــــــــ عادت المربية العجوز إلى القصر ، والشمس تكاد تغرب ، ورأت الخادمة الشابة ، على مقربة من غرفتها ، فقالت لها : يبدو أن اشوميا لم تستيقظ بعد . فتوقفت الخادمة الشابة ، وقالت : نعم ، إنها مازالت في غرفتها . ومضت المربية العجوز إلى غرفتها ، وعلى عجل استبدلت ثيابها ، وأسرعت إلى غرفة اشوميا ، وما إن دخلت الغرفة ، حتى فتحت اشوميا عينيها ، وقالت : آه يبدو أنني نمت طويلاً . واقتربت المربية العجوز منها ، وقالت : لا عليكِ ، أنتِ متعبة ، والنوم يريحكِ . وابتسمت اشوميا ، وكأنما تبتسم لنفسها ، وقالت : تصوري ، لقد رأيت الأمير في المنام . ورمقتها المربية العجوز بنظرة سريعة ، وقالت مترددة : الأمير موكانيشوم إنسان طيب ، لكني أرجو أن لا يحرجنا ، بزياراته المتكررة . وابتسمت اشوميا ، وقالت : لابد أنكِ لم تكوني خوافة هكذا في شبابكِ ، عندما مسكِ الربيع ، وإلا لما حصلتِ على ربيعكِ . واقتربت المربية العجوز منها ، وقالت : بنيتي ، إنني أخاف الكاهنة الكبيرة . ولاذت اشوميا بالصمت ، فأضافت المربية العجوز قائلة : أنت تعرفين ، يا اشوميا ، إن الكاهنة الكبيرة ، لا تحبذ أن تختلطي بالآخرين . وحدقت اشوميا فيها ، وقالت : لماذا ؟ وتلجلجت المربية العجوز ، وقالت : لأنها .. لأنها تخاف عليك ، يا بنيتي . ومرة ثانية تساءلت اشوةميا : لماذا ؟ ولاذت المربية العجوز بالصمت محرجة ، ثم قالت : لا أعرف ، من يدري ، لابدّ أن لها أسبابها . ونهضت اشوميا من فراشها ، وهي تقول : هناك أمور تجري حولي لا أفهمها ، إنني لم أعد طفلة صغيرة ، عمري الآن تجاوز السادسة عشرة . ولاذت المربية العجوز بالصمت ، فمضت اشوميا إلى الخارج ، وتبعتها المربية العجوز حتى الباب ، وقالت : اشوميا ، بنيتي ، إلى أين ؟ وردت اشوميا منفعلة ، دون أن تلتفت إليها : إلى الحديقة ، أريد أن أتنفس . وتوقفت المربية العجوز ، وعادت إلى وسط الغرفة ، بعد أن أغلقت الباب ، ولبثت في مكانها ، وقد خيم عليها الحزن ، حتى تلاشى ضوء النهار ، وبدأ الليل يكلكل بعتمه ، في كلّ مكان . وانتابها القلق على اشوميا ، فقد تأخرت في العودة إلى غرفتها ، وأطلت على الحديقة عبر النافذة ، فرأت اشوميا تجلس في الحديقة ، تحت شجرة ضخمة وارفة ، فأسرعت بالخروج من الغرفة ، واتجهت بخطواتها الثقيلة البطيئة إلى الحديقة . وتناهى إلى اشوميا ، في عتمة أول الليل ، وهي تجلس على المصطبة ، وقع أقدام بطيئة ثقيلة ، إنها مربيتها العجوز ، لكنها لم ترفع رأسها ، ولم تلتفت إليها ، فتوقفت المربية العجوز ، على مقربة منها ، وقالت : اشوميا ، حبيبتي ، حلّ الليل ، والجو بدأ يبرد هنا في الحديقة ، تعالي إلى الداخل . ونهضت اشوميا من مكانها ، ومضت مبتعدة نحو مدخل القصر ، فخاطبتها المربية العجوز بصوتها الواهن : اشوميا .. وقاطعتها اشوميا قائلة ، دون أن تلتفت إليها : دعيني ، أريد أن أنام ، لعلي ارتاح . وهتفت المربية العجوز : حبيبتي ، سأعدّ لكِ الطعام ، تعالي ، وتناولي عشاءكِ . ومضت اشوميا إلى الداخل ، دون أن تردّ ، أو تلتفت إلى المربية العجوز ، التي وقفت في الحديقة ، وقد لفتها عتمة أول الليل .
