للغربة تثاؤب الدروب؛
و للغريب كتمان الأنين؛
للشوق طعم البخور ,
و شمّ الياسمين,
و رعشة تنتاب الروض في أواخر السنين.
كدتُ أغرق في قطران الليل ؛
تشبثتُ بحجارة من سجّيل.
ومنذ عشرين عاما أحمل حَجَرك في حضني ,
فلم ألق الذي عليه يفديني,
و هاأنذا أعود إلى محرابك ؛
بعد أن عرفتُ أنّ للحجر أيضا حافات السكين.
أعود لأشهد للمطر حنوه كالأم على ضفائر النخيل ،
و حين يفرش ببرده ياسمين الفناء؛
و يمسح ظهر القط بمعزوفات الماء و فواح التنور.
أعود لأتأمل أمام الموقد روحا تُطِل على دفتر أشعاري؛
تهدهده في حضنها؛
تهوي فيه ؛
فأهيم أبحث عنها أبدا في دهاليز الرمال وأنفاس الريح.
ها أنا أشرب اليوم نخبك , فداو بخطواتك في العشب هذا الهيام الأليم,
واعلمْ أنه فادح كلّ هذا اللهاث و موجع تفتق النسرين ,
عدت لكي أراقب سير الأشجار على مائك في صحبة كركرة الإوز و دويّ الرعد ،
في وجوم فتى غاص حتى العظام في حزن نفسه ،
و غرق حتى الموت في جوع ذاته.
جئت لكي أستسقي مطر الوهم ،
لعلي ألقي عشبة "جلجامش" في جوانحك،
و أجد "انكيدو" في حانة السديم.
أنا عائد لأحتضن الرؤى و أفترش الظنون,
و ألملم كل قطعة من الكبد التي تركتها في كل آجرة للسوق القديم.
فلا تُهلني هذه المرة على النعوش في وقت الدفن .
جئتك لكي نلمس السماء بشهقاتنا ,
ونتعلم كيف يتلوى التنّين.
إنّي احتسيت في حانة النار والنور كأس القدوم,
وحيدا كالذئب كنت أجري في الثلج ،
أبحث عن بسمة الماء، أو جمرة مطفأة تحت أقدام الدُبِّ.
رأيت رأسي ثملا مرشوقا في سنِّ رمح مغروز في الأرض,
تحت الجسر الحجري ،
فكانت نومة الثمل على حجارة ضفتك،
وحملني نسيم الغسق إلى حضن الصنوبر ،
فسقطتُ إلى فجوات المقابر المفتوحة ،
والهياكل العظمية تمد إليّ أذرعها تناديني فلا أسمع تحت ثقل ثمالتي.
و في الفجر يتناهى إليّ صياح الديك ،
و شهرزاد تذوي في الضباب ,
وشهريار يغوص في أعماق الماء.
29 أيار, 2003