أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - أزمة علم الطبيعة «2–2»














المزيد.....

أزمة علم الطبيعة «2–2»


حسين علي
كاتب

(Hussein Ali Hassan)


الحوار المتمدن-العدد: 7493 - 2023 / 1 / 16 - 16:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هناك حالات لا يستطيع المرء أن يكون فيها على يقين من أن تدخل العلماء في اتخاذ القرارات الكبرى المتعلقة بمصير المجتمع لا بد أن يكون خيرًا على الدوام. وهناك دول تولى علماؤها وخبراؤها ثقة زائدة، وتوكل إليهم أمورها. فالولايات المتحدة الأمريكية مثلًا - كانت أول دولة استحدثت وظيفة مستشار علمى للرئيس، كما أنها تقوم بتعيين ملحق علمى للعديد من المهام الدبلوماسية حول العالَم، فضلًا عن لجنة المستشارين الخاصة بالرئيس والتى تضم نخبة من كبار العلماء في كل التخصصات من داخل الحكومة وخارجها. زمن الملاحظ أن الغالبية العظمى من دول العالم أصبحت تحذو حذو الولايات المتحدة في هذا الشأن.
إن استعانة السياسيين بالعلماء في عصرنا الحاضر أدت إلى الحملة على ما يسمى بـ«التكنوقراطية». ولفظ «التكنوقراطية» يعبر عن نوع من أنواع الحكم، كالديمقراطية، التى تعنى حكومة الشعب أو الأغلبية، والأرستقراطية، التى تعنى حكومة الأقلية، أما التكنوقراطية فهى حكومة الفنيين الإخصائيين، أو هى بمعنى أوسع سيطرة هؤلاء الفنيين وتحكمهم في اتخاذ القرارات الكبرى في المجتمع. هذا النوع من السيطرة ثبت بالتجربة أنه لم يكن خيرًا على الدوام.

ذلك لأنه قد تبين أن هذا التكنوقراطى، الذى هو في الأغلب عالِم متخصص، أو خبير ذو تجربة واسعة، ينظر إلى الأمور بمنظور أضيق مما ينبغى، ينحصر في إطار اختصاصه وحده. وقد يكون ذلك مفيدًا، بل هو بلا شك ضرورى في المسائل المتخصصة التى لا تمس إلا نطاقًا ضيقًا من مصالح الناس، أما في المسائل المصيرية، المتعلقة بمصالح المجتمع ككل، فإننا كثيرًا ما نجد التكنوقراطيين عاجزين عن تأمل الأمور من منظور شامل، لأن مهمتهم تغلب عليهم، ونظرتهم العلمية المتخصصة تحجب عنهم رؤية الحقائق الكبرى للمجتمع العريض. ومن هنا فإن هؤلاء التكنوقراطيين كثيرًا ما يتخذون قرارات ضيقة الأفق، وكثيرًا ما يجد المجتمع نفسه مضطرًا للاستعانة بـ«السياسيين» غير المتخصصين، لكى يصلحوا ما أفسده العلماء الحاكمون، ولكنه يتميز عنهم، على الأقل، بشمول النظرة، وبالإحساس بنبض الجماهير ومعرفة وقع القرارات الحاسمة عليها.
وبطبيعة الحال فإن الوضع الأمثل هو أن يكون العالِم ذا وعى سياسى في الوقت نفسه. وهذا أمر يتحقق بالفعل لدى عدد من العلماء الكبار الذين يفخر بهم عصرنا هذا، والذين لم يمنعهم عملهم العلمى الشاق، وانهماكهم في كشوفهم الحاسمة، من أن يمتدوا بنظرتهم بحيث تتسع لمشكلات العالِم الكبرى، وتدرك وضع الإنسان في المجتمع المعاصر، وتنفذ إلى الأسباب العميقة للأزمات التى يعانيها، وإلى الحلول الفعالة لهذه الأزمات. ولكن أمثال هؤلاء العلماء قلة، والغالبية الساحقة تنشغل بعملها العلمى إلى الحد الذى يحجب عنها رؤية كثير من حقائق العالَم المحيط به. ومن الصعب أن يعيب المرء على هذه الغالبية قصور نظرتها في الأمور المتعلقة بالسياسية والأوضاع الاجتماعية ومشكلات الإنسان، إذ إن العمل العلمى يزداد تعقيدًا على الدوام، ومن الطبيعى أن يكون في المشكلات المهنية الخاصة ما يشغل العالِم بما فيه الكفاية. ومع ذلك كله فإن العالِم في عصرنا الحاضر ينبغى أن يكون لديه حد أدنى من الوعى بالنتائج المترتبة على عمله العلمى، وهذا يرجع إلى أن طبيعة العلم ذاتها قد أصبحت تقتضى ذلك. فحين تتغير وظيفة العلم، من نشاط لا يؤثر إلا تأثيرًا محدودًا، إلى نشاط مصيرى يمتد تأثيره إلى كل جوانب الحياة البشرية، يكون من الطبيعى أن تتغير نظرة المشتغل به، من الإطار المهنى الضيق، إلى الميدان الإنسانى الشامل.
يبقى من الثابت أن توجيه العلم نحو خدمة الأغراض العسكرية وبالصورة الصريحة والمباشرة التى يتسم بها هذا الوضع خلال المرحلة المعاصرة، لم يعد يترك أى مجال للحديث عن حياد العلم واستقلاله عما يدور في ساحة الصراعات الأيديولوجية. ومن هذه الزاوية يمكن القول بأنه مهما أمعن رجال العلم في تأكيد حرصهم على تحصين أبحاثهم من شبهة التأثر بمدخلات الخيار الإيديولوجى، فإن هذا الخيار أصبح يفرض نفسه كإطار يحدد للبحث العلمى سقف إمكاناته وسلم أولوياته، وهو ما يمكن تتبع تجلياته الملموسة من خلال رصد الترابطات الوثيقة التى أصبحت تنظم العلاقة بين التجمعات العلمية وبين أجهزة ومؤسسات السلطة السياسية.