" 9 " ــــــــــــــــــــ ما إن أشرقت الشمس ، وتمّ إعداد طعام الفطور ، حتى مضت المربية العجوز ، بخطواتها الثقيلة البطيئة ، إلى غرفة اشوميا . وطرقت الباب ، ثم دخلت ، وإذا اشوميا تعتدل في فراشها ، فنظرت إليها المربية العجوز ، وقالت : صباح الخير ، يا عزيزتي . وشعرت المربية العجوز بالارتياح ، حين ردت اشوميا بصوت هادىء قائلة : صباح النور . واقتربت المربية العجوز من السرير ، وقالت : حبيبتي ، فطوركِ جاهز . ولاذت اشوميا بالصمت ، ولم ترفع عينيها ، وتنظر إليها ، فمالت المربية العجوز عليها قليلاً ، وقالت بصوت مرتعش : اشوميا ، سامحيني . ورفعت اشوميا عينيها السوداوين الواسعتين إليها ، وقالت بصوت هادىء : ليس هناك ، بحسب علمي ، ما أسامحكِ عليه ، إلا إذا .. وصمتت اشوميا ، فقالت المربية العجوز : عزيزتي ، لقد رعيتكِ منذ أن كنتِ رضيعة ، كما لو كنتِ ابنتي ، من دمي ولحمي . وأطرقت اشوميا صامتة ، ثم قالت ، وكأنها تحدث نفسها : منذ فترة وأنا أفكر ، إن حياتي ليست طبيعية ، إنني الآن في السادسة عشرة من عمري ، أعيش وحدي تقريباً ، في هذا البيت الكبير ، بحديقته الواسعة ، بعيداً عن البيوت الأخرى ، وليس معي فيه غير خادمتين وحارس و .. وأنتِ . ومالت عليها المربية العجوز ، وقالت بصوت حنون : أنا ، يا اشوميا ، بمثابة أمكِ . ونظرت اشوميا إليها ، وقالت : نعم ، بمثابة أمي ، لكنكِ في الحقيقة ، لستِ أمي . وأطرقت المربية العجوز رأسها صامتة ، فقالت اشوميا : الكاهنة الكبيرة تحبني ، وترعاني ، لكنها أيضاً ، على ما أعرف ، ليست أمي ، ليتني أعرف حقيقة .. من أنا ، وهذا من حقي ، وخاصة الآن . ومدت المربية العجوز يدها ، وأمسكت بيد اشوميا ، وسحبتها من الفراش ، وقالت بلهجة حاولت أن تجعلها مرحة بعض الشيء : حبيبتي ، انهضي ، وتناولي فطوركِ ، هيا سيبرد إن لم تنهضي . ونهضت اشوميا ، وبدون رغبة أو حماس ، مضت مع المربية العجوز إلى غرفة الطعام ، وجلست إلى المائدة ، وبدون شهية ، راحت تتناول طعام الفطور ، الذي أشرفت على إعداده المربية العجوز نفسها . وتناولت اشوميا لقيمات من طعام الفطور ، الذي ملأ المائدة ، ثم توقفت عن الأكل ، فقالت المربية العجوز : بنيتي ، الطعام كما هو ، لم تأكلي شيئاً . ونهضت اشوميا ، وقالت : شبعت . وسارت متجهة إلى غرفتها ، فاعترضتها المربية العجوز ، وقالت بلهجة مرحة : اشوميا ، الربيع في الخارج ، ليتك تذهبين إلى الحديقة ، البستاني يعمل منذ الصباح ، وقد أعدّ لكِ باقة من الورد . وتوقفت اشوميا ، دون أن تنبس بكلمة ، فدفعتها المربية العجوز برفق ، وهي تقول : أنتِ بحاجة إلى الهواء النقي المنعش ، هواء الربيع ، هيا يا عزيزتي ، اخرجي إلى الحديقة ، اخرجي وحدكِ . وفي الحديقة ، أسرع البستانيّ إليها حالما رآها مقبلة ، وقدم لها باقة زاهية من ورود الحديقة ، وقال لها : سيدتي ، أعرف أنكِ تحبين الورد ، فأعددت لكِ هذه الباقة من الورودِ . وأخذت اشوميا باقة الورد مبتسمة ، وقالت : أشكرك ، إنني فعلاً أحب الورد ، وأنت أفضل من يرعى هذه الحديقة . ونظر البستانيّ إليها مبتسماً ، وقال : أنا لا أولاد لي ، رغم أنني متزوج منذ أكثر من عشرين عاماً ، أشجار الورود ، التي أرعاها ، في هذه الحديقة ، هي أبنائي وبناتي وعائلتي . وضحكت اشوميا ، وهي تنظر إلى باقة الورد ، وقالت : لتدم الآلهة العظيمة عليكَ أبناءك وبناتك وعائلتك ، وليزدادوا تفتحاً وازدهاراً . وابتسم البستاني فرحاً ، وقال : أشكركِ ، يا سيدتي . وتأهبت اشوميا للانصراف ، وهي تقول مبتسمة : أشكرك على باقة الورود هذه ، سأذهب وأضعها في مزهرية داخل غرفة نومي .
" 10 " ـــــــــــــــــــــــ تناهى وقع حوافر حصان فتيّ متوثب ، عند حوالي منتصف النهار ، فهبت اشوميا من مكانها ، وأطلت من نافذة غرفتها ، وإذا الأمير موكانيشوم يتوقف بحصانه أمام باب القصر ، ويترجل عنه . وعلى الفور ، أسرعت إلى الباب ، لتذهب وتستقبل الأمير موكانيشوم ، وفوجئت بالمربية العجوز تواجهها وجهاً لوجه ، واعترضتها قائلة بشيء من التوسل : بنيتي ، أرجوكِ ، ابقي في غرفتكِ . وردت اشوميا بحماس : جاء الأمير موكانيشوم لرؤيتي ، ابتعدي عن طريقي . لكن المربية العجوز لم تبتعد ، وإنما قالت : حبيبتي ، أنا لا أريد أن أمنعكِ ، لكني أخشى أن الكاهنة الكبيرة لا تحبذ هذا . ومدت اشوميا يديها الشابتين ، وأبعدت المربية العجوز عن طريقها بشيء من العنف ، وقالت : ابتعدي ، الأمير جاء لزيارتي ، وسأستقبله . وبدل أن تبتعد المربية العجوز ، عن طريق اشوميا ، تشبثت بها ، وهي تقول : بنيتي ، اشوميا ، أنتِ لا تعرفين الكاهنة الكبيرة . وتوقفت اشوميا ، تحدق فيها حائرة ، فتابعت المربية العجوز قائلة : ابقي هنا ، وسأحاول أن أعتذر منه ، وسأقول له إنك مريضة بعض الشيء ، ولا تستطيعين استقباله هذا اليوم . وتوقفت اشوميا ، وقالت : أنا لست مريضة ، ولا أدري لِمَ عليّ أن لا أستقب الأمير .. موكانيشوم . ورمقتها المربية العجوز بنظرة حزينة ، وقالت : ستعرفين ذلك ، إن عاجلاً أو آجلاً . وأطرقت اشوميا حزينة ، متأثرة ، فتراجعت المربية العجوز ، وهي تقول : سأذهب الآن ، وأستقبل الأمير ، وأطلعه على الأمر . ومضت المربية العجوز إلى الخارج بخطواتها الثقيلة البطيئة ، وكان الأمير موكانيشوم قد اجتاز بوابة القصر ، ودخل إلى الحديقة ، فأسرعت إليه ، وقالت مرحبة : أهلاً ومرحباً ، سيدي الأمير . وتوقف الأمير موكانيشوم مبتسماً ، وقال : أهلاً بكِ .. وسكت لحظة ، ثم قال : الجو جميل اليوم ، وجئت أصحب اشوميا ، إذا رغبت ، إلى جولة قصيرة في أطراف الغابة القريبة . ونظرت المربية العجوز إليه ، وقالت بصوت هادىء معتذرة : للأسف ، يا سيدي الأمير ، اشوميا لا تستطيع مغادرة القصر . ولاذ الأمير بالصمت ، محدقاً فيها ، ثم قال متسائلاً : أهي اشوميا ! لم تردّ المربية العجوز ، فهمهم قائلاً : هم م م م .. يبدو أنها الكاهنة الكبيرة . ونظرت المربية العجوز إليه ، بعينين منطفئتين منكسرتين ، وقالت بصوت واهن : سيدي الأمير ، أنا مجرد مربية عجوز ، في هذا القصر . ورفع الأمير موكانيشوم رأسه ، وتطلع إلى القصر ، وقال : ليتني ألقاها ، اشوميا ، ولو للحظات ، هنا داخل القصر ، أو في هذه الحيقة . فقالت المربية العجوز بصوت منكسر : أرجوك ، يا سيدي ، لو تم هذا ، مهما كانت المدة ، فسيسبب لي مشكلة كبيرة ، وقد أطرد من القصر . ولاذ الأمير موكانيشوم بالصمت ، وقد أبعد