#حسين_علي (هاشتاغ)       Hussein_Ali_Hassan#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة علم الطبيعة «1 – 2»
- الدين والعلم والعقل العربي
- إسلام بلا مسلمين‏..‏ ومسلمون بلا إسلام
- الجشع البشري
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «4»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «3»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (2)
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (1)
- الخرافة.. والعلم
- ليس بالكتل الخرسانية وحدها تـُبنى الأوطان
- هل لدينا فلاسفة؟
- وجوه .. وأقنعة
- الصورة الذهنية والواقع الفعلي
- الدين المعاملة
- فلسفة التغافل
- زكى نجيب محمود وتجديد الفكر العربى
- قد تكون مظلومًا.. لكن هل حقًا تشعر بذلك؟
- الحق.. والحقيقة
- الحرية تاج على رؤوس الأحرار
- مجتمعات تذبح الإناث


المزيد.....




- رحلة عبر الزمن..استكشف الكنور الخفية في العُلا بالسعودية
- شاهد لحظة انتشال ناجٍ من تحت الأنقاض بعد 100 ساعة من زلزال م ...
- Blue Origin تكشف سبب فشل الإطلاق الأول لصاروخها الثقيل
- لوبان عن رد فعل موسكو على الحكم: روسيا تعيد لنا درس الديمقرا ...
- واشنطن توافق على بيع الفلبين 20 مقاتلة -إف 16-
- الولايات المتحدة.. حقائق جديدة تكشف تورط مكتب التحقيقات الفي ...
- الجيش اللبناني يغلق معبرين غير شرعيين مع سوريا
- بعد فضيحة -ذا أتلانتيك-.. والتز متهم باستعمال بريد -جيميل- ا ...
- -معجزة طبية-.. علماء يطورون علاجا يعيد البصر المفقود
- مرشح ترامب لمنصب السفير الأمريكي في لندن يتعهد بإقناع البريط ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - أزمة علم الطبيعة «2–2»