عينيه عن المربية العجوز ، ثم تراجع وهو يقول : لا ، لا أريد أن أسبب لك أي احراج ، بلغي اشومي تحياتي . فأنحنت المربية العجوز قليلا وقالت بصوتها المنكسر: أشكرك ، يا سيدي الأمير ، أشكرك جداً . وعبر نافذة غرفتها ، المطلة على الحديقة ، ومن خلال عينيها السوداوين الواسعتين ، الغارقتين بالدموع ، رأت اشوميا الأمير موكانيشوم ، يخرج من بوابة القصر ، ويعتلي حصانه الفتيّ المتوثب ، ثم ينطلق به مبتعداً في الطريق ، حتى غاب .
" 11 " ــــــــــــــــــــــ ارتعبت المربية العجوز ، حين جاءتها الخادمة الشابة ، وقالت لها : الكاهنة الكبيرة ، تريد أن تراكِ ، في المعبد ، قبيل مساء اليوم . وحدقت المربية العجوز فيها ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة ، فاستدارت الخادمة الشابة ، ومضت مبتعدة ، فتنهدت المربية العجوز ، واتجهت إلى غرفتها ، لتستبدل ثيابها ، استعداداً للخروج . وطوال فترة سيرها في الطريق ، بين القصر والمعبد ، وما أطولها على واحدة في عمرها ، راحت تراجع ما جرى ، وتتهيأ للمواجهة مع الكاهنة الكبيرة ، وقررت بينها وبين نفسها ، وبثقة ضعيفة ، أن تواجهها ، وتصارحها برأيها فيما يدور حولها . لكنها حين دخلت المعبد ، وصارت قاب قوسين أو أدنى من الكاهنة الكبيرة ، خارت قواها شيئاً فشيئاً ، وشعرت بأنها أضعف من مثل هذه المواجهة . ودخلت المربية العجوز ، على الكاهنة الكبيرة ، التي كانت جالسة في مقعدها الوثير ، وانحنت لها ، وقالت : طاب صباحكِ ، يا سيدتي . وردت الكاهنة الكبيرة قائلة : أهلاً ومرحباً . ثم أشارت إلى مقعد قريب ، وقالت : اجلسي هنا ، تبدين متعبة جداً . وجلست المربية العجوز ، حيث أشارت الكاهنة الكبيرة ، وقالت : إنني امرأة عجوز ، يا سيدتي . ونظرت الكاهنة الكبيرة إليها ، وقالت بصوت هادىء : لن أنسى فضلك ، أنت رعيت اشوميا ، ونشأتها حتى صارت في هذا العمر . وردت المربية العجوز قائلة : اشوميا بمثابة ابنة لي ، ولا أريد لها إلا الخير والسعادة . وصمتت المربية العجوز ، فنظرت الكاهنة الكبيرة إليها ، وقالت : علمت أن الأمير موكانيشوم ، قد جاء اليوم إلى القصر ، وأنك تحدثت معه في الحديقة . وتطلعت المربية العجوز إليها ، وقالت : نعم ، يا سيدتي ، لقد جاء الأمير فعلاً . وقالت الكاهنة الكبيرة : حسناً ، حدثيني عما دار بينكما بالتفصيل . واعتدلت المربية العجوز في جلستها ، وقالت : جاء الأمير صباح اليوم ، وأراد أن يأخذ اشوميا إلى الغابة القريبة ، فأخبرته صراحة بأن اشوميا لا تستطيع الخروج من القصر . وهزت الكاهنة الكبيرة رأسها ، وقالت بصوتها الهادىء : حسناً فعلتِ . ولاذت المربية العجوز بالصمت لحظة ، وقد شعرت بشيء من الارتياح في داخلها ، لردة فعل الكاهنة الكبيرة ، ثم قالت : سيدتي .. ونظرت الكاهنة الكبيرة إليها ، وقالت : نعم . فتابعت المربية العجوز قائلة : اشوميا لم تعد طفلة صغيرة ، لقد غدت شابة ناضجة ، وبدأت تنتبه إلى أن حياتها غير طبيعية ، وأخذت تتساءل عن أمور كثيرة ، وأرى يا سيدتي ، أن تتحدثي إليها . ونهضت الكاهنة الكبيرة ، معلنة نهاية المقابلة ، وقالت بصوتها الهادىء نفسه : اتركي هذا الأمر لي ، سأزورها في القصر قريباً ، وأتحدث إليها . ونهضت المربية العجوز بدورها ، فقالت لها الكاهنة الكبيرة : رافقتكِ السلامة . وعند عودتها إلى القصر ، فوجئت المربية العجوز باشوميا ، تجلس على مصطبة في الحديقة ، وكأنها كانت تنتظرها ، فتوقفت لحظة ، ثم اتجهت إليها . ونظرت اشوميا إليها ملياً ، ثم قالت لها : أعرف أين كنتِ ، يا مربيتي . وتوقفت المربية العجوز على مقربة منها ، وقالت : استدعتني الكاهنة الكبيرة إلى المعبد . ونهضت اشوميا ، ومضت إلى الداخل ، وهي تقول بلهجة حاسمة : هناك أمور عليّ أن أعرفها ، وسأعرفها عاجلاً أو آجلا .
" 12 " ـــــــــــــــــــــ هذا يوم لن تنساه الكاهنة الكبيرة أبداً ، مهما امتدّ بها العمر ، ولم تكن لتتوقعه ، حتى إنها عندما جاءتها الكاهنة الشابة ، وقالت لها : سيدتي ، جاء الأمير ، ويريد مقابلتكِ . نهضت لا إرادياً ، وتمتمت مندهشة : ماذا ! فقالت الكاهنة الشابة : إنه بالباب ، يا سيدتي . فهتفت بها : أسرعي ، ليدخل ، لا تدعيه ينتظر . وعلى عجل ، مضت الكاهنة الشابة إلى الخارج ، وسرعان ما عادت ، تتقدم الأمير موكانيشوم ، الذي حيّا الكاهنة الكبيرة قائلاً : طاب يومكِ ، يا سيدتي . ورحبت الكاهنة الكبيرة به قائلة : أهلاً ومرحباً بك ، شرفتنا وشرفت المعبد بزيارتك . ثم أشارت إلى مقعد ، قريب من مقعدها ، وقالت : تفضل ، أيها الأمير العزيز ، بالجلوس . وردّ الأمير موكانيشوم ، دون أن يتحرك من مكانه : أشكركِ . وسكت لحظة ، ثم قال : أخشى أن أكون قد جئت المعبد ، في وقت غير مناسب . وسارعت الكاهنة الكبيرة إلى القول : ل .. ل .. أيها الأمير ، أهلاً بكَ في أي وقت . ونظر الأمير إليها ، وقال : لابدّ أنك عرفت ، يا سيدتي ، بأني صادفت اشوميا ، قبل بضعة أيام ، وأني قد زرتها أيضاً في القصر . وردت الكاهنة الكبيرة قائلة : نعم ، عرفت . وتابع الأمير قائلاً : لكني في اليوم التالي ، عندما أردت زيارتها ، شعرت أن المربية العجوز ، لم تحبذ زيارتي ، لسبب لا أعرفه . ولاذت الكاهنة الكبيرة بالصمت ، فقال الأمير : أصارحكِ إنني سألت بعض من يعرفها ، عما يحيط بها من غموض ، ولم أصل إلى حقيقة ترضيني ، فأردت أن أعرف الحقيقة منكِ ، يا سيدتي . ونظرت الكاهنة الكبيرة إلى الأمير ، وقالت : وهذا ما كنت أحرص أن أتجنبه دائماً .. فقاطعها الأمير قائلاً : اشوميا فتاة شابة ، ولها مزاياها الكثيرة ، إنها جميلة ، وذات شخصية مميزة ، ومن الطبيعي أن يهتم بها شخص مثلي . وقالت الكاهنة الكبيرة : كنت لأفرح ، لو أن اشوميا فتاة عادية مثل بقية الفتيات . وبدت الدهشة على الأمير ، وقال : لا أفهم ، إنها تبدو فتاة عادية كأي فتاة أخرى في أور . وقالت الكاهنة الكبيرة : هذا ما يبدو . وقال الأمير : صارحيني لأفهم الحقيقة . ولاذت الكاهنة الكبيرة بالصمت لحظة ، ثم قالت : اشوميا فتاة مقدسة . وازداد الأمير دهشة ، وقال : لا أفهم . وتابعت الكاهنة الكبيرة قائلة : إنها ولدت من أب وأم ، يمثلان الإلهين انليل واينانا .. وتساءل الأمير مذهولاً ى: أتعنين .. ! فقالت الكاهنة الكبيرة : نعم ، اشوميا ثمرة الزواج المقدس . ولاذ الأمير موكانيشوم بالصمت ، فتابعت الكاهنة الكبيرة قائلة : في الماضي ، أثار الزواج المقدس اشكالات كثيرة ، حين يثمر هذا الزواج طفلاً ، فما الموقف من هذا الطفل ؟ وما مصيره ؟ وقد ارتأى الكهنة الكبار ، أن يضعوا شرطاً للزواج المقدس ، وهو أن لا يثمر هذا الزواج عن طفل . وصمتت الكاهنة الأم ثانية ، ثم قالت : إذا حملت ممثلة الإلهة اينانا ، فعليها أن تسقط هذا الحمل ، وإذا لم تنجح في ذلك ، وولد الطفل ، فعليها أن تتخلص منه ، وهذا ما لم يحدث في حالة اشوميا . ولاذت الكاهنة بالصمت مرة أخرى ، ثم قالت أخيراً : أخفتها أمها عن الجميع سنين عديدة ، لكن الأم مرضت ، واشتد بها المرض ، وعندما حضرتها الوفاة ، وكانت اشوميا في حوالي الخامسة من عمرها ، أرسلت في طلبي ، أن أرعاها ، وهذا ما فعلته . ونهض الأمير ، وهو ينظر صامتاً إلى الكاهنة الكبيرة ، التي قالت بصوت هادىء حزين : ليس أمام اشوميا ، والحال هذه ، إلا أن تدخل المعبد ، وتصير كاهنة ، وتبقى فيه طول عمرها ، إنها .. زهرة مقدسة . وأطرق الأمير موكانيشوم لحظة ، ثم استدار ، وغادر غرفة الكاهنة الكبيرة بخطى حائرة حزينة ، دون أن ينبس بكلمة واحدة .
27 / 1 / 2019
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية للفتيان نداء الانوناكي
-
رواية للفتيان نانوك
-
شبح غابة اتوري رواية للفتيان
-
رواية للفتيان فتى من كوكب نيبيرو
-
زهرة الأنوناكي
-
رواية للفتيان الحداد
-
رواية للفتيان من قتل شمر ؟
-
رواية للفتيان طفل من خرق
-
رواية للفتيان البجعة
-
رواية للفتيان جبل الوعول
-
جزيرة كالوبيوك
-
رواية للفتيان هوفاك
-
رواية للفتيان الزرقاء رائية ديدان
-
رواية للفتيان الجاغوار سيلو
-
رواية للفتيان عينا نيال طلال حسن
-
رواية للفتيان البحث عن تيكي تيكيس الناس الصغار
-
رواية للفتيان سراب
-
رواية للفتيان جزيرة الحور
-
رواية للفتيان عزف على قيثارة شبعاد
-
رواية للفتيان عزف على قيثارة
...
المزيد.....
